|
أحب بلـدك وعارض حكـومتك
سهيل احمد بهجت العراق الآن أشبه بسفينة في بحر متلاطم الأمواج، بحر من الكراهية والأيديولوجيات القومية من بعثية وناصرية وحتى غير العربية، والإسلامية والشيوعية، ولحسن حظ العراقيين فقد هبطت فرقة إنقاذ لتخلص هذه السفينة من خاطف هيمن عليها هووعصابته عقودا وكاد أن يغرق الجميع بحماقته وعبادة الذات، ولكن هذه السفينة لا زالت مهددة بالنظريات القومية التقسيمية والإسلام السياسي الذي يهدد بخنق الحرية وخلق حرب طائفية، ولا خلاص ولا أمان لأهل السفينة "العراق" إلا إذا آمنوا أنها الخلاص وأنها وحدها تنقذ نفسها. إذا كان البعض يظن أن العراق سيبقى بمنأى عما يجري في المنطقة من توترات طائفية وعرقية ومشاكل سياسية أخرى؟ فهذا الظن خطأ يجانب الواقع، فالعراق على الدوام كان ضحية القضايا القومية من أقصى شماله وحتى جنوبه، وكلما اتجه الشعب إلى انتخاب وترشيح أصحاب الأيديولوجيا كلما كان العراقيون ضحية للألم والفقر والتخلف، فأكثرية هذه الأحزاب تتشدق بحب العراق بينما هم كمسؤولين لا يأبهون بالمواطن لأنهم يملكون بيوتا في بلدان العالم المرفهة وعوائلهم تنفق في سعة، بينما المواطن البسيط والمسكين لا يملك ولوغرفة من طين ـ وهذا لا يعني أن هذا المواطن لا يستحق أن يملك الفيلا والسيارة الفاخرة ولكننا نقول هذا على سبيل المثال لا الاستحقاق. لكي ننجح في تجاوز هذه المخاطر فإن من واجب الإعلام من فضائيات ومواقع وغيرها من منابر الإعلام أن تبدأ في إشاعة الصراحة ودعم تثقيف المواطن بثقافة الانتماء الوطني وتنويره بحيث يدرك أن هناك فارقا كبيرا بين الانتماء إلى العراق كدولة وكحقوق إنسان ومعارضته وتأييده للحكومة، فقد أكون معارضا لحكومتي ولكنني أحب وأطيع قوانين بلدي. لا زالت التصنيفات القومية والطائفية والحزبية هي الغالبة على الانتماء الوطني ولا زال المواطن يشعر بأنه بحاجة إلى أن ينتمي إلى حزب وتنظيم لكي يحقق ذاته ويحسن من حالته المعيشية وهذا خطر ما بعده خطر يهدد الديمقراطية والحرية. ذات مرة ناقشني أحد معارفي واتهمني بالتناقض، وحينما سألته عن سبب هذا الاتهام قال: إنك تعجب بشخص وإذا بك تنتقده بعد ذلك نقدا لاذعا.." فقلت له: ليس في الأمر أي تناقض فأنا أطبق مقالة الإمام علي "أعرف الرجال بالحق لا الحق بالرجال، أعرف الحق تعرف أهله" وهذا يعني بوضوح أن كل الناس هم مجموعة متغيرات وآراء تتعدد بتعدد المسائل والمشاكل، فقد يعجبني رأي شخص ما في تفسيره لمعنى الفدرالية وأنها ليست قومية وطائفية ولكن قد يكون رأيه في منتهى الرجعية في موقف آخر، من هنا كان علينا نحن العراقيين أن نتخلى عن النظرية الشرقية المتخلفة والتي تتعامل مع الشخص وكأنه كتلة وقطعة واحدة، فإما أن تكون مع الحزب الفلاني والتنظيم الفلاني وتكون ضده، وهذا مناف للديمقراطية، ففي البلدان الديمقراطية تجد أن المنتمين إلى الأحزاب يصوتون لأحزاب أخرى، كما حصل في أمريكا حينما صوت أعضاء بارزون في الحزب الجمهوري للمرشح الديمقراطي دون أن يتهمهم أحد بالخيانة والعمالة، ولكننا نتعصب لكل شيء حتى للحزب. إن العراق هوأقدس مقدساتي وهولبّ إيماني ويقيني ولوفعل كل العراقيون وغالبيتهم هذا لوجدوا أن الإنسان حر في ظل الإطار القانوني الذي يلائم بين الفوضى وقسوة القانون ليتحقق التوازن الطبيعي وهوالحرية السليمة التي لا تؤذي أحدا، فالمواطن حر في مأكله ومشربه ونظام حياته والتصرف في ممتلكاته ولكنه ليس حرا في التصرف في ملكية عامة تعود إلى الشعب والدولة وهويستفيد من هذه الملكية العامة كما يستفيد منها أي مواطن آخر، والمواطن حر في التعبير عن رأيه والتظاهر وحتى في اتهام المسؤولين دون أن يمتلك أي دليل على كلامه، لكن إذا تجاوز الرأي إلى العنف واستخدام القوة كان بذلك متمردا لا على الحكومة ـ التي يمكنه معارضتها بالرأي ـ بل على الدولة لخرقه القانون، لكن حتى لوكان خرق القانون يبقى هذا الشخص "المواطن" وغير المواطن ـ كأن يكون مقيما في العراق ـ يبقى صاحب حقوق أساسية كحمايته من التعذيب والاعتراف القسري والاضطهاد.
|
||||
© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |