"مدلس" الأمن الدولي

 

جاسم الرصيف

jarraseef@jarraseef.net

.. ولاخطأ في (مدلس)، على مبنى فعل دلس، من حيث أنه (الدولي) وحده الذي أدمن أن (يدالس ويوالس)، يظلم ويخون، في كل مايعني قضايا وأمور المسلمين، والعرب منهم بشكل خاص، بعد أن دحته ودلسته أميركا  بكل قواها لصالح كل ما هو اسرائيلي في كل ما يمنع الأمن، بعذر ( الأمن ) الدولي، عن كل ما هو عربي، وفي كل مكان .

واذا كانت الظلمة من مجنحات الدلس والدلسة، الخيانة والغش والتزوير، في مدلس الأمن الدولي، فلاشك عند مجنونين من عربنا أن ( أولي الأمر ) منا، ممن تنفتح لهم أبواب هذا المدلس الدولي ونوافذه، قد واتاهم التأريخ قبل الواقع بنور معرفة أبعاد التدليس الدولي، الذي يتعاطاه هذا المدلس، منذ عقود تصب كارثة بين كارثة وكارثة على الوطن العربي ومن أردان وجيوب أبرز ثلاثة من كبار المدلسين الدوليين هم : أميركا وبريطانيا وفرنسا .

ولعل أحقر وأخسّ علامات هذا التدليس هو أن هذه الدول نجحت في وضع قدسية ( ربّانية !! ) سياسية لإسرائيل بملايينها الخمسة مقابل دونية دولية، واستهانة أممية، ب ( 1.5 ) مليار مسلم، وإستباحة دموية لم يحتفظ بها تأريخ هتلر نفسه بأرواح ودماء ( 350 ) مليون عربي، شاء لهم قدرهم أن تزرع اسرائيل بينهم بقرار بريطاني وتثنية من مدلس الأمن الدولي ذاته الذي شرعن لمستوطن ان يرحل ابن بلد قسرا، وشرعن لمحتل ان يبيد شعبا ويحارب شعوبا .

واذ ماتناسينا بؤر الدلس التي تزرعها دول الدلس الغربي في الوطن العربي لتفتيت العرب وتدميرهم، فإن ما هو أحطّ من الدلس، معنى ومبنى، أن تقوم أميركا وبريطانيا بغزو العراق دون أن يلجأ مدلس الأمن الدولي الى بنده الحربي السابع لحماية ( 27 ) مليون إنسان من لوثة الدلس التي شرذمت هذا الشعب الى إقطاعيات وممالك لتجار حروب وثق التأريخ كل حقاراتهم ضد الإنسانية في العراق، فضلا عن تماهل وتدليس متعمد في إتخاذ قرار لوقف الهجمة البربرية ضد جنوب لبنان قبل عامين، وتماهل مماثل عن محاصرة ( 1.5 ) مليون عربي فلسطيني منذ اكثر من سنة، والدلس في وقف هجمات اسرائيل على غزة في هذه الأيام، حتى ترتوي المعدة الإسرائيلية من دماء عرب الجوار .

ومع هذا يحمل (أولي الأمر) منا شكاواهم، على مفارقة المضحك المبكي في ( يا أعدل الناس إلا ّ في معاملتي .. فيك الخصام وأنت الخصم والحكم )، كلما إتسعت مقابر أهلنا بفضل دلس الغرب ومجلسه الأمين على اسرائيل، وكلما ازدادت خيام أهالينا المشردين من جراء دلس قال فيه أولمرت أنه يستغرب ان يطالبه قادة أوربيين بوقف هجومه على غزة بينما يطالبه قادة ( عرب ) بالإجهاز عليها لتسليمها لمحمود عباس، الخناس الوسواس، من آل البيت الأبيض وثلاث ورقات اسرائيلية .

مضحكة الهرولة العربية لتدويل هجوم غزة في مدلس الأمن الدولي، مع أنها تعرّي عربا بلا سند ولا قوة خارج كراسي حكمهم، يمكن عدّها نكتة عربية، سمجة ثقيلة الظل، مزدوجة الإمتياز، مزدوجة المبنى، مزدوجة المنبر، ومزدوجة الرواة في آن :

أولها : أن هذا المدلس الدولي يعرف ان المدّعي، الضحية، جاء ليرجو ويتوسّل ويبتهل لمن ظلمه وآذاه وأهانه : مدلس الأمن الدولي،أن يخفف الظلم ويرقق الأذى ويلّطف الإهانة لعل الشاكي، المدّعي، يستعيد آخر قطرة حياء بين أهله الضحايا .

وثانيها : ان المدلس الدولي يعرف أن المبعوثين القادمين إليه ولدوا عربا ولكنهم يعيشون طوعا وإختيارا في غير وادي العرب الذي يناله الأذى منذ عقود على أيادي أصحاب المدلس ذاته .

كما أن التخلّي الطوعي العجيب ـ الأكثر إضحاكا وأعمق إبكاء ـ عن قوة الحق في مايمتلكه الشاكي العربي، في مقاطعة جناة التدليس الغربي في كل ماأعانهم على إرتكاب جرائمهم ضد العرب، سواء النفط أو غيره، هو الذي يشجع كل مدالس الغرب على تجميع قواها في مدلس دولي صار من (الطبيعي) في تخومه أن يهان العرب وهم ضحايا، وصار من المألوف يظهرالعرب في (كعبته): (جناة)، (ارهابيين)، و(قاصرين متخلفين) يحتاجون لمن يرعى شؤونهم من دهاليز الغرب وحدها .   

أنظروا الى قضايانا العربية كلها تجدون حلّها وربطها بأياد غير عربية لأن ( أولي الأمر ) منا إختاروا انفراديتهم ووحدانتيهم طوعا متخلّين عن سبب القوة الأول في عالم اليوم : الوحدة ! . أنظروا الى قضايانا المصيرية كلها تجدون أوتاد حبالها بأياد ليست عربية، لأن حكامنا إختاروا كراسي الحكم في القطيعة مع شعوبهم على لحمة قرار واحدة بين الحاكم والمحكوم توفرها : الحرية ! .

  والله عيب ياعرب أن نسمع الأجانب يستغربون ذلنا حتى في المطالبة بحقوقنا ! .

  والله عيب أن يتظاهر الأجانب من أجلنا ولا نستطيع التظاهر من أجل أنفسنا ! .

والأكثر عيبا وإذلالا  أن يبقى حكامنا أسرى، متطوعين، في مدلس الأمن الدولي ! . 

 العودة الى الصفحة الرئيسية

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com