فاجعة كربلاء, فواجع المواطنين البسطاء  

 

سناء صالح /هولندا

sanaelgerawy@hotmail.com

مشهد يتكرر كل عام توارثه الأحفاد عن الأجداد, الصورة نفسها صدور عارية وظهور ممزقة من الخلف بقضبان معدنية, النفير الذي يبعث على الشعور بالوحشة ويوحي بالحرب, والكفن الملوث بالدم والرؤوس المشقوقة, الشمر بملابسه الحمراء وشعره الأشعث يتبعه جنود بن سعد بملابس براقة وموسيقى تنم عن الفرح والبهجة ولا أدري لماذا اختاروا هذه الألوان للتعبير عن الشر وأهله ومشهد أيادي العباس المقطعة وقربة الماء بين أسنانه , وقبة القاسم والطفل الذي يخترق النبل صدره والحصان السابح بالدم يرافقه عويل النساء. . أطفال مقيدون  بالسلاسل الى جوارهم دمى مقطوعة الرؤوس والأكف  ومياه ملونة بلون الدم تسيل ليشرب منها الزوار تبركا  ..

روائح التمن والقيمة  وديك العباس والزردة والهريسة  كلها تشي بعاشوراء ذكرى استشهاد الحسين عليه السلام .

عشرة أيام مضت وستلحقها توابع عاشوراء وصفر, وفاة زين العابدين ومرد الراس وغيرها وكلها تدخل في إطار العطل الرسمية فالمدارس مغلقة و كذلك المكاتب والدوائر الحكومية , آلاف من رجال الأمن والشرطة والحرس جندوا لهذه المهمة, كل شيء معطل. الطفل الذي ينبغي أن يكون في مدرسته تراه ممسكا بأثواب أمه يتفرج على مناظر الموت والدم وكأن الواقع العراقي المخضب بالدم والموت المستشري والأمراض والعنف لم تكن كافية لتخلق من الطفل شخصية سوداوية تعيش الكوابيس .

عشرة أيام وليس لوسائل الأعلام من شأن سوى تغطية الجنون المنفلت من زعيق ولطم وشق الجيوب وأعداد هائلة من البشر تتجه الى مدينة كربلاء الصغيرة .. عشرة أيام وأطفال يتقدمون مواكب العزاء وبيدهم القامات التي تزيد عن طولهم, وأطفال آخرون يخدمون الزوار.

عشرة أيام والمنافقون من التجار ومحدثو النعمة يرفعون يافطاتهم الدعائية لمؤسساتهم وفضائياتهم وشركاتهم كل ذلك مجانا باسم الحسين وثورته

عشرة أيام والحكومة العراقية قد صبت كل اهتمامها على مواكب العزاء وتبارى المسؤولون من ذوي المناصب الرفيعة في الدولة في المشاركة ونزلوا الى الشوارع  بحماياتهم وحركوا القدور تعبيرا عن ولائهم للأمام الحسين وارتدوا الأسود والأخضر ليوحوا للمواطن البسيط أنهم من سلالة آل البيت وأن مايقومون به محض رغبة صادقة للتعبير عن الحزن والأسى لفاجعة أهل الطف وليست هي دعوة خفية لدغدغة مشاعر المساكين وغسل أدمغتهم فيتوجهوا الى صناديق الاقتراع منومين مغناطيسيا يعطون أصواتهم إليهم دون تفكير بل يحدوهم أمل رضا بائعي صكوك الغفران للدخول الى جنات الخلد عبر مفاتيح رضوان وقائمته.!!

إن فاجعة العراقيين تكمن في سياسييهم قاطبة

 ممن شجع على الاستمرار والغلو في التعامل مع نكبة الحسين ليحصد مكاسب ومقاعد ويضمن صمت الشارع المغيب ويشغله عن فجيعته بانعدام الخدمات والبطالة والتخلف.بالوقوف والتجمد عند حذث تاريخي لم يبق منه سوى الدرس والعبرة

ممن اكتفى بالصمت فلم يرفع صوته  يمنع استمرار الانحدار لكيلا يتهم بالألحاد والخروج عن الجماعة .

 بأي حق تبتز عقول الناس .

بأي حق يستولى على أطفالنا فتغسل أدمغتهم ويؤثر عليهم ألم يكفهم مافعل النظام الدكتاتوري بأجيال رباها وأبقاها حبيسة ساحات الحروب وحجب عنها نور الحرية في اتخاذ الموقف والعلم والتطور.

 سؤال أوجهه الى المعنيين من حكومة وأحزاب ومنظمات مجتمع مدني

متى تأخذون دوركم في تربية المجتمع وترتقون به في أن يستبدل لغة العويل والنحيب الى الاحتفاء بالذكرى ليوم واحد هو العاشر من محرم  يوم الفاجعة بمسيرة صامتة أو باحتفالات خطابية تركز على العبرة والدرس والصمود في المواقف الصعبة .وأن تكرس الجهود والأموال لتي تنفق على المناسبة في الأعمار والبناء وفتح مشاريع تحمل اسم الحسين عليه السلام تكريما له, ريعها لسد حاجة المعوزين  من الأرامل واليتامى والعاطلين عن العمل .

العودة الى الصفحة الرئيسية

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com