العربنجي هل يستحق الاساءة!

 

عماد خليل بِله

 ekbelah@yahoo.com

 "عربنجي" لطالما تستعمل هذه المفردة في اللهجة الدارجة للاستصغار بالمفهوم العراقي، ليس لان مهنة العربنجي غير شريفة بل لان التقييم الاجتماعي يضعها في الصف الاسفل من المهن التي يمارسها الانسان لكسب عيشه الحلال (واشدد على كلمة حلال لان الحلال استهين بطرق الكسب منذ سنوات). وكما يفهم من الكلمة فهي تعبير عن العمل باستخدام "العربانة" و"العربية" كما تسمى في بعض دول المنطقة.

 لو تمعنا بواقع العراق المتواصل منذ خمسة سنوات لوجدنا العربنجي يتعامل بصورة عامة مع الحيوان الذي يجر العربة، وهنا نجد سمتين متداخلتين لهذا الكادح، اولهما امتلاك القدرة القيادية التي تؤهله لقيادة عربته في الطرقات وتوجيه الحيوان العامل معه بالاتجاه المطلوب وسط كل مكونات المحيط التي تؤدي الى احداث مؤسفة عند تولى القيادة من قبل شخص غير مؤهل للمهمة، ولربما وفي بعض انواع العربانات يصبح الحيوان بعد الجهد المبذول لتعليمه قادرا على المسير والوصول للموقع الهدف بمفرده او باقل اشراف من قبل قيادته، وهنا تتجلى السمة الثانية للعربنجي وهي (الصبر) ومايرافقه من مقدرة على التروي ويمثله من ( طولة بال) مع مخلوق لايمتلك عقلا لتفهم مايدور والحكم على الظواهر حوله وبالتالي التحرك بالاستناد الى متطلباتها، ومعروف للجميع كيف يُمكن الصبر من امتصاص ردة الفعل السلبية واستيعاب هاديء للانفعالات العاطفية، بما يقود الى حوار منتج لصيغة مقبولة من الاتفاق للاطراف ذات العلاقة، وبالنتيجة يتمكن ذلك الكادح من ترويض الحيوان متجاوزا ما مر به من رفسات وتكسير لممتلكات باعتبارها جزءا من مرحلة اعداد وتربية ذلك المخلوق. وبالمقارنة مع الحالة العراقية يظهر العربنجي افضل من كثيرين من مسؤولي المواقع السلطوية والسياسية بمختلف مستوياتها في العراق الحالي اؤلئك الذن سطو على مواقع المسؤولية بفعل مدروس او فعل ناتج عن مصالح ضيقة وبكلا الحالتين تمت عملية السطو ضد مصلحة الشعب العراقي حيث اهملت القيم الحقيقية للوظائف وطفح على السطح من لا يمتلكون الحد الادنى من القدرة القيادية ولا المعرفة المطلوبة لتسيير تلك المواقع بخطط منتجة، وهم يفتقدون الى ( طولة البال) التي يمتلكها العربنجية، وبينت تجربة السنوات الخمسة المنصرمة بانهم لم يتمكنوا من السير في الطرقات الواضحة كما العربنجي ،فسلكوا طرق غير الشرعية للتمسك بمواقعهم فحل التسيب والفساد والنهب حتى اصبح مرادفا ل- جمهورية العراق-

 ان تذكر ولو سريع "للمناكشات" خلال جلسات البرلمان او اجتماعات الهيئات الحكومية والسياسية ودوائر مابقي من دولة تظهر محدودية القدرات، وضيق الصدر وتعصب التفكير، والاغراق في الذاتية، واهمال الوطن ، وكل ذلك يدفع صاحبه الى الانغلاق وعدم الاصغاء لوجهة النظر الاخرى لتفهم اسباب الاعتراض والموافقة لديها، بما يختصر ب (لا حوار) ،/ جملة اعتراضية: نعثر على التناغم والتضامن عند مناقشة مواضيع لا تمس حياة المواطنين العراقين مباشرة والمتمثلة بمزيد من المكاسب الشخصية والعائلية والحزبية/ ، لماذا ؟ لان الحوار العميق يحتاج صبرا يمتلكه العربنجي وامثاله.

 ومن جهة اخرى لم يجد هذا المواطن فرصة لكسب العلم والحصول على شهادة تفتح له باب مهنة اخرى، لكنه لم يلجأ الى تزوير شهادة في زمن لم يعد فيه التزوير معيبا، ولم يدعِِ المعرفة الموسوعية كما تفعل الزلم الخشنة لهذه الايام، هو يبذل جهده وجهد حيوانه لكسب عيشه وبالتأكيد مقابل خدمات يقدمها. اذن عمله لايتسم بشيء من السرقة ولا يتسم باستغلال مظاهر معينة، وبالتأكيد الخدمة التي يقدمها مفيدة للناس والا لما وجدت هذه المهنة، وبهذا هو مرة اخرى افضل ممن اخذوا موقع السلطات الاربعة في الدولة دون مؤهلات وينعمون بمال المواطنين العراقيين دون ان يقدموا خدمات تعادل ما يستحوذون عليه ، لنجد بالنتيجة ان هؤلاء بلا فائدة. وكل عراقي وعراقية – كل من موقعه- لمس اذى وجود هذه العلل في جسم الدولة العراقية، الاذى الذي اوقعنا بالمعاناة المتواصلة ، والتي يتوقع لها ان تزداد سوءا اذا بقي الحال كما هو عليه واستأنس العراقيون بمعاناتهم حين لا يلجؤا الى الاختيار الصحيح في انتخابات المحافظات القادمة. والحمد لله لكون مُبتنيات البناء التحتي والاليات والمعدات ومرتكزات العمل قادرة حتى هذه الساعة على تقديم خدمات بسيطة بفعل الجهود المتواصلة لما بقي من قوى منتجة ونزيهة في مواقع العمل، مع ملاحظة ان هذه الجهود تبذل حبا بالوطن رغم المعاناة لان الجذور الطيبة لبنات وابناء العراق انتماءا عميقة الروح، ولكن هذي المكونات في تاكل وانكسار ما لم يتسلم مواقع قيادة البلاد ومسؤوليات القيادة السياسية،و التخطيط، والبناء والاعمار من هو( كدهه) بكل المعايير العلمية اللازمة لتحقيق المنتج المطلوب وفي مختلف المستويات. فهل نقول كفاية لبياعي الوهم.

 ربما يقول البعض ان لغة العربنجي عامة سوقية تكثر فيها الكلمات البذيئة، وربما وجد اخرون لاغرابة بذلك بسبب واقع متواضع لثقافة ومعرفة ذلك الانسان، ومؤكدا هي لا تضر بعملية البناء الاقتصادي للوطن، ولا تعرقل عملية اعادة بناء مؤسسات الدولة ، ولا تضع شروطا لعملية اصلاح النظام السياسي ، ولا تشترط صيغة للديمقراطية السياسية ولا دخل لها بالعقود والاتفاقيات مع الجهات غير العراقية، ولاتلعب دورا في مشاريع الاستثمار.هي محدودة الاثر بمحيط اجتماعي صغير حيث تستخدم ، وبتأثير قصير الزمن وقد يكون انياُ ولربما بدون اثر بحكم التكرار، لكن... ولكن كبيرة.. كيف باؤلئك "مدوخونا" بمفردات منمقة، مقدسة، متمدنة ، عاطفية، وواقع سلوكهم لا صلة له بكل ما توحي به وتعنيه تعبيراتهم. هل يستعمل العربنجي كلماته البذيئة بشكل روتيني ام حسب الظرف؟ وهل يستعملون هم الغش بكل الظروف؟

 وان قيل ان عدم التنظيم صفة لحياة العربنجي، فذاك سوء فهم لمعرفة قاصرة ، اذ ان ادارة الحيوان ومتطلباتها من تغذية ورعاية صحية ومعرفة حركاته الدالة على التعب والعطش والخوف وعدم القدرة على تحمل ثقل ما ، والمرض ، والطعام المفضل، كل هذه تحتاج الى تفهم وتنظيم لضمان اداء جيد للحيوان، ولو وافقنا ان العربنجي غير منظم فهو بذلك ينسجم مع الفوضى وعدم النظام اللتان يلتزم بها برلماننا العتيد عند انعقاد جلساته، ولربما مجالس المحافظات حيث تتم بعيدا عن الاعلام وتحرمنا متعة المتابعة.

 من يقدر يقود حيوان قد يتمكن من قيادة انسان لاسيما اذا كان الانسان المعني يدرك مسؤوليته والعيب فيمن ليس بمقدوره قيادة انسان ولا قيادة حيوان ويلعب دور فارس الفرسان.

لو مشينا قليلا مع الخيال وغامرنا في الانتخابات المقبلة وانتخبنا بعض من العاملين "عربنجية" لمجالس المحافظات اذا لم تتوفر لدينا الرغبة باختيار اصحاب الكفاءة، فماذا يمكن ان يحدث؟ فالاحتمال كبير ان يمثلنا عنصرا نزيها بدل متلاعب بحقوق الشعب. وقد لايبدر منه اي مشروع ذا قيمة- وهذا افتراض يمكن ان لا يكون صحيحا دائما- لكن هو بالغالب لا يشارك باعمال الحرامية لان الراتب الكبير سيفوق احتياجه، ولربما نجد على يده حلا لازمة المواصلات في المحافظات لامتلاكه خبرة عملية في معرفة تفاصيلها ومسبباتها. ومن المؤكد ان الرجل العربنجي عرف قدر نفسه ولا نتوقع منه ان يتنطع او يدعي ان العلم يأتيه من امامه ومن خلفه كما يصف انفسهم المشعوذون من اصحاب التصريحات التي ( ما توكل خبز).

بهذا فالرجل لا يستحق استمرار الاساءة اليه باستخدام مهنته للشتيمة، ويكون من المنصف استبدالها بصيغ اخرى ذات وقع مجرب كأن نقول : ياوزير محاصصة، او يا برلماني محاصصة، او يا مدير عام محاصصة، وغيرها من خانة المحاصصة التي جلبت الفساد والخراب.

 العودة الى الصفحة الرئيسية

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com