بنت الرافدين

قدَر العراق ان يكون كبيرا فلا تحقرّوا من دوره في العالم

حميد الشاكر

في أحيان كثيرة يكون قدر الإنسان أو الوطن، أو الشعب ... هو المُتحكمّ في دوره في هذه الحياة الانسانية، وحتى ان حاول هذا الإنسان او هذا الشعب او ذاك الوطن التنازل عن قدره، او غض النظر عن حتميته، أو الاستحمار في وظيفته فإنه لابد سيعود للإقرار بواقعه الذي اوجده القدر من أجله، وليلعب فيما بعد دوره المقرر له بين الانسانية او الشعوب او الاوطان في هذه الحياة!.

والحقيقة ان الانسان والشعب والوطن العراقي خُلق في هذا الوجود ليحمل قدره بين عينيه في هذه الحياة، ومنذ أكثر من سبعة آلاف سنه والعراق وطنٌ كبيرٌ وأمةٌ مبدعة وخلاّقة، وأنسان من نوع معقدٍ ومميز!.

في الماضي أوجد الحرف وأدار العجلة وتطلّع الى السماء وتوسع في المُلك وبنى المدن وشقّ الانهار وابتكر الزراعة ودجّن الحيوان، وعزف على القيثارة وصاغ الحليّ، وفتق الخمر وعبد الله سبحانه وتأمل في الرياضيات وساس العباد وغزا الحضارات وشرّع القوانين، وخلق الطواغيت وولد الانبياء وخاطب الغيب وصنع اصباغ التجميل وفتن الشياطين!.

واليوم وحتى بعد ان قزّمه الاستعمار وبنى له الحدود واعتقله في حضائر الاوطان الحديثة ودجّنه خلف اسوار الحدود والجغرافية، والقى على كاهله أعباء الحروب والتخلف والفقر والحاجة .... بقي ايضا العراق بلدا وانسانا وشعبا يتميّز بروح الابداع والابتكار، وبقوّة التاريخ والحضارة، وبعنفوانية الحركة وعدم السكون، وخير شاهد على مانقول هو ماسطره هذا الوطن وهذا الانسان وهذه الامة في ملحمة الانتخابات الاخيرة لمجالس المحافظات الذي اثبت فيها العراق والانسان والشعب انه امة من المبدعين الذين يخلقون النموذج بدلا من تقليد الاخرين فيه!.

لكنّ ومع كل مالهذا الانسان وهذه الامة وهذا الوطن من مميزات وقدر ووجود وحضارة وتحرّك ...... أُبتلي ايضا هذا النموذج العراقي اليوم بداء عضال كبير وخطير كذالك يهدد من قدره ويحاول النيل من وجود هذا المثلث القائم على ثلاثية الانسان والامة والوطن في العراق اليوم ألا وهو عضال : غياب القيادة التي تدرك ان قدر العراق ان يكون كبيرا، ولايمكن في اي حال من الاحوال سجن العراق في قمقم الموت البطيئ والحياة على الهامش!.

نعم هناك اليوم من قادة العراق الجدد صغارٌ جداً، وينظرون الى العراق والامة والانسان على قدر احجامهم الطبيعية، ولهذا فهم يحاولون قدر المستطاع التصغير من البدلة العراقية او حجمها الطبيعي لتناسب احجامهم السياسية والفكرية الصغيرة جدا في هذا العالم كي لايبدو العراق اكبر منهم بكثير!.

في السياسة الخارجية للعراق اليوم هناك مَن يحاول من قادة العراق الجدد ان يقزّم الدور العراقي ويضغطه الى درجة الموت الواقعي لتصبح أمارة ومشيخة قطر الخليجية اكثر فاعلية سياسية في القضايا الدولية من العراق نفسه!.

وفي السياسة الداخلية هناك من القادة العراقيين من استكثر على العراق ان يكون دولة متماسكة، ولهذا ارتأى تجزيئه وتشظيه اكثر فاكثر ليصبح ثمانية عشر قطعة متناثرة ذات اليمين وذات الشمال!.

وفي الدور الاقليمي الفاعل هناك من القيادات العراقية من يدعوا الى قتل العراق أمةً وإنسانا وجغرافية داخل العلبة الجاهزة في سياسة التقوقع الى الداخل!.

وكذا في الاقتصاد هناك من ينظر للعراق وبموارده التي لو وزعت على اهل الارض لكفتهم على اساس انه بئر نفطي واحد تحاول ماكنات الاستخراج النفطية المهترئة والقديمة ان تزيد من انتاجه بلا فائدة!.

وهكذا.... وهكذا ....... في جميع المواقع والمواضيع ذات العلاقة بالشأن العراقي الانساني والفكري والسياسي والاجتماعي والفني والاقتصادي والحضاري .... الى مالانهاية في عراق اليوم، فهناك ايضا من قادة العراق الجدد من يحاول ويحاول ان يحقّر من العراق ويصغرّ من شأنه اكثر فاكثر تحت حجج وذرائع تبدأ من :الخوف من عودة الدكتاتورية ان اصبح للعراق دولة قوية ومحترمة ..... لتنتهي عند مقولة : يكفي العراق الالتفات الى نفسه فحسب وتركه للشعارات الكبيرة التي لم تجلب للعراق سوى الدمار والخراب والحروب وضياع الاقتصاد!.

والحقيقة ان كل هذه الذرائع والحجج للقادة الصغار الذين يحاولون تقزيم العراق ليناسب احجامهم، ماهي في واقعها وحقيقتها الا عزائم تأتي على قدر احجامهم الفكرية فحسب، بل انها ذرائع وحجج سياسية صغيرة لم تفهم او تدرك يوما من الايام ماذا يعني ان يكون للعراق قدره الذي يحمله بين عينيه!.

نعم صحيح لنقول ان بأمكان هذا او ذاك من قادة العراق الجدد النجاح في تقزيم العراق أمة وانسانا ووطنا في هذه اللحظة من التاريخ واعتقال دور العراق وفاعليته ووجوده في قمقم الجغرافية العراقية والمصالح السياسية الفئوية والقومية الضيقة لعراق اليوم، لكنّ هل بالامكان اختصار العراق تاريخيا وحضاريا وفكريا ودينيا وفنيا داخل هذه الرؤية الصغيرة والحقيرة جدا لقدر العراق!.

والى متى تستمر هذه اللعبة بمصادرة وطن وانسان وشعب خلقه الله ليكون بالمقدمة، وجاء من جاء هذه الايام ليسجنه داخل قفص عصفور اصغر مساحة من مربع قبيلة ؟.

على من يريد ان يكون في موقع القيادة في عراق اليوم ان يفهم : ان العراق قادته فئتان من البشر على مدى التاريخ وحتى الحاضر، الاولى هي الانبياء والائمة والعلماء الربانيين في هذه الحياة!.

والثانية هي فئة الطغاة والنماردة والاباطرة والجلادين .... من نبوخذ نصر حتى الحجاج بن يوسف الثقفي!.

والاولى قادت الشعب والانسان والوطن العراقي الى الثورة والعدالة والاخلاق والابتكار والتأمل والعبادة!.

والثانية قادته الى الغزو والتوسع والظلم والالم والهجرة والصناعة والحضارة ومن ثم تهديم الحضارة!.

وبما اننا اليوم في عراق لايوجد فيه انبياء، ولانحاول فيه صناعة طاغية جديد، فعلى القادة الجدد ان يقودوا العراق بالشرعة الوسطى للامة العراقية الوسط للانسان الوسطي الذي يسوس الدولة بعقلية العدالة مع القوة والحزم، والرحمة مع الانصاف والذكاء!.

العودة الى الصفحة الرئيسية