|
نحوإرساء دعائم أمن قومي عربي .. ـ 2 ـ
السيد محمد علي الحسيني* الحديث عن اوجه الاخطاء في التجربة العراقية أبان عهد نظام الرئيس الاسبق صدام حسين يتحمل عدة تأويلات، لکن الاهم من بينها أن صدام حسين قد عول کثيرا على البنيان العسکري والامني داخل العراق وصرف جل همه الى ذلك فيما کان همه العربي خارج العراق مصروفا لأمور لم يکن لها أية أسس قوية يمکن الاعتماد عليها. صدام حسين مع کل ذلك التهويل والترکيز الاعلامي الدولي بمختلف قنواته عليه، لکنه في واقع حاله لم يکن قد أنجز الجوانب الاساسية التي من الممکن التعويل عليها في عملية إرساء دعائم أمن قومي عربي حقيقي، إذ انه لم يکن يمتلك في واقع الامر بنى تحتية أساسية ذاتية الحرکة والاعتماد على النفس إنما ظلت تلك البنى معتمدة على الخارج من عدة وجوه کما أن النفوذ العراقي على الصعيد العربي بشکل خاص وعلى صعيد المنطقة بشکل عام، لم يکن أيضا أساسيا ومتينا بإمکانه أن يستخدم کورقة ضغط في اللعبة الدولية سيما بوجه القوى الاقليمية والدولية فقد تحرك صدام حسين من خلال الامتداد حزبيا"بعثيا وغيره" وبسياق قومي فوقي لم يتمکن من التغلغل للأعماق إذ لم يحالفه الحظ في إنشاء تنظيمات ذات طابع جماهيري ـ تعبوي بإمکانها فرض إرادتها على الساحة والموقف السياسي، في حين أن دولة أخرى تمکنت من إنشاء تنظيمات ذات زخم جماهيري قوي وإستخدمت هذه التنظيمات على أکثر من صعيد ولأکثر من غاية وهدف. الامن القومي الحقيقي لأي بلد، يقوم على عدة أسس مهمة، تتلخص في إقتصاد قوي يمتلك بنى تحتية أساسية مکتفية ذاتيا ونظام إجتماعي ذوأسس ورکائز متينة ليس من الهين إختراقه، وأجهزة وبنى أمنية وعسکرية معدة ومجهزة على أفضل مايکون وسد الثغرات والمنافذ التي تشکل نقاط الضعف والخلل في الامن القومي، وتهيأة بدائل وأوراق محددة لإستخدامها عندما يتطلب الموقف للدفاع عن مسائل مرتبطة وذات صلة بالامن القومي، غير أن نظرة متفحصة للوضع العربي بشکل عام، يبين بوضوح أن الوضع الاقتصادي بمفهوم يکاد يقترب من الذي أشرنا إليه قد أنجز في بعض البلدان فيما تفتقر إليه غالبية من البلدان العربية، أما النظام الاجتماعي ذوالاسس والرکائز المتينة، فهوامر متاح لوتم إستغلاله وتوجيهه بالشکل والاسلوب اللذين يخدمان الامن القومي وهذا النقطة تشکل مکمن خلل وضعف في العديد من البلدان العربية وهي بحاجة الى أکثر من دراسة ومطالعة ولاسيما عند التطرق للمسألة الدينية وذلك اللبس والالتباس اللذين طفقا يلقيان غشاوة من الضبابية على الاعين خصوصا أعين الاجيال الجديدة وهوأمر حري بأخذه بنظر الاعتبار وإيلائه الاهمية القصوى وصولا الى تهيأة الصيغ والاساليب الکفيلة بإزالة تلك الغشاوة. أما بالنسبة للبنى الامنية والعسکرية العربية فهي وإن کانت مجهزة ومهيأة على أفضل مايکون في البعض من بلدان وطننا العربي، لکنها مع ذلك قد لا تکون بمستوى الطموح سيما من حيث المقارنة مع نظيرتها لدى العدوالاسرائيلي وحتى بعضا مع بعض من بلدان المنطقة التي شکلت تأريخيا مفصلا عدائيا ضد العرب، کما أن اسلوب العمل المتبع لدى الاجهزة الامنية العربية بشکل عام هومواجهة المسببات في حين يتم تجاهل الاسباب، وبکلام آخر، تنشغل هذه الاجهزة بمسألة مطاردة حملة الافکار السياسية ذات الطابع المختلف والمضاد من دون العمل بسياق تهيأة بدائل ومضادات لتلك الافکار، فالفکر يقاوم بالفکر والسياسة بالسياسة وهلم جرا وقد تعلمنا من التأريخ أن اساليب المعالجة ذات الطابع المؤقت لم تفلح إطلاقا في الوصول الى نتائج نهائية وجذرية في حين أن العکس صحيح تماما . وعند الاشارة الى الثغرات والمنافذ التي تشکل نقاط الضعف والخلل في الامن القومي العربي، فإن إشکالية الاقليات العرقية والمذهبية تبرز کأهم ثغرة ومنفذ استغل ويستغل من قبل أعداء الامة لتوجيه ضربات قوية قد تکون في بعض الاحيان تحت الحزام، وللأسف فإن العقلية السياسية العربية لم تصل الى إمتلاك خلفية ذات بعد علمي لمعالجة هذه الإشکالية وظلت متشبثة بأشباه الحلول والحلول المؤقتة والسطحية وکانت ببالغ الاسف تسلك سبلا خاطئة بحيث تقوم من خلالها بتقسيم سوح الاقليات العرقية والدينية الى معسکرين، أحدهما تابع له ويوصف بالوطني والآخر معادي له ويوصف بالخائن والامر الذي يجب ملاحظته هنا والوقوف عنده مليا هوأن اسلوب عمل وتغلغل الاجهزة الامنية العربية في صفوف تلك الاقليات وطريقة جمع المعلومات عن الاطراف المختلفة معها سياسيا وفکريا، قد أضر في خطه العام بالامن القومي العربي وعوضا من أن يسد الثغرة ويقلصها على أقل تقدير، قام بفسح مجال أرحب لإستغلال تلك الثغرات وتفويت مختلف الخطط والمشاريع التآمرية من خلاله. لقد کان حري بالعقلية السياسية العربية المشبعة أساسا بالفکر الديني أن تستلهم من روح الاسلام الدروس والعبر لمعالجة تلك الثغرات بأفضل السبل وکانت الخيارات المناسبة متاحة في ضوء ذلك، وکمثال نضربه جدلا، اليوم عندما تطرح مسألة حقوق الاقليات العرقية والدينية في بعض من البلدان العربية وتطرح فکرة الفدرالية في العراق کأساس لمعالجة القضية الکردية، فإنه کان بالامکان سد هذه الثغرة وعدم جعلها تأخذ هکذا بعد إستثنائي من خلال طرح مفهوم"الولايات الاسلامية"کما کان الحال أيام الخلافة الاسلامية إذ أن هکذا صيغة کان بإمکانها أن تعطي إنطباعا في منتهى الايجابية عن ديننا الحنيف، إنه من المؤسف جدا أن تکون لدينا البدائل فنتجاهلها ولا نعيها فتأتينا أشباه حلول قد لا ترقى في شکلها ومحتواها الى مستوى بدائلنا الاصيلة والمعاصرة. ونظرة الى المسألة الشيعية في الوطن العربي والطريقة المتبعة في التعامل معها، توضح حقيقة مهمة جدا وهي أن المشروع الاقليمي المضاد للمشروع العربي قد تمکن من أن يتلقف تلك المسألة وأن يوظفها بالطريقة المناسبة خدمة لأهدافه وأجندته الخاصة وفي الوقت الذي کان بإمکان العقلية العربية وبحکم بعديها الديني والقومي أن تقف بوجه ذلك التوظيف وتضع حدا له، فإنها ببالغ الاسف أيضا ساهمت من حيث لا تدري في تفويت الفرصة والمزيد من تقوية الاستغلال"السياسي ـ الامني"للمسألة الشيعية. ان النظرة الضيقة وغير المسؤولة التي تضع الشيعة کلهم في زاوية نظام ولاية الفقيه وإتباع النهج الايراني، هي غير ثاقبة وغير منصفة سيما وأن هناك غالبية شيعية صامتة قد تقلب المعادلة رأسا على عقب لوتم توظيفها عربيا وبشکل مخلص وصادق وبناء ونحن في المجلس الاسلامي العربي قد محصنا هذا الامر ودرسناه بشکل معمق ووجدنا أنه من الخطأ والاجحاف الجزم بأن الشيعة برمتهم يراهنون على النظام السياسي ـ المذهبي في إيران لأنهم يجدونه الافضل من أنظمة بلدانهم ووجدنا أن الخلل الاساسي يکمن في نقطة الإحتواء العربي الامثل لهذه الطائفة بدلا من جعلها لقمة سائغة أمام الاطراف الاقليمية الاخرى، نحن لا ندعوالى تخوين مجموعة وتصويب أخرى مثلما أننا لا نحث أيضا على إستخدام العنف وسيلة للتوصل الى الاهداف والغايات، لکننا ندعوأخواننا من القادة العرب الى دراسة هذه النقطة بجدية وعدم الانجراف خلف المتاهاة الضيقة للنظرة الطائفية والسعي لفهم الامر من زاوية أرحب وأکثر شمولية وذلك بالبحث عن القواسم المشترکة الاکثر من کثيرة والتي تربطهم بأخوانهم من الشيعة العرب وفتح الصدور لهم لکي يکونوا لبنة في الجدار القومي العربي لا ثغرة مشبوهة وهذا الامر لايکون ممکنا إلا بالمساهمة العربية البناءة في تغذية وتقوية الجانب القومي في الشخصية الشيعية العربية وهوأمر قد لايکون هينا سيما إذا ماتوفرت الارضية البناءة والخصبة لها. وقد آلينا على أنفسنا في المجلس الاسلامي العربي أن نکون دعاة لمنبر قومي عربي يجمع الشيعة ويوحد صفوفهم من أجل غد أفضل لأوطانهم العربية وإننا بدعوتنا لإسلام إعتدالي وسطي أصيل ومعاصر وإدافة ذلك برامج فکرية ـ تربوية ـ ثقافية هادفة غايتها الاساسية صقل شخصية شيعية مؤمنة ببعدها القومي وغير مستعدة للتخلي عن إنتمائها الوطني والقومي تحت أي طائل، لکن هذا الامر کما هوواضح يحتاج الى صيغ محددة من الدعم والمساندة المالية والاعلامية والسياسية للوقوف بوجه المشروع المضاد الذي يعمل في صفوف الشيعة العرب بنشاط دؤوب. اننا في المجلس الاسلامي العربي نواجه عدوا فريدا من نوعه يمتلك مختلف أسباب القوة ويسلك کافة الطرق من أجل الوصول الى أهدافه، وفي الوقت الذي نجد فيه أننا کعرب نمتلك أيضا کل أسباب القوة ولنا الکثير من الخيارات المتاحة للوقوف بوجه أعدائنا، لکن الذي يؤسف له هوأننا لا نقوم بإستخدام أمثل لإمکانياتنا من أجل مصالحنا الخاصة وأمننا القومي المهدد دوما من قبل الاعداء وعلى مختلف الاصعدة وإنما نتجاهل مثل هذه الامور البالغة الخطورة حتى تصل الامور الى نقطة اللاعودة. أن اطروحة المجلس الاسلامي العربي تهدف اساسا الى تهيأة أفضل السبل والطرق النظرية والعملية لخلق تيار قومي عربي داخل الشيعة العرب ولفت أنظارهم الى خطورة المشروع المضاد وتهديده لمستقبل العرب ککل من دون إستثناء وقد ووجدنا ونجد آذانا صاغية وقلوبا وعقولا مؤمنة بإطروحاتنا الفکرية بين أخواننا الشيعة العرب ونعتقد أنه وبتوفير أسباب المساندة والدعم العربيين فإننا سنقوم بترسيخ خطنا الفکري ـ السياسي هذا وجعله أمرا واقعا ورقما صعبا على الساحة الشيعية سيما هنا في لبنان. لکننا في نفس الوقت، وجدنا ونجد العديد من المتربصين بنا من الذين يحصون حتى أنفاسنا ويسعون للتضييق علينا بمختلف الوسائل والسبل. ويعلم الکل، أن الثغرة التي فتحها المشروع المضاد في الجسد اللبناني، قد کلفت البلدان العربية
|
||||
© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |