|
الحل الأمثل للخروج من أزمة كركوك
محمود المفرجي مقـــدمة أصبحت الفدرالية واقعا قائما في العراق اقره الدستور ليكون منسجما مع التركيبة الاجتماعية العراقية المتعددة الطوائف والأديان، الا انها بقيت تجربة وليدة لم تطبق بشكلها الواسع الذي يمكن من خلاله ان نقول ان العراق بلدا ديمقراطيا، فهذه التجربة لم تطبق الا في اقليم كردستان الذي كان ناجحا في إدارة منطقته فدراليا، وقولنا بانه ناجح ليس معناه انه وصل الى درجة السمو بدليل ان هناك كثير من المشاكل ما زالت عالقة، فضلا عن وجود ضبابية واضحة في العلاقة بين حكومة المركز والإقليم . فهناك مشاكل في واردات الاقليم النفطية والكمارك وحرس الاقليم وصورته وهويته ... الخ مع هذا ان هذه المشاكل لم تصل الى مرحلة غلق الباب بين الحكومتين ، انما ما زالت المباحثات بينهما مستمرة للتخلص منها ووضع أسس صحيحة وحقيقية في العلاقة من اجل ان تمارسا كل من الحكومتين مسؤوليتهما وصلاحيتهما القانونية والدستورية. الا ان المشكلة الاكبر والعقدة تكمن في المناطق المتنازع عليها التي ادرجت في مادة دستورية واضحة وهي المادة 140 التي تعالج هذا الموضوع . وبعد خمس سنوات من التغيير اتضح ان هذه المناطق ليس من السهولة حلها لاسيما ان هناك مناطق في غاية الحساسية اهمها محافظة كركوك التي تحتضن المكونات الرئيسية من العرب والتركمان والاكراد ، فالعرب والتركمان يريدونها مدينة عراقية حالها حال العاصمة بغداد ، الا ان الاكراد يريدونها محافظة كردية ملحقة بالاقليم . وهذا الاختلاف في الرأي وهذه المطالبات ليست قبيحة سياسيا انما جاءت من منطلقات هذه المكونات وتبريراتهم التاريخية والاجتماعية والجغرافية والديمغرافية، مما يدفع كل اصحاب العلاقة في البيت السياسي العراقي التعامل بحذر وشفافية ازاء هذه القضية . فلو دققنا النظر لرأينا ان أي قضية تخص كركوك حتى لو كانت بسيطة تثير ازمة كبيرة في المشهد السياسي العراقي كان اخرها قبل تشريع قانون وانتخاب مجالس المحافظات الذي خرج منه مجلس النواب بحل توافقي بشق الانفس بتشكيل لجنة من المجلس لتقصي الحقائق في المدينة ووضع قانون خاص لها لهذه الانتخابات. لكن حقيقية الامر ان الحل الذي توصل اليه مجلس النواب ليس حلا في حقيقته انما هو تأجيل للمشكلة ، لان الحلول هي انهاء لاي مشكلة ، انما ما توصل اليه المجلس لا يمنع اثارة هذه المشكلة مرة ثانية في المستقبل وخاصة ان العراق يعيش في مرحلة تاريخية مليئة بالاحداث تهيئ لها الاجواء الديمقراطية التي يعيشها البلد. وعليه رأيت من المناسب مناقشة هذه القضية مناقشة سريعة في ظل الهدوء المؤقت التي تعيشه المشكلة ، اخذين بنظر الاعتبار الحيادية في المناقشة والتنزه عن أي انتماء عرقي وقومي. مصلحة كركوك اين؟ لو انطلقنا من نظرة تدعي حيادية منصفة لابد لنا ان نأخذ التركيبة السكانية المتقاربة بين المكونات الثلاث (عربية ، كردية وتركمانية) ، وايضا لابد لنا ان نشير الى ثروتها الطبيعية التي باستطاعتها تغذية العراق من شماله الى جنوبه بدون الحاجة الى موارد أي مدينة اخرى في العراق . ولو بحثنا عن مصلحة المدينة لابد لنا ايضا دراسة افكار وتطلعات المكونات الثلاث ، فالاكراد يرون من كركوك بانها مدينة كردية بكل ما تحمله من تاريخ وارث حضاري ووجود سكاني ، في حين ان العرب لهم جذور تاريخية فيها لا يسمحون من خلالها التخلي عن شبر منها او تغيير هويتها ، الى ذلك يرى التركمان من كركوك على انها موطنهم الرئيس والرسمي في العراق وهم ايضا لا يسمحون ان يفرطوا بها لصالح الاكراد على الاقل . ووفق ذلك لابد ان نضع اكثر من حل امام الجميع ، لنتجنب الاحتقان القومي على الاقل لا سمح الله الذي يحتمله الكثيرين من المتتبعين للمشهد السياسي العراقي. 1- جعل كركوك اقليم قائم بحد ذاته 2- الحاق كركوك باقليم كردستان 3- اعتبار كركوك حالة خاصة ويكون وضعها وضعا خاصة كبغداد والحاقها بالسلطة المركزية. 1- اقليم قائم بحد ذاته لا يخفى على الجميع ، وبدون تحفظ ان العلاقة بين المكونات الثلاث في غاية الحراجة ، فهناك سوء ظن بين الجميع وعدم ثقة يصعب اعادتها في ظل الاجواء المحتقنة فيما بينهم ، ولو وضعت كركوك كأقليم قائم بحد ذاته لا اعتقد انه سيحل القضية بل قد يثيرها ويصعد من وتيرة الاحتقانات وعدم الثقة بين مكوناتها ، لان الاقليم لو اقر ستكون فيه مناصب سيادية اكثر صلاحية من صلاحيات المحافظة ، فحينه سيكون هناك رئيس للاقليم ونائب له ومجلس تشريعي للاقليم ... الخ من المناصب والدرجات الوظيفية الادارية للمدينة. وعليه ان الانتخابات لاستحصال هذه المناصب ستكون غير كافية لضمان عدم اندلاع الازمات بين المكونات ، لانه في حينه ستشعر المكونات التي لا تحصل على رئاسة الاقليم (مثلا)، بالظلم والغبن ، وستتهم الجهة التي تتولى الرئاسة باتهامات عدة ، ناهيك عن المنافسة التي ستحدد بينهم . 2- إلحاق كركوك بإقليم كردستان هذا الامر لا يمكن له ان يأتي بصورة عشوائية ، إنما يحتاج إلى آليات ناجعة أهمها إعطاء اهالي كركوك حق تقرير المصير ليختار طريقه الذي يختاره بان يلتحق بإقليم كردستان أو لا يلتحق ، وهذا الامر في ظل حالة التوجس وعدم الثقة بين المكونات الثلاث لا يمكن ان يحدث حتى لو توصلت نتيجة الاستفتاء لأهالي كركوك على النسبة التي تضمن لهم الالتحاق بالإقليم ، لان هناك مكونات رئيسية ترى من هذا الموضوع موضوعا مفصليا وخطا احمرا لا يمكن له ان يحدث حتى لو كلف الدفاع على عدم تحقيقه بالأرواح وبكل شي كما عبر عنه بعض قادة المكونين العربي والتركماني . وعليه ان مجرد التفكير في هذا الأمر هو مجازفة بحد ذاته سوف تحرق المدينة خاصة والعراق عامة ، وستدخل المدينة بحرب أهلية لا يحمد عقباها قد تطيح بالعملية الديمقراطية برمتها في العراق. ومن الجانب الأخر فان المسألة لا يمكن ان تكون مسألة داخلية بل ستمتد الى مشكلة إقليمية وسوف تفسح المجال الى تدخلات خارجية لاسيما من الدول التي لا تسمح بالتوسع الكردي في المنطقة مثل إيران وتركيا وسوريا ، على اعتبار أن هذه الدول تملك قومية كردية في مجتمعاتها وان أي توسع كردي على هذا السياق سيثير مشاكل في نفس دولهم . وبالتالي سيكون مبررا للتدخل في شؤون العراق مما سوف يساعد على إضعافه. والامر لا يقف عند هذا الحد بل إن تركيا ترى إن لها امتداد تاريخي واجتماعي في المدينة متمثل بوجود المكون التركماني التي ترى تركيا إن من حقها الطبيعي الدفاع عن مصالحهم لانتمائهم القومي لها حسب ما تدعي. ولو توسعنا في الامر قليلا فان هذا الأمر لو طبق في العراق وألحقت كركوك باقليم كردستان فانه سوف يعطي انطبعا للجميع بان الأكراد يحاولوا ان يؤسسوا لدولة كردية وان دوافهم التي تدفعهم ليست مقتصرة على حماية مصالح قوميتهم بل تهيئة أرضية ومناخ مناسب لان هذه الدولة . وهذا الأمر ليس خافيا لاسيما في ظل بعض التلويحات التي تظهر من هنا وهناك من قبل القادة الكرد الذين أعلنوا عنها صراحة في بعض الأحيان بأنهم كيان قائم بحد ذاته لا يمكن ان يلحق بدولة أخرى ، منطلقين من تقاليدهم وثقافتهم الخاصة . 3- الحاق كركوك بالسلطة المركزية للدولة العراقية بالرغم من استحالة تقبل الإخوة الأكراد هذه الفكرة ، إلا إن الكثيرين يرون انه الحل الامثل للجميع وسيجنب كركوك والعراق المشاكل التي يمكن إن تحدث وسيطوى وينهى ملف كركوك إلى الأبد ، وعليه لابد من التفكير بطرق ثانوية ترضي جميع مكوناتها . وهذا الامر لو تحقق فانه سيضمن حقوق الاكراد في موارد البلد عموما ، فضلا عن انه سيسكت كل الاصوات التي تتهمهم بالانفصال وسيكون من مصلحتهم أن يبقوا ضمن الحدود الجغرافية للعراق وسيجنبهم التدخلات الخارجية وكل الاتهامات. ويجب الالتفات لنقطة مهمة تقف حائلا امام التطلعات بضم كركوك لاقليم كردستان وهي متمثلة بالخط الأزرق الذي وضعته الأمم المتحدة في أبان أحداث الـ90 ، حيث ان محافظة كركوك هي خارج هذا الخط مما يوفر غطاء قانوني للحكومة المركزية بالتصرف بهذه المحافظة وضمها للحكومة المركزية التي تدير شؤونها هي لا غيرها. اقتراح نراه انه هو الحل الامثل هناك مقترحين نراهما الحل الامثل للخروج من هذه الازمة ، لم ندرجه ضمن الاحتمالات الثلاث انفة الذكر ، وارتأينا ان نجعلهما منفصلان لحساسيتهما اولا ولعدم الالتفات اليهما ثانيا ، ومتمثلين في: الاول- ان تكون محافظة كركوك عاصمة جمهورية العراق بدلا من بغداد ونقل بعض المؤسسات المهمة في الدولة اليها وهذا الامر يدعمه القانون على اعتبار انه من حق الدولة العراقية تغيير عاصمتها وفق المصلحة التي تراها مناسبة. ولكن هذا الامر لا يتحقق الا بعد المرور بمخاض قد يكون عسيرا في بداية الامر لانه يتطلب موافقة البرلمان العراقي الذي يشكل منه المكونات الثلاث في كركوك جزءا مهما منه. وهذا الامر لو تحقق فانه سيساهم بـ: أ- حفظ الامن بصورة كاملة ونهائية في كل المنطقة الشمالية لاسيما ان هناك مناطق في المنطقة ما زالت تشكل نقطة انطلاق لبقايا تنظيم القاعدة والتنظيمات المسلحة الاخرى التي تريد النيل من البلد. ب- سوف يساعد على تأمين كل الطرق المؤدية الى كثير من المحافظات باعتبار ان كركوك منطقة مفصليا ومعبرا مهما لباقي المحافظات. جـ- سوف يساعد على الحفاظ على ثروة مهمة من ثروات العراق وهي النفط لاسيما ان كركوك هي من اكثر المحافظات التي تحتضن احتياط النفط المستقبلي للبلد. د- سوف يساعد باعمار المحافظة وجعلها متصدرة في هذا المجال وستكون حاضنا رئيسيا لكبرى الشركات في العالم. هـ- سوف يحقق المصالحة الوطنية الشاملة لكل المكونات ليس في كركوك فحسب انما في كل العراق. الثاني- ان يضم ثلث محافظة كركوك الى اقليم كردستان ويبقى الثلثين الباقيين تحت ولاية الحكومة المركزية . وبهذا فاننا قد حققنا قدرا كبيرا من الرغبة الكردية ، وخففنا من حدة اصرارهم على هذه المدينة. واخيرا ... نرى ونؤكد ونشدد بان كركوك يجب ان تبقى للعراق وان لا تكون لمكون معين، ونحذر بالوقت نفسه من خطورة فسح المجال امام جميع المكونات وإعطائها الامل بامكانية تغييرها ديمغرافيا ، لان هذا الامر سوف يعطي المبررات لمكونات اخرى بالاستئثار بمناطق اخرى غير كركوك. والحقيقة تقتضي بان نقول انه من الصحيح ان الدستور اقر بان العراق هو دولة اتحادية ، لكن هذا ليس معناه ان كل العراق يتقبل او ان تكون أجوائه مهيئة لتشكيل الاقاليم ، فخلال خمس سنوات مضت اثبتت الاحداث والتداعيات بان العراق لا يتقبل ان ان يكون نظامه الاداري اتحاديا في كثير من مناطقه . لكن يمكن ان يتم الاستفادة من الحكومات المحلية والصلاحيات التي وهبها الدستور لها ، وبهذا هي حالة شبيهة وعنوان لا يخل بكون العراق دولة اتحادية. كما يمكن الاستفادة من المادة 142 في الدستور لمراجعة بعض الفقرات الدستورية الاخرى وتعديلها ووضعها في اطار يخدم العراق جغرافيا واجتماعيا وسياسيا. كما يجب الالتفات الى اننا نرجح الحل الاول على الثاني ، كم ان طرحنا لهذه النقاط التي قد تكون غير ملتفت اليها بالمرة لا يجب فهمه الى انه يندرج ضمن اجندة معينة ، انما نحن من اكثر الناس حرصا على وحدة العراق ارضا وشعبا وعلما ، وان طرحنا للحلين ليس الا ترجمة لتعاملنا مع حقيقة الاحداث التي تجري في العراق والتي تدور حول هذه القضية المهمة.
|
||||
© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |