|
بيروت .. بين الذكرى والتأمل
محمد حبيب غالي قد ينقاد ذهن القارئ عندما يقرأ عنوان هذا المقال حتى يخطر في باله إن صاحب المقال قد قضى فترة طويلة في لبنان دفعته الى تجميع ذكريات وتأملات كثيرة والكتابة عنها ونقلها إلى الآخرين، ولكنني أقول ومنذ البداية انها أربعة عشر يوماً فقط، حيث إنني مؤمن بأن أي الانسان عندما يغادر بلده الى بلد آخر ويتطلع اليه والى ما فيه تصبح له ذكريات يبقى يذكرها طوال حياته حتى لو مكث يوم واحد هناك . كنت اسمع الكثير عن لبنان، هذا البلد العريق، الذي استطاع أن يثري الثقافات العربية والعالمية في شتى المجالات , حيث لطالما تمنيت أن ازور لبنان، لأكتشف السر الذي جعل الناس تتغنى بسحر وجمال هذا البلد .. وتحققت الأٌمنية فعلاً، فقد انتُدِبت أنا وبعض الزملاء للقيام بدورة تدريبية في لبنان، لمدة 14 يوماً، في مركز القناة للتنمية الإعلامية والإدارية، الذي يعتبر أحد مراكز الدراسات والبحوث في لبنان المشهود لها بالكفاءة والخبرة والمهنية . أثارت انتباهي عدة أمور وعلى مختلف الصعد والمستويات , أولها عند نزولي إلى مطار بيروت، هو تلك المعاملة التي يميز بها الأمن العام اللبناني العراقيين عن غيرهم من الوافدين إلى الأراضي اللبنانية، حيث تشترط الأنظمة اللبنانية لدخول المواطن العراقي الى لبنان ان يكون بحوزته مبلغ لا يقل عن ( ألفي دولار ) وان يكون لديه حجز مسبق في فندق ما . التقينا خارج المطار بأشخاصٍ منتدبين من قبل المركز لاستقبالنا حيث لفتتني طريقتهم في الترحيب، وهنا بدأت مواصفات المواطن اللبناني حيث كان الترحيب طبيعياً، ولم يكن فيه أدنى مجاملة، وهذا بالفعل ما لمسناه طيلة الفترة التي قضيناها في لبنان .. لقد كنت أرى الفرحة واضحة على وجوههم وهم يستقبلون وفد عراقي، وهذه الفرحة هي نفسها التي كنت اشعر بها لدى أي شخص لبناني أُقابله ويعرف أنني مواطن عراقي، كنت اشعر فيهم بمحبة العراق وخوفهم على أهله , فقد لقد قابلت الكثير ممن لا أنساهم ولا أنسى حواراتهم معي منهم شخص يدعى ( إبراهيم ) وأخر يدعى ( علي عباس ) وسائق الباص الذي كان يُقلنا والذي يدعى ( جوزيف ) حيث إن هؤلاء الأشخاص هم عيّنة من المجتمع اللبناني الذي يتحلى أهله بصفات التسامح والطيبة، الرفق وروح التعاون، فقد كنت اعتبر أن هذه الصفات قد باتت نادرة في عالمنا الآن، فعرفت في المواطن اللبناني تطبيق التسامح بكل أنواعه، من حيث نبذ التطرف وملاحقة كل من يتصرف بطريقة مخالفة قد لا يوافق عليها المرء، أو من حيث التسامح الديني والعرقي والثقافي، هذا فضلاً عن التسامح في تعامله مع الآخرين، واعتماد الحوار العقلاني الهادف، واحترام حرية الآخرين ورحابة الصدر .. كلها صفات لمستها بيدي وشاهدتها بعينيّ، ولا يمكن نسيانها أو تجاهلها . أما على صعيد الطبيعة فالموضوع يبدأ من مقر إقامتنا في فندق ( باريسيان ) الذي يقع في منطقة جميلة جداً تدعى ( عين المريسي ) وهي مطلة على شاطئ البحر المتوسط الذي يطل بلبنان غرباً .. كنت وزملائي نتعمد أن نطل على الشاطئ ليلاً، حيث كان الليل يغازله بشتى أنواع الغزل العذري .. كنا نتفاجأ حين تصل أمواج البحر ليلاً الى الشارع المجاور للشاطئ رغم ارتفاعة 3-4 امتار في مشهد خرافي لا يمكن وصفه غير قول ( جلّت قدرته على خلق مثل هكذا طبيعة ) .. فكان الشاهد الوحيد على مثل هكذا امور هي كامرتي التي لم تفارقني طوال سفرتي لانني متأكد بان الذكريات التي نخرج بها لا تدعمها الا الصور حيث تجعلها أكثر واقعية وقبولاً عند ذكرها للآخرين , فصحيح أن فصل الصيف هو الفصل المناسب للإستمتاع بشمس ورمال هذا الساحل الجميل الذي يصل شمال البلاد بجنوبها، والمتميز بسطوع الشمس وجفاف الجو ودفء الحرارة المناسبة للسباحة وحمامات الشمس والرياضات المائية، إلا أن وجودنا في فصل الشتاء لم يمنعنا من الاستمتاع بروعة وجمال الشاطئ اللبناني . أما صخرة الروشة فهي موضوع بحد ذاته، تحتاج إلى أوراق وأحبار غير محددة الكمية لوصفها والتعبير عنها فهي عبارة عن صخرة طبيعية كبيرة جداً في البحر المتوسط يصلها السياح من مختلف الدول حيث وجود نفق داخلها يجعلك تدخل وتخرج من الجهة الثانية لها في مشهد جميل جدا يعجز اللسان عن وصفه، بعدها قمنا بزيارة مغارة جعيتا إحدى أجمل المعالم الطبيعة الي يتفاخر بها اللبنانيون، والتي يجري العمل على تصنيفها كإحدى عجائب الدنيا السبع والتي يقصدها السياح من كل مكان، بالإضافة إلى زيارات أخرى كزيارة مدينة صيدا وبعض قرى الجنوب اللبناني كقانا وغيرها .. أما على مستوى التوجه السياسي، كنت اعتقد ان شيعة لبنان ـ حصراً ـ هم من يؤيدون السيد حسن نصر الله، إلا إنني تفاجأت من شخص درزي كان يعمل في الفندق الذي كنا نقطنه حيث قال في الحرف الواحد ( نحن جميعاً من مؤيدي حسن نصر الله، لأنه قاتل من أجل لبنان فقط، فلو أحسست ولو للحظة واحدة انه يميل للشيعة أو حتى للإسلام أو يدعو إلى إنشاء حكومة إسلامية لكان أول شخص يقاتله هو أنا، إلا أنني مؤمن بأنه يقاتل من أجل لبنان فقط، ولا شيء غير لبنان ) .... إن نقلي لهذا الموضوع ليس بصدد تحويل مقالي إلى سياسي ولكن الحقيقة يجب أن تُذكر خاصةً وأن محدثي هو من الطائفة الدرزية , إلا إنني متأكد إن هناك الكثير من لم أقابلهم لديهم غير توجه ليس بالضرورة كلهم يتفقون مع من قابلت أو ينهجون هذا المنحى أو المسار . أما عن عملية اعمار لبنان فقد قال ـ الأستاذ علي سعد ـ احد المختصين في الدراسات والبحوث في مركز القناة بإحدى محاضراته لنا أن حرب لبنان انتهت يوم جمعة ولم تمضي الجمعة التي بعدها إلا والاعمار قد بدأ، وبالفعل رأينا ذلك بأنفسنا أثناء تجولنا في الضاحية الجنوبية لبيروت حيث مررنا بالكثير من المباني التي تم إعادة اعمارها بعد الحرب في أوقات قياسية وبجهود اللبنانيين أنفسهم . على المستوى المؤسساتي، قام مركز القناة بترتيب بعض الزيارات لعدد من المؤسسات الإعلامية الهامة في لبنان للاطلاع على أداءها وطريقة عملها، ومنها جريدة النهار، وقناة الـ ( LBC )، حيث وجدنا أن المهنية العالية، والتحلي بروح المسؤولية، من أُسس العمل لديهم، هذا بالإضافة إلى الحرية الصحافة المتمثلة بحرية الرأي والتعبير عنه والتي قد لا تجدها في دول أخرى . أخيراً وليس آخراً أحب أن أقول إنه من الجميل أن تذكر محاسن أشخاص يستحقون المدح ـ وأقصد هنا من قابلتهم ـ فهم قد أستطاعوا تمثيل المواطن اللبناني خير تمثيل، ونجحوا في إعطاء صورة جميلة للواقع اللبناني، وطبيعة تعاملهم مع الآخرين، إلا إنني في المقابل لا أرغب أن يعتبر هذا المقال بمثابة دعاية أو إعلان عن شيء معين تم ذكره ضمن ما كتبت .
|
||||
© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |