|
الزعيم الشيوعي الخالد طه الشيخ أحمد
محمد علي محيي الدين انضوى الآلاف من العسكريين ضباطا ومراتب تحت لواء الحزب الشيوعي العراقي،وشكلوا قاعدة كبيرة للحزب في القوات المسلحة لم يحسن استغلالها لأسباب عديدة أهمها عدم احتفال قيادة الحزب بهذه الطبقة رغم أهميتها باعتباره حزب العمال والفلاحين،فكانت المسئوليات الحزبية العسكرية توكل لمدنيين لا علاقة لهم بالعسكرية وتقاليدها المعروفة ،مما أثر بشكل كبير على مسيرة الحزب في القوات المسلحة وخصوصا بين الضباط من ذوي الرتب الكبيرة ،الذين لا يمكن أيكال مسئوليتهم لمدنيين لما عليه طبيعة العسكر من اعتداد بالرتبة والقدم والروح العسكرية التي لا ترضخ إلا لمن يعلوها رتبة ،لذلك لم يكن لضباط الجيش أثر واضح في مسيرة الحزب ولم يتسنى لأحد منهم الوصول للدرجات العليا في الحزب،بل أن التنظيم العسكري ذاته يتولى أمره مدني يجهل الكثير من التقاليد العسكرية وطريقة التعامل مع العسكريين، لاختلاف النفسيات والميول والطبائع،وغير مؤهل أساسا لمسئولية هذا القطاع الحيوي،وأدى إلى حدوث أخفاقات كثيرة كان لها أثرها الحاسم في الكثير من المواقف المهمة التي سنشير إليها في سياقها . ورغم أن الكثير من القادة العسكريين كانوا من أعضاء الحزب الشيوعي أو أصدقائه ومؤازريه،وظلوا مخلصين حتى ساعاتهم الأخيرة،إلا أن الحزب لم يتمكن من الاستفادة القصوى منهم في الساعات الحرجة،والاعتماد عليهم في تغيير الأحداث والإسهام في استلام السلطة التي لم يكن في تفكير الحزب يوما استلامها بدليل العزوف عنها وإهمال الجانب العسكري القادر على أحداث التغيير،وخصوصا في المنعطفات الحادة من تاريخ العراق الحديث،فقد كان كبار الضباط الشيوعيين في وقتها قادرين على قلب نظام الحكم في زمن قاسم والسيطرة على مقاليد السلطة ،إلا أن الحزب لم يفكر يوما في مغامرة من هذا النوع،مما فوت عليه الكثير من الفرص،ولذلك أسبابه الداخلية والخارجية المعروفة للجميع،وعدم ميل الحزب للعنف والعمل المسلح إلا أذا أقسرته الظروف كما حصل في حرب الأنصار والعمل المسلح في كردستان لإسقاط الطاغية ،وبالتالي سمح للأحزاب الطفيلية والشخصيات العسكرية المغامرة اللعب بمقدرات البلاد والسير بها في طريق الدكتاتورية ،واستلام السلطة من أعداء الشعب والوطن من بعثيين وقوميين لهم ارتباطاتهم الخارجية المعروفة،وبالتالي ضاعت الكثير من الفرص في أن يحكم العراق أبنائه المخلصين بدلا من هؤلاء المغامرين والمراهقين في عالم السياسة والحكم. ومن القادة الشيوعيين الشامخين الذين يشار لهم بالبنان الزعيم الشيوعي الخالد طه الشيخ أحمد،مدير الخطط العسكرية،الذي أعدم في التاسع من شباط الأسود1963 في مبنى الإذاعة العراقية مع الزعيم عبد الكريم قاسم والعقيد الركن الشيوعي فاضل عباس المهداوي رئيس محكمة الشعب،والضابط الشيوعي كنعان خليل حداد،من قبل المجرم عبد الغني الراوي وبإيعاز من المقبور أحمد حسن البكر ومن لف لفهم من حثالات القوميين والبعثيين الأنجاس. وسنحاول استعراض شذرات من حياة هذا القائد المناضل،وصفحات نضاله الطويل في خدمة الحزب والشعب راجين ممن تتوفر لديهم معلومات أخرى إيرادها وفاء لهذه الشخصية الفريدة بين الضباط والقادة العراقيين،لما