لماذا لم تحرر فلسطين حتى اليوم؟

 

 

حميد الشاكر

al_shaker@maktoob.com

ليس من العار ان تتعلم كل يوم حقيقة، لكن من العار ان تنسى ماعلمك الزمان

عندما كنت صغيرا في الصف الخامس الابتدائي شاهدتُ في الاخبار العربية تقريرا عن نضال الشعب الفلسطيني وكيف ان هذا النضال يهدف الى تحرير فلسطين من النهر الى البحر، وكيف ان الدول والنظم والعواصم والشعوب العربية كلها مع فكرة تحرير فلسطين، وكيف انها تهتف بصوت واحد : بالروح بالدمّ نفديك يافلسطين ؟!.

والحقيقة ان ما أثار انتباهي واستقطب اعجابي وانا بعدُ في سنّ الصبى هو ذالك المشهد الذي رأيتُ فيه قريناً ليّ في العمر (12 سنة) وهو يرمي حجراً على الناقلة الاسرائيلية بروح تجمع بين خفة الحركة وطيش الطفولة والمخاطرة مع الموت ومُخاتلة القدر واللعب مع الرصاص .... عندها تساءلت لأي شيئ هذا الصديق يرمي حجره ؟.

وماهي اللعبة المسلّية هذه التي استهوت صديقي الفلسطيني ليلعبها مع الكبار ؟.

وفي هذه الاثناء وقبل ان ينتهي التقرير الاخباري المصوّر شاهدتُ صديقي الفلسطيني نفسه وهو محمول بين اذرع الرجال ميتا او شهيدا من جرّاء رصاصة مطاط عنصرية صهيونية ثقبت راسه ليفارق الحياة !.

أتذكر أنني عندذاك شعرت ان هناك قضية وراء رمي صديقي الفلسطيني لحجره وليس لعبة كان يمارسها في احد الطرق للقدس العربية !.

وبعدما كبرتْ سنّي لتصل الى مرحلة الشباب والمراهقة لااعلم لماذا لم يفارق مخيلتي ذالك المشهد للشهيد الفلسطيني صديقي حتى مرحلة الاستعداد للرجولة، وكأنما هناك ترتيب قدري فرض على تكوينتي الذهنية ان تعَلق صورة الشهيد الذي كان يلعب بحجر فرُمي برصاصة ليفارق الحياة، ولكنّ مافهمته فيما بعد من ذاك المشهد التراجيدي المأساوي في مرحلة الشباب : أن الفرق بين اللعب والقضية هو أعطاء الدماء !.

وفي تلك الايام نضجت بعض الشيئ مداركي وبدأتُ افهم بشكل لابأس به لماذا يخرج ابناء فلسطين كل يوم للشوارع للمقاومة بحجر، واستوعبتُ ان هذه الممارسة ليست لعبة وإنما هي مقاومة محتل نهب الارض وسرق الدار وطرد الاهل والاحباب منها .... عندها تساءلت بغرابة : أذن لماذا لم تحرر فلسطين حتى اليوم ؟.

ويبدو انه عندما كبرت سنّي تغيرت في نفس الوقت اسألتي، وبدأ عقلي السياسي بدلا من سؤاله عن حجر الاطفال في فلسطين ولعبهم يسأل عن حجر الكبار العرب والشعوب والانظمة اين هو ولماذا لم يساهم حتى هذه اللحظة بتحرير فلسطين المحتلة ؟.

كان في الاخبار وعلى نشرات التلفاز العربي الرسمي يقال للشباب العربي جوابا على سؤالهم الطبيعي الذي طرحته انا من ضمنهم : ان هناك قوى امبريالية أستعمارية عظمى كالولايات المتحدة والعالم الاوربي الراسمالي تساند الكيان الصهيوني العنصري المحتل على الاستمرار ببقاءه في فلسطين، واستهتاره بالشرعة الدولية وعدم احترامه للعهود والمواثيق الانسانية !.

وبالفعل انخرط الشباب العربي بتجنيد كل طاقاته في سبيل مناهضة قوى الامبريالية العالمية المساندة للكيان الصهيوني من منطلق ان تحرير فلسطين يجب ان يبدأ من كسر الذراع التي تحمي اسرائيل !.

وبدأت الاحتجاجات على الاستعمار، وأُيدت الانقلابات على الانضمة، وضخّت الدماء من اجل التغيير وفلسطين ....... الى ان تغيرت معادلة المنطقة العربية وحكمنا حكّام باسم تحرير فلسطين ومناهضة الاستعمار حتى هذه اللحظة !.

كُبر العمر وشارف على الدخول للرجولة والكهولة ليطرح نمطاً جديدا من الاسألة وهو يرى تغييراً جذريا للمعادلة السياسية في المنطقة العربية والاسلامية بعد حرب لبنان وانتصار المقاومة الوطنية والاسلامية في هذا البلد الصغير لبنان على اسرائيل ودحر قواتها، وبعد حرب غزة اليوم وما اظهره الغزّاويون من ثبات وصبر وتحمّل للتضحيات في معركة رجع فيها الجيش الصهيوني العنصري مندحرا بدون ان يحقق اي هدف من اهدافه المعلنة، ولكنّ مع بقاء نفس سؤال عمر الشباب والفتوّة آنذاك نفسه يتردد في داخلي وهو : لماذا لم تحرر فلسطين حتى هذا اليوم ؟.
مضافا اليه سؤال الرجولة والكهولة هذا : هل عدم تحرير فلسطين حتى اليوم كان بالفعل بسبب قوى الاستعمار والامبريالية الغربية الامريكية بقواها العظمى المساندة للكيان الصهيوني العنصري اسرائيل فحسب ؟.

أم ان سبب عدم تحرير فلسطين حتى هذه اللحظة هو مضافا لقوى الاستعمار والامبريالية الغربية المساندة للاحتلال كذالك هي نظمنا السياسية العربية العميلة التي اصبحت ترى في تحرير فلسطين زوالا لعروشها وكراسيها التي بُنيت على وجوب ان تبقى فلسطين محتلّة ؟.يبدو

ان حرب غزة اليوم وما اظهرته هذه الحرب من نتائج ومستجدات، قد فضحت بلا ادنى لبس حقيقة : ان العدو الصهيوني وحتى مع الدعم الراسمالي الاستعماري الامريكي والغربي له هو احقر بكثير جداً مما كانت تصوّره عدسات الاعلام العربية الحكومية الرسمية، وان هذا الكيان يرتعب بطبيعته ويهزم امام حجر طفل صغير من اشبال فلسطين، ولكن المعادلة الحقيقية التي تساهم بتثبيت هذا الكيان العنصري الصهيوني المحتل لفلسطين هي ليست ان العدو الصهيوني قوّة لاتقهر في منطقتنا العربية، وليست هي مساندة قوى الاستعمار الغربية العظمى له، وليست ........، وانما المعادلة الحقيقية التي لم تزل تدعم احتلال الصهاينة لفلسطين هي نظمنا العربية الرسمية التي تسمى امريكيا بالمعتدلة، هي في الحقيقة هذه القوّة التي تعيق وتناضل وتسعى لعدم الوصول الى حلم رؤية فلسطين عربية محررة خالية من ميلشيات وعصابات الصهاينة المأجورين للغرب الاستعماري ؟.

الحقيقة انه شيئ مؤسف بالنسبة ليّ على الاقل وفي عمر الرجولة ان اكتشف من خلال سؤال الطفولة والشباب والرجولة : لماذا لم تحرر فلسطين حتى هذا اليوم ؟. ان عدوّي الحقيقي هو الذي كان يحكمني ويخدعني طوال هذه السنين من عمري وعمر جيلي من الانسان العربي، وانها لمأساة كبيرة فضحتها دماء غزة اليوم عندما اكتشفنا ان محتل ارضنا وناهب كرامتنا وقاتل اطفالنا هو ليس على الحقيقة كيان اسرائيل المزعوم، بل هو نظمنا الرسمية العربية المعتدلة امريكيا هي التي منعت السلاح يدخل لتحرير جزء من فلسطين وهي التي منعت الدواء والغذاء ان يصل للانسان الفلسطيني ليبقى على قيد الحياة وهي التي لم تزل تسعى مع اعداء فلسطين كي تبقى فلسطين بلا منافذ للتنفس او التفكير بتحريرها او على الاقل بقائها تتنفس بحرية !؟.

فياترى بعد كل هذا العمر الذي مضى والسنين التي كشفت لنا المزيد من الكوارث والمآسي والمؤامرات علينا وعلى قضية فلسطين التاريخية، فهل سيكون عمر الكهولة بالنسبة ليّ مفاجأة كبرى لنحرر فلسطين وعالمنا العربي من العملاء والخونة اولا ومن الصهاينة والمستعمرين ثانيا، ومن عار الغفلة العربية ثالثا، لندخل في طور العالم العربي الحرّ الذي رمى في يوم من الايام صديقي الطفل الفلسطيني حجره فاصاب كبد الحقيقة لقضية المقاومة بدلا من اللعب في هذا الوطن بلافائدة ؟.

أم ان عُمر الكهولة والنهاية بالنسبة لي سيظهر لي اكثر فاكثر ان هناك حقائق يريد الزمان اظهارها لنا كتجربة لابد منها للوصل الى يوم النصر في تحرير فلسطين؟. 

العودة الى الصفحة الرئيسية

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com