أين الجنة الأمريكية الموعودة للعراقيين يا وكيل الوزارة السعودي؟

 

د. حامد العطية

 hsatiyyah@hotmail.com

الزمان: شهور قلائل بعد احتلال القوات الأمريكية للعراق، المكان: مكة المكرمة، الموضوع: مهمة استشارية لإعادة تنظيم وزارة الحج السعودية، وعلى قائمة المقابلات أحد وكلاء وزير الحج، استقبلني الرجل بترحاب وتهذيب، أجاب على اسئلتي الكثيرة، والصريحة لحد الإحراج أحياناً، وزودني بكل ما طلبته من معلومات، كان حريصاً كل الحرص على نجاح المهمة، فهو يمثل تيار الحداثة بشهادته العليا وأفكاره التطويرية، ولكنه تيار أقلية وسط الغالبية التقليدية الخائفة من ضياع مصالحها نتيجة التغيير.

    قبل انتهاء المقابلة تطرق الحديث للإحتلال الأمريكي للعراق، فصارحته بكرهيتي للإحتلال، على الرغم من إطاحته بالنظام الطاغوتي، الذي أجبرني على العيش في المنافي لأكثر من ربع قرن، ونصفها بدون جواز سفر، فقال لي بما معناه: اتركوا للأمريكيين إدارة بلدكم عشر سنوات، وسيجعلون منه جنة أرضية.

    لم يتسن لي الاتصال بالوكيل منذ ذلك الحين، سمعت بترقيته لاحقاً إلى مرتبة وزير، لكنهم نقلوه إلى وظيفة أخرى، فخسرته وزارة الحج، والتي هي بأمس الحاجة للتطوير، كان بودي أن أساله عن رايه وتقييمه للإنجازات الأمريكية بعد خمس سنوات من الإحتلال، فإذا كان المطلوب في تقديره عشر سنوات من الإحتلال لكي يصبح العراق جنة فهل أصبح العراق نصف جنة بعد ما يزيد على خمس سنوات؟

    تكشف لنا بالفعل بأن هنالك مئات الألاف من العراقيين، الذين لا يفصل بينهم وبين الجنة سوى يوم واحد، ولكن هؤلاء كلهم أموات، من ضحايا العمليات الإرهابية واعتداءات قوات الإحتلال، والجنة التي سيدخلونها يوم القيامة هي جنة الخلد السماوية لا الجنة العراقية، وحذار من سؤال ربع العراقيين المهاجرين والمهجرين إن كانوا قاب قوسين او ادنى من الجنة؟ فلا ضمان لسلامة السائل، ولو تقصينا أراء بقية العراقيين، خارج المحمية الكردية، لاشتكوا اضطراب الأمن وعدم الاستقرار والخوف من المستقبل وزيف النظام السياسي وأنانية الساسة وارتشاء الموظفين و البطالة وفقدان التنمية وانخفاض الرواتب والأجور والغلاء وقلة الخدمات ورداءة المنتوجات، فهل هذه صفات الجنة أو حتى نصف الجنة؟ كلا، إنه الجحيم بعينه، وإن رأيت عراقياً يضحك أو عريسين يحتفلان فتذكر كلمات من أغنية لداخل حسن: أضحك جذب والنار تلتهب بيه.

   كان العراق جحيماً قبل الإحتلال، وأصبح جحيماً من نوع اخر بعد الإحتلال، وبالأمس مدد بعض قادة الحركات السياسية المنتخبين فترة مكوث العراق في الجحيم ثلاث سنوات أخرى على الأقل.

 العودة الى الصفحة الرئيسية

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com