|
الاسلام السياسي .... منشأ المصطلح فلسفته وغاياته
حميد الشاكر درج الكثير من الكتاب وخاصة منهم الكوادر المتعلمنة في عصرنا الحديث على استخدام مصطلح (( الاسلام السياسي )) للتعبير في أحيان كثيرة والتمييز به بين الاسلام الذي يهتم بالشأن الاخروي العبادي وبين الاسلام المتحرك في الشؤون الدنيوية كما هو تحركه بالشؤون العبادية الاخروية !. كما ان هناك من المتعلمنين من يستخدم مصطلح (( الاسلام السياسي )) ليعبر به عن الحركات السياسية التي تحاول استغلال واقحام الدين للمصالح السياسية الدنيوية فحسب، ولهذا كان المصطلح موظفا فحسب للتفريق بين الحركات السياسية العلمانية التي تستخدم الادوات السياسية فحسب في لعبة السياسة وبين الحركات والتجمعات السياسية الدينية الاخرى التي توظف الدين للاغراض السياسية !. لكنّ في الحقيقة ان كلا المعنيين المتقدمين لايمثلان المرجعية الواقعية والمنشأ التاريخي الصريح الذي من خلاله طرح مصطلح (( الاسلام السياسي )) في الماضي ويستخدمه اليوم من يستخدمه من متعلمني العرب والمسلمين بلا ادنى فقه للمعنى التاريخي لهذا المصطلح، كما ان نفس تلك المعاني العلمانوية التي اراد البعض المتعلمