|
تستوجب أسس التغيير في مناهج التربية والتعليم ببلادنا العربية، إطلاق حرية التفكير ووجوب تنميته لدى التلاميذ والطلبة، والإفادة من مناهج عالمية معاصرة. عليهم، أن يتعلموا كيف يتكلمون ويصوغون عباراتهم اللغوية بلغة مبسطة. عليهم، أن يتربوا معرفيا بعيدا عن المحرمات والممنوعات، لكن شريطة أن يعوا مخاطر ما يمكن أن يفعله الإنسان ضد نفسه، وأهله، ومجتمعه، ووطنه، والإنسانية جمعاء. عليهم أن يتربوا منهجاً بعيدا عن الغلو والتطرف إلى أي أيديولوجية، أو سياسة معينة يلتزمها هذا من دون ذاك. عليهم أن يتعلموا المرونة، والعفو عند المقدرة، ويجيدون أساليب التصرف في الحياة. عليهم، أن يتعلموا من الدين دوره الأخلاقي والحضاري في بناء العلاقات البشرية واحترامه من دون التوغل، في إغراق ذهن الطفل في التعقيدات الفقهية والأصولية. على السياسة التربوية والتعليمية أن تخلق الفرص أمام الجيل الجديد للإبداع، والابتكار ليس في أروقة المدارس والمعاهد وحسب، بل في تأسيس نوادي وجمعيات ومراكز تربوية يأوي إليها هؤلاء التلاميذ والطلبة. علينا، أن لا نغرقهم في المشكلات السياسية، وعلينا أن نشبعهم بمعرفة جغرافيتهم وحب الأوطان، وان نفرق في تربيتنا بين المصالح والمفاهيم، ولا نخلط المبادئ الوطنية بالقضايا السياسية. علينا أن نخرج قليلا من صوامع تقاليدنا وانغلاقاتنا، كي يجد الجيل الجديد، فرصة للتعرف على شعوب العالم، وثقافات المجتمعات الأخرى. ثم إن هناك أساليب التربية والتدريس، سواء غيّرنا مناهجنا نحو الأحسن أم لا. المشكلة تكمن في أساليب التدريس، والإرشاد، والتربية والتعليم القائمة اليوم على الحشو والتلقين وإهمال مفهوم النقد الذاتي وتطويره. إن جيلا عريضا اليوم لا يعرف إلا المكررات والمستنسخات وحفظ بضع عبارات، ويؤمن باقانيم معينة لا يعرف غيرها ويخلط في ما بينها دينيا ودنيويا. وتزيده الوسائل الحديثة والمبتكرات المعاصرة تشويشا، وفوضى فكرية، وتهتكا ثقافيا، وجنوحا أخلاقيا، بحيث تفقده أي حيوية، وتجعله من المقلدين الببغاويين، قليل المدركات، ضعيف المفاهيم، هزيل المنطق. لا بد من توسيع الرؤية لتحديث المنظومة التربوية والتعليمية في دولنا ومجتمعاتنا كلها، ليس بإصلاح المناهج وحسب، بل بالنظر في أعداد المؤهلين لها من الكوادر وطواقم العمل. وان يؤسس ذلك كضرورة حياة أو موت لمصيرنا ومستقبلنا، علما أن ضرورات التحديث تقتضي أن يتعلم الإنسان كل شيء من دون أن ينغلق على مفاهيم محددة ويخرج على العالم من دون أي إدراك حقيقي له. عليه، أن يتعلم بأن يكون جزءا من هذا العالم المعاصر بعيدا عن النرجسية والشوفينية والأحادية الخ... وينبغي إدخال مناهج ومواد جديدة تتعلق أساسا بحقوق الإنسان من منظور اشمل بكثير من المواطنة، ثم تعزيز مواد الاجتماعيات لأهميتها (سمعت أن بعض الدول العربية ألغت تدريس التاريخ وحجّمت من تدريس الجغرافيا، وهذا من اكبر الأخطاء)، ويستلزم أن يدرس المرء في مرحلة الثانوية العامة مادتي الفلسفة والمنطق وتاريخ الفكر الإنساني من اجل بناء عقلية جديدة، أو خلق عقل جديد في استطاعته استيعاب مستجدات العصر، ويكون قادراً على مساءلة الذات والبحث عن أجوبة عنها. ثم تحصين الجيل في إطار الانفتاح على العالم كله بمختلف الوسائل. وأخيرا: لا بد من إجراءات تربوية متقدمة، تؤسس من خلال ورش عمل لأعداد كبرى من معلمين ومدرسين تناقش فيها مناهج متطورة في التربية والتعليم، من اجل بناء جيل جديد يجهد نفسه ويجتهد أدبيا وفنيا وإبداعيا، ويرسم أمامه هدفا اسمه «الحضارة»، بعيدا عن العنف ومسبباته وبعيدا عن الإرهاب وتداعياته، وبعيدا عن أي أجندة مهيمنة لا تتفق والقيم الإنسانية. عندها سنحقق ثورة الأمل.
|
||||
© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |