|
هل سيكون لحمائم "حماس" دور في إقرار السلام؟
د. شاكر النابلسي -1- أصبح السلام في الشرق الأوسط جزءاً لا يتجزأ من التطور لهذه المنطقة من العالم. لذلك، فقد أصبح قدراً واقعاً لا مهرب منه. وإن لم يأتِ اليوم لأسباب مختلفة، فهو آتٍ غداً لا محالة. ولكن عدم استعجال إقراره، يزيد مشكلة السلام تعقيداً، ويزيد الطريق إليه صعوبة. لا لأن مصالح واشنطن تقتضيه وحسب، بل وأيضاً لأنه في مصلحة جميع بلدان الشرق الأوسط المأزومة، الباحثة عن الاستثمارات، التي لا تأتي إلا في مناخ السلام والاستقرار. وهو أمر يغفله الكثيرون من أصحاب الشعارات السياسية الرومانسية. ومن هنا، فإن المعارضة الفلسطينية مثلاً – وخاصة "حماس" وأخواتها - إذ لم تضطلع بالسلام كخيار، فستكابده كإكراه لا مفر منه كالقدر المحتوم. فالتسوية النهائية للصراع العربي – الإسرائيلي، جزء لا يتجزأ من اتجاه تاريخي لتسوية نزاعات الحرب الباردة، لصياغة خريطة دولية جيوبوليتكية جديدة، على مقاس متطلبات العولمة، وقيادة الولايات المتحدة للعالم، خاصة في عهد أوباما الجديد. -2- والحمائم في "حماس" خاصة مقتنعون بذلك. وهم يزدادون عدداً يوماً بعد يوم. ومنطق التاريخ يقول، بأن الغلبة لهم في النهاية. وهؤلاء من أمثال محمد نزّال، (عضو المكتب السياسي)، ومحمد غزال (ممثل "حماس" في الضفة الغربية)، و القيادي غازي حمد (الذي يعارض استبدال منظمة التحرير الحالية بأخرى، كما يردد مشعل) وأحمد يوسف (المستشار السياسي لإسماعيل هنيّة) وغيرهم، طالبوا سراً وجهراً، بإعادة النظر في "ميثاق حماس" 1988، الذي لم يعد في بعض بنوده ملائماً لهذه الفترة، سيما وأن أحداثاً سياسية كبرى قد طرأت على العالم، وعلى القضية الفلسطينية، خلال العشرين عاماً الماضية، منها اختفاء الاتحاد السوفيتي والكتلة الشرقية، وحرب الخليج 1991، وانتهاء الحرب الباردة، وكارثة 11 سبتمبر، وغزو أفغانستان والعراق، ورحيل ياسر عرفات، ورحيل بعض قادة حماس، كالشيخ أحمد ياسين، وعبد العزيز الرنتيسي، وسعيد صيام، ونزار ريّان، وغيرهم من قادة "حماس"، وانسحاب سوريا من لبنان، والحرب على "حزب الله" في 2006. وهذه الأصوات، تنادي بتعديل وتغيير ميثاق "حماس" 1988؛ أي دستورها، بما يتناسب والوقائع المستجدة على الأرض الآن. ومن هذه الأصوات: 1- ما قاله العضو البارز في "حماس" محمد نزّال عضو المكتب السياسي، في 11/5/2007، في جنوب أفريقيا، من أن "ميثاق حماس ليس قرآنا كريماً، وأننا جاهزون للتفاوض مع إسرائيل". وإن كان ما قاله نزّال، فيه ما يدلُّ على أن الدين خرج من اللعبة السياسية. وأصبحت السياسة "الحمساوية" براجماتية، أكثر منها دينية. وهناك رأي يشكك في ذلك، ويقول أن ما صرّح به محمد نزّال في جنوب أفريقيا، لا يستطيع أن يقوله في العالم العربي، حيث التصريحات هنا، للاستهلاك المحلي فقط. 2- ومنها ما قاله محمد غزال، أحد قادة "حماس" في الضفة الغربية لوكالة رويترز، في 22/9/2005 ، من أن "حماس" قد تعدِّل يوماً ما، ميثاقاً كانت تدعو فيه إلى تدمير إسرائيل، وتجري مفاوضات معها.وهو ما أعرب عنه مؤخراً خالد مشعل، في لقائه في دمشق، مع الكاتب والأديب اليهودي الفرنسي المعروف مارك هالتر. 3- ومنها ما قاله د. أحمد يوسف المستشار السياسي لإسماعيل هنيّة، في تصريح لوكالة أنباء "رامتان" الحمساوية في 7/11/2007 ، من أن "حماس" قد تجاوزت ميثاقها، عبر دخولها المعترك السياسي. وهذا ما سبق أن قلناه. بمعنى أن ميثاق 1988 كان لحماس المقاوِمَة، وليس لحماس السياسية والمقاوِمَة في الوقت نفسه. وقال أحمد يوسف، أن العالم يجب أن يحاسب "حماس" الآن على برنامجها السياسي، وليس على ميثاقها إياه. وبرنامج "حماس" السياسي في الوزارة الفلسطينية العاشرة 2006، كان يعني، ما هو ثورة على ميثاقها إياه. ومن جملة هذه المعاني: 1- الرضا بالواقع الذي أفرزته اتفاقية أوسلو، ومؤتمر مدريد، وباقي الاتفاقات الدولية. 2- الإعلان بعد "مؤتمر مكة"، بأنَّ حكومة الوحدة الوطنية تـقبل بكلِّ الاتفاقات الدولية التي تمَّ عقدُها. وهذا اعتراف صريحٌ في الموافقة على كامب ديفيد، وأوسلو، وغيرهما خلافاً للمادة 32 من ميثاق 1988. 4- الاعتراف بدولة إسرائيل، كنتيجة حتمية لما سبق. -3- إن التباطؤ في تسوية النـزاع العربي- الإسرائيلي يهدد الوضع القائم في الشرق الأوسط بحرب عربية – إسرائيلية، وينشر الفوضى في أوضاع الدول الصديقة، ويسبب في استشراء الإرهاب في المنطقة، وبتفكك المؤسسات والكيانات. وهذه المخاطر أدركتها إدارة جورج دبليو بوش خلال الثماني سنوات الماضية (2001-2008) وحاولت عدة مرات التوصل إلى حل لإقامة الدولة الفلسطينية الموعودة. ولكن سكين الانقسام الفلسطيني الغائر في اللحم الفلسطيني، واستغلال إسرائيل لهذا الانقسام، ودعمه حال دون التوصل إلى سلام دائم وإقامة الدولة الفلسطينية. وإدارة الرئيس أوباما الآن، تدرك أهمية السلام في الشرق الأوسط، لمصالحها الحيوية. لذا، فقد كانت من أولوياتها الملحَّة تعيين جورج ميتشل مبعوثاً خاصاً في الشرق الأوسط، وإرساله فوراً إلى المنطقة لجمع المعلومات الجديدة، حول الوضع هناك، والاستماع للقادة من ذوي المفاتيح الرئيسية في المنطقة.
-4- هل هناك طريق إلى السلام، أم أن السلام بحد ذاته هو الطريق؟ وإذا كان للسلام طريق، فما هي طريق السلام؟ لقد تمَّ العثور على هذه الإجابة محفورة على ولاعة سجائر لجندي أمريكي قضى في حرب فيتنام. تقول: " عندما تتغلب قوة الحب على حب القوة، سيعرف العالم السلام!" ومن يُفضِّل النصر على السلام، يخسر الاثنين معاً. ويحدد بعض المفكرين السياسيين العقلانيين في العالم العربي، ومنهم المفكر التونسي العفيف الأخضر، الطريق إلى السلام العربي – الإسرائيلي بالخطوات، التي منها ما يتعلق بالعرب مع أنفسهم، ومنها ما يتعلق بالعرب وعلاقتهم مع إسرائيل وأمريكا، التي تعتبر مالكة لمفاتيح السلام في المنطقة، خاصة بعد انتهاء الحرب الباردة، وانهيار الاتحاد السوفيتي واختفاء الكتلة الشرقية. وفيما يتعلق بالعرب مع أنفسهم – وهذا هو المهم - يتمُّ التركيز على أن واحداً من مفاتيح السلام في الشرق الأوسط ، قيام الأنظمة العربية بمخاطبة الشارع العربي بلغة الحقيقة التي ما زال الشارع العربي لا يستسيغ مذاقها المُرّ. لأنه ككل – وكما شرحنا في مقالات سابقة، هنا في "الوطن"، وعلى هذه الصفحة - شارع غير منظم ديمقراطياً، ويُعشش فيه اليأس والبؤس والأميّة، ما زال سلوكه محكوماً بالأهواء السياسية الغريبة عن السياسة الواقعية، وردود الفعل الغريزية، من تدمير وحرق وعنف وقتل جماعي كتعبير عن فجاجة الوعي السياسي. ولأن بعض أنظمته بدورها لا تمارس معه السياسة، بل العنف السافر.
|
||||
© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |