لساكت عن الحق شيطان أخرس

 

يحيى السماوي

yahia.alsamawy@gmail.com

دفعا ً للإلتباس، ولأية محاولة للإصطياد في الماء العكر، أعترف بأن كتابتي هذه تنطلق من منطلق أن " الساكت عن الحق شيطان أخرس " فأنا لست حمساويا ولا إسلامويا ولا قومانيا ـ ولن أكون أيا ً منها في ما تبقى في حقيبة عمري من زمن لم أعشه بعد ـ   طالما أن السياسة في عصر الردّة الدولية هذا،  قد فقدت ثوابتها الأخلاقية والوطنية  والإنسانية ...

ما يحدث في غزة هو هولوكوست إسرائيلي أمريكي مع سبق الإصرار  بحق شعب أعزل ... إنها جريمة إبادة جماعية باعتراف يهود اسرائيليين من مناهضي الحرب، وباعتراف أكثر من تسعين منظمة إنسانية دولية تعدّ الان طلبا إلى محكمة جرائم  الحرب الدولية لمحاكمة مرتكبيها بتهمة إبادة الجنس البشري ..

مرّ الان نحو ثلاثة أسابيع على أبشع هجوم إسرائيلي اشتركت فيه القوات الجوية والبحرية والبرية ضد شعب مُحاصَر من سنتين لا لجريمة ارتكبها سوى انتخابه منظمة حماس لقيادة مسيرته بعد أن فقد الثقة بــ " قادة فتح " الذين تحولوا إلى ديناصورات وساسة متكسبين لإقامة امبراطورياتهم المالية والعقارية بعدما كانوا مناضلين ثوريين يرفضون أي شكل من أشكال الاحتلال ..

إسماعيل هنية لم يستلم السلطة  بانقلاب عسكري ... فالذي جاء به إلى السلطة هو صندوق الإقتراع في أنظف انتخابات شهدتها المنطقة العربية باعتراف الأمم المتحدة والإتحاد الأوربي ـ بل وباعتراف منظمة فتح نفسها ... ومنظمة حماس لم يُعرف عنها القيام بعمل عسكري خارج أرضها المحتلة (شأنها في نضالها المشروع شأن حزب الله الذي يطيب لبعض الكتاب توصيفه بالإرهابي لأنه رفع البندقية بوجه المحتل لتحرير أرضه المغتصبة) ..

ثلاثة أسابيع من عدوان اسرائيلي سافر سقط خلاله حتى الساعة 920 شهيدا و 4260 جريحا الغالبية العظمى من هؤلاء الجرحى معرّضون للإعاقة الدائمة ... بينهم المئات من الأطفال والنساء والشيوخ ـ ماعدا احتطاب البنى التحية ودكّ البيوت والمدارس والجوامع والمستشفيات ـ بما في ذلك مدرسة الأونروا التي دكها الطيران الاسرائيلي على رؤوس تلامذتها ... كل هذه الجرائم الوحشية، والبعض منا ما زال يُحمّـل حماس مسؤولية الحرب حتى بعد قيام وسائل إعلام اسرائيلية وأمريكية بنشر تقارير تؤكد أن تل أبيب كانت قد أعدت لهذه الحرب منذ عدة شهور وبموافقة أمريكية مسبقة ودعم جهات عربية ـ في مقدمتها قيادة فتح ومصر" العروبة والاسلام "  التي أعلنت تسيفي من القاهرة وليس من تل أبيب تهديدها الصريح بشن الحرب على غزة !!! ألا يعني ذلك أن بعض كتابنا هم صهيونيون أكثر من صهاينة بني إسرائيل ؟

الطبيب الذي أمضى عشرة أيام في مستشفيات غزة وأعلن عن نتائج اختباراته با ستخدام إسرائيل أسلحة تحتوي نسبة من اليورانيم المنضب، هو طبيب نرويجي وليس إيرانيا أو عراقيا أو لبنانيا ...

الكاتب الذي كتب : " لقد استخدم الجيش الاسرائيلي أسلحة جديدة تؤدي إلى حروق تصل العظام " لم يكن كاتبا إسلامويا أو قـومجيا عروبيا ... إنه " جدعون ليفي "  من صحيفة ها آرتس الإسرائيلية  وليس من صحيفة حزب الدعوة العراقية ..

الملايين التي خرجت في تظاهرات عارمة عبر العالم كله تنديدا بالوحشية الاسرائيلية، لم يُسـَيّرها إرهابيو القاعدة... فالذي حملها على التظاهر هو الضمير الإنساني ومبدأ الانتصار للحق ونبذ الباطل ..

آية الله العظمى ألتي أدانت بشدة في بيان  صريح، محارق اسرائيل في غزة، هو السيد علي السيستاني المرجع الأعلى للطائفة الشيعية، وليس أيمن الظواهري أو مفتي كهوف تورا بورا ..

الرئيس الذي طرد السفير الاسرائيلي من بلاده احتجاجا ضد الوحشية الاسرائيلية، هو المناضل شافيز ـ  رئيس دولة فنزويلا التي هي ليست عضوا في جامعة الدول العربية أو منظمة العالم الاسلامي ..

السيد نوري المالكي الذي استنكر بشدة جرائم اسرائيل في غزة هو رئيس حكومة العراق وليس  أمير جماعة في مفازات قندهار ...

عضو البرلمان الكندي الذي رمى بحذائه  سفارة اسرائيل  في بلاده لم يكن وهّابيا أو عضوا في الحزب الاسلامي بزعامة حكمتيار أو طارق الهاشمي .. إذن لماذا لا يحتجّ الكثير من كتابنا ضد الهولوكوست الاسرائيلي بحق شعب غزة الأعزل، فواصلوا إدانة المقتول لا القاتل ؟

الذي قال : " لقد أنجزنا في ستة عشر يوما، أكثر مما أنجزناه في ستة عشر عاما " هو شيمون بيريز رئيس إسرائيل وليس رئيس منظمة الصليب الأحمر الدولية التي لم تنجُ حتى سياراتها المخصصة للإسعاف من قنابل ورصاص الغزاة التلموديين ...  

ثمة مَنْ يرى أن موقف حماس المؤيد للنظام الديكتاتوري المقبور هو ما دفعه لتأييد حكومة فياض، وأن التشفـّي من حركة حماس كان نتيجة ذلك التأييد ... لكن هؤلاء يتناسون حقيقة أن حماس لم تؤيد نظام صدام حسين بالشكل الذي تمادت فيه منظمة فتح في تأييدها للطاغية المقبور ونظامه ... اسماعيل هنية لم يخاطب المقبور صدام حسين كما خاطبه ياسر عرفات خلال احتلال الكويت " ياجبل مايهزك ريح " ... حماس كانت ضد الاحتلال ... ثم : هل من المروءة التشمت بالقتلى الأبرياء المظلومين ؟ هل يعرف الأطفال الذين تفحّمت أجسادهم مَنْ يكون صدام حسين ؟ إن حماس لم تستفد من نظام صدام بالقدر الذي استفادت منه منظمة فتح التي جنت منه مئات ملايين الدولارات ...

نعم، لقد  " تراجع " بعض هؤلاء الكتاب عن  تحميلهم منظمة حماس وحدها مسؤولية الأحداث المأساوية، فـ "  تظاهروا " بإدانة إسرائيل معها ... إدانة خجولة وليست وقحة كالتي وجهوها لحركة حماس، متناسين حقيقة أن حماس كانت قد عرضت استعدادها للتهدئة عشر سنوات شريطة رفع الحصار عن قطاع غزة لولا أن تل أبيب رفضت ذلك سعيا ً منها لإسقاط حكومة هنية لأنها ليست مستعدة لتقديم تنازلات كالتي أبدت حكومة فياض استعدادها لتقديمها  ... يدينون الصواريخ البدائية التي تطلقها حماس ردّا ً على غارات اسرائيل واغتيالاتها المتعددة التي بلغت ستا وعشرين عملية اغتيال خلال فترة التهدئة، مضافا الى ذلك تجريف آلاف الدونمات من مزارع الزيتون  وبناء عشرات المستعمرات الاستيطانية ـ ولا يدينون السياسة الاسرائيلية التي حملت حماس على اطلاق صواريخها محلية الصنع ـ ولا يدينون غارات طائرات الأباتشي والطائرات الحربية الموجهة عن بعد، والتي لم تنقطع طيلة فترة التهدئة تلك !!  

أعلنت إدارة البنتاغون يوم أول من أمس عن مناقصة مستعجلة لنقل كميات كبيرة من الأسلحة والأعتدة الحديثة إلى تل أبيب عبر جسر ٍ جوي على أن تصل خلال هذا الشهر ... والسؤال : هل الترسانة الإسرائيلية الجبارة لم تثبت كفاءتها رغم تحويلها غزة إلى مقبرة جماعية لساكنيها فعزمت حكومة واشنطن على تزويدها بأسلحة أكثر فتكا ؟ والسؤال الآخر : لماذا لم يستنكر عشاق أمريكا وإسرائيل هذا الصلف الامريكي ؟ أليس الواجب الأخلاقي والإنساني والثقافي يفرض عليهم إدانة هذا السلوك الوحشي ؟ أم أن أقلامهم لا تجيد الكتابة إلآ الإفتراء الرخيص والمبتذل لتضليل وتشويه الحقائق والتاريخ والأحداث ؟ قبل أيام كتب أحد الأخوة ردا على قصيدتي عن غزة  في موقع المثقف جاء فيه " هل ننسى مجلس الفاتحه لعدى وقصى من المقبور احمد ياسين " ؟ لا أشكك بحسن نية كاتب الرد ـ لكن المؤكد أن المتأمركين والمتأسرلين قد نجحوا في تضليله عبر كتاباتهم المسمومة، فصدّق أن الشيخ أحمد ياسين قد أقام مجلس الفاتحة على المقبورين صدام وولديه ـ بينما الحقيقة هي أن الشيخ أحمد ياسين قد استشهد قبل إعدام صدام ومقتل ولديه بزمن ليس بالقصير !!! قارئ آخر كتب باسم مستعار ( أنا أعرفه شخصيا رغم تخفيه وراء نقاب وحجاب الاسم المستعار ) كتب : أنا أقسم بالسماوات والأرض أنه لا يوجد فلسطيني واحد لم يدعم صدام ضد الشعب العراقي .... وهذه مغالطة تنفيها حقيقة أن كثيرا من المنظمات الفلسطينية كانت تعارض نظام صدام ـ بل ان لبعض هذه المنظمات الفلسطينية الفضل في إنقاذ حياة مئات المناضلين الشيوعيين العراقيين الذين زوّدتهم بوثائق مزورة ليهربوا من العراق خلال هجمة النظام الشرسةعلى التقدميين عقب انفراط ما كان يسمى بالجبهة الوطنية .. فجميع المنظمات الفلسطينية التي كانت تتخذ من دمشق مقرا لها، لم تكن على وفاق مع نظام صدام ـ فلماذا الإصرار على تجاهل هذه الحقيقة ؟   

ثمة آخرون كتبوا أن إيران هي التي زوّدت حماس بالصواريخ البدائية التي تطلقها  ردا على جرائم اسرائيل ـ في حين تؤكد تل أبيب أن تلك الصواريخ هي محلية الصنع وأنها بدائية لا تعدو كونها صواريخ صوتية ... فهل هؤلاء الكتبة أكثر معرفة من مخابرات تل أبيب وواشنطن ؟ أم أن لهم دورا مرسوما اضطلعوا في تنفيذه خدمة لأجندة غير معلنة؟ إيران نفسها اعترفت بتزويد حزب الله بالأسلحة ... فهل تخشى من الاعتراف بتزويد حماس بالأسلحة البدائية تلك لو أنها فعلت ذلك؟

   قالت الأمم المتحدة إن جيش الاحتلال الاسرائيلي قام باعتقال   سكان حيّ من أحياء غزة بلغ عديدهم 110 وجَمَعهم في بيت معيّن ثم قام الطيران بنسف البيت مما أدى إلى قتل عشرات المدنيين الأبرياء من بينهم أطفال ونساء ... ترى ما الذي سيكتبه هؤلاء الذين صدّعوا رؤوسنا في حديثهم عن ديمقراطية اسرائيل، لو أن حركة حماس قامت بتجميع عـشرة جنود إسرائيليين (وليس مدنيين عزلا) في بيت معين وفجّرته عليهم ؟ أجزم أنهم لن يتركوا نعتا ً بشعا ً إلآ ووصفوها به ... أما أن المجرم الذي ارتكب هذه المجزرة الوحشية هو جيش الاحتلال، فإنّ غض الطرف عنها في كتاباتهم يغدو أمرا لابد منه !

 العودة الى الصفحة الرئيسية

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com