|
تراب المهدي وتبر أمريكا
د. حامد العطية نحن الشيعة وغالبية المسلمين بانتظار ظهور المهدي ليملأ الأرض عدلاَ بعد أن ملأت جوراً، ومن هذه النبؤة التي بشر المسلمين بها نبي الرحمة (ص) نستمد المعيار الأساسي الذي نقيس عليه نوايا وأفعال كل أدعياء نصرة العدل وإحقاق الحق. الصراع بين المهدي والدجال مستمر، يقود المهدي جبهة الخير، فيما يترأس الدجال جبهة الشر، ويدعي الدجال زوراً بأنه جاء لخلاص الناس، مخفياً أغراضه الشريرة، وسينخدع بدعوته ضعاف النفوس، الذين يفضلون المنافع الزائلة والآنية، ويضحون في سبيلها بالمصالح الحقيقية والدائمة، وبالتالي سيعادون المهدي، المخلص الحقيقي، ويقفون بالضد من دعوته الإصلاحية الخيرة، والهدف من هذه المقالة تطبيق هذه الجدلية المستمرة حتى الظهور بين الضدين، أي المهدي والدجال، على الإحتلال الأمريكي للعراق، وبالتحديد الإجابة على التساؤل إن كان الأمريكيون مخلصين حقيقيين كما يدعون أم هم دجالين؟ احتل الأمريكان العراق مدعين بأنهم دخلوا العراق محررين لا محتلين، ونصبوا أنفسهم اوصياء على سيادته، وسعوا إلى تطبيق نموذج جاهز للحكم فيه، وتصرفوا بموارده، وتحكموا بسياساته الخارجية، وأقحموه في مشروعهم السياسي للمنطقة، والذي يجمع بين بعض الدول العربية التابعة لهم والكيان الصهيوني الغاصب للأرض والحقوق العربية، وقد اذعنت لهم معظم القوى السياسية العراقية ومن مختلف الفئات العرقية والطوائف المذهبية، حتى لم تعد لحكومة العراق برئيسها ورئيس حكومتها وبرلمانها سلطات تزيد على ما يمارسه رئيس ومجلس بلدية مدينة صغيرة في أمريكا، وكان اخر مظاهر الإذعان لأمريكا التمديد لاحتلال قواتها لمدة ثلاث سنوات أخرى. هنلك عراقيون صدقوا ادعاء الأمريكيين صفة "المخلص"، وبأنه لولاهم لبقي النظام البعثي مسيطراً على الحكم حتى قيام الساعة، رفضوا تسمية القوات الأمريكية بالمحتلة، ودعوا العراقيين إلى تأييد المشروع الأمريكي في العراق، وقرنوا القول بالفعل، فنفذوا أوامر الأمريكيين، ورضوا بما فرضوه من نظام سياسي ومحاصصة طائفية وفدرالية، وسكتوا عن الفظائع التي ارتكبتها القوات الأمريكية، وبذلوا جهدهم لتبرأتهم من المسئولية عن مقتل مئات الألاف وتهجير الملايين وتخريب البنية التحتية وتفشي الفساد السياسي والإداري. باختصار يدعي أنصار المشروع الأمريكي في العراق، والسائرون في ركابه، وعلى رأسهم الموافقون على تمديد احتلاله للعراق ثلاث سنوات أخرى، بأن أمريكا هي "المخلص" الحقيقي، ويترتب على ذلك تكذيبهم الضمني لظهور المهدي والحاجة لدوره في إحقاق العدل، فهل من الجائز أن يكون للمسلمين مخلصان، وأن يكون أحدهما الحكومة الأمريكية بزعامة الرئيس بوش ومن يخلفه؟ الجمع بين التدين والانخراط في المنهج الأمريكي أمر محال، وليس المقصود هنا الاختلاف في الانتماء الديني، أو حتى تدين الشيعي أو السني مقابل علمانية الأمريكي، بل التضاد بين المنهجين، من حيث العقيدة السياسية والاجتماعية والأخلاقية، فالخاصية الأساسية المميزة للإسلام عن بقية الأديان والفرق الإيمان المطلق بالعدالة، وما يترتب على ذلك من مباديء ومواقف وسلوكيات على المستوى الاجتماعي والمؤسساتي والفردي، حيث يسوغ المنهج الأمريكي لأتباعه تغليب مصلحة الدولة الأمريكية ومؤسساتها وأفرادها على كل الإعتبارات الأخرى، ولو أدى ذلك إلى حرمان شعوب أو أفراد من حقوقهم الأساسية، بينما يؤكد المسلمون، وبالأخص أتباع مدرسة آل البيت، على عالمية العدالة باعتبارها قانوناً آلهياً، ينبغي على الجميع تطبيقه بدءً بأنفسهم، لذا يحرم الإسلام الظلم بمختلف أنواعه، بما في ذلك الاستغلال الرأسمالي، وضد أي فئة من البشر بغض النظر عن قربهم أو ابتعادهم من الإسلام، وبينما يتبجح الأمريكي بقوته العسكرية والاقتصادية يتباهى المسلم بمثالية عدالة مواقفه، والمتمثلة في أروع صورها بجهاد وتضحيات أئمته وقادته وأتباعهم دفاعاً عن العدالة والمباديء السامية. كنت أظن بأن الشاهنهاه البهلوي هو آخر "شيعة" أمريكا، وبعد موته طويت صفحة المتشيعين بالاسم فقط والمنتمين بالفكر والفعل للخط الأمريكي، كان الشاه علمانياً، وكان أنصاره كارهين للدين ومتفاخرين بإرثهم الفارسي الذي سبق الإسلام، ولم أتوقع يوماً بأن يظهر في العراق أناس يرتدون مسوح المذهب الشيعي يوادون الأمريكيين، ويسيرون في منهجهم المعادي لكل القيم الشيعية، يقفون على المنابر ليتكلموا بإسم علي والحسين، ومن ثم يصافحون قتلة الشيعة في البيت الأبيض، يتباكون على تدمير مرقدي الإمامين العسكريين عليهما السلام، ويتناسون بأن قوات الإحتلال لم تفعل شيئاً لمنع تكرار ذلك، يلطمون على شهداء المذهب، وهم أنفسهم وجهوا أكبر لطمة لذكرى هؤلاء الشهداء بتمديدهم لبقاء قوات الاحتلال على أرض الآئمة سنوات أخرى. هنالك رواية متداولة بين سكان جنوب العراق، تخبر بأن المهدي المنتظر وعدوه الدجال سيتنافسان على عقول وقلوب الناس، وسيتمثل هذا التنافس في ما سيقدمه كل منهما للناس، فالمهدي سيقدم لأتباعه التراب فيتحول في قبضاتهم إلى ذهب، أما الدجال فينثر على الناس الذهب فيصبح بين أصابعهم تراباً، وتنبهنا الرواية إلى ضرورة عدم الإنخداع بالمظاهر، فالقيمة الحقيقية للعطاء مرتبطة بالمصدر، فما يصدر عن الدجال، وإن كان ذهباً احمر، لا قيمة له، وبالمقارنة بذلك سيكون عطاء المهدي، وإن كان تراباً، فهو ثمين كالذهب. لم تأت القوات الأمريكية لخلاص العراق من الطغيان، بل لاستبدال الطاغية المحلي بطغيان أمريكا العابر للحدود، والصحيح هو أن الحكومة الأمريكية هي دجال زماننا الحالي، والدليل على ذلك اختلاقها الأكاذيب والأسباب الملفقة لتبرير احتلالها وتعمدها نشر الفوضى في المجتمع العراقي وإثارتها النزعات الطائفية والإثنية وتشويه النظام السياسي، لذا فإن مشروعها في العراق مظهره الإصلاح وباطنه وحقيقته التخريب، وليس من قبيل الصدفة أن ينتهي الاصطفاف الأخير بين القوى العراقية إلى صفين لا أكثر: الدجال الأمريكي وحلفائه الذين صوتوا بالموافقة على تمديد احتلاله وأتباع المهدي في التيار الصدري.
|
||||
© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |