خلود النهضة الحسينية  

 

أسامة النجفي

 aldallal@rocketmail.com

بسم الله الرحمن الرحيم

يستشهد الامام الحسين عليه السلام ابو الشهداء وابو الاحرار فى مثل هذه الايام بعد أن ألقى على الانسانية دروساعظيمة خالدة  فيها خير الدنيا و الآخرة فيها طمأنينة النفس وعزها و راحة الضمير وحياته وصلاح الانسان وكماله، فيها الوصول الى الحق و القرب الى الله تعالى، فيها كل ما يؤدى بالفرد و المجتمع الى ذروة الكمال الانساني المنشود. فالحسين مدرسة وفكر وعطاء لكلّ الناس على اختلاف طوائفهم ومشاربهم واعتقاداتهم. والحسين قدوة لكلّ العاملين على إقامة حكم الحقّ واالعدل والحرية. نعم تمتاز نهضة الحسين بن علي عليه السلام عن بقية النهضات والثورات أنها كانت نهضة انسانية ودينية خالصة لله لا تشوبها شائبة الملك وحب الجاه والسلطان والمال وما شابهها من الاغراض الدنيوية التافهة.  و لقد شاء الله تعالى أن يثور سيد الشهداء ضد الظلم والطغيان لاعلاء كلمته وابقاء شريعته واحياء دينه واحياء قيم العدالة والكرامة والانسانية ، فقام ثائرا ممتثلا لامر الله تبارك وتعالى وامر جده رسول الله (ص) ، وضحى بدمه الطاهر الزاكي ودماء الطيبين من ذريته وذويه وأصحابه .يقول المستشرق الألمانی ماربين: (قدم الحسين للعالم درسا فی التضحية والفداء من خلال التضحية بأعز الناس لديه ومن خلال إثبات مظلوميته وأحقيته، وأدخل الإسلام والمسلمين إلى سجل التاريخ ورفع صيتهما. لقد اثبت هذا الجندی الباسل فی العالم الإسلامی لجميع البشر ان الظلم والجور لادوام له. وان صرح الظلم مهما بدار راسخاً وهائلاً فی الظاهر الا انه لايعدو ان يكون امام الحق والحقيقة الا كريشة فی مهب الريح).وقال المفكر المسيحي بولس سلامة: (أيها الناس .. إن الشهادة تزيد فی أعمار المستشهدين، ألا ترون كيف أن "عبد الله الرضيع" يعتبر اليوم من كبار عظماء الرجال ؟ تمزقت رايته .. ولم تنكس! وتمزقت أشلائه .. ولم يركع! وذبحوا أولاده وإخوانه وأصحابه .. ولم يهن! إنها عزة الإيمان فی أعظم تجلياتها .قبل عاشوراء، كانت كربلاء اسماً لمدينة صغيرة، أما بعد عاشوراء فقد أصبحت عنواناً لحضارة شاملة). ويقول دوارد براون، المستشرق الإنجليزی:(وهل ثمة قلب لا يغشاه الحزن والألم حين يسمع حديثاً عن كربلاء؟)

 كان أوّل من أتى على ذكر الحسين  بعد فاجعة كربلاء هو الصحابي الجليل جابر بن عبد الله الأنصاري رضوان الله تعالى عليه، فقد زار قبر الحسين عليه السلام ، و ذرف هناك دموعاً شاهدة على مدى الظلم الذي لحق بالحسين عليه السلام من الطغاة وقسوتهم . و في آتي الأيّام، سيتّجه عشّاق درب الحسين نحو كربلاء (اي كربلا مازلت كربا وبلا ...ما لقى عندك اولاد المصطفى؟)، حيث يذرفون الدموع، ويحيون ذكرى الحسين، ويبقون دم الحسين حيّاً مشتعلاً بالثورة، ويصونون درس الشهادة لله والتضحية لله ومحبة الله حيا للأجيال القادمة ، فلا ينسى الناس ثورة أبي الشهداء الحسين عليه السلام، على الظلم والظالمين . لذلك كان بنو أميّة وبنو العباس والطواغيت في كل زمان ومكان امثال الوهابية وواوليائها يحظرون ويحرمون ويحاربون زيارة قبر الحسين  وقبور الشهداء الآخرين. ولكن . . فرغماً عن سعي الأعداء والظالمين وكيد الطغاة والمستكبرين، فقد ارتفع على أرض كربلاء مشهد عظيم، وأقيمت على تربة الشهداء بيوتا لله تسبحه في الغدو والآصال ، وبقي نور الشهادة والتضحية لله مشعّاً على مدى الدهور، وبقي عهد الشهادة والكرامة ومحاربة الظالمين يتردّد في الأسماع نغمة خالدة خلود الدهر .

 والى ذلك تشير بطلة كربلاء زينب عليها السلام حينما خاطبت يزيد (عليه اللعنة): فكد كيدك ، واسع سعيك ، وناصب جهدك ، فو الله لا تمحو ذكرنا ، ولا تميت وحينا ، ولا يرحض عنك عارها ، وهل رأيك الا فند وأيامك الا عدد ، وجمعك إلا بدد ، يوم ينادى المنادي ألا لعنة الله على الظالمين . وعن الامام الصادق عليه السلام قال : قال الحسين عليه السلام للنبي صلى الله عليه واله وسلم : يا رسول الله ما لمن زارنا ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه : من زارني حيا وميتا أو زار أباك حيا وميتا أو زار أخاك حيا وميتا كان حقيقا على الله أن يستنقذه يوم القيامة.

 خلود الثورة الحسينية وتطبيقاتها

 ان عظمة الثورة الحسينية وامتيازها في التاريخ لها ثلاثة اسرار وراء خلودها الزماني والمكاني. الاول هو عظمة صاحبها وامتيازه لكونه اماما معصوما وسيد شباب اهل الجنة باتفاق المسلمين. وثانيا ظروف الثورة. لقد ثار الحسين في وقت كانت ارادة الامة ميتة فاراد الحسين بثورته المباركة احياء هذه الامة الميتة التي تقبلت الظالمين كقدر مقدور وارتضت الخنوع علاجا لهذا المرض. فجاءت ثورة الحسين كالزلزال الذي ايقظ الامة وعلمها ان العزة ضرورة كضرورة الهواء الماء وان الميت العزيز افضل من الحي الذليل.وثالثها هو احياء الاسلام ذاته. حيث حاول المخطط الاموي القضاء على الاسلام ابتداءا من معاوية وتوجت الجهود بيزيد. وحيث ان الامة مبتليه بالخنوع والذل وفقدان الارادة ، لذا لوهدم يزيد الاسلام المحمدي الاصيل لما تجرا احد على فعل اي شئ. لذلك احتاجت الامة والاسلام لدم بعظمة الحسين للحفاظ على الاسلام المحمدي الاصيل. هذه الخصائص الثلاث هي التي ميزت الثورة الحسينية المباركة عن باقي الثورات في التاريخ.

 ولذلك فان ثورة الحسين (عليه السلام) لم تكن ثورة آنية لتموت بعد زمان او مكانية في كربلاء ، لانها كانت ثورة الحق ضد الباطل، وثورة العدالة ضد الظلم، وثورة الحرية ضد العبودية وثورة الإنسانية ضد الوحشية، وثورة الهداية ضد الضلال، فجولة الباطل ساعة وجولة الحق الى قيام الساعة . ولذا كان من الضروري، امتداد هذه الثورة الى يوم  القيامة مادام الحق والباطل موجودان. وهذا هو سرّ تحريض الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) وآله الطيبين الطاهرين المسلمين على احياء ذكرى عاشوراء طول الدهر، ومنه اتخذ المسلمون مجالس العزاء والمئاتم بمختلف أشكالها، وعلى مدى القرون. وهذا المعنى هو الذي يشير اليه الحديث : (كل يوم عاشوراء، وكل أرض كربلاء).فثورة الأمام الحسين  ثورة نادرة الحدوث، امتازت بها الأمة الاسلامية دون سائر الأمم. وعليها ان  تستفاد من طاقاتها الخلاقة لبناء المجتمع الفاضل الحر الكريم لو انها احسنت توظيفها مثلما اراد ائمة اهل البيت عليهم السلام . وللاسف فان الأمة الاسلامية تبخسها حقها لهبوط مستوى الوعي في قياداتها ولجعل الحسين مجرد عبرة وعاطفة وليس عبرة (بكسر اللام) وعقل ونظام فكري متكامل، فلا تستفيد منها بالمقدار الممكن والصحيح . وفي هذا الشان يقول المفكر المسيحي انطوان بار( لو كان الحسين منا لنشرنا له في كل أرض راية، ولأقمنا له في كل أرض منبر، ولدعونا الناس إلى المسيحية بإسم الحسين. وكتب الهندوسی والرئيس السابق للمؤتمر الوطنی الهندی تاملاس توندون قائلا: (هذه التضحيات الكبرى من قبيل شهادة الإمام الحسين رفعت مستوى الفكر البشری، وخليق بهذه الذكرى أن تبقى إلى الأبد، وتذكر على الدوام).  

الشعائر الحسينية المباركة

 اقول من اهم طرق بقاء الثورة الحسينية هي اقامة الشعائر كما وردت عن الائمة عليهم السلام بشكل يتناسب مع ظروف العصر الذي تقم فيه وبشكل لايؤدي الى هتك حرمة مذهب اهل البيت عليهم السلام  وتشويه الاسلام او تشويه مبادئ الثورة الحسينية الذي خطه بكل عناية مسددة من قبل سبحانه وتعالى الرسول الاعظم (ص). الشعائر الحسينية المباركة تخاطب عقل الانسان وعاطفته. فالجانب العاطفي ايضا مهم في هذا المجال. ولذلك حث ائمة اهل البيت عليهم السلام المسلمين على احياء ذكرى الحسين عليه السلام واقامة مجالس العزاء له وزيارته والبكاء عليه في كل ايام الدهر وخصوصا في المحرم. الشعائر الحسينية المباركة هي مقدمة لنتيجة وهي ان يتعلم الانسان من عطاء الحسين ومنهج الحسين واخلاق الحسين وحب الحسين لله وتوكله عليه وتضحية الحسين للاسلام . ولذا يفترض ان تنقى من كل مايسئ الى قضية الحسين والاسلام. ولسماحة الشيخ احمد الوائلي رحمه الله كلام مهم في هذا الشان فليراجع. اذن يجب ان تهدف الشعائر الحسينية الى ابراز مظلومية الحسين واهل البيت عليهم الصلاة والسلام وشيعتهم وتعليم الناس الفكر الاسلامي الحسيني. فالانسان الحسيني يطيع الله ويخشاه و يتبع منهج الحسين (ع) وتعاليم اهل البيت (ع) ويتحلى بمكارم الاخلاق ومعالي الصفات الانسانية ، ابي الضيم ، كريما، حرا، وعزيزا. يحب العدل والانصاف ويؤدي حقوق الله والعباد. وعن الامام الصادق (ع): ( انما شيعة جعفر من عف بطنه وفرجه ، واشتد جهاده ، وعمل لخالقه ، ورجا ثوابه ، وخاف عقابه ، فاإذا رأيت اولئك فأولئك شيعة جعفر).ان اهمية اتباع الحسين (ع) والمشي على خطاه والتسنن بسننه تتجلى في زيارات ائمة اهل البيت (ع). مثلافي زيارة الناحية المقدسة المنسوبة للامام المهدي (ع) يقول:

أشْهَدُ أنَّكَ قَدْ أقَمْتَ الصَّلاةَ ، وَآتَيْتَ الزَّكَاةَ ، وَأَمَرْتَ بِالمَعرُوفِ ، وَنَهَيْتَ عَنِ المُنْكَرِ والعُدْوَانِ ، وأطَعْتَ اللهَ وَمَا عَصَيْتَهُ ، وتَمَسَّكْتَ بِهِ وَبِحَبلِهِ ، فأرضَيتَهُ وَخَشيْتَهُ ، وَرَاقبتَهُ واسْتَجَبْتَهُ ، وَسَنَنْتَ السُّنَنَ ، وأطفَأْتَ الفِتَنَ .وَدَعَوْتَ إلَى الرَّشَادِ ، وَأوْضَحْتَ سُبُل السَّدَادِ ، وجَاهَدْتَ فِي اللهِ حَقَّ الجِّهَادِ ، وكُنْتَ لله طَائِعاً ، وَلِجَدِّك مُحمَّدٍ ( صَلَّى اللهُ عَلَيه وَآلِه ) تَابِعاً ، وَلِقُولِ أبِيكَ سَامِعاً ، وَإِلَى وَصِيَّةِ أخيكَ مُسَارِعاً ، وَلِعِمَادِ الدِّينِ رَافِعاً ، وَللطُّغْيَانِ قَامِعاً ، وَللطُّغَاةِ مُقَارِعاً ، وللأمَّة نَاصِحاً ، وفِي غَمَرَاتِ المَوتِ سَابِحاً ، ولِلفُسَّاقِ مُكَافِحاً ، وبِحُجَجِ اللهِ قَائِماً ، وللإِسْلاَمِ وَالمُسْلِمِينَ رَاحِماً ، وَلِلحَقِّ نَاصِراً ، وَعِنْدَ البَلاءِ صَابِراً ، وَلِلدِّينِ كَالِئاً ، وَعَنْ حَوزَتِه مُرامِياً . تَحُوطُ الهُدَى وَتَنْصُرُهُ ، وَتَبْسُطُ العَدْلَ وَتنْشُرُهُ ، وتنْصُرُ الدِّينَ وتُظْهِرُهُ ، وَتَكُفُّ العَابِثَ وتَزجُرُهُ ، وتأخُذُ للدَّنيِّ مِنَ الشَّريفِ ، وتُسَاوي فِي الحُكْم بَينَ القَويِّ والضَّعِيفِ .

وهذا النص الشريف يشير الى بعضا من صفات الحسين (ع). فعلى شيعته ومحبيه اتباعه في هذه الصفات من امثال طاعة الله والتمسك بحبله والتوكل عليه والاعتصام به والنصيحة للناس والرحمة بهم والصبر والعدالة  ومخافة الله وطاعته والتسنن بسننه والغيره على الاسلام ونبيه (ص) واهل بيته (ع) ومقارعة الظالمين والطغاة وفضحهم واداء حقوق الناس وعدم التهاون بها، الى اخره مما دلت عليه الزيارة. ولاهمية اداء حقوق الناس وعدم التهاون بها مثلا فقد ورد ان الامام الحسين عليه السلام لم يقبل ان يبقى معه في يوم عاشوراء من في ذمته ديون للناس لم يؤديها اليهم. فالفكر الحسيني ليس نظرية فحسب وانما عمل وتطبيق وعناء وصبر. فلانمر على الزيارة والدعاء مرور الكرام دون ان نستفيد منها في تهذيب نفوسنا والتخلق باخلاقهم عليهم السلام. والا لاصبحت لقلقة لسان لاتغني ولاتسمن من جوع! نسال الله تعالى السداد والتاييد. والحمد لله رب العالمين. 

العودة الى الصفحة الرئيسية

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com