أتصف به من أمانة ونزاهة ووفاء وإخلاص قل نظيره لغير الشيوعيين،قياسا لغيرهم من الضباط المغامرين والخونة الذين خانوا أولي نعمتهم وانقلبوا عليهم طمعا بسلطة وجاه،وتاريخ العراق الحديث حافل بمئات الأسماء من هؤلاء الضباط الخونة المرتبطين بجهات خارجية اعتمدت عليهم في الانقلابات الكثيرة التي حصلت في العراق. ولد الشهيد طه الشيخ أحمد عام 1917 في مدينة العمارة(ميسان) في عائلة ميسورة كان والده الشيخ أحمد تاجر حبوب،له إلمام بالعلوم الدينية أهله لأن يطلق عليه لقب الشيخ،وقتل والده على خلفية نزاع،حيث طعنه أحدهم بخنجر وهو يؤدي الصلاة توفي على أثره،فتولى أحد أبنائه أدارة أعماله التجارية ،فيما أنصرف الشهيد لمواصلة دراسته وتخرج في دار المعلمين ،ليلتحق بالكلية العسكرية التي كانت يومها بحاجة إلى الطلبة فالتحق إليها الكثير من المعلمين ،ولاجتهاده وتميزه بين أقرانه أرسل لدراسة الهندسة العسكرية في انكلترا،ثم درس الحقوق وتخرج فيها أواخر الأربعينيات وكان من أوائل الضباط الذين شاركوا في العمل السياسي حيث أنشأ سنة 1942 مع ضباط آخرين جمعية سرية أخذت على عاتقها نشر الثقافة السياسية والترويج للمبادئ الوطنية التقدمية وأسسوا لهم مكتبة لبيع الكتب كانت مصدرا لنشر الوعي بين المواطنين،فلفت نشاطه هذا القوى الأمنية ،ولخشيتها من انتشار الفكر الوطني التقدمي في صفوف الضباط أحالته على التقاعد مع مجموعة من الضباط الوطنيين سنة 1953 بسبب انتمائه للحزب الشيوعي العراقي،بعد أن بدء النظام الملكي يكثف من نشاطه الأستخباراتي في الجيش وتشديد الرقابة على الضباط بعد ثورة يوليو المصرية التي نفذها الضباط المصريين ،مما جعل السلطة تقوم بحملة كبيرة في صفوف الضباط وإحالة الكثيرون منهم على التقاعد. بعد أحالته على التقاعد أخذ يعمل في المقاولات ومارس نشاطه السياسي بحرية أكثر ،وشارك في حركة الضباط الأحرار الذين كانوا يخططون للثورة ،لذلك ما أن نجحت الثورة في القضاء على الحكم الملكي حتى دعاه عبد الكريم قاسم للإسهام في السلطة لعلاقته به من خلال العمل العسكري ومشاركته في نضال الضباط الأحرار وحركتهم السرية ،وأعيدت له رتبته (عميد ركن) وأصبح مديرا للخطط العسكرية في وزارة الدفاع رغم عدم رغبه في العودة إلى العسكرية ،ولكن إصرار الزعيم ومناشدته لتقديم الخدمة للشعب والوطن كانت وراء هذه العودة. وأستطاع من خلال عمله في وزارة الدفاع وإناطة مسئولية الخطط العسكرية به أن يعمل على بناء جيش مهني حديث وأن يسعى لتسليحه بالأسلحة القادرة على مواجهة تحديات المرحلة وكان لتأثيره على عبد الكريم قاسم بحكم العلاقة المتينة أثر في إصدار الكثير من القرارات والتشريعات النافعة التي كانت من أهداف الثورة،وله الدور الكبير في التخطيط لقمع انقلاب الشواف في الموصل الذي شاركت فيه القوى المعادية للثورة من أقطاعيين وقوميين وبعثيين ورجعيين وبدعم مباشر من مصر عبد الناصر عن طريق الحليفة سوريا التي وفرت للانقلابيين الأسلحة والأعتدة والإذاعة ،وهيأت الطائرات للإسهام بالانقلاب ،وقامت الإذاعة السورية بإذاعة البيانات التي يصدرها الأنقلابيون،وكان ما كان من تحركات مريبة للقوى المعادية التي هاجمت الوفود المشاركة بمسيرة السلام وقامت تلك القوى بمهاجمة الوطنيين والشيوعيين،وعند ما تحركت القوات الموالية للحكومة لقمع الانقلاب اندفعت الجماهير لمطاردة فلول الانقلابيين المنهزمة ،وبتنسيق رائع بين الجماهير والقوات المسلحة العراقية تم القضاء على أعداء الثورة وبؤر التآمر،وكانت مواقف قاسم المتذبذبة تثير الكثير من الألم في قلب الزعيم طه الشيخ أحمد،لعدم توفر العزم الكافي للزعيم في إنهاء جيوب الردة ومجاملته للقوميين والرجعيين،وزاد الطين بله أحداث كركوك الدامية التي خططت لها شركات النفط بالتنسيق مع الجيوب الرجعية والمتضررين من الثورة ونهجها الوطني،وقد تجلت الحقائق الكاملة للقيادة العراقية عن كذب ما ينسب إلى الشيوعيين من أعمال كان ورائها شركة النفط وعملائها،وإنهم ضحية مؤامرة كبرى تشارك بها أطراف عديدة يجمعها الحقد على الثورة وحزبها الشيوعي ومحاولة تشويه صورتهم للقضاء عليها،وأبعاد قاسم عن السلطة وهو ما حذر منه الزعيم طه الشيخ أحمد،ولكن القلق الذي رافق تصرفات قاسم جعله يشيح بوجهه عن النصائح المخلصة التي يقدمها المقربون منه،ثم اندفاعه أكثر لتحقيق التوازنات بين الأطراف المختلفة ،فقام بضرب الذراع الضاربة للثورة الحزب الشيوعي العراقي ،وتحميله مسئولية أحداث كركوك رغم علمه بالجهات الواقفة ورائها،وقام بنقل الضباط الوطنيين المخلصين إلى خارج العاصمة والاستعانة بالضباط القوميين والرجعيين الذين يحاولون إنهائه والقضاء عليه،وقام بحفر قبره بيديه عندما أشاح عن النصائح التي حذرته من مغبة هذه الأجراآت،ونفذ ما في نفسه دون مراعاة لمشاعر المخلصين،مما جعل الزعيم الشيوعي طه الشيخ أحمد ينأى بنفسه عن أبداء التوجيه بعد أن رأى أن الأمور تسير في طريق خاطئ، وأحس بالانحراف الخطير في سياسة الحكومة وحاول من خلال مركزه أعادة الأمور إلى سياقها الصحيح فلم يتمكن من ذلك بسبب الضباط المصلحيين الذين كانوا يخططون لإجهاض الثورة والقضاء عليها وحاولوا بشتى الوسائل والطرق أبعاده عن منصبه أو تقليص صلاحياته مما دفعه إلى طلب الإعفاء من منصبه ولكن تمسك قاسم به وخشيته من حدوث انقلاب يطيح بأماني الشعب وحرصه على محاولة أعادة الثورة لمسارها الصحيح جعله يبقى في السلطة رغم كرهه لها،ويقال أنه أجتمع بالشهيد الخالد سلام عادل ذات يوم وحاول أقناعه بالعمل للحد من نفوذ قاسم والعمل لطرد الضباط المغامرين الذين يخططون لوأد الثورة حتى لو أدى الأمر إلى القيام بعملية تصحيح من خلال الانقلاب إلا أن الشهيد سلام عادل رفض الفكرة لخشيته من النتائج المحتملة لمواجهة الانقلاب وخشية قيام جهات خارجية وداخلية بإثارة حرب أهلية تودي بحياة الكثيرين،وقد جمد عمله من قبل عبد الكريم قاسم في السنوات الأخيرة من الثورة،وأصبح لبعض لضباط المشبوهين مكانتهم التي جعلت قاسم يدير ظهره لضباطه المخلصين ومنهم الزعيم طه ،الذي كان لا يدخر وسعا للدفاع عن الثورة وحمايتها وهو ما ثبت فعلا صبيحة الانقلاب فرغم الخلاف بينه وبين قاسم ،ألا أنه التحق إلى وزارة الدفاع صبيحة الانقلاب ليقف إلى جانب عبد الكريم في إفشال الانقلاب ،ولم تثمر اتصالاتهم بضباط الجيش المسئولين عن حماية بغداد للتحرك وقمع المؤامرة لأن معظم أولئك الضباط من المتواطئين مع الانقلابيين ،وكان هذا ما حذر منه الزعيم طه الشيخ أحمد عندما قام قاسم بأبعاد الضباط الشرفاء عن العاصمة ومحيطها وجاء بالضباط المشبوهين وذوي الارتباطات الخارجية ،مما دفعه إلى إلقاء اللوم على الزعيم ومواجهته بأن هذا ما كنت أحذرك منه بعدم أبعاد الضباط المخلصين والاعتماد على هؤلاء الخونة،ولكن (بعد أن وقع الفاس بالراس) لم يجد مندوحة من العمل لمواجهة الموقف فكانت معركة وزارة الدفاع الحامية التي أستشهد فيها المئات من أنصار الزعيم بما فيهم الضباط الشيوعيين الذين دافعوا عنه حتى الرمق الأخير. وقد توفرت الكثير من المعلومات لدى القيادة العراقية عن نية البعثيين ومن سار في ركابهم من الضباط القوميين على الانقلاب على الحكومة ،إلا أن الأجراآت المتخذة لم تكن بحجم المؤامرة فقد القي القبض على المقدم صالح مهدي عماش البعثي المعروف بمواقفه المعادية وارتباطاته بالسفارة البريطانية ،وبعدها القي القبض على البعثي المجرم علي صالح السعدي على خلفية المعلومات التي توفرت عن نيتهم القيام بانقلاب فيما أحيل بعض الضباط على التقاعد لذلك قرر الانقلابيين الإسراع بتنفيذ خطة الانقلاب،حيث تحركت مجاميع من الضباط إلى معسكر أبي غريب وهناك تزودوا بالأسلحة وسيطروا على كتيبة الدبابات وتحركت دباباتهم لتسيطر إلى إذاعة أبي غريب فيما توجه رتل إلى العاصمة بغداد وأحاط بمبنى وزارة الدفاع وتوجه آخر إلى دار الإذاعة في الصالحية للسيطرة عليها وقامت الطائرات بقصف وزارة الدفاع التي كانت مقر الزعيم عبد الكريم قاسم ،وقد ذكر المقدم قاسم أمين الجنابي مرافق عبد الكريم قاسم ن الزعيم أنهى اجتماعا لمجلس الوزراء في الساعة الثانية والنصف ليلا ثم توجهنا الى دار يحي الجدة في الأعظمية وهو صديق للزعيم،وطلب مني قاسم التوجه الى دار السيد مصطفى علي وزير العدل السابق وإبلاغه برغبة الزعيم بلقائه فتوجهت الى دار السيد مصطفى وأخبرته بالأمر فطلب مني أخبار الزعيم أنه سيلاقيه في داره الكائنة في السعدون،وكانت الساعة الثالثة والنصف ليلا فتوجهنا الى دار الزعيم ،ونمت في الدار المجاورة التي كانت مقر للحماية ويبعد قليل أيقضني أحد أفراد الحماية وأخبرني أن الإذاعة تذيع بيانات تعلن عن قيام ثورة فخرجت لأخبار الزعيم فوجدته على علم بالأمر،وطلب مني الاتصال بآمر اللواء التاسع عشر العميد الركن فاضل عباس حلمي في معسكر الرشيد ،واتصلت به فوجدت مقدم اللواء الرائد الركن عزيز جعفر الصندوق،فطلب منه الزعيم تهيئة سرية في باب معسكر الرشيد،وأنه سيأتي إليه لاصطحابها. وكان الزعيم طه الشيخ أحمد قد سمع البيانات التي تذيعها الإذاعة،وكانت داره قريبة من دار الزعيم ،فارتدى ملابسه العسكرية وتوجه الى الزعيم فوجده متهيئا للذهاب الى معسكر الرشيد فاقترح عليه التوجه الى وزارة الدفاع،خرج الزعيم بسيارته ومعه الزعيم طه الشيخ أحمد وخلفه سيارة الحماية عبر الباب الشرقي باتجاه شارع الجمهورية وهناك استقبلته الجماهير محيية مرحبة ورد تحيتها حتى وصلنا وزارة الدفاع وصعد الى غرفته وفي هذا الوقت التحق عبد الكريم الجدة آمر الانضباط العسكري،فاقترح عليه الزعيم طه الشيخ أحمد تطبيق خطة أمن بغداد لإنهاء الحركة،فاتصل عبد الكريم قاسم بأمري الوحدات لتطبيق الخطة