|
الخارطة السياسية بعد الإنتخابات
عبدالامير علي الهماشي المراقبون السياسيون ووسائل الإعلام المحلية والاقليمية والعالمية كانت تترصد الانتخابات المحلية(انتخابات مجالس المحافظات) بالرغم من أنها قد لاتغير الوضع السياسي العام في هذه المرحلة إلا أنها ستكون الحجر الأساس للتغيير في الانتخابات التشريعية (إنتخابات البرلمان) القادمة. وسوف أبحث في ما رآه المحللون حول النتائج التي ركزت على انحسار التيار الاسلامي في العراق بعد (فشله) في تقديم ماهو أفضل للناس وتبشر بصعود تيارات اُخرى لم تأخذ فرصتها بعد أحداث التاسع من نيسان عام 2003 ولابد من الاجابة وتصحيح المفهوم الذي يحاول تسويقه للناس من خلال وسائل الاعلام المختلفة بانحسار التيار الاسلامي في انتخابات مجالس المحافظات كنفور منه وملل ورفض للفشل الذي منيت به في تجربتها السابقة في هذه المجالس. وببساطة أقول إن التيار الاسلامي لم ينحصر في هذه الانتخابات وإنما اتجه الناس الى الخطاب العقلاني وابتعدوا عن الخطاب الطائفي أو من مثل هذا الخطاب وتبناه في المرحلة الماضية ،ولذلك رأينا تراجعا كبيرا لحزبين مثلا طرفي الخطاب الطائفي في العراقي .وصوت الناس لائتلاف دولة القانون . وإذا ما لاحظنا ممارسة الناس خلال هذا الموسم للشعائر الحسينية في زيارة عاشوراء لوجدنا تزايد أعداد الزائرين عن العام الماضي ،وكذلك نرى تزايد أعداد المشاركين في المسيرة المليونية لزيارة الاربعين بعد أن وجهت المرجعية نداءها الى الجماهير بتأخير هذه المسيرة حتى يوم التصويت في الانتخابات المحلية في التفاتة محسوبة للمرجعية لعدم التفريط بالأصوات وتفضيل الواجب الوطني على المستحب الشرعي وامتزج الواجب الوطني بالواجب الشرعي . وإذا مادرسنا خلفية ائتلاف دولة القانون بزعامة حزب الدعوة الاسلامية فإن ما حصل هو تبادل للمواقع بين الاحزاب الاسلامية اعتمادا على البرامج الانتخابية المقدمة وكان برنامج ائتلاف دولة القانون مركزا على نجاح الحكومة بفرض القانون والمصالحة الوطنية وكذلك على وحدة العراق وتقوية المركز دون بخس حق الاقاليم ومحاربة الفساد وتعديل الدستور وان كان هناك تشابه بين هذا الخطاب وبعض الكتل التي شاركت في الانتخابات إلا أنه كان مقرونا بتجربة ناجحة مضافا اليها النجاح في إمضاء اتفاقية سحب القوات الامريكية كمطلب وطني يُعد الأهم بالنسبة للعراقيين.وكما قال المالكي اليوم (فإن الجماهير صوتت للبرنامج الانتخابي) . إن نجاح التجربة قد ساعد كثيرا بإعادة الثقة للعراقيين بوجود قيادة تبحث عن مصالح الوطن وبالرغم من كل حقول الالغام التي وضعها الاخرون بوسائل مشروعة وغير مشروعة الا أن المالكي استطاع أن يفرض نفسه على الشارع العراقي ويظهر كقائد وطني معتمدا مبدأ الصراحة والمكاشفة سواءا مع الجانب الامريكي أو الغرماء السياسيين والرفاق في المشهد السياسي العراقي. والخارطة السياسية بعد الانتخابات أعلنت ولادة قوة سياسية جديدة بصورة مذهلة وإن كان قادة هذه القوة لازالت لاتستخدم الانتصار او توظفه الا لمصلحة اكمال المشهد السياسي العراقي ووصول العراق الى بر الامان إلا أنه مثل انتصارا مذهلا سيعيد ترتيب الاوراق السياسية، ولذلك قال المالكي حينما سُئل عن الانتصار في هذه الانتخابات فقال انه (نصر لكل العراقيين)، ومنذ أن بدأت تباشير إعلان نتائج الفرز الاولي أعلن قادة ائتلاف دولة القانون إستعدادهم للمشاركة مع القوى الفاعلة لما يحقق إنجاح تجربة مجالس المحافظات في الدورة القادمة . وهذه الانتخابات اعطت الحجم الطبيعي لكل المشاركين في هذه الانتخابات وأثبت ان العراقيين يستطيعون التميز بين خطاب وفعل وبين خطاب يدعو الى العقلانية والتسامح وبين خطاب يستغل عواطف الناس ويتمحور في دائرة ضيقة . وأعتقد أن جميع الاحزاب والكتل السياسية ستعيد حساباتها ودراسة تجربة هذه الانتخابات دراسة مفصلة حيث اثبت الجماهير أنها الرقم الصعب في العراق الجديد وأي محاولة لخداعه ستنذر بسقوط مروع وتؤدي الى موت سياسي لاتنفعه كل غرف الانعاش الاقليمي أو الدولي. الخارطة السياسية العراقية ستعتمد على الوعي الجماهيري وستعتمد على ما يمكن لهذه الاحزاب من تحقيق ما قدمته من وعود او ما تستطيع ان تحقق من مبادئها على الارض . ومن هنا كان نجاح ائتلاف دولة القانون واعتقد أنه سيمر بامتحان أصعب من الماضي حيث ستحاول القوى الاخرى تعطيل مشروعه بنفس الطرق السابقة أو تزيد من وتيرته ،ويبقى الاصرار على تنفيذ البرنامج وكشف كل المحاولات التاخيرية واكتشاف حقول الالغام وتفكيكها قبل انفجارها هو الطريق الامثل لتنفيذ الوعود والرقي بالخدمات والوعود ومن ثم الوصول الى بر الامان في دولة القانون ودولة الانسان. والخارطة السياسية بعد الانتخابات أعلنت ولادة قوة جديدة – قديمة تستمد من تاريخها الجهادي الحافز للثبات ومن تجربتها القوة مستعينة بالصراحة والمكاشفة مع الجمهور في مشهد تلاحمي وتآزري . الجماهير أعطت صوتها وأيدت تجربة وخطاب نادى بالعراق أولا وأخيرا وستلتحم معه في بقية المشوار من هنا نقول أن الخارطة السياسية أُعيد رسمها بريشة الجماهير وامضاء ائتلاف دولة القانون.
|
||||
© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |