|
الدروس المستخلصة من انتخابات مجالس المحافظات
يحيى السماوي تشير التوقعات، وما تسرّب من أخبار عن الإنتخابات التي شهدتها أربع عشرة محافظة عراقية لاختيار أعضاء مجالس المحافظات، إلى أن الجماهير الشعبية قررت سحب البساط من تحت أقدام الإسلام السياسي، تعبيرا ً عن خيبتها بـ المتأسلمين " وليس بالإسلام .. فالشعب ـ وهو محق ٌّ في ذلك ـ قد خاب أمله بالذين انتخبهم في الدورة السابقة، ليكتشف بعد حين أنهم لم يكونوا أكثر من طبّـاخي شعارات وباعة كلام، وأنّهم كانوا منشغلين بمصالحهم الحزبية والطائفية والفئوية أكثر من انشغالهم بهموم المنتخبين وتطلعاتهم المشروعة بالحياة الكريمة اللائقة بشعب طحنته الحروب العدوانية والديكتاتورية ورحى الإحتلال ـ بل وأنّ الكثير منهم كانوا لصوصا استثمروا مواقعهم لإقامة امبراطورياتهم المالية والعقارية في غفلة من الزمن، فلم يفوا بالوعود والشعارات البراقة التي رفعوها، ولم يرتقوا إلى فضيلة الدِين الذي جعلوا من أنفسهم ناطقين باسمه . لا جدال في حقيقة أنّ الشعب العراقي، هو شعبٌ مؤمن يتماهى مع تعاليم السماء .. لكنّ الدين ليس مجرّد شعائر ولافتات، بقدر ماهو ممارسة فاضلة لكلّ ماهو مضيء ومُسْـهِم في تجميل حياة المجتمع، وسلوك نقيّ صادق ٌيصبُّ في خدمة الصالح العام لا في خدمة هذا الحزب أو تلك الجهة الإقليمية أو الفئوية والطائفية .. الوطن الجريح لا يُشفى بالتمائم والأحجية ... والمواطن المتضوّر جوعا والمرتعب من الإرهاب، يريد خبزا ً وأمانا ً وخدمات ٍ هي من صلب واجب الدولة ـ وليس شعارات وميليشيات وتوزيع " الهريسة " .. صحيح أن الشعب العراقي هو شعب عميق الإيمان بعقيدته، لكنّ الصحيح أيضا، هو أنه لا يريد تحويل الوطن إلى " خيمة عزاء " بقدر ما يريده ورشة عمل وإعمار ... العمل عند الله وجه من وجوه العبادة . بقدر تعلق الأمر برئيس الحكومة السيد نوري المالكي، فقد اثبت أنه أقلّ المسؤولين كلاما وترديد شعارات ـ لكنه أكثرهم عملا وحرصا ً على وحدة الأرض والإنسان العراقيَين، وأكثرهم صلابة في مواجهة الخارجين على القانون، بل وأنظفهم يدا ً.. فلا عجبَ لو منح المنتخبون قائمته أصواتهم، فالعجب هو أن يُعيد الشعبُ انتخابَ الذين اتخذوا من الدين وسيلة لتحقيق مصالح ومطامح سياسية شخصية وطائفية تلتقي ومصالح جهات إقليمية أكثر مما تلتقي ومصالح الإنسان والوطن العراقيَين . فوز قائمة المالكي هو بالضرورة فوز لوحدة العراق وللأمن والاستقرار مثلما هو رسالة شعبية مجانية يقدمها الناخبون للساسة جميعا، مفادها: إننا سنسحب البساط من تحت أقدام كلّ مَنْ لا يفي بوعوده، فقد آن لصوت الديمقراطية أن يعلو فوق اللافتات والشعارات المجانية والوعود المعسولة . قد لا تكون الانتخابات نموذجية ـ إنْ على صعيد نسبة المشاركة الجماهيرية أو على صعيد حدوث بعض الهِنات والتجاوزات الفردية ـ لكنها على صعيد التاريخ السياسي العراقي الحديث، تعتبر نافذة مضيئة في ليل العراق الطويل، تقود إلى اليقين بأن الغد سيكون أكثر إشراقا وأبهى .
|
||||
© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |