لماذا أصبح في العراق أكبر فضيحة فساد في التاريخ؟

 

د. شاكر النابلسي

aliali81189@googlemail.com

-1-

لماذا تعبُق الأجواء العربية والعالمية برائحة الفساد النتنة والنافذة التي تزكم الأنوف، من حين لآخر في العراق. يبدو أن عبق الفساد من سيئات الديمقراطية في العراق. فالعالم العربي، بكل دوله وبلدانه على أعلى قائمة الفساد في العالم، حسب التقارير التي تنشرها "منظمة الشفافية الدولية". كما أن العالم العربي وعلى رأسه العراق، في أسفل قائمة الدول التي تتمتع بالشفافية، و"نظافة اليد".

فقد قال تقرير "منظمة الشفافية الدولية"، إن دولة الإمارات العربية هي في ترتيب قائمة الدول العربية، ذات الشفافية ومحاربة الفساد، كأول دولة عربية برقم 31، ثم قطر 32، والبحرين 36، والأردن 40، وتونس 51، ومصر 70،  والسعودية 75، وسوريا 93، والمغرب 79، والجزائر 84، وليبيا 105، واليمن 111، والسودان  156، والعراق190، علماً بأن آخر دولة في هذا المقياس الدولي هي هايتي بترتيب 163، بينما احتلت فنلندا المركز الأول مع أيسلندا ونيوزيلندا، في الشفافية، ومحاربة الفساد.

ولعل سبب شيوع أخبار الفساد في العراق على هذا النحو، هو حرية الرأي والديمقراطية التي يتمتع بها العراق الآن، والتي تتيح للإعلام كشف كل عيب أو خروقات غير شرعية. ولعل حادثة (السخافي) الزيدي، دليل على هامش الحرية الكبير، الذي يتمتع بها الإعلام الآن، والذي كان في عهد الديكتاتور السابق، لا  يجرؤ على شتم  كلب من كلاب حراسة الدكتاتور.

-2-

 كذلك، فإن الصحافة العراقية والكتاب العراقيين، يمتلكون الشجاعة الكافية في ظل الديمقراطية المتاحة لهم الآن، لفضح وإعلان حجم الفساد في العراق.

فقد فقالت صحيفة "المدى" العراقية، في17/11/2008 ، إن خسائر العراق من الفساد بلغت 250 مليار دولار، منها 45 مليار دولار من تهريب النفط الخام، و45 مليار دولار أخرى من المشتقات النفطية، إضافة إلى حرق 600 مليون متر مكعب من الغاز سنوياً من دون الاستفادة منها، واستغلال 441 بئراً نفطية من أصل 1041 بئراً منتجة، وطاقة تصديرية تقدر بـ4.2 مليون برميل لم يُستغل منها إلا أقل من النصف. وقال بيان صدر مؤخراً عن "هيئة النزاهة العراقية"،  وهي أول هيئة من هذا القبيل في العالم العربي، تملك الجرأة والشجاعة على أن تقول في بيانها: "إن السنوات الخمس الماضية لم تشهد تشييد مصفاة واحدة، على رغم العروض المغرية التي قدمتها شركات عالمية لإنشاء مثل هذه المشاريع، ولمدد تتراوح بين السنة والستة أشهر. وقال البيان أن ما بقي من الـ 250 مليار دولار، أهدرها الفساد في الوزارات والمؤسسات الأخرى. وأشار البيان إلى أن إلغاء لجنة الشؤون الاقتصادية ، وتحويل صلاحياتها إلى الأمانة العامة، ساهم في اتساع رقعة الفساد. وأشار بيان "هيئة النزاهة العراقية"، إلى أن معظم العقود الضخمة، تُبرم دون السماح للجهات الرقابية، خصوصاً "هيئة النزاهة"، بالاطلاع، أو التحقيق فيها.

 -3-

 وفي بحث أُجري لصالح البرلمان العراقي لتقصي حالات الفساد، وضع البحث الاعتداء على المال العام، في مقدمة مظاهر الفساد في العراق، وجاءت بعده الرشوة، موضحاً أن استغلال المناصب العامة، وغياب النزاهة والشفافية في المناقصات الحكومية، وتهريب الأموال، وموارد البلاد، أهم أشكال الفساد، مما يضع الكثير من علامات الاستفهام عن دور المواطن في الحد من أشكال هذا الفساد.

وفي هذا الشأن، قال الكاتب العراقي غالب الشابندر في مقاله "عشر مخاطر تهدد العراق" متمتعاً بأجواء الحرية والديمقراطية السائدة في العراق الجديد الآن:

"هناك إجماع عالمي على أن مستوى الفساد الإداري والمالي في العراق بلغ الذروة ، وأن جذور هذا الفساد تنبع من الدوائر العليا في البلد، وأنها محمية من أكابر موظفي الدولة خاصة، على مستوى الوزراء والمستشارين. ولم تستطع هيئة النزاهة، ولا القضاء العراقي حل مشكلة هذا الفساد، بسبب تدخل الأحزاب السياسية ودوائر الدولة المهمة في عمل هاتين المؤسستين في البلد". ("إيلاف"، 20/11/2008).

ولعل في العالم العربي دولاً أكثر فساداً من العراق، ولكن لم تصلها عيون "منظمة الشفافية الدولية"، بسبب التكتم، واختناق الحريات، والرقابة الشديدة على الإعلام، الذي وظيفته في العالم العربي، أن يكتم ما عُلم، وليس أن يفضح ما أُمسك. ولم يبقَ لنا، لكي يكشف عن معدلات الفساد في العالم العربي غير الصحافة الغربية، التي تعتمد في تقاريرها على تقرير "منظمة الشفافية الدولية".

-4-

واستناداً لدراسة حديثة أصدرتها "منظمة الشفافية الدولية" من مركزها الرئيسي في برلين، فقد حلَّ العراق في المرتبة الثالثة على لائحة أسوأ الدول فساداً في العالم بين 180 دولة، ولم يتقدّم العراق في الشفافية إلا على الصومال وميانمار (بورما سابقاً)!

ولذلك، دقّت نواقيس "منظمة الشفافية الدولية"، معلنة من أن عمليات إعادة إعمار العراق، يمكن أن تتحول إلى "أكبر فضيحة فساد في التاريخ". وقالت المنظمة إن هناك خطوات رئيسية يجب أن تتخذ بصورة عاجلة، قبل أن يتحوَّل الفساد المحيط بالعملية إلى وباء، لا يمكن التخلص منه.

ولكن ما هو الحل للقضاء على هذه الآفة الكبرى.

وكالعادة، فالحلول تأتي دائماً من الخارج، ويأتي الحل هذه المرة، من "منظمة الشفافية الدولية" التي تقترح ما يلي:

1- يتوجب على الدول النامية استخدام المساعدات المالية، لتعزيز المؤسسات الحكومية، والقيام بتقييم وطني، واستراتيجيات تطويرية، تشمل خطة لتعزيز النزاهة ومكافحة الفساد، كركن في برامج مكافحة الفقر.

2- تعزيز القضاء المستقل والنزاهة، وتحمّل المسئولية لتنمية النظام القضائي في الدول الفقيرة. ويجب أن تكون الأنظمة القضائية محصَّنة من التأثير السياسي. ويكون القضاة أنفسهم خاضعين للقوانين، لهم حصانة محددة، وسلوك قضائي نزيه، يضمن العدالة. ويجب أن يكون النظام القضائي نزيهاً وقادراً في الدول النامية لإمكانية إدارة طلب المساعدة، لاسترجاع الممتلكات المنهوبة من الخارج.

3- يتوجب على الحكومات فرض إجراءات لمكافحة الفساد. وعلى المؤسسات البنكية الرائدة تطوير إجراءات لكشف ،وتجميد، واسترجاع المبالغ المسروقة من خلال الفساد.

4- يتوجب على الدول الغنية ضبط المؤسسات المالية، من خلال التركيز على صناديق الائتمان، وطلب معلومات عن المُلكية، ومكافحة غسيل الأموال.

5- يجب على الحكومات الغنية، تطبيق اتفاقية منظمة التعاون والتنمية في الميدان الاقتصادي ضد الرشوة، والتي تُجرِّم رشوة الموظف الحكومي. مع إدراك أن عدم الالتزام بهذه الاتفاقية، يُعيق عملية التحقيق في حالات الفساد، وملاحقتها قانونياً.

6- يتوجب على الشركات العالمية فرض وتطبيق وثيقة "أفضل الممارسات"، والتأكد من أن الموظفين والفروع الخارجية يلتزمون بها.

وبعد، فهل من مجيب في العراق والعالم العربي، لكي تستقيم الأمور، وينعم المواطن بوطن نظيف، ومواطنين شرفاء؟ 

العودة الى الصفحة الرئيسية

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com