فكان القادة يبدون استعدادهم للتطبيق ولكنهم لا ينفذون الأوامر ولم يتحرك أي منهم لتأدية ما عليه من مهام. واتصل عبد الكريم قاسم باللواء 19 المسمى لواء الثورة والمعد خصيصا لحماية بغداد والحكومة فكان على الهاتف المقدم الركن طه نوري الشكرجي الذي رد على الزعيم بكلمات غير لائقة لأنه من الضباط البعثيين المشاركين في الانقلاب،فقال له الزعيم (أصبر آني جايك قواد) ورمى بسماعة التلفون وركب سيارته متوجها الى معسكر الرشيد ولحق به قاسم الجنابي وحافظ علوان،وكانت الطائرات تقصف الوزارة،وعندما وصل باب الوزارة أوقفه الشهيد عبد الكريم الجدة وأصر على عدم خروجه بسبب الحشود العسكرية التي طوقت الوزارة،بعدها أتصل الزعيم بالإذاعة وأخبرهم أنه سيأتي الى الإذاعة لإذاعة بيان ،وعندما أراد الخروج منعه الزعيم طه الشيخ أحد وأقترح عليه تسجيل الخطاب وإرساله مع سكرتيره الخصي. وأوعز الى النقيب حافظ بالذهاب الى آمر فوج الدفاع عن الوزارة للخروج وفك الحصار إلا أن الأمر لم ينفذ،وأرسله ثانية لتبليغ آمر الفوج بالحضور ولكنه لم يحضر مما يعني أنه مع الانقلابيين،وكان ضباط الصف والجنود الذين هم أبناء الثورة يقاتلون دون ضباطهم،مما خلق حالة من الإرباك الشديد وكانت تعزيزات الانقلابيين تتوالى لتطويق الوزارة،والجنود يقاتلون باستماتة دون جدوى مما جعل المقاومة تضعف تدريجيا ويعلوا شأن الانقلابيين،والغريب أن الكثير من الضباط الذين كان يعتمد عليهم قاسم في الدفاع عنه كانوا لا ينفذون أوامره ويعملون لمصلحة الانقلابيين،وهذا من الأخطاء القاتلة التي أرتكبها الزعيم باعتماده على الخونة وأبعاده العناصر النزيهة المخلصة فقد قال له الزعيم طه(هاي الردتها مو كتلك دير بالك من ذوله تره يخونوك). ومما أثر على الموقف بشكل كبير خروج الرائد عبد الله مريوش آمر سرية الدفاع بحجة فك الحصار لإخراج الزعيم من الوزارة ،إلا أنه طوق الوزارة ووجه أسلحته نحوها،وفي هذه الفوضى أخذ الجنود يسلمون أنفسهم ورفع راية الاستسلام،وعندما أشتد الحصار على الوزارة رأى عبد الكريم الخروج منها فانسل الى قاعة الشعب على أمل الخروج عن طريقها والذهاب الى مدينة الثورة حيث يتكاثر أنصاره ومؤيدوه،وطلب من اللواء أحمد صالح العبدي الحاكم العسكري العام الخروج لتخليص نفسه ،فخرج وسلم نفسه للانقلابيين. وأجرى قاسم اتصالات هاتفية بعبد السلام عارف،وقام الصحفي يونس الطائي بإجراء المفاوضات مع عارف،على أن يسلم قاسم نفسه ويحضا بمحاكمة عسكرية عادلة أو يسفر خارج العراق،ليتجنب إراقة الدماء وأحداث حرب أهلية يذهب فيها الكثيرون لأن أنصاره المتجمعين طالبوه بتسليحهم لفك الحصار ومقاومة الانقلاب إلا أنه رفض ذلك حفاظا عليهم وزهدا بالسلطة،لأن عقليته الوطنية تختلف عن عقلية الانقلابيين الذين لديهم الاستعداد للتضحية بمجموع الشعب العراقي من أجل الوصول للسلطة،وكان مزمعا على المقاومة حتى الموت ولكن وعود عارف بتسفيره خارج العراق جعلته يتراجع عن قراره هذا ،وقد نصحه الزعيم طه الشيخ أحمد بضرورة المقاومة حتى الموت لأن الانقلابيين لن يحافظوا على حياتهم وأنهم مطلوبين من قبلهم ولكن قاسم كان يعمل بما يوحي إليه تفكيره ،وجرى الاتفاق على التسليم في الساعة السابعة من صبيحة يوم السبت 9 شباط،فدخل المهاجمون قاعة الشعب وقد أتخذ القادة مواضعهم الحصينة للمواجهة إلا أن عبد الكريم منعهم من أطلاق النار ،وخرج معهم يحمل راديو ترانسستر صغير وقد حلق لحيته وارتدى ملابسه العسكرية،ولم يكن خائفا أو مضطربا ،وعند خروجه حيا الجنود ولكن أحد ألضباط طلب منه أنزال يديه وعدم رد التحية وأركب هو والزعيم طه الشيخ أحمد في مدرعة فيما أركب في الأخرى المهداوي والجنابي وكنعان حداد،وسارت بهم إلى مبنى الإذاعة وأدخلوا إلى أحدى قاعتها ،ودخل عليهم أحمد حسن البكر وعبد السلام عارف وعبد الستار عبد اللطيف وعلي صالح السعدي وغيرهم ،وقد وجه عبد الستار عبد اللطيف كلمات قاسية إلى طه الشيخ أحمد الذي رد عليه (أنا أستاذك ولا تنسى أنك تلميذي) ولكن من أين لهؤلاء الأجلاف احترام الأستاذية وتقدير التلمذة فتربيتهم الشارعية جعلتهم يختلفون عن الإنسان السوي اختلافا كبيرا،وكان عبد السلاح يحمل الحقد والضغينة للزعيم طه الشيخ أحمد لأنه من المتميزين والشخصيات التي تحضي بالسمعة الجيدة في الأوساط العسكرية فتوجه إليه قائلا(طه أنه وكريم خبز وملح ،نزعل ونرضى وبيناتنه علاقة حميمة ،ولكن ما الذي بيني وبينك ،ولماذا أظهرت هذا الحقد علي)ثم صفعه على وجهه بقوة،ولا ندري بماذا رد عليه الزعيم فاعتداده بنفسه ومركزه الاجتماعي وصلابته المعهودة لا تجعله يسكت أمام هذا الفعل الجبان ،ثم سأل علي صالح السعدي عبد الكريم عن الذي أخبره بنية البعثيين القيام بالانقلاب وهل هو موجود بيننا فأقسم عبد الكريم بشرفه أنه غير موجود فقال صالح السعدي (وأنت من أين لك الشرف)فرد عليه لي شرفي الذي أعتز به وشرفك الذي تعتز به،عندها قال عبد السلام (أخوان هذه الأسلحة التي اشتريت يجب أن لا توجه لبعضنا البعض ويجب أن توجه لصدور الأعداء،عندها شكلت محكمة فورية أصدرت حكما بالإعدام على الزعيم وصحبه وجاء المجرم عبد الغني الراوي وتلا الحكم عليهم عندها طلب منهم عصب أعينهم إلا أنهم رفضوا ذلك ،وعندها هتف الزعيم طه الشيخ أحمد (يعيش الحزب الشيوعي) وتلاه المهداوي مرددا ذلك الهتاف فانطلق رصاص الغدر والجريمة لينهي تلك الأرواح الطاهرة التي لم تدنس يوما ما،وقد ذكر المجرم عبد الغني الراوي وهو من أشد الضباط عداوة لقاسم ولكل الشرفاء أن عبد الكريم قاسم وطه الشيخ أحمد والمهداوي كانوا صلبين في مواجهة الموت وأنهم رغم الاستفزازات لم تهن لهم قناة في مواجهة الموقف. وقد قام بتنفيذ الجريمة وإطلاق الرصاص على الشهداء الرئيس مهدي حميد والرئيس عبد الحق وعبد الغني الراوي،وقيل أن الملازم محمد ظاهر الراوي هو الذي أطلق النار على الزعيم طه الشيخ أحمد،بعد ذلك أخليت جثامينهم إلى الطب العدلي حيث قام الانقلابيين بدفن الزعيم عبد الكريم قاسم في أحد المزارع خارج بغداد وقد شاهدهم أحد المزارعين وقام بإخراج الجثة ودفنها في مكان آخر،وعندما علم البعثيون بذلك قاموا بنبش الجثة وإخراجها لترمي في نهر ديالى. وبذلك انطوت صفحة مشرقة من صفحات المجد والتحدي لزعيم مناضل كان له دوره المجيد في النضال والعمل تحت راية الحزب الشيوعي العراقي رأس الرمح في النضال الوطني لعقود وعقود.
|
||||
© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |