|
أذا لم تكن مع النّور بالضرورة انت مع الظلام .. حديث نفسي
حميد الشاكر في الادب الاسلامي تقسيمة لطيفة لتوجهات الفكر الانساني الاخلاقية والعقدية والسياسية وكذا الاجتماعية ......الخ، ومضمون وماهية هذا التقسيم الفكري تتلخص بابعاد ثلاثة يمكن بناء شكلها الخارجي بهذه الصورة من زاويتين قائمتين وثالثة منبسطة : معادلة العقيدة :(أذا لم تكن مع الله فأنت بالضرورة مع الشيطان ). معادلة السياسة : ( أذا لم تكن مع العدالة قأنت بالضرورة مع الظلم ). معادلة الاخلاق :( أذا لم تكن مع الفضيلة فأنت بالضرورة مع الرذيلة ). معادلة المجتمع :( أذا لم تكن مع الجماعة فأنت بالضرورة مع الفردية ). معادلة الاقتصاد :( أذا لم تكن مع ملكية الامة فأنت بالضرورة مع ملكية الفرد ). معادلة الفن :( أذا لم تكن مع الفن للمجتمع فأنت بالضرورة مع الفنّ للفن ). هذا بالنسبة لزاويتي اي مثلث قائم الزاويتين، أما بالنسبة للخط المنبسط والمنبطح بين كلا المعادلتين، فدائما مايكون لذاك الخط المنبسط عنوان واحد لاغير هو : الوسطية العوراء التي تسمى في العقيدة ( النفاق ) وفي السياسة ( الوصولية ) وفي الاخلاق ( السقوط ) وفي الاجتماع ( التذبذب ) وفي الاقتصاد ( الاستغلال ) وفي الفن ( التحللّ ) ...... وهكذا !. في العقيدة هناك دائما ثلاث خيارات متاحة امام اي انسان له عقيدة يذكرها القرءان الكريم في اول سورة البقرة المباركة وملخصها : انك ياإنسان إما ان تكون مؤمنا وإما ان تكون كافرا، واذا لم تكن هذا وذاك فانت أذن منافقا، تحاول الوقوف بين الزاويتين الحادّتين !. في السياسة بطبيعة الحال لايختلف الامر كثيرا، فأنت إما ايدلوجيا ثوريا مناصرا لحقوق المظلومين السياسية، وإما ان تكون ظلاميا وصُوليا تميل لدعم الفراعنة والمستكبرين والظالمين، وأذا لم ترغب ان تكون هنا وهناك فأنت أمعّة وصولية تحاول العيش والغذاء بتطّفل في المياه الاسنة وعلى طحالب التعفن والمياه الراكدة !. وفي الاخلاق ربما تكون الصورة مختلفة الالوان بسبب ان الوسطية بين : أن تكون فاضلا ومع الفضيلة ومن انصارها، وبين ان تكون مع الرذيلة ورذيلا ومن انصارها، هي وسطية مايسمى بالسقوط، فأنت عندئذ لافاضلا ولارذيلا وانما انت ساقطا من حساب الاخلاق من الاصل !. في المجتمع الغرض يختلف، فأنت اما ان تكون مع حقوق المجموع والجماعة بما هم وحدة اعتبارية متحركة داخل اطار الانسانية بكافة طبقاتها الفكرية والاقتصادية والاجتماعية، وإمّا أنك مع الفردية بكل ماتحمله من تفكيك لبنية الاجتماع، وفصل لروابطها الانسانية والطبقية والحقوقية، لتكون بالفعل انسانا فرديا يسقط من حسابه الاخر الانساني في هذه الحياة، أمّا في حال كونك لااجتماعيا ولافرديا، فأنت لاريب لامنتميا ولا ثابتا على رقعة انسانية تكون لك المنطلق والمرجع في الان الواحد، فأنت اذا متذبذبا لاالى هؤلاء ولاالى هولاء !. أقتصاديا اللعبة هي هي في رؤية اي انسان منّا، فنحن إما مع الرؤية المالية والاقتصادية للثروة ومصادرها المتعددة على اساس انها شَركة لتنمية الحياة العامة بصورة عامة وشاملة واجتماعية تضامنيا، وإما نحن مع الملكية الشخصية التي ترى التجارة فن وذكاء وذئبية وشطارة لحيازة موارد الثروة الاقتصادية والتمتع بها فرديا بلا ادنى التفات للاخر البشري الذي ربما يخونه الحظ او ربما يحالفه الفشل على طول الزمن فلاتتوفر له فرصة التنمية الاقتصادية !. وأما في حال أننا قررنا ان لانكون مع الرؤية الاولى ولامع الرؤية الثانية، فنحن عندئذ ملزمون بالقول اننا مع الاستغلال اينما كان مورده ومهما اختلفت فيه الصور وتعددت الالوان !. أخيرا في الفنّ طبعا ايضا نحن أمام خيارين : الاول هو ان نرّوض الفن ليكون في خدمة المجتمع وتطوّره وتقدمه وثقافته واخلاقه وقيمه وأصالته وتأريخه ...... وهكذا، أو الثاني هو ان نكون مع الفن من أجل الفنّ لاغير، فمرة نحن مع المجهول والغريب والمتعة واللذة ... وباقي محركات وغرائز الانسان العضوية المادية وكذا الروحية، ومرة أخرى نحن مع التوهان واللامدرك واللاهادف واللامفهوم باسم الفنّ كيفما اتفق!. وهناك ايضا مَن لايدرك هو مع مَن او في اي اتجاه قبال مشروع الفن الانساني، فهو لا لفنِّ المجتمع والاخلاق والتطوّر والقيم والتاريخ والاصالة، ولاهو من جماعة الفنّ للفن والباقي غير مفهوم وحسب، فهو لذالك مع التحلل كيفما اتى ومن اي اتجاه ورد وعلى اي منحى تكوّن ... والمهم هناك فن يقف هو في منتصف طريقه لاغير !. ربما يعلم البعض ان ماصنفنّاه من معادلات عقدية وسياسية واخلاقية واجتماعية وأقتصادية وفنّية، وجعل لكل معادلة زاويتين وخط منبسط يدخل في أطار الشيئ الوسط الواقع بين نقيضين من مثل قول الحكماء :(( ان الحكمة وسط بين السفه والبله، او ان الذكاء وسط بين الخبث والبلادة ...)) وهذا صحيح، الا ان وسطيتنا هذه الايام اختلفت كثيرا عن وسطية الحكماء والفلاسفة والمفكرين وحتى الانبياء عندما يقول ص:(( خير الامور وسطها او اواسطها )) . فاننا نحن وهذه الايام ينطبق علينا معادلة الوسطية الشوهاء، التي دائما ومن خلالها لانبحث عن وسطية مستقيمة، وانما نبحث عن حدٍ هو بالاساس ليس وسطا ولكنه ومن خلال الايام أحتلّ بلد الوسطية وأقام عليها حكومة أسمها مختلف تماما عن مضمونها وشكلها، مثل الحكومات الدكتاتورية التي تسمي نفسها بالدول الديمقراطية، وهكذا الحال مع مفاهيمنا الفكرية اليوم فهي ايضا خضعت لتدمير الاحتلال الذي خلفته معارك وحروب المفاهيم داخل اي انسان منّا، فاصبح الظلم يأخذ ارض العدالة ويكون الوسط بين العدل والظلم شيئا ثالث لاندرك من اين اتى ولاكيف اصبح هو وسطا بين قطبين !. آبائنا في السابق كانوا يدركون بفطرتهم الطبيعية :(( ان العدالة هي الوسط بين الظلم والانظلام )) لكنّنا وبعد ان دخلت علينا المدارس الاوربية الحديثة وانتقل التعليم من ابجد هوز الى الف باء تاء، اصابنا عمى الالوان الفكرية وفجأة، فأصبحنا لانميز حقا : هل ان العدالة هي الوسط أم انها طرف في معادلة :(( أما ان تكون مع العدالة او انت بالضرورة مع الظلم )) لننتهي الى نتيجة ان الانظلام اصبح هو الوسطية بين العدالة والظلم !. صحيح : هل الشجاعة هي الوسط بين رذيلة الجبن ورذيلة التهوّر، كما كان يفهمها ابائنا الامييّن ؟. أم ان المعادلة هي :(( أما ان تكون مع الشجاعة، وأما انك حتما مع الجبن، وما الوسطية بين القطبين او الزاويتين القائمتين غير التهوّر كما نفهمها نحن اليوم ؟.)) على اي حال هناك من يرّوج لمقولة أننا ضد الحقِّ لكن ليس بالضرورة ان نكون مع الباطل ؟. لكنّني حتى هذه اللحظة لااستطيع فهم وسطية كوني ليس مع الحق وليس انا مع الباطل ايضا، أذن مع من اكون في هذه الوسطية؟
|
||||
© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |