|
متى يمكن أن يهدأ ويستقر العراق وينعم بالسلام والتقدم؟
كاظم حبيب عولجت الإجابة عن هذا السؤال كثيراً سواء بصورة مباشرة أم غير مباشرة, ولكنه كان وسيبقى بحاجة مستمرة إلى البحث والتدقيق فيه ومعالجته وصياغة مستلزمات تحقيق الهدوء والاستقرار لشعب العراق بعد أن عاش طوال عقود من دون أن ينعم بالهدوء والاستقرار والسلام, بل في أجواء القمع والتشرد والحرمان والسجن والحرب والغزو, ومن ثم الإرهاب والموت والقبور الجماعية. الكثير من المؤشرات المهمة, وعلى صعيد العراق كله, تشير إلى تحسن في أجواء الأمن وتقلص كبير في عمليات قوى الإرهاب والموت في سائر أرجاء العراق ووجود حركة نشطة للناس والأسواق والمتنزهات بعد أن كان البشر مجبر على التخلي عن الكثير من المسائل التي كانوا يرغبون في تحقيقها او التمتع بها. لقد تحقق هذا بفعل أصرار الحكومة والسيد رئيس الوزراء على ملاحقة واعتقال القوى المنفذة مباشرة للعمليات الإرهابية وأعضاء المليشيات المسلحة الإرهابية أولاً, والتعاون الفعلي من جانب الأوساط الشعبية التي عانت مباشرة من تلك العمليات الإرهابية في الإدلاء بمعلومات مفيدة التي تساعد على إلقاء القبض على الإرهابيين وعلى مخابئ الأسلحة والعتاد في مواقع كثيرة من العراق ثانياً, إضافة إلى تحسن نسبي ملموس في رواتب وأجور الموظفين وبعض مجالات النشاط الاقتاصدي وخاصة التجاري, وتقلص نسبي محدود في عدد العاطلين عن العمل ونسبته إلى إجمالي القوى القادرة على العمل والعاطلة حالياً ثالثاً, وتحسن أمل الناس بحصول تطور إيجابي في أوضاعهم العامة رابعاً. وإحد المظاهر الإيجابية والإنسانية يبرز مثلاً في إعادة إعمار شارع المتنبي , شارع الكتاب والقراءة والكتابة, شارع المثقفين والمتعلمين, شارع الحياة والتغيير وبناء الإنسان, رغم قلة النساء المتسوقات فيه وقلة القارئات والكاتبات. إنه بشارة خير , خاصة تلك الكلمة المهمة التي وردت على لسان رئيس الوزراء حين قال : "ان شارع المتنبي يمثل ذاكرة العراق والثقافة والمثقفين ، وهو ليس مكاناً لبيع الكتب فحسب، بل هو المغذي للحركة الفكرية في العراق، ونحن نفتخر بما يمثله هذا المكان العزيز من معان تاريخية وحضارية، وندعو المثقفين واصحاب المكتبات للعودة الى الشارع وانعاش حركة الكتاب الذي يمثل الروح التي يتحرك بها المجتمع." (البيان الصحفي, موقع صوت العراق في 18/12/2008) هذه المؤشرات الإيجابية جيدة , ولكنها تبقى نسبية من جهة, وتبقى معرضة للانتكاس والتراجع من جهة أخرى, ما دام العراق لا زال يعاني من مشكلات كبيرة قابلة ومبرمجة للانفجار في لحظة ما لا يمكن تحديدها سلفاً. من هنا يكون طرح السؤال التالي عادلاً ومشروعاً والإجابة عنه أكثر إلحاحاً وأهمية للإنسان العراقي: متى يمكن أن يهدأ ويستقر العراق وينعم بالسلام والتقدم والعيش الكريم؟ بعد أن تم عقد اتفاقية جدولة انسحاب القوات الأمريكية من العراق واتفاقية التعاون الاسترتيجي بين الولايات التحدة والعراق واتفاقية التعاون بين العراق وبريطانيا , بغض النظر عن المواقف المتباينة إزاء هذه الاتفاقيات, ولكنها مقبولة من الغالبية البرلمانية والغالبية الشعبية في العراق, إضافة إلى اتفاق شرف بين الحكومة والكتل النيبابية في تنفيذ جملة من المسائل التي تسهم في تحقيق المصالحة الوطنية والمشاركة في خلق أجواء إيجابية لمعالجة المشكلات القائمة, فأن المهمة التي تواجه الجميع في هذا الصدد هي الكيفية التي ستتم بها تنفيذ مضامين هذه الاتفاقيات بما يسهم في تعزيز إمكانيات المحافظة على ما تحقق من أمن وسلام في العراق وتحقيق مصالح الشعب وتطويرها. هذه كلها ضرورية ومهمة, ولكن الأكثر أهمية للوصول إلى أمن واستقرار دائمين وسلام ثابت وشامل وتقدم مستمر على صعيد الاقتصاد والمجتمع في العراق كله, يستوجب, كما أرى, ما يلي: 1 . التخلي الفعلي عن الطائفية السياسية وعن تشكيل أحزاب سياسية على أسس دينية ومذهبية والدعوة الثابتة إلى تشكيل أحزاب عراقية يمكنها أن تضم العراقيات والعراقيون في صفوفها من دون تمييز على أساس ديني أو مذهبي, أي بناء إعادة بناء الأحزاب الإسلامية القائمة على أسس وطنية ومواطنية لا غير, أي بعيدة كل البعد المطلوب عن الطائفية السياسية أو المذهبية. وأرجو أن أكون مصيباً حين اقول , بأن السيد المالكي قد تلمس بنفسه الأضرار الحقيقية من سيادة الطائفية في الحياة السياسية العراقية وما ينجم عنها من محاصصة طائفية قاتلة لتطور الدولة والمجتمع. 2 . وهذا التخلي يعني بدوره وبالضرورة التخلي عن المحاصصة الطائفية السياسية الجارية حالياً, التي طالبت بها الأحزاب الإسلامية السياسية ونفذتها لهم وكرستها الإدارة الأمريكية, في جميع المجالات وكافة المستويات, لصالح المواطنة والشخص المناسب في المكان المناسب, وأن صناديق الاقتراع هي المحدد لعلاقة الأكثرية والأقلية بصدد من يكون في الحكم أو في المعارضة من خلال أحزاب لا تؤمن بالطائفية السياسية. 3 . كما أن هذا التخلي عن الطائفية السياسية يعني بناء النظام الإداري في العراق وفق أسس مدنية, فالعراق يمكن أن ينشأ على أساس فيدراليتين , فيدرالية عربية تضم قوميات أخرى وكافة المحافظات غير الكردستانية , وفيدرالية كُردستانية تضم قوميات أخرى أيضاً وكافة المحافظات غير العربية , إضافة إلى وجود حكومة اتحادية للشئون الخارجية والسلك البلوماسي والدفاع ...الخ. كما يمكن أن تتمتع القوميات الأخرى بإدارة ذاتية في المدن والقصبات التي فيها أكثرية وأن يكون لها تمثيل عادل وسليم, وليس كما عليه الأمر حالياً, وفق القواعد العامة التي يُعمل بها في التمثيل النيابي وليس وفق قانون انتخاب المحافظات المخالف لمضمون الدستور وحقوق الإنسان والقوميات. وهذا يعني الكف فعلياً عن الحديث عن فيدرالية الجنوب أو فيدرالية البصرة التي تريد تقسيم الشعب العربي في العراق وفق أسس طائفية مقيتة ومنشطة للصراع الطائفي في العراق, وبالتالي تبرمج مسبقاً لنزاعات سياسية مستمرة بين اتباع المذهب الشيعي العرب وأتباع المذهب السني العرب. 4 . بذل جهود مكثفة وحثيثة للتعاون بين الحكومة الاتحادية وحكومة إقليم كُردستان أولاً, وبينهما وبين ممثل الأمم المتحدة السيد دي مستورا ثانياً, لمعالجة القضايا المعلقة حول الحدود الإدارية لإقليم كردستان العراق في إطار الدولة العراقية الاتحادية, أي تلك المناطق التي أطلق عليها الدستور "المناطق المتنازع عليها", بما يسهم في إبعاد التشنج والتوتر والتهديد بالصراع والنزاع أو إثارة السكان, بل العمل على وفق الأسس الدستورية ووفق المادة 140 منه وبمساعدة الأمم المتحدة للتوافق العقلاني بين الحكومة الاتحادية وحكومة الإقليم. ومثل هذه الحلول العملية يفترض أن تضمن حقوق القوميات كلها دون استثناء وعلى وفق أسس المواطنة الحرة والمتساوية من دون استثناءات. 5 . جعل السلاح بأيدي القوات الحكومية الاتحادية وقوات إقليم كُردستان فقط, وسحب بقية الأسلحة من كافة المليشيات والأفراد, سواء أكان سلاحاً ثقيلاً أم متوسطاً أم خفيفاً, إذ من واجب السلطات الرسمية حماية حياة الإنسان, وإزالة الأجواء التي يضطر فيها الإنسان الدفاع عن نفسه. وهذا شرط أساسي لضمان استخدام القوة العادلة والمشروعة دستورياً من جانب الدولة لا غير. 6 . ملاحقة واعتقال من يقف وراء قوى الإرهاب والمحرك لها فكرياً وسياسياً والمنظم لوجودها والممول لها مالياً والمزود لها بالأسلحة والعتاد والمثير للآحقاد بين القوميات وأتباع الديانات والمذاهب الدينية في العراق والمروج لفكر العنف والفاشية والطائفية السياسية والتمييز بين المواطنين والمواطنات. 7 . تنشيط العملية الاقتصادية وفق برنامج مؤقت وبرنامج يستند إلى رؤية استراتيجية لتطور العراق بشكل شامل وعبر التنسيق بين الحكومة الاتحادية وحكومة إقليم كردستان العراق, بما يسهم في تحقيق استيعاب المزيد من الأيدي العاملة العاطلة وتأمين حد مناسب من الدخل للفرد والعائلة عبر العمل وعبر التفكير بإقامة ضمان اجتماعي عام وشامل للعراق وضمان صحي للسكان , كما يفترض العمل من أجل وضع: أ. برنامج للتصنيع التحويلي للعراق كله وعدم إبقاء العراق بلد استخراجي ريعي. ب. برنامج زراعي يستهدف تنشيط وتحديث وتنويع الإنتاج الزراعي وتأمين التقنيات الحديثة للمشاركة في تحقيق الأمن الغذائي وتوفير مستلزمات المواد الأولية الزراعية, النباتية منها والحيوانية, لتنمية الصناعات الزراعية. ت. توفير استثمارات مالية كبيرة من أجل تطوير القطاع النفطي الاستخراجي بهدف تحديثه وتوسيعه وزيادة القدرة التصديرية, إضافة إلى تأمين استخدام المزيد منه في التكرير وفي الصناعة التحويلية البتروكيماوية بشكل خاص. ث. برنامج تجاري عقلاني يسهم في تنمية الاقتصاد الإنتاجي في العراق وإشباع مناسب لحاجات السكان من السلع والخدمات المستوردة ومنع المنافسة الأجنبية التي تشكل تدميراً للصناعة الوطنية الحديثة التي يراد استنهاضها بعد النكبة التي أحلت بما كان موجوداً منها قبل ذاك. ج. وضع سياسة مالية ونقدية تتجاوب مع ضرورة تغيير بنية الاقتصاد الوطني وبنية تكوين الدخل القومي وضمان تنشيط توجيه رؤوس الأموال في القطاعين الخاص والحكومي لتطوير الاقتصاد الإنتاجي الصناعي والزراعة وحماية الصناعة الوطنية, إضافة إلى الاستفادة القصوى من المساعدات التي تصل من الدول المانحة لها. ويدخل في هذا الباب النضال الدءوب لمكافحة مختلف صور الفساد المالي الذي يعيش تحت وطأتها العراق, سواء أكان ذلك في صفوف المجتمع العراقي أم الشركات الأجنبية العاملة في العراق. ح. برنامج للتعليم العام والجامعي والفني والمهني على صعيد العراق وبالتنسيق مع إقليم كُردستان العراق الذي يوفر الكوادر الضرورية لتنمية وتطوير البحث العلمي الصرف والتطبيقي وبالارتباط مع جهود التنمية الاقتصادية والاجتماعية. 8 . حل مشكلات العائلات التي هجرت قسراً وتعرضت لخسائر مادية وبشرية كبيرة, وخاصة الكرد الفيلية والكثير من العرب الشيعة الذين ما زالوا في المهجر, إذ لم تتوفر لهم فرص العودة السليمة إلى العراق. 9 . تأمين مستلزمات عودة الكثير جداً من الكوادر العلمية والفنية والمهنية والكثير من مثقفي العراق الذين يعيشون حالياً في الشتات ومنذ سنوات كثيرة. 10 . وأخيراً وليس أخراً فأن العيش في أجواء وسيادة مبادئ الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان والقوميات والعدالة الاجتماعية, في أجواء دولة القانون الديمقراطية والحياة الدستورية, تعتبر الضمانة المركزية والفعلية لتكريس وتأصيل الهدوء والاستقرار والسلام في المجتمع وتوفير مستلزمات التقدم والعيش الرغيد في ظل ما يملكه العراق من ثروات بشرية وأولية كثيرة ومهمة.
|
||||
© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |