ماذا بعد العدوان على غزة؟

 

 

    عماد خليل بِله 

ekbelah@yahoo.com 

(ملاحظة: كتب النص الاولي للمقال ادناه في 11 من الشهر الجاري، وقد جرت منذ ذاك اليوم تطورات تنسجم مع بعض ماورد فيه، وهذا لا ينفي ان يبق وجهة نظر في الموضوع)

 تأملَ العرب كثيرا بانتخاب السيد باراك اوباما لمنصب رئيس الولايات المتحدة الامريكية متوقعين حدوث تغير في مواقف الاخيرة ايجابيا لجانب الحق الفلسطيني ، ولربما كان لدى بعض القيادات الاسرائيلية فهم مشارك لذا جاء توقيت العدوان على غزة قبيل تسلم الرئيس اوباما لمهامه استباقا اسرائيليا وجس نبض، وضع امال العرب المتعلقة بالرئيس في موقع مهزوز لعدم صدور تصريح منه يدين العدوان، وليس الوقت مناسب لاصدار حكما عاطفيا على موقفه لكن الافضل عدم وضع امالا ثقيلة تستبعد واقع العلاقة الاستراتيجية الاسرائيلية الامريكية، خاصة وان السيد اوباما لن يبادر في بداية مرحلته باتخاذ موقفا مهما كان بسيطا ضد دولة اسرائيل حيث هو يعرف ونحن معه الحجم الكبير لدور انصارها بعملية انتخابه وثقل مواقعهم في ادارته.

 يتوقع ان توقف اسرائيل عملياتها العدوانية الجارية على غزة قبيل ايام من احتفالات تنصيب السيد اوباما، وتقول انه تم تحقيق الاهداف ، حتى لا تضع طاقم الادارة الجديد في زاوية حرجة يتخذ بموجبها وفي ايامه الاولى قرار قد يحرق ما تبقى في الشارع العربي من امل متعلق بوجود افريقي امريكي على رأس الادارة ، قرار يشل تحرك الادارة الامريكية لاربعة سنوات قادمة في المنطقة، ولاندري عن احتمال اتخاذ قرار يفاجأ اسرائيل.  

 لكن ماذا في الجانب العربي، والجانب الفلسطيني خاصة؟ هل يجري التفكير بصيغة نضال عملية للرد على العدوان المتواصل بحلقاته المتقطعة ، صيغة بديلة عن مواجهة عسكرية غير متوازنة؟

 لقد فضح العدوان على غزة استهانة دولة اسرائيل بالقيم الانسانية واحتقارها لطقوس الديانات السماوية حين نفذته في وقت كان العالم يعبر عن شكره للخالق باحتفالات اعياد الميلاد المجيد ، واعياد الهونيكا اليهودية ،وبداية العام الهجري الجديد.

 

 و بين العدوان المتواصل على القطاع :

 -         استمرار توازن القوى العسكرية لصالح اسرائيل في ظل صمت الالة العسكرية العربية.

-         لا توجد دولة عربية او غير عربية مستعدة عمليا لدخول حرب مع اسرائيل قد تقود الى حرب عالمية او دمار تلك الدولة.

-         اصرار اسرائيل على عدم احترام القرارات الدولية القديمة والجديدة.

-         انحياز فاضح للادراة الامريكية الى جانب العدو الاسرائيلي بحيث صارت دعواتها لنصرة الديمقراطية وحقوق الانسان انتقائية بشكل فاضح.

-     استعمال اسرائيل كافة اصناف الاسلحة بما فيها المحرمة دوليا في عدوانها كاستخدامها الاسلحة الفسفورية ، وهي تواصل قتل الاطفال لانها  تستهدف قتل المستقبل.

-         استغلال اسرائيل للتشتت العربي لصالحها ومكنها من التهرب من تنفيذ عناصر مهمة من التزاماتها باية اتفاقية وقعت مع جانب عربي.

-         افتضاح العدوانية السافرة لاسرائيل امام العالم

-         تزايد التضامن العالمي مع حقوق الشعب الفلسطيني

-         بروز تيار داخل المجتمعات اليهودية وخاصة في امريكا تقف ضد عدوانية الدولة الصهيونية

 لقد بينت الحروب العدوانية لدولة اسرائيل ومواقف الحكومات العربية منها عدم وجود مقومات مواجهة عسكرية متوازنة معها ، مما يتطلب اللجوء الى وسائل اخرى لاستعادة الحق الفلسطيني، وسائل سلمية تؤكد على قانونية وانسانية الحق. قد تكون اليات طويلة المدى زمنيا لكنها تخلق عوامل اقرار على الارض للحقوق الفلسطينية.

 فمالذي على الجانب العربي عامة والفلسطيني خاصة القيام به لنيل حقوقه في ارضه. وجهة النظر ادناه تتضمن افكار اولية متواضعة ، قد تنفع لتحقيق الهدف وهي متداخلة الاهمية ولا علاقة لاهميتها بترتيبها الكتابي :

-     وحدة الصف الفلسطيني وحصر الفلسطينيون نضالهم في امورهم الداخلية وتوقفهم المطلق عن تدخلهم في شؤون الدول الاخرى خاصة العربية كي لا يفقدوا مساندة شعوبها، فلقد خسرت الثورة الفلسطينية كثيرا بتدخلها السافر بالشؤون الداخلية للاردن وكانت بداية خسارتها هناك حرب ايلول 1970 . وفتحت لبنان الباب واسعا امام الاخوة الفلسطينين منذ ايام الرئيس فؤاد شهاب و دون حدود وللاسف خسرت الثورة الفلسطينية بتعديها على السلطة اللبنانية واستفزازها الشعب اللبناني لسنوات طويلة. واخيرا الموقف اللاانساني للفلسطينين اتجاه الشعب العراقي ووقوفهم السافر مع نظام صدام حسين. ورغم ذلك يتظاهر الاردنيون والعراقيون واللبنانيون كغيرهم نصرة لغزة لان الوقوف مع الحق الفلسطيني مسؤولية انسانية عامة. بقول اخر يجب ان لا يسع الفلسطينيون للحصول على اسناد حكومة دولة ما بالوقوف بالضد من حقوق شعب تلك الدولة. و بالمقابل الحد من تدخل الاخرين في قضيتهم ، هناك فرق بين دعم الحق الفلسطيني وبين التدخل في الشؤون الفلسطينية الداخلية.  

-     خلق التزام فلسطيني كامل بالديمقراطية السياسية ومؤسسات المجتمع المدني وعدم استخدام السلطة لفرض صيغة واحدة من العقيدة والسلوك كما مورس في التجارب السابقة لحركة المقاومة او حكومات الكيان الفلسطيني في غزة والضفة الغربية، و بما يولد حالة ديمقراطية فعلية تدفع الرأي العام العالمي للاستمرار الفاعل في العمل لنيل الشعب الفلسطيني حقوقه الكاملة. دولة ديمقراطية صدقا  بمواجهة ديمقراطية دولة اسرائيل التي هي من اهم اسلحتها في الساحة العالمية وسط محيط لا ديمقراطي، حيث تستغل اسرائيل بشكل متواصل نموذجها الديمقراطي (لشعبها) في كسب التأييد العالمي.

-     اعتراف صريح بوجود دولة اسرائيل وعدم الرغبة في تدميرها من قبل الفصائل الفلسطينية الرافضة لهذا الواقع، مقابل الاصرار على اقامة دولة فلسطينية بالاستناد الى الشرعية الدولية وقراراتها الصادرة منذ التقسيم. لقد استغلت اسرائيل شعار " محو دولة اسرائيل" خير استغلال لكسب تعاطف العالم الذي لا يفهم الموقف العربي الهادف الى الغاء وجود هذه الدولة. وانا هنا لا اتحدث عن محرم فالاعتراف العربي بالدولة العبرية مقر عبر العلاقات التي تربطها ببعض الدول العربية وعبر اتفاقية اوسلو واخيرا بما ورد في "المبادرة العربية" ، وهو يتوافق مع قرارات الامم المتحدة. فلماذا لا يستخدم لصالح الحق الفلسطيني لاقرار متبادل للحقوق؟ مع التوكيد على الفصل بين اليهودية كدين وبين الصهيونية كحركة سياسية استيطانية، طالما هناك يهود لاعلاقة لهم باسرائيل ولا يؤيدون عدوانها، ان من انجح وسائل كسب الدولة الصهيونية هي صورتها امام العالم كممثل لليهودية، يجب كسر هذه الصورة لان الناس تتعاطف مع المعاناة الانسانية التي تعرض لها اليهود خلال مجازر الابادة اثناء الحرب العالمية الثانية ( الهولوكست).

-     اتباع اعلام فلسطيني بعيد عن العنتريات الفارغة ،  اعلام متطور مهنيا وثقافيا يتناسب مع مفاهيم المجتمعات المتمدنة يركز على حق اقامة دولة كاملة السيادة والجغرافية للشعب الفلسطيني ويعري استهتار دولة اسرائيل بالقرارات الدولية ويفضح ممارساتها الاجرامية الموثقة. ويبتعد عن شعار الغاء دولة اسرائيل والتوكيد على شعار وجود دولتين بينهما حالة سلمية ، محاولا تبيان اثر وجود الدولتين  الايجابي على السلام العالمي. ان النداء السلمي يساهم بالغاء الصورة الارهابية التي لصقها الاعلام الاسرائيلي وانصاره بحركة المقاومة الفلسطينية و يكسب تعاطف ودعم شعوب الارض اكثر مما تجلبه بضعة صواريخ تقتل ابرياء من الاسرائيلين. ان كسب الرأي العام العالمي مشروع يحتاج لجهود كبيرة وادوات مناسبة وزمن قد يطول ،لكنه الطريق الاكثر ضمانا لاسترجاع الحق فالكل بات يعرف اهمية الراي العام كاداة في تقرير الدول لسياساتها. لقد انتصر غاندي بنضاله السلمي ، ووصل اوباما الى قمة السلطة بالنضال السلمي الذي خطه مارتن لوثر كنج وصحبه.

-     بعد ان فشلت سياسة اقامة العلاقات مع دولة اسرائيل في حصول الشعب الفلسطيني على حقوقه،  يكون الدور العربي اكثر فاعلية بتجميد العلاقات القائمة حتى قيام سلام شامل يعيد الحقوق العربية والعمل على فرض حصار على اسرائيل وقد يتطلب العودة الى حرب الاستنزاف. ولتفهم اسرائيل ان لا امل بحياة طبيعية لها في المنطقة دون تطبيق الحق الفلسطيني على ارضه. وعلى الفلسطينيين  استثمار التضامن العربي الحالي لدفع الحكومات العربية في الدول التي تمتلك علاقة مع اسرائيل لاتخاذ القرار الصحيح. لقد بين الحصار الذي فرض على العراق بعد حرب الكويت امكانية هذه الوسيلة في تدمير دولة، ولما كان شعب دولة اسرائيل متنوع وليس اصيلا في الارض فلن يصبر طويلا حيث يوجد لاكثره بديلا في دولهم الام. والعمل على امكانية استثمار موقف دولة فنزويلا لتشجيع دول اخرى لتحذو حذوها، والعمل على تطوير مواقف الدول لفرض حصار على دولة اسرائيل باعتبارها دولة معتدية. معتمدين بذلك على استخدامها الاسلحة المحرمة دوليا خاصة في عدوانها الاخير وقد اشارت منظمة ( هيومان رايتس ووج) الامريكية لذلك قبل ايام ، ويمكن من جعله نقطة انطلاق لحركة الفعاليات الفلسطينية الحكومية والغير حكومي وخاصة ذات القبول في الساحة الامريكية والغربية ( لاسيما السيدة الدكتورة حنان عشراوي) البدأ بحملة قانونية للمطالبة بمحاكمة المسؤولين عن الجريمة من اعضاء القيادة الاسرائيلية بغض النظر عن نتائج الحملة ، فان مجرد اثارتها يشكل مكسب  لمصلحة الشعب الفلسطيني. ان تطوير حصار على اسرائيل يجعلها بحاجة اكبر للمساعدة الامريكية وهذا جانب اخر يمكن استثماره لكسب تعاطف شعب الولايات المتحدة الامريكية الذي سيعترض على ذهاب اموال دافعي الضرائب لدعم العدوان في وقت تضررت الملاين منه بفعل الازمة المالية العالمية الاخيرة .  ان قطع العلاقات مع دولة اسرائيل لا يعني عدم الاستجابة الى مباحثات مباشرة او بوساطة معها طالما تصب تلك المحادثات في مصلحة استعادة الحقوق العربية. ان اجراء مباحثات مع اسرائيل ان لم تقدم انجاز ايجابي لصالح الشعبين الفلسطيني والاسرائيلي فهي تفضح عدوانية دولة اسرائيل. العمل على افهام اسرائيل بان ليس غير السلام العادل طريقا لانتمائها الى المنطقةز

-     اقامة وتقوية وتطوير العلاقات مع فئات المجتمع داخل دولة اسرائيل التي تعترف بالحق الفلسطيني وتتمسك مع الفلسطينيين بمشروع دولتين ديمقراطيتين، وتعميق الموجود منها مع كل المنظمات اليهودية في العالم التي تدعم وجود دولتين اسرائيلية وفلسطينية كاملتي الحقوق والجغرافية بالاستناد الى الشرعية الدولية. وبدأ اقامة علاقات انسانية ايجابية متنامية بين الفلسطينين والعرب من جهة و سكان دولة اسرائيل من يهود الدول العربية الذين يقرون بالحق الفلسطيني من جهة اخرى ، والاستفادة من وجود روابط ثقافية وتاريخية معهم ،والتي تساعد على التقارب بما يبني مجموعة ضغط  داخلية على الحكومة الاسرائيلية. يمتلك العرب الفلسطينيون في داخل اسرائيل خبرات غنية بامكانيات  مثل هذه العلاقات.

العودة الى الصفحة الرئيسية

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com