|
هل العراق معادلة سياسية صعبة ومعقدة في الفترة القادمة؟
أ. د. كاظم حبيب ليس العراق معادلة صعبة بحد ذاته, بل السياسات التي مورست وتفاقمت عواقبها حقبة بعد أخرى, بل وسنة بعد أخرى, على امتداد القرن العشرين والسنوات التالية للقرن الحادي والعشرين, سواء أكان ذلك منجانب حكام العراق وكذلك من جانب الحكام العرب أم من حكام الدول الكبرى والدول المجاورة إزاء العراق, وهي التي جعلت منه معادلة صعبة في سياساته الداخلية والعربية والإقليمية والدولية في آن واحد. وسيبقى العراق يشكل معادلة صعبة ومعقدة وعصية على الحل أيضاً بسبب استمرار وجود مفردات سلبية في سياساته وسياسات الدول العربية والإقليمية والكبرى لا تزال تمارس بهذا القدر أو ذاك, بحيث لا تساعد على جعل شعب العراق يعيش بهدوء واستقرار وسلام مع نفسه ومع جيرانه وبقية دول العالم. فالعراق يواجه اليوم مشكلات كبيرة حقاً تقف في المقدمة منها العلاقة العربية - العربية في الداخل، أي العلاقة غير الودية وغياب الثقة المتبادلة بين القوى السياسية العربية الشيعية وتلك القوى السياسية العربية السنية، وهي قوى لا تريد أن تتفاهم حتى الآن لأنها في الجوهر طائفية متعصبة لمذهبها بطريقة تتناقض مع الاعتراف بحق الآخر وعاشت حتى الآن عل المحاصصة الطائفية السيئة الصيت. بعض القوى الشيعية المنظمة سياسياً والمتطرفة فكرياً في طائفيتها، شاءت ذلك أم أبت, تريد إقامة فيدرالية شيعية في الجنوب، ترفضها القوى السياسية السنية بحق وغالبية الشعب العراقي، إضافة إلى فرضها مبدأ المحاصصة الطائفية السياسية التي أثارت وتثير أبشع المشكلات في الشارع العراقي وتسببت حتى الآن في موت عشرات الوف العراقيات والعراقيين خلال السنوات الخمس المنصرمة. وستبقى هذه المشكلة عالقة ما دامت الأحزاب الإسلامية تقوم على أساس مذهبي وممارسة طائفية وتمييز بين المواطنين على هذا الأساس. والعراق يواجه مشكلة تزداد تعقيداً يوماً بعد آخر, بسبب عدم المبادرة الفاعلة على معالجتها، وأعني بها تفاقم الصراع بين الحكومة الاتحادية وحكومة إقليم كُردستان العراق والسعي المتبادل للتحدث من مواقع القوة وسعيهما لتعزيز قوة كل منهما, وكأنهما على وشك خوض حرب جديدة، وليس القناعة والثقة المتبادلة بأن قوة كل من الطرفين، وفق الدستور العراقي الجديد، هي قوة لهما معاً وليست إضعافاً لأحدهما لحساب الآخر، حين يتم ذلك عبر التوافق والرؤية السياسية الواعية. يضاف إلى ذلك المشكلات الأخرى التي تعتبر قنابل موقوتة ما لم تعالج بحكمة ومسئولية وفي ضوء الدستور العراقي، ومنها الوضع في كركوك، التي تستوجب حلاً عقلانياً يفوت على القوى القومية الشوفينية المتطرفة وذات الأفق الضيق الصيد في الماء العكر وحرمان العراق من الهدوء والاستقرار والعيش بسلام. إن هذه المشكلة لها تداعياتها على الصعيد الإقليمي، سواء بالنسبة لإيران أم تركيا أم بعض الدول العربية، ولهذا لا بد من العناية بحلها لمنع تدهور اللاقات بين الحكومة الا تحادية والإقليم في غير صالح العراق كله ومكوناته القومية. وفي العراق مليشيات لا تزال مسلحة ومستعدة للقتال بذهنية طائفية كريهة، رغم الضربات التي وجهت لبعضها، ولكن البعض الآخر قائم حتى الآن على أساس المحاصصة الطائفية وبثياب رسمية أو مدنية. ويمكن أن يتفجر الصراع في كل لحظة حين يتدخل الطرف الخارجي ويجد في ذلك مصلحة له، سواء أكان الطرف الخارجي إيران أم كان بعض الدول العربية، أو حين ينمو شعوراً بالغبن والتجاوز ليفجر صراعاً دموياً لا يبقى محصوراً في المليشيات المسلحة المعلن عنها أو السرية حسب، بل يمكن أن ينتقل إلى القوات المسلحة ومنه إلى الشارع العراقي، إذ لا تزال هوية المواطنة العراقية هشة تماماً وقابل للانهيار في هذه المؤسسات الرسمية في كل لحظة لصالح الهوية الطائفية السياسية، رغم تأكيدات بعض المسئولين، ومنهم السيد رئيس الوزراء، بأن الحرب الطائفية قد تجاوزها العراق، ولكن القوى المعادية في الداخل والخارج لم تتجاوزها ولا تريد أن تتجاوزها حتى الآن، إذ أنها الورقة التي يمكن استخدامها في كل لحظة مناسبة لهذا البلد الجار أو ذاك. إن الصراع على القوة والنفوذ والمال، الصراع على السلطة، يهيمن على ذهنية نسبة عالية جداً من السياسيات والسياسيين في العراق في المرحلة الراهنة ويشكل نذير خطر داهم ما لم يعالج بحكمة ومسئولية وبعقلية المواطنة الحرة والمتساوية والديمقراطية لا غير. والمشكلة التي تواجه العراق حالياً واقعه العشائري الذي تحاول بعض القوى السياسية استخدامه لصالحها، وبالتالي تساهم في خلق أجواء غير مدنية تزيد الأمر تعقيداً, وهي لا تختلف في ذلك عن السياسة التي مارسها صدام في كسب العشائر إلى جانبة وإغرائها بالأموال والامتيازات والمكاسب على حساب الشعب ومصالحه وتقدمه. ويمكن إثارة العشائر بسهولة، وبالتالي يمكن أت نشأ خلافات وصراعات ونزاعات مسلحة بين العشائر والتي تزيد الأم تعقيداً. ولا شك في أن الصراع على النفوذ السياسي في العراق يُستثمر بشكل صارخ من جانب دول المنطقة ويوجه في غير صالح العراق، إذ تبذل محاولات لتوظيف تأثيراته الإجمالية لخدمة مصالحها في المنطقة. وحين يكون العراق ضعيفاً وغير موحد بين حكومته الاتحادية وحكومة إقليم كردستان، يكون سهلا على الدول المجاورة والدول الكبرى التأثير فيه والتلاعب بمقدراته وإخضاعه لمصالح الآخرين، وليس الانطلاق من مصالحه بالذات. والقاعدة الأساسية لنجاح القوى الخارجية في إيجاد موطئ قدم ونفوذ وتأثير لكل منها في العراق يعتمد على التباين في المصالح الداخلية للقوى العراقية والصراع غير العقلاني حولها إذ من خلالها تتغلغل القوى والدول الأخرى إليها، وخاصة تلك القضايا المرتبطة بالطائفية والقومية. البعض يعتبر بأن الاعتراف بنفوذ معين لإيران في العراق، باعتبارها قوة إقليمية كبرى وقطب شيعي، أمر ممكن ومفيد بل وضروري، والبعض الآخر يعتبر وجود نفوذ للسعودية في العراق، باعتبارها القطب السني المقابل، أمر ممكن ومفيد وضروري أيضاً، ويجد هذا الاتجاه الدعم والتأييد من جانب دول عربية أخرى. ومثل هذا الاتجاه يضع العراق في مهب الريح حقاً. إذ يطالب هذا البعض بأن على الولايات المتحدة الانطلاق من هذه الرؤية، وخاصة في العلاقة مع إيران والمساومة على النفوذ المشترك لهما في العراق، إذ بهذا يسهل التفاهم مع إيران. إن هذه الوجهة غير واقعية وغير عقلانية وتلحث أضرارً بالعراق ومصالحه الحيوية ووحدة شعبه. فالعراق بحاجة إلى علاقات طبيعية مع كل دول المنطقة والتي يفترض أن تقوم على مبادئ التعاون والاحترام المتبادلين واحترام السيادة والاستقلال الوطني وعدم التدخل في الشأن الداخلي. العراق بحاجة ماسة، سواء على صعيد الداخل، أم على صعيد المنطقة، إلى حوار سياسي وتفاهم وليس إلى مواجهة سياسية وعسكرية. وهذه المسألة تستوجب الوعي بالواقع والقضايا الملتهبة وسبل التفكير بحلها من خلال ممارسة سياسة واقعية وعملية والاستعداد للمساومة المقبولة في الداخل وصولاً إلى تأمين المصالح المشتركة للجميع من أجل تحقيق الوحدة الوطنية، وهي الضمانة الفعلية لتعزيز القوة الداخلية للعراق لمعالجة مشكلاته على الصعيد الإقليمي والدولي. قوة العراق لا تقوم على امتلاكه لأجهزة الجيش والشرطة والأمن حسب، بل على التفاعل والتفاهم والتعاون بين فئاته الاجتماعية وقومياته وأتباع أديانه ومذاهبه الدينية وقواه الفكرية والسياسية وبوعي سياسي متقدم بسبل التعامل الديمقراطي الحضاري في ما بين الأحزاب السياسية العراقية. إذ كانت الولايات المتحدة تعتبر، بنظر الكثيرين في العراق وفق الاتفاقية الأمنية والاقتصادية وانسحاب القوات الأمريكية من العراق، ضمانة لعدم تدخل عسكري خارجي، فإنها لن تستطيع أن تكون ضمانة لوحدة حقيقية في داخل العراق، إذ أن هذه القضية مرتبطة بالقوى الداخلية ذاتها وفي قدرتها على التعامل المتبادل وفي ما تمارسه الولايات المتحدة من سياسات جديدة في عهد باراك أوباما، وهل ستكون، بخلاف سياسة بوش التي أججت الطائفية السياسية والتمييز الطائفي وعمقتهما في العراق، دافعة باتجاه الحوار ومعالجة المشكلات بالطرق السلمية. إن عدم الاتفاق الداخلي وغياب الثقة المتبالة والمصالحة الوطنية الفعلية يجعل من احتمال نشوب قتال طائفي أو قومي قائماً حقاً وفي كل لحظة. لقد تراجع خطر حرب أهلية طائفية، ولكنه لم يختف نهائياً حتى الآن. وعلينا أن لا نعتمد على العواطف وغش الذات في قراءة الواقع والادعاء بأن القوات العسكرية العراقية قد تخلصت من طائفيتها وتحولت إلى هوية وروح المواطنة، إذ أن هذه ليست صبغة يصبغ بها الإنسان، بل هي ثقافة ووعي وإدراك واقعي وديمقراطي لواقع العراق وتعامل إنساني حضاري. وهو غير متوفر كما ينبغي حتى الآن على مستوى الدولة والمجتمع، مهما ادعى البعض بغير ذلك. إن التمنيات وما يفترض أن يكون عليه العراق شيء، والواقع القائم في البلاد شيء آخر, وهو الذي يفترض العمل على تغييره لصالح ما ينفع العراق ويساهم في تعزيزه.
|
||||
© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |