|
سفينة الهاشمي ومستنقع الطائفية المقيت
الباحث المؤرخ/ جاسم محمد صالح هنالك حقيقة واحدة يعرفها الجميع، هي ان الناس يحبون ويحترمون من يحمل همومهم ويعيش ظروفهم ... كائنا من يكون، المهم عندهم انه يعبر عن طموحهم وتطلعاتهم ورؤاهم للواقع وللمستقبل البعيد والقريب، وأنا شخصيا لم اجد من القادة السياسيين العراقيين أحدا بحجم الهاشمي ثقافة ووطنية ، حيث حول هذا الرجل حياته إلى رسالة لأبناء شعبه، حولها إلى معاناة ومتابعة للسلبيات ورصدها وتأشيرها والبحث والغور في شتى الوسائل والأساليب لحلها أو للحدّ منها وإيجاد البدائل لحلها وتجاوزها، فقد رأيتُ وتابعتُ هذا الرجل العراقي المتفاني وهو يعمل كالمكّوك وهو ينتقل من سجن إلى سجن آخر ومن موقف إلى آخر يناقش المعتقلين والموقوفين ويحاورهم في أبعاد معاناتهم وجلّهم من الأبرياء الذين لا ذنب لهم، ووقتها كنت أتابع الهاشمي وهو يحاور بعض مسئولي الأجهزة الأمنية والقانونية، ويحثهم بنية صادقة للإسراع في عملية تشكيل اللجان التحقيقية لإطلاق سراح من لم يثبت علية أي ذنب او مخالفة او أي مؤشر سلبي، وخصوصا أولئك الذين مضت عليهم سنوات عديدة وهم قابعون في سجون الاحتلال او الدولة بدون توجيه أية تهمة إليهم . رايته يناقش هذا ويحاور ذلك، لا لشيءٍ سوى لأنه لا يريد ان لا يبقى عراقي سجينا بدون ذنب ، وهو بعمله الإنساني هذا يريد ان ينقذ كثيرا من العراقيين الأبرياء من أنواع الظلم والحيف الذي تعرضوا له، وهذا معناه عودة الفرحة إلى عشرات الألوف من العوائل العراقية التي لا هم لها سوى التفكير بعودة أبنائها المغيبين في السجون، ومعظمهم - كما قلنا - من الأبرياء ومن الذين وُشي بهم بتهم باطله وملفقة . لقد حول الهاشمي أفكاره وتصوراته وقراءاته المستقبلية للأحداث اليومية التي يمرّ بها شعبه العراقي الى سفينة كبيرة تتسع لهم جميعا ... سفينة تفتح ذراعيها لكل أطياف المجتمع العراقي، بغض النظر عن لونهم وطيفهم وطائفتهم وعنصرهم وانتمائهم ... فهي سفينة لهم جميعا بدون قيد او شرط، في الوقت الذي لم يفكر احد من السياسيين الآخرين الذين سموا أنفسهم بالعراقيين تجاوزا وهم كثر، بما فكر الهاشمي، ولم نسمع كلمة واحدة من احدهم حول الإسراع بإطلاق سراح السجناء الأبرياء وجلّ عوائلهم من المشردين والمهجرين والبسطاء، وكأن معاناة الشعب العراقي لا تعنيهم او تهمهم من قريب او بعيد، وهذه الحقيقة المؤلمة عنهم عرفها الجميع، لان هؤلاء المتاجرين بالسياسة من الأجانب الذين (( تعرّقوا)) والذين لا هم لهم سوى الإكثار من مكاسبهم المادية والوظيفية لهم ولمن يحيط بهم من العائلة والفخذ والعشيرة والطائفة وللحزب الطائفي الذي ينتمون إليه والذي بدوره أوصلهم الى هذه الأمكنة عبر نظام المحاصصة المقيت، التي باتوا يجنون من ورائها المكاسب تلو المكاسب وبشكل لا يتحمله العقل وكان مناصبهم وخارطة نفوذهم السياسة والوظيفية ليست ملكا لهذا الشعب المسكين الذي ابتلي بهم وبأمثالهم من لاعبي السيرك السياسي . في حين كان السياسيون الآخرون متمسكين بالفردية ولا شيء لديهم غير الفردية, إلا الهاشمي فقد كان الوحيد من بينهم الذي تنكر لنفسه ولذاته ولعائلته الصغيرة وكتب على جدار سفينته وبخط واضح: إنها سفينة كل العراقيين المظلومين والمحرومين من أبناء الشعب العراقي الأصيل، وإنها تتسع لكم وتتحمل كل أعباءكم ومعاناتكم . كان شعار الهاشمي هذا منذ كلامه الأول: ((أنا نصير المظلومين والمحيّدين والمحرومين وأنا المدافع عن كل حق قد غُبن)) ، وهو الذي قال في مؤتمره الصحفي الذي عقد في 7/12/2008 وبشكل واضح لا لبس عليه وفي الوقت نفسه منددا بصمت بقية السياسيين وخرسم أمام بقاء عشرات الألوف من السجناء والمغيبين العراقيين في السجون حينما قال : (( إننا نعد أنفسنا من المدافعين عن حقوق الإنسان, لكن عندما نغض الطرف عن مئات الآلاف من السجناء العراقيين داخل السجون العراقية والأمريكية ولا نتفوه بكلمة واحدة ... عن معاناة الشعب العراقي الذي سُجن بيد قيادات لا تبحث إلا عن مصالح أحزابها ووعدها للأجنبي )) . لقد قال الهاشمي ذلك بصوت عال وبدون خوف او تردد او مداهنة للمحتل او للمستفيدين منه، وهولا يريد من وراء ذلك مزايدة سياسية او انتخابية غير إزالة الظلم والحيف عن مفاصل واسعة من الشعب العراقي، في حين سكت جميع السياسيين الآخرين ولم يتفوهوا ببنت الكلمة خوفا على مناصبهم ومصالحهم ومصالح أحزابهم التي أوصلتهم بنظام المحاصصة المقيت الى ما وصلوا إليه وكانوا بذلك مداهنين للمحتل الذي زجّ بعشرات الألوف من العراقيين الأبرياء -وبدون أي وجه حق- إدامة لاحتاله للبلد وتحكمه فيه الى أطول فترة ممكنة . لكن الشعب العراقي عرف الهاشمي وعرف هؤلاء، فاقترب منه كثيرا وابتعد عنهم وكان اقترابهم منه اقتراب الروح للجسد وابتعاده عن أولئك ابتعاد الروح عن الجسد وتمثل اقترابهم منه صعودا الى سفينة النجاة الهاشمية، فهي الوسيلة الوحيدة التي تبحر بهم بأمان وسلام واطمئنان ... بعيدة كل البعد عن مياه المحاصصة الضحلة وشِعب الطائفية البغيضة والتواءات العنصرية المقيتة التي يتخندق خلفها معظم سياسينا الذين نسمع بهم ونراهم وهم غارقون في الطائفية والعنصرية والحزبية حتى آذانهم وبدون حياء او خجل ، فقد عرف الشعب العراقي هؤلاء السياسيين من أطروحاتهم، وصدق من قال : - قل لي ماذا تطرح ؟ اقل لك من أنت؟ وأيّ سياسي تكون ؟ لقد أحب الشعب العراقي (الهاشمي) ووضعه في كفةٍ من الميزان، ووضع بقية السياسيين في الكفة الأخرى ورجحت كفة (الهاشمي) عليهم، مما افرح الشعب العراقي وازداد تمسكهم به، وهذه حقيقة نقولها لله وللتاريخ كأمانة علمية .
|
||||
© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |