من أجل تطوير التعليم العالي .. رؤية في أوضاع التعليم التقليدي المنتظم والتعليم الألكتروني

 

 

 

الأستاذ الدكتور تيسير عبدالجبار الآلوسي

رئيس جامعة ابن رشد في هولندا

Chancellor@averroesuniversity.org

 رافق مسيرة التعليم العالي العراقية باستمرار أفق من تفكير الخبراء والمعنيين وبحثهم الدائب في إمكانات التغيير والتطوير... ونعتقد هنا أن أمر نجاح هذه السمة يظل مرهونا بحجم الاستقصاءات والإحصاءات التي تدرس الأوضاع الميدانية عن كثب... وبما يُرصد لها من طاقات مادية وأدبية.

إنَّ فكرة وجود مراكز البحث والتطوير وهيآت الدرس والتخطيط وتوفير المستلزمات الأولية بين أيديها، لأمر مهم في تحقيق المهمة المناطة بجهة مختصة لدفع أجواء التعليم العالي إلى أمام، في ضوء الحاجات الفعلية ميدانيا محليا وفي ضوء مسيرته عالميا. ولمتابعة أمور وزارة التعليم العالي والجامعة العراقية بين المدخلات والمخرجات الموجودة فيها، ودراسة أسباب التراجع والأمراض التي تعاني منها، ينبغي التوكيد على أنّ الأسباب لا تنحصر في إطار طلبة التعليم العالي ومحيطهم المخصوص فالطلبة القادمون من المدرسة يحملون معهم خللا تكوينيا في خلفياتهم المعرفية بسبب من هزال مستوى التربية والتعليم المدرسيين...

وخير دليل، مستويات النجاح عمليا في ضوء الوقائع التي تشير إلى أمية طلبة الابتدائية وتخلف المعلومات التي يحظون بها.. وهزال مستوى الطالب في الثانوية العامة، حتى أن العائلة العراقية باتت تعاني من إرسال بناتها وأبنائها للمدرسة العامة.. أضف إلى ذلك توجه آلاف الطلبة إلى المدارس الدينية الخاصة وهي أماكن ليست لاكتساب العلوم بقدر ما هي لتفريخ الفكر المتزمت والتطرف الطائفي بدل الحصول على المعارف والعلوم التي تخدم الحاجات الحية المباشرة لتفاصيل اليوم الإنساني العادي.. فتجربة تلك المدارس لا تبشر بأية أمور معرفية علمية بالمعنى العام للرؤية، وهي تفضي لإشكالات اجتماعية معرفية خطيرة. والأنكى هنا، عندما ينتقل نظام التعليم الحوزوي الديني هذا إلى إطار الجامعة المدنية سواء في السطو على آلية العمل أو اختراق المفردات والمناهج أو في سيادة الكتاب المنهجي أو المراجع العلمية التي لا تحتفظ بعلميتها إلا بالاسم فقط... وفي أفضل أحوال التعليم التقليدي المنتظم (لدينا) هو سيره المتهادي بكسل حركته وتراجعه بخلاف سير التعليم المنتظم هذا (عالميا) باتجاه الانتقال إلى التعليم الألكتروني بوصفه نظاما يستجيب لاشتراطات العصر ويهيئ لاستقبال الغد بمتطلباته وفروضه المعرفية...

وبغاية النظر الجدي نضع هنا أبرز العقبات والثغرات التي يعاني منها التعليم العالي (الجامعي) في العراق ونلخص الأمر إيجازا بالآتي من المحاور مع إشارات أو ومضات سريعة تقارن بالتعليم الألكتروني:

 

01. تدني ميزانيات التعليم العالي سواء في دعم الجامعة ومؤسساتها البحثية أم في التعاطي مع مجمل تفاصيل التعليم العالي محليا... فلم تتجاوز ميزانية التعليم في منتصف تسعينات القرن المنصرم الـ 0.03% وهو لم يرتقِ لنسبة أكثر تميزا عنها حاليا بما يستجيب للحاجة الفعلية سواء للواقع أم للتطلعات أم لتعويض النقص المهول لمسيرة العقود الأخيرة... وضعف الميزانية سيبقى عاملا كابحا لأية خطة استراتيجية أو مرحلية ومانعا دون تحقيق أبسط خطط التنمية والتطوير؛ دع عنك تشجيع البحث العلمي وآفاق تطوير التعليم العالي برمته...

* وفي جميع الأحوال سيكون دخول استثمارات التعليم الألكتروني في الجهد الجامعي دافعا جديا لتفعيل أوضاعه... 

02. انقطاع الصلة بمختلف مستوياتها وأنماطها، بين الجامعات العراقية أنفسها؛ وبين الجامعة العراقية وتلك الموجودة في محيطها الإقليمي والدولي... ومعروف كم هي أهمية التنسيق في دراسة الظواهر علميا وفي رسم الخطط والحلول وتوزيع المسؤوليات التكافلية وفي تبادل الخبرات والاستشارات بما يلبي اختصار بعض مفردات العمل وتجاوز ما ضاع من زمن وما يحتمل إضاعته في ضوء العمل الفردي المحدود؛ وبديله الموضوعي المتمثل في المراكز البحثية المشتركة بين الجامعات، وفيما ذكرناه من تبادل الخبرات بين تدريسييها...

 * وبالإشارة هنا إلى جهود التعليم الألكتروني والجامعات المؤسسة حديثا سنجد أنها في ظرف قصير استطاعت أن تنهض بعقود تعاون مع عشرات الجامعات إقليما ودوليا بما يكفل أن تقوم بدور التفعيلي في أن تكون جسرا بين بيئتها الدولية حيث مقراتها وبين الجامعة العراقية في داخل الوطن... فضلا عن استقطاب جهود الأساتذة العاملين فيها لصالح الجهد الجامعي الوطني المحلي... 

03. تعرّض الجامعة العراقية للتخريب المبرمج لعقود طويلة ثم تجدد مشكلاتها في السنوات الأخيرة في أجواء خطيرة استهدفتها في الصميم. بخاصة من هذا ما تعلق بتدخلات الدولة واستباحة الحرم الجامعي وتوجيهها بما يتلاءم وسطوة هذه القوة الحزبية أو الميليشياوية أو تلك...

 * في وقت تربأ أغلب مشروعات التعليم الألكتروني بنفسها عن قبول أية حالة تدخل أو اختراق من أية جهة... 

04. تعرّض العقل العلمي وتحديدا الأستاذ الجامعي العراقي لحملات تصفية جسدية وغير جسدية.. حيث تمَّ في إطار التصفية الجسدية اغتيال مئات بل ألوف من العلماء والأساتذة في مختلف التخصصات العلمية البحتة والإنسانية؛ وجرى في إطار التصفية غير الجسدية، الدفع بآلاف آخرين للهجرة القسرية و\أو تعريضهم للبطالة والتعطل عن ممارسة المهنة وأداء رسالتهم العلمية ما يُفقدهم فرصة الاستمرارية والاتصال البحثي.. إنَّ وجود التدريسي في مهجره معزولا متبطلا يحجب خبراته ويدفع بها للتقلص والتراجع والاضمحلال تدريجا حتى تموت تلك الطاقة الحية بإعدام الخبرات المتراكمة المتحصلة بدل تطويرها وتفعيلها...

 * ونشير هنا إلى أن جامعات التعليم الألكتروني تظل محاولة جدية مسؤولة لانتشال الوضع من خراب نهائي مؤكد بتوظيف الطاقات العلمية وتشغيلها في تخصصاتها وجذبها لدائرة البحث العلمي مجددا، ما يتطلب تشجيع هذه المحاولات ودعمها وجذب جهودها للخطط الوطنية لا عراقيا فحسب وإقليميا من جميع أصحاب النظرة الاستراتيجية السديدة.. 

05. إفقار المكتبة الجامعية البحثية بمنع توريد المصادر الحديثة والمميزة ثم حرق المكتبات الرئيسة المتوافرة ونهب أخريات.. وعدم تزويدها بالجديد بعد حملات الهدم والإفقار وإشعال الحرائق والنهب الشامل... فيما يجري تمرير مراجع سطحية ومتخلفة أو قديمة لا تساير التقدم العلمي العاصف الحاصل عالميا.. وتُترَك عمليات توظيف المكتبة بمصادرها الحديثة وتُترك أيضا مُهمَلة المكتبة الألكترونية والدوريات البحثية الأحدث...

 *وبخلاف هذا الواقع المزري تنتج المكتبة الألكترونية للتعليم الافتراضي (عن بعد) مصادر علمية محدثة جديدة وتراكم جهدها العلمي الرصين... 

06. طوال عقود مضت، ساد تعيين إدارات حزبية المرجعية وفرض الأساتذة ذوي الانتماء لفلسفة النظام، وتوبع الأمر في السنوات الأخيرة باستبدال متحزب للنظام السابق بمتحزب للأحزاب ذات الحظوة والسلطة من ذات التوجهات المتعارضة مع تطلعات التعليم العالي والبحث العلمي... وبالنتيجة تظل الخسارة واحدة في استبعاد الكفاءات العلمية الأكاديمية عن إدارة الجامعة وعن المحاضرة الجامعية وعن البحث العلمي الرصين... ويمكننا القول إنّنا سنكون (بسبب أشكال الفساد داخل الجامعة وفي محيطها) بصدد إدارة تعتمد المحسوبية والتبعية في قرارها وضعف خبراتها ومهاراتها بما يتطلب تغييرا جذريا يدخل بعضه في مسألة استقلالية الجامعة والآخر في التحديث والتجديد بإيجاد مراجعة لهندسة سايكو- سوسيولوجية أبستمية تقرأ الموجود وتضع البدائل في سلوكيات وعادات إدارية حية مختلفة نوعيا ترفض الفردنة والفوقية القهرية من جهة وتُحسن الإصغاء للآخر من جهة أخرى وتفهم مشكلاته ومطالبه وتدخل في سياق العمل المؤسسي الجمعي القائم على حركية المهارات وتطورها المتصل المستمر تنميةَ َ لرأس المال البشري... ونؤكد هنا أن هذا يتعارض وسلوكيات الولاء السياسي الحزبي الضيق والمركزية الحادة التي تتقاطع ومطلب اللامركزية والاستقلالية التي تمثل قاعدة الإبداع وانعتاقه من المحددات السلبية القسرية... كما ينبغي لنا وضع أولوية لمعالجة ظاهرة الفساد الإداري وغيره بإيجاد جهاز الرقابة الإدارية المناسب...

 * تتعاطى تجاريب التعليم الألكتروني مع محاولات تحسين إدارتها بحيوية وتتقدم باتجاه مؤسسة تجاريبها وإشاعة دمقرطة العمل وجماعيته، وهذا سيفيد بالتأكيد في تعزيز هذه الرؤية كما أن إدخال التعليم الألكتروني في مسيرة التعليم العالي وطنيا يعزز ظاهرة رفض الفردنة وأمراضها في مستوى الإدارة ويدفع باتجاه تصحيح المسارات عند وقوع أية أخطاء... 

07. تدريسيا: يمكننا أيضا هنا تسجيل نسبة عدد حَمَلـَة الدكتوراه الجدد و حَمَلـَة شهادة الماجستير بنسبة بين 70 و85% وبين هؤلاء من لا يحمل شهادة حقيقية (شهادته مزورة) أو تمَّ تخريجه بترتيبات غير موضوعية وغير علمية أو لم تلتزم الرصانة والأمانة العلمية الوافية.. ما يدفع للضعف والتردي في المستوى المعرفي للأستاذ.. وفي هزال مخرجاته ومخرجات الجامعة العراقية راهنيا... فيما ينبغي في الظرف العادي الطبيعي الاهتمام بمستوى التدريسي وبالترقيات العلمية ومضمونها القائم على تشجيع البحث العلمي لديه وتفرغه له ودعم حضور المؤتمرات وتبادل المعالجات وأشكال تناول القضايا والإشكالات العلمية الميدانية والنظرية في ظلال الحريات الأكاديمية التامة التي تسمح للأستاذ بالعمل والإبداع والتقدم وتوفر الحماية الكافية المشرعنة بلوائح وقوانين جديدة تحترم العلم والعلماء وتستند في سنّها لإرادة حرة وعمق أو منطق عقلي صحي سليم...  * وفي إطار المقارنة بين حال جامعة التعليم التقليدي المنتظم وما تبدو عليه أوضاعها فعليا من نسبة مرتفعة من كادر تدريسي لا يحمل إلا شهادة الماجستير ولا يحمل الدرجات العلمية المتقدمة بنسبة تفوق الـ3\4 الكلي سيدفعنا هذا للقول إن جامعات التعليم الألكتروني التي تحتفظ بنسبة معكوسة تمثل 3\4 كادرها من العلماء من حمَلَة الدكتوراه ودرجات الأستاذية سيعني أفضلية للتعليم الألكتروني من هذه الناحية أيضا... 

08. إشغال الطلبة بأنشطة غير علمية ولا علاقة لها بكسب المعارف والعلوم أو ممارسة الحياة الشبابية الصحية السليمة.. وتركهم لضغوط ظروف معاشية واجتماعية مرضية خطيرة... لا تسمح لهم بالمتابعة أو الإنجازية العلمية المناطة بهم. وإبعادهم عن الاشتراك في الإدارة والتخطيط أما بالمنع والعزل وعدم المشاركة فعليا أو بإدخال العناصر الأكثر هزالا في هذه العملية الأمر الذي يلغي فاعلية تلك المشاركة سلفا مثلما يُلغي دمقرطة التعليم في مجمل مسار التعليم الجامعي... وفي بيئة غير مهيأة للتعليم تنتج مخرجات خاوية علميا معرفيا ثقافيا وتبقى هذه المخرجات (الطلبة) بعيدة عن تطلعات المجتمع ومطالبه في خريجين ناشطين يخدمون تطوير مفاصل الحياة العامة من اقتصادية واجتماعية وغيرها...

 * تعمل نظم التعليم الألكتروني على إشراك الطلبة في جهود بحثية علمية وتوفير فرص أو أجواء المشاركة العلمية بطريقة واسعة حيث انفتاح الأجواء الافتراضية بسعة لا تحدها حدود إدارية أو سياسية أو طبيعية... 

09. تردي أوضاع الأبنية وعدم كفاية القاعات ونقص الخدمات فيها.. وعدم وجود قدرات استيعابية لقاعات الدرس والمحاضرة... وهذا أمر يتيح لنا توكيد أهمية التوجه للتعليم الألكتروني حلا مناسبا بالخصوص...

 * تعالج جامعات التعليم الألكتروني هذه الإشكالية كونها لا تحتاج لأبنية بطريقة التعليم الألكتروني وهي تختزل الأمر لأبعد حد متاح ما يعطيها أفضلية كبيرة بالخصوص... 

10. تخلف المختبرات وأجهزتها وافتقارها للأدوات المناسبة للتطبيقات الحديثة فيما توصلت إليه الكشوف العلمية..  

11. تخلف المناهج الدراسية وطرائق التدريس وهزال استخدام تكنولوجيا المعلومات بل رفض التعاطي مع نظام التعليم الألكتروني واستبعاده من نظام التعليم بشكل كلي.. حتى أن الأنترنت وجهاز الكومبيوتر ما زال خارج الأداء الفعلي الرئيس للجامعة العراقية.. والسمة السائدة في التعاطي مع الكومبيوتر ومن ثمَّ مع التعليم الألكتروني هي سمة [التكفير] و [التجريم] كونه أمرا محرما محظورا أو مبعدا بالدرجة القصوى في ضوء انعدام ثقافة الوعي المنهجي والقبول بالحداثة ومنطق التجديد... في وقت يلزم أن نعدّ كوادر التدريس وطلبتهم على استخدام نظام المعلوماتية وتزويدهم بأجهزة الكومبيوتر اللازمة كأرضية لمرحلة تالية بعد ربط الجامعات بالأنترنت وبشبكات البحث العلمي المعروفة، لتنتقل الأمور لاحقا إلى مرحلة تطوير البرمجة ذاتها للتوظيفات المناسبة للدرس المستهدف والتجربة المنتظر إجراؤها...

 * إن التعليم الألكتروني يسمح بمتابعة آخر منتج علمي ومؤلف بحثي رصين وهو يصل إلى مصادره بطرائق أفضل من تلك التي تتبعها نظم التعليم التقليدي... 

12. عدم توافر الخطط الاستراتيجية للعمل والافتقار للمقاييس والمعايير المثبتة دوليا للتعليم العالي.. الأمر الذي يتطلب إيجاد فريق عمل لدراسة النظام على جميع الصُعُد والمستويات وتحديد الإيجابي والسلبي ومقارنته بالتجاريب العالمية.. ومن ثم لابد من إيجاد وحدة متخصصة بتطوير التعليم ومراجعة مناهجه وخططه ومفاصله بعامة لتحسين الأداء استراتيجيا ومرحليا... وستكون المهمة الرئيسة منصبة على ضرورة رسم البرامج بما يرتقي لمستوى هضم المتغيرات العلمية والتكنولوجية ويستجيب لاحتياجات سوق العمل المحلي ومتطلباته وطنيا...  

******************

إنَّ المنتظر من حلول على مستوى التعليم العالي بمجمله لا يكمن أو لا ينتهي بفعاليات ترقيعية إصلاحية. وإنّما يتجه إلى الآتي: 

01. فأولا لابد من تشكيل هيأة التخطيط الاستراتيجي... ومعالجة مسألة ترتيب مراحل التغيير والتطوير وحال تشتت الأهداف وحال وضع الأنشطة بتعارض فيما بينها... وهذه الهيأة لن تقف عند حدود وزارة التعليم العالي ذاتها بل تحتاج إشراك الجامعات والخبراء والوزارات الأخرى بممثليها المعنيين بموضوع رسم الخطط الاستراتيجية المنتظرة...  

02. تغيير الإدارات وتطويرها.. وإيجاد تشكيلات رقابية إدارية علمية المنهج والوسيلة كيما لا تكون من جهة أخرى أداة تدخل أو خرق للاستقلالية بقدر ما تقوم بمهامها المؤملة وظيفيا سواء في قياس الإنجازية ومستوى الأداء أم في متابعة أشكال النواقص والفساد المحتملة... وموضوع القياس ومعاييره سيبقى من الأهمية بما لا يقبل تأجيل وضع المحددات والبدء بقراءة دورية مستمرة لترتيب تسلسل الجامعات ومستوياتها في مختلف مفاصل عملها عراقيا وبالمقارنة مع الجامعات إقليميا وعالميا في إطار تغذية روح المنافسة التفعيلية البناءة... 

03. تحقيق استقلالية تامة لعمل الجامعة في جميع المجالات سواء في شؤونها المالية أم الإدارية وفي برامجها العلمية والبحثية وغير ذلك من تفاصيل وجودها مؤسسة للتعليم العالي والبحث العلمي.. فالجامعة تحتفظ بحقها في اختيار هيآتها التدريسية والإدارية وفي رسم برامجها وخطط أدائها الوظيفي وفي تحديد أهدافها البعيدة والقريبة وفي رسم آليات عملها بما يتناسب وواقع الحاجات الميدانية لمخرجات هذي المؤسسة التعليمية... 

04. بغية تحقيق أفضل أشكال التقدم، يجري إدخال صيغ من التعليم الألكتروني لنظام التعليم التقليدي المنتظم الذي ينبغي البحث في آليات تطويره وتحديثه بشكل جذري شامل لا ترقيعي إصلاحي.. 

05. إيجاد لجنة تنسيق واستقبال الدراسات والمعالجات التطويرية في وزارة التعليم بما يتابع المتغيرات عالميا ووسائل الاستفادة منها.. 

06. تأسيس هيأة وطنية تُعنى بمعادلة الشهادات وتقويمها الدرجات العلمية في ضوء التحصيل الفعلي بالاستناد إلى تجاريب أخرى تلتفت على سبيل المثال لا الحصر إلى مسألة محتويات المنهج وتمظهراته بنتائج العملية التعليمية ونوعية مخرجاتها، مسألة محددات الامتحانات من أسئلة واختبارات وآليات تقويم، والمستوى العلمي الأكاديمي بمعدله العام ومسألة التقويم النوعي لهذا المستوى في كل قسم علمي وآليات متابعته وإجرائه.. 

07. وضع الميزانيات المناسبة لأفضل أداء ولخطط التطوير وآفاق العمل المستقبلي... ومن الطبيعي هنا أن نشير إلى الحاجة الماسة للعناية بالأستاذ الجامعي وأنشطته البحثية وغير البحثية.. ولمساواته في الراتب وفي الامتيازات بزملائه في البلدان المتطورة، وإتاحة الفرص له للمشاركة في المؤتمرات العلمية ومنحه فرص التفرغ العلمي.. وبالمناسبة وجب هنا الالتفات إلى أن استعادة آلاف من المهجرين من الأساتذة والعلماء لن يكون صحيحا على أساس إعادة اقتلاعه من استقراره (المهجري) بعد عقود من التضحيات التي دفعها من عمره وعمر أفراد عائلته ليطالب بالعودة القسرية وتضحيات أخرى من حياته (وماذا تبقى منها؟!) ليساهم مجددا في العمل والبناء فيما الصائب هنا يكمن في اتخاذ وسائل التعليم الألكتروني طرائق مناسبة لاستقطاب جهود هذه الكوكبة الرائدة وإدخالها في جهود التنمية والبناء مع توفير الغطاء المالي (استعادة الحقوق بعيدا عن روتين الإجراءات وعقباته) بعد أن بقي الأستاذ العراقي طوال سنوات عجاف يدفع بلا مقابل وبلا حصوله على جزء يسير من حقوقه... 

08. توفير الحريات الأكاديمية وإشاعة ديموقراطية التعليم بكل مفاصله.. مع توفير الفرص المناسبة وسبل العيش والأمان والاستقرار للتدريسي أولا وللكادر الإداري وللطلبة بعامة... ولأنَّ مواضيع إدارة التعليم العالي وطرائقه وتقويمه نوعيا وكميا وفلسفات البحث العلمي هي إشكاليات تدخل في جوهر مسؤولية المنتسبين كافة؛ لذا كان واجبا إشراك الأساتذة وكذلك جمهور الطلبة في سبر أغوارها وتقديم الحلول والمعالجات، فهي ليست إشكاليات محصورة بفئة محدودة من الإداريين، وعليه فاستقطاب الجميع ودمقرطة الحياة الجامعية سيساعد على بدء عملية البناء بعيدا عن أية وصاية أو تدخل من مؤسسات الحكومة وما شابه. 

09. توفير الأجواء التنظيمية وتعديل اللوائح والقوانين بما يتناسب وضمان أفضل سبل العمل الرصين لتشجيع البحث العلمي وتحسين العملية التعليمية ورفع مستوى الإنجازية نوعيا وكميا... 

10. وضع الخطط المناسبة لتفعيل دور القطاع الخاص من جهة وضبط مسارات عمله في مجال التعليم. ويكمن هذا في موضوعي الجامعات الأهلية من جهة وموضوع توظيف الاستثمارات وأشكال الدعوم التي توفرها الشركات الصناعية وغيرها للبحث العلمي المرتبط بحل مشكلاتها التكنولوجية أو العائدة لمعالجات علمية بحتة... وسيكون مفيدا هنا أنْ نتقدم باتجاه نقل البحوث التطبيقية الميدانية إلى عالم العمل والاستثمار الانتاجي الممكن بعقد صلات جدية بين خطط التنمية الصناعية الزراعية والاجتماعية وأنشطة البحث الميداني التطبيقي المشار إليها..  

11. العناية بمخرجات التعليم والبحث في توجيه هذه المخرجات نوعيا بما يتفق وسوق العمل ومن ثمَّ في إيجاد فرص العمل لاحقا بالتنسيق مع خطط الوزارات الحكومية من جهة والشركات وجهات توفير فرص العمل من جهة أخرى واستحداث المطلوب من الأقسام العلمية وإلغاء أخرى في ضوء دراسات ناضجة بالخصوص... 

12. إنشاء جامعات التعليم الافتراضي أو التعليم الألكتروني وإيجاد مديرية أو هيأة مختصة بالتعليم الألكتروني في وزارة التعليم العالي.. إذ سيبقى التعليم الألكتروني بالمحصلة يمتلك الدور الأول بمرحلتنا هذه في تطوير فاعلية جدية حقة للتعليم العالي وفي معالجة إشكالية الضغوط المتعاظمة على المؤسسات التعليمية التقليدية. وسيكون لتأخير الاعتراف بالتعليم الألكتروني دوره في اختراقات سلبية وتراجعات تراكم المرضي بما يجعلنا نصحو متأخرين فنجابه بمشكلات إضافية معقدة ليست في مصلحة أي طرف سوى جهة توسيع حالات تفريخ التخلف وأدواته... ولننظر جديا إلى أن دولا مجاورة ونامية بعضها أكثر تخلفا من أن يُذكر للمقارنة، هذه الدول قد ولجت عالم التعليم الألكتروني وباتت تسارع في عطائه واستثماره لصالح مسابقة الزمن والمحددات الأخرى.. فماذا يدعونا لركوب مسالك عصية متخلفة ونحن نمتلك إرادة القرار الأكثر سدادا وحكمة وإيجابية؟! 

ملاحظات وتوصيات موجزة: 

1. كان هدف هذه الدراسة منصبا على تطوير التعليم بعامة والحض على اعتماد التعليم الألكتروني في إطار التعليم العالي العراقي لأن أي تأخير في هذا المجال هو مراكمة لثغرات غير محمودة العواقب عراقيا ليس في التعليم العالي بل في مختلف المجالات المرتبطة الأخرى...

2. وإذا كان في هذه الورقة ما يشترك مع أوراق ومعالجات أخرى فإنّ ذلك يعدّ من التراكم المتوقع لتوكيد أهمية ما نكتبه ومصداقيته وصواب توجهاته. ولعل ذلكم ما يدعو لفتح حوار تنفيذي إجرائي للمقترحات والتوصيات المرصودة هنا...

3. وأغلب هذه التوصيات المقترحة هي توصيات دقيقة وإجرائية تنظر لإمكانات التنفيذ ولآلياته ما يستدعي التفاعل معها مباشرة والبحث في تبنيها وتحويلها إلى مفردات عمل في خطط وزارة التعليم العالي وفي استراتيجيات الجامعة العراقية... كيما نخرج من دائرة السجال الحكائي البحت وندخل دائرة العمل والتطبيق...

4. وهذه الورقة هي دعوة للتغيير الشامل من دون التقاطع مع أية تغييرات جزئية أو مرحلية أو إصلاحية موجودة فعليا...

5. وفي ضوء ما تقدم تطلب هذه الورقة توجها عاجلا لتوحيد القراءات السابقة للباحثين والمؤتمرات والتوصيات من لجان وأساتذة وخبراء بجهد تنهض به لجنة معتمدة في زارة التعليم وتكون مستقلة بخصوص متابعة خطة التغيير الاستراتيجي الشامل...

 رسالة مفتوحة موجزة إلى المسؤولين المعنيين بقضية التعليم العالي في العراق:

يُعدّ التعليم واحدا من بين أولويات الشعوب والدول في خطط البناء والتقدم.. وصارت أية دولة تتحدث عن قوتها تشير إلى رأسمالها البشري وتنميته بوصف ذلك على رأس قائمة ثرواتها وخططها التنموية.. وفي العراق الجديد ستحتل قضية إعادة الإعمار وبنائه الأولوية بلا منازع.. وسيكون للتعليم بعامة وللتعليم العالي ومنه التعليم الألكتروني بوجه الخصوص الأهمية القصوى في أية توجهات استراتيجية ترسمها الحكومة العراقية ووزارة التعليم العالي إذا ما توخى المخطِّط توجها جديا مسؤولا لتفعيل مسيرة عملية البناء..

وفي ضوء ذلك أتقدم هنا إلى شخص وزير التعليم العالي وعبره إذا ما تطلب الأمر قرارا استثنائيا، أتقدم إلى رئيس الحكومة العراقية وإلى رئاستي الدولة والبرلمان ورئاسة إقليم كوردستان كونهم المعنيين بقضية وطنية مهمة كقضية التعليم ومستقبل مسيرته وتحديثه، بطلب رسمي لتشكيل إدارة عامة للتعليم الألكتروني وتسجيله في وزارة التعليم العالي العراقية وفي مجلس التعليم العالي بكوردستان..

ولأجل تحقيق هذا المطلب أقترح مراحل التنفيذ الآتية:

1. تشكيل لجنة تحضيرية مختصة لدراسة آليات تشكيل هذه الإدارة..

2. إعداد لائحة تنظيمية للتعليم الألكتروني في ضوء الموجود عالميا...

3. إعلان تشكيل إدارة عامة للتعليم الألكتروني في وزارة التعليم العالي.

4. إقرار طلبات التسجيل لجامعات التعليم الألكتروني في ضوء تلك اللائحة..

5. الالتزام بسقف زمني يتحدد بالدورة التشريعية الجارية للبرلمان العراقي الذي سيكون مسؤولا لحظة التلكؤ بالاستجابة لهذا الطلب أو رفضه.. كون الرفض [إذا حصل] سيمثل لا موقفا سلبيا حسب بل إضرارا متعمدا بالمصالح العليا للوطن والشعب ذلك أن التعليم الألكتروني لم يعد مجرد ظاهرة عالمية ونظاما تعليميا رصينا جديدا بل صار موجودا فعليا في العراق ويعمل فيه آلاف الأساتذة وينتسب إليه مئات آلاف الطلبة وفضلا عن هذا وذاك تمثل الأمية فيه ظاهرة صارخة من الجهل بمسيرة التعليم العالي ومستجداتها عالميا وإقليميا... 

إنَّ هذه الرسالة الموجزة الموجهة إلى مكاتب المسؤولين المعنيين تنتظر تفاعلا إيجابيا وفتحا لحوار جدي يرتقي لمستوى المسؤولية المناطة بنا وطنيا ولدينا الثقة التامة بأن هذا المطلب الذي يعبر عن كل هذه الجموع المنتسبة للتعليم الألكتروني، يحظى بتأييد المسؤولين عن التعليم العالي ودعمهم وتبنيهم له؛ وأنهم سيسرِّعوا الجهود لتقنينه وتشريع اللوائح المناسبة التي تضبط العمل فيه وتبعده مثلما تبعد كل نظم التعليم العالي الأخرى عن أية تراجعات أو اختراقات غير مقبولة...

 مباركة جهود الجميع ومواقفهم التي تنطلق من الالتزام الثابت بمصالح الإنسانية المجسَّدة بالعمل العلمي الأنضج والأكثر صوابا...

لعودة الى الصفحة الرئيسية

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com