|
الحلقة الثالثة من ملاحم لطف .. الامام زين العابدين عليه السلام - ذكريات النكبة المؤلمة انتصار الذات وانتصار المعنى
محمود الربيعي
يعتبر تاريخ الامم جزء من حضارتها التي تستمد منها مايقوم وجودها في بناء الحاضر والمستقبل.. والمجتمع الانساني عندما يمجد رجاله العظماء فانه يؤدي واجبه الاجتماعي والانساني تجاه الرموز التي تستحق التمجيد كما هو الحال في تعظيم مكانة ألانبياء والرسل والاوصياء والمصلحين وترسيخ محبتهم في نفوس الناس. والموقف الذي سجله ابطال الطف الاحرار هو موقف متميز كتب لهم بأحرف من نور بعدما نالوا الشهادة في تلك المعركة المشهورة والاكثر تأثيرا بكل خصوصياتها وتفصيلاتها.. ذلك لانها كانت معركة الحق ضد الباطل، والطريق الشاق لتصحيح مسار المنعطف السئ الذي اراد الاشرار ان يؤسسوا له لالغاء التعاليم الالهية المنفتحة على الجماهير والتي تساوي بين الناس، وبين الحاكم والمحكوم.. وقد حدث ذلك بعد استهتار السلطات الحاكمة المستبدة التي مارست سياسة التضييق على حرية الناس والغت نظام الشورى الذي يعتمد على دعم الجماهير. ولما احس الامام الحسين عليه السلام بذلك الانحراف انطلق هو وممن كانوا معه من النخبة وتوجهوا لدرء خطر الانحراف الذي اصبح يهدد مستقبل الامة ومشروع الدولة العادلة التي بناها الرسول واصحابه الاوفياء وتجلى ذلك في موقفه ومواقف اصحابه في معركة الطف الخالدة. ولم تقف حركة المواجهة والتصحيح بنهاية معركة الطف وانما استمرت العاطفة الملتهبة في نفوس من بقي حيا من النخبة من الرجال والنساء الذين مارسوا دورهم في ترسيخ منهج الحسين عليه السلام في الوقوف ضد الظالمين بقوة وصلابة وهكذا كان دور الامام زين العابدين علي بن الحسين عليه السلام. لقد وقف الامام زين العابدين عليه السلام بثبات أمام تجبر وطغيان يزيد ولقنه درسا اخلاقيا ومبدئيا قل نظيره، ولم يكن الامام وحده في ذلك الموقف بل شاركته فيه عمته الحوراء زينب عليها السلام. . تلك المراة التي جعلت الثورة تتحرك من منطلق نسوي وتحرك العاطفة النسوية بالاتجاه العقائدي والسياسي الذي يحفظ للمرأة وجودها كأنسان يطالب بالحق ويدعو له ويناضل من أجله على مر الاجيال كما استطاعت ان تلهب مشاعر الامة لكي تبقى حية. فهل حقق الظالمون مارادوه من اطفاء نور الحق ام انهما فشلا! والكل بات يعرف خبر الجماهير الغاضبة التي ثارت بعد الطف والحقت الهزيمة بقتلة الحسين ورفاقه رضوان الله عليهم اجمعين، حيث لم تمضي الا بضع سنين حتى لاقت الفئة الضالة جزاءها العادل ونهايتهاعلى يد القائد الثائر المختار ابن ابي عبيدة الله الثقفي رحمه الله. فهل كل من قاتل وقتل دعي بطلا ؟! كلا والف كلا.. فالبطل الحقيقي هو ذلك الانسان الذي يجسد في قوله وفعله المبادئ السامية التي يتطلع اليها الاحرار، اولئك الذين يدعون الى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويدعون الى الحق كما دعا اليه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الذي حقق لمجتمعه ودولته الهيبة في نفوس العالمين. لقد جسد الامام علي بن الحسين عليه السلام كل معاني البطولة والشجاعة والثبات في حين تجسدت كل معاني الجبن والانهزام في نفس يزيد ومن كانوا معه.. فلقد انفضح امرهم بعد ارتكابهم جريمتهم النكراء.. ولقد شاهد الناس وسمعوا باعينهم وآذانهم وفي مجلس يزيد الكفر والنفاق مدى صلابة الامام زين العابدين عليه السلام وعمته زينب عليه السلام وهما يناقشان يزيد بكل شجاعة. ان الانسان ليعجز عن وصف المراحل الصعبة التي مر بها الامام زين العابدين عليه السلام فلقد كانت بالغة التعقيد لانه كان مريضا وقت المعركة وهو يعاني من مرضه ومن شدة وقع الاخبار السيئة التي كانت تصله من قتل ابيه واخوته واصحابهم على يد ابن زياد وجيشه، كما ان الامام عليه السلام كان اسيرا مع بقية الاسرى من آل بيت الرسول صلى الله عليه وآله وسلم في رحلتهم او ترحيلهم من العراق الى الشام وهو يرى نساءه مسبيات في الصحاري والرؤوس مقطعة ومرفوعة على الرماح فما اقسى قلوب الظالمين! لقد كان الامام زين العابدين عليه السلام في معركة الطف شاهدا حاضرا على ماارتكبته هذه الفئة من جرائم ومظالم بحق آل بيت الرسول، ورغم كل مارأى من الجور الا انه كان يدرك ان طريق الحق شائك وصعب، ولقد صبر الامام محتسبا على مافقده من الاهل والاصحاب، وصبر وهو يرى النسوة اسيرات بيد يزيد فابى الا ان يؤسس للحق تاركا وراءه منهجا عظيما للثورة ضد الفساد والمفسدين من خلال ماطرحه من اسس اصلاحية سليمة تصون الفرد والمجتمع بينها في رسالته الى الجماهير وهي الرسالة المعروفة برسالة الحقوق، كما ترك ثروة علمية واخلاقية وعقائدية وتربوية وتراثا منهجيا يحث المسلمين فيه على الالتزام بالحقوق والواجبات وينظم علاقة الانسان بين الخالق والمخلوق وبين الانسان واخيه الانسان ويهيئ النفوس للقيام بواجبها الاصلاحي مجسدا ذلك في الصحيفة الكاملة السجادية والتي نشرها على شكل ادعية في وقت صعب كان يعيش فيه في عزلة اشبه ماتكون بالاقامة الجبرية او السجن. وهكذا هي مسيرة الخالدين .. وهكذا هوسلوك الاحرار .. يمجدون ويذكرون كل يوم وكل سنة في الوقت الذي تلحق الاشرار لعنة التاريخ ولعنة الاحرار، فاما الزبد فيذهب جفاء واما ماينفع الناس فيمكث في الارض.
|
||||
© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |