صديقتان وقريبًُ واحد ..

 

رشيد كــرمة

rashid_karma@hotmail.com

والأقرب من هؤلاء جميعا ً الطين فمنه إندلق البشر، وهو الأقدم وهو الأقدس ومع هذا يـُداس بالأقدام، وقد أُهينَ في أكثر من مكان بالعالم، والغبي هو الوحيد  من يسأل أين؟ وكيف؟ ومتى؟ والذكي من يسأل لماذا؟

لم تخطر لي فكرة الكتابة عن الطين اللحظة بعينها، وإنما إستهوتني مذ قرأت (حي بن يقظان)

والطين عالم ساحر، كنت وأصدقائي نتسلق جدار مدرسة العزة الأبتدائية للبنين في كربلاء ونرقب صانع الفخار، وكيف يتفنن في صنع مخلوقاته بواسطة قدميه وكلتا يديه، وكم حاولت مصاحبة بن صاحب المصنع، غير أنه أظهر لؤما ً بز اللؤم نفسه، وأعتقد جازما ً انه كان قد حنقَ علىَّّ نتيجة تفوقي عليه فــي الحصول على جائزة أفضل قارئ قرآن ترتيلا وحفظا ً كما أنني الأبن المدلل لمعلم الرياضة (محمد الشمري) والذي إلتقيته بعد فراق دام ثلاث وأربعون عاما ً في محاضرة للرفيق (علي العقابي) نظمها الحزب الشيوعي العراقي ـ منظمة كربلاء ـ .

واحدة من الصديقتان، عراقية بصرية الهوى والطباع، تقيم في الأردن (....) بعد ان هُددت وتعرضت حياتها للخطر من جانب أعداء الإنسانية، تنقل لي  أخبار العراق وأهله أولا ً بأول موثقة بصور وأرقام ومصادرها، وهي وإن تك ُ قارئة جيدة لما أكتب ُويكتبون، ألا أنها ناقدة أيضا ً تترصد لكل صغيرة وكبيرة،كان آخرها تنويه عن إستخدام كلمة ـ أخ بدلا ً عن الشقيق ـ  ورسالتها الأخيرة عن دور الطين وتأثيره وتأجيج المشاعر لتصب في مصلحة (جهة) دون أُخرى أثارت فضولي للكتابة عن الطين وإن أخذ شكلا ً رومانسيا ً وسطحيا ً أقرب إلى المقالة الصحفية والأدبية من الدراسة  وبالتالي لها ولصديقتي الليتوانية التي إلتقيتها دون موعد الفضل في تكوين هذا المقال،...... حين إلتقيتها لم أكن قد إهتديت أصلا ًإلى أنوثتها، إذ بدت لى رجلا ً أقرب منه إلى إمرأة شكلها الخارجي يوحي بذلك طول فارع، نحيف، يلف العنق شال ًُ جميل، قصة الشعر والملابس, رجالية وهي التي تميز الرجل عن المـرأة في (مجتمعاتنا العربية والإسلامية) ومع هذا أبهرتني بحلاوة لسانها وموسيقية الكلمات التضامنية وحرارة اللقاء مع زائر عراقي فضولي يتطلع إلى الصغيرة والكبيرة !!

لم أتردد في أن أقبل دعوتها الى حيث تعمل، لم يكن مشغلها بعيدا عن مكان لقائنا، كانت خطواتي تطول حيث خطواتها تقصر، ومع هذا وصلنا غير مُجهدّين عند الباب الرئيسي، في أقل من لحظة تسمرت عيناي على كوفية فلسطينية مركونة ًفي الزاوية  وكومةٍ من طين، وأشكال فخارية أجزمُ أنها من صنع يد ٍعراقية، أنها نسخ مما سرق من المتحف العراقي، ولقد أثرت هذا مع (دونـي جورج) مدير الآثار العراقية حين إالتقيته في محاضرة عن المسروقات في مدينة بوروس، كان للنادي العراقي قدر من المساهمة في الإعداد لها ...

(دافيا لوزيته) مواليد 1957، أكملت دراستها عن مادة السيراميك ـ الطين ـ تحديدا ً بين عامي 1979ـ 1984 في أكاديمية فيلنوس للفنون،  وأقامت أول معرض لها عام   1983

في ليتوانيا، ثم أعقبتها في طاجكستان، فرنسا، هولندا، السويد، النرويج، وإجابتها عن سؤالي لماذا الطين تحديدا قالت : لأنه الأقدم في الكون، ولأنك تستطيع ترويضه كيفما شئت والأهم من ذلك أن الآثار التأريخية التي وصلتنا عن الحضارات تدلك بشكل وآخرعن قدرة الإنسان على الإبداع وإن كان من خلال الطين . مشيرة ً إلى مايشبه نحتا فخاريا لوجه رجل  سومري .

أما قريبي الذي إلتقيته للمرة الثانية فقط طيلة سني عمرينا الذي يقترب من الستينات فله مع الطين قصة، إذ أُسر في الحرب العراقية الأيرانية منذ بدايتها، ورفض مع جمع من العراقين الإنضمام إلى جيش التوابين، الذي إبتدعه الإيرانيون وبالتعاون مع آل الحكيم وثلة من العمائم  وذاقوا بذلك مرارة العذاب : يقول( ف.ع.ا ) في حرارة ظهيرة تموزية أخرجونا من قفصٍ للأسر للإشغال الشاقة والذي هو عبارة عن عمليات حفر، ونقل صخور، أجهدونا ذلك اليوم على غير ماكان يجري في الأيام السابقة، لاشئ يقيك حرارة الشمس، ولاشئ يشرب أو يؤكل معك وإذ لاح من بعيد غبار كثيف ًُ خلفته دواليب عجلة عسكرية كبيرة ، إستبشرنا بالزاد،وأمرونا أن نكف عن العمل ونقف في الطابور ثم خرج علينا أحد الأسرى التوابين ليقول: تقدموا واحدا ً وراء الآخر وطأطؤا رؤوسكم وتبركوا بحفنة طين واحدة في يوم مقتل الحسين شهيد كربلاء، قلت لهم صارخا ًولماذا حفنة؟ ومددت كلتا يدي وغرفت من الطين ما استطعت ولطخت  على رأسي ووجهي وصدري،باكيا ًبحرقة الغريب والسجين والأسير، ألعن الغدر والقتل والحرب والذل  حتى غطاني الطين من الرأس إلى أخمص القدمين، بكى الجمع لهذا المشهد (إلا) الأسير التواب ويقينا ً أنه آلان بإنتظار من ينتخبه ضمن قائمة أحد الأحزاب الدينية ولسان حالها تقول : وبالطين وحده يحيا الإنسان .

شكراً للصديقتان وللقريب الذي لازال يعاني من طين الدين, وليس كفرا, ولست خائفا ًأن أصيغ هذه الجملة المفيدة بفضل أحزاب الأسلام السياسي وأقول: أضحى الديـنُ طيناً .

العودة الى الصفحة الرئيسية

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com