(هل يكفي يوم واحد لنوقف العنف ضد المرأة العراقية)

بمناسبة اليوم العالمي للقضاء على العنف ضد المرأة

 

سناء صالح /هولندا

 sanaelgerawy@hotmail.com

قضية العنف ضد المرأة موضوعة تشغل بال المجتمع الدولي , في البلدان المتطورة هناك برامج وضوابط تقلل قدر الإمكان من شيوع ظاهرة العنف ضد النساء, ففي هولندا على سبيل المثال يتم التركيز على العنف المنزلي باعتبار أن قوانين الدولة الهولندية قد بنيت أساسا على المساواة وعدم تفرد أحد الجنسين أو تفوقه على الآخر  ومنذ بضع سنوات والمؤسسات الاجتماعية والبلديات تهتم بهذا الموضوع خاصة وقد رصدت له المبالغ للقيام بدراسات وبحوث وندوات وحملات توعية بغية الوصول الى أسباب العنف والحد منه لضمان سلامة المجتمع وتوجه هذه الحملات  بشكل استثنائي الى الجاليات التي تشيع فيها هذه الظاهرة لاسيما وأن العنف قد يصل أحيانا الى القتل بما يطلق عليه جرائم الشرف التي وقعت فعلا فأصابت الهولنديين بالهلع , وفي هذا السياق توفر الدولة للمبلغات ممن تعرضن للعنف المكان الآمن والمساعدة النفسية والاجتماعية وفي نفس الوقت تفرض ضوابط  قانونية على من يمارس العنف  .

العنف ضد المرأة ليس بالضرورة أن يكون بالضرب وإسالة الدماء باستعمال اليد أو الآلة بل هو أيضا  المساس بالمشاعر وغمط الحقوق ومصادرة الرأي والتعامل بعدم الاحترام والاستهانة بقدراتها وإمكانياتها  بما يخلف بنفس المرأة شعورا بالحيف والخوف من مواجهة المجتمع وشرخا في شخصيتها وانعدام ثقتها بنفسها وقد تكون هذه الأساليب هي أقوى تأثيرا وأشدها ضررا على نفسية المرأة.

 أما العنف في العراق فهو ثقافة يمارسه القوي ضد الضعيف والقوة سواء كانت سلطة أونفوذ وجاه  موجهة ضد من لاسند له  , ولست بمعرض الحديث عن العنف بشكله العام وأساليبه بل أخصص موضوعي عن العنف ضد المرأة العراقية أشكاله ومسبباته

 يبتدئ العنف  ضد المرأة من الأسرة  فما أن تولد الفتاة وأخوها هو الأقوى وهي المنكسرة التي يجب أن تبقى منكسة الرأس تنظر دائما الى الأرض خجلى وتعد في عرفنا من الخصال الحسنة وإن تجرأت ورفعت بصرها وثبتتها في عيني محدثها فهذه جرأة زائدة ووقاحة . كما أن ولي أمرها هو المتحدث دوما يقرر مصيرها يمنعها من مواصلة الدراسة متى ما شاء أو يفرض عليها التخصص الذي يراه مناسبا لها بما يحفظ لها (كما يرى ولي الأمر)سمعتها ويمنعها من الأختلاط ويختار عريسها الذي يجب أن يعجبه أولا ويناسبه في المستوى والطبع, وهنا تنتقل الوصاية من الأب والأخوة الى الزوج الذي يضيف من عدنياته حقوقه عليها كزوج ويستمر العنف ويتسع ليصل الى المجتمع فما المرأة سوى ملكية صرفة للأب وللأخوة وأبناء العمومة فمن حق أحد هؤلاء أن يتصرف بها فإن ساوره شك ذبحها وقص إصبعه وتوج ملكا للشرف والنخوة وإن ارتكب جريمة القتل حما رقبته بأخته أو ابنة عمه وستكون المرأة سدادة للثمن  تقدم فدية كخروف الى أهالي القتيل الذين يمعنون في إذلالها ليرووا حقدهم وحزنهم على قتيلهم  ويصبح قانونا بديلا عن القانون المدني الذي يسطر حقوق المواطنين وينظمها لاسيما ونحن نعيش في العراق منذأن أعاد المقبور صدام قانون العشائر وحتى يومنا هذا حيث يزدهر دور العشائر ويتعمق بكل مفاهيمه وقيمه في الحياة السياسية و العامة.

وفي عهد النظام الدكتاتوري كانت المرأة وسيلة لإذلال الخصوم السياسيين للنظام وهنا لاأريد الحديث عن النساء السياسيات اللواتي تعرضن للتنكيل والعنف بل النساء اللواتي لاناقة لهن ولاجمل في السياسة فاغتصبن وضربن وسجن وفصلن  وتم تطليقهن  كبدائل عن الخصم وانتقاما منه.

 أما اليوم والعراق يعيش متناقضات عجيبة غريبة  فالمرأة العراقية تشغل مناصب عليا في الدولة والبرلمان ولدينا وزارة المرأة ووزيرة الدولة لشؤون المرأة (لاأدري مالفرق بينهما )ومنظمات نسوية من كل نوع                      وما زال الحال على ماهو عليه واشتد العنف ضد المرأة بدرجات فالاختطاف والقتل للمسلمات و لغير المسلمات  وإلزام المرأة بالحجاب وتضييق الخناق عليها لمنعها من العمل  والتزويج بسن صغيرة والفتاوى التي يمتلأ بعها الشارع  واستمرار العشيرة في دورها والتزامها بقوانينها من غسل العار الى الفصلية وصلت حالة المرأة العراقية الى حالة مقلقة جدا.

  هاهو يوم الخامس والعشرين من نوفمبر قد انقضى وفي هذا اليوم سمعنا الكثير من مسؤولات عن شؤون المرأة العراقية وزيرات ونائبات وناشطات في منظمات وجمعيات  ولجان تهتم بقضايا المرأة ومسؤولين رفيعي المستوى مبتسمين أمام الشاشات ليدلوا بدلوهم ويثبتوا تقدميتهم واهتمامهم بهذا اليوم التاريخي وأهم ما جلب انتباهي من كل ماقيل من خطب وشعارات التي كانت للأعلام فقط  ومشاريع على الهواء تصريح السيدة مسؤولة لجنة المرأة والطفل في مجلس النواب الموقر بأن المرأة العراقية تتعرض للعنف (في الآونة الأخيرة ) وهي الصوت النسوي الموجود الذي يمتلك الشرعية ويمتلك القدرة على المطالبة بإنهاء الحالات المقدور عليها وهو الواجب المنوط بها وبزميلاتها اللواتي ينورن قاعة مجلس الحل والربط وأن يحللن لقمة عيشهن من الدولارات بفعل شيء لأخواتهن    وإزاحة ولو جزء بسيط من المعاناة , ولا أدري ماذا تعني السيدة المنتخبة (بالآونة الأخيرة) لعلها لم تسمع بما حدث في البصرة والموصل. (على سبيل المثال ) للمرأة والأذى الذي يلحقها سواء من  الأسرة أو المجتمع أو من القوانين التي تكرس الجور عليها  .

أتمنى أن ينفذ جزءا يسيرا  مما قيل في هذا اليوم لا أن يحفظ في الأدراج ليستخدم العام القادم بنفس المناسبة كموضوع جاهز  كما تعودنا .. فنحن ياأعزائي  موسميون يشدنا الحدث وهو ملتهب   نطبل ونزمر له ثم ننساه و نتركه دون أن نتابعه  فكم من حملة أطلقناها ولم ندر ما نتائجها وكم من تواقيع جمعناها ولا نعلم أين ذهبت وكم من يوم عالمي أحييناه بروائع الخطب .

إن  إنهاء العنف ضد المرأة العراقية لايمكن أن يحل بطريقة  المباريات الخطابية كما لا يتم بين ليلة وضحاها ولا أن يجير لجهة دون أخرى  أو بمجرد فرض قوانين فوقية غير قابلة التنفيذ في مجتمع مازال معظمه  يحل مشاكله عن طريق شيخ العشيرة  بل  ينبغي أن يبدأ بإنهائه تدريجيا  داخل الأسرة بحملات توعية وتعبئة  وفلسفة تتبناها المدرسة تقوم على أساس المساواة وعم التفرقة بين الجنسين ,  يشترك في تنفيذها برامج المؤسسة التعليمية ومناهجها ومنظمات المجتمع المدني , والحد من العشائرية وفرض القانون كمرجع وحيد , والأهم من ذلك كله في موضوعنا  أن تتوجه الجمعيات والمنظمات النسوية الى عامة النساء  وأن تهبط من أبراجها العاجية وتبتعد عن نفس النخبوية   وتقرب لغتها وبرامجها بما يتناسب مع مستوى المرأة العراقية البسيطة, تلامس همومها اليومية وتأخذ بيدها وتعرفها بأهميتها في الأسرة والمجتمع وتعلمها ألف باء الثقة بالنفس لتتمكن أن تدافع عن نفسها وترفض الذل الذي يولده العنف .

   العودة الى الصفحة الرئيسية

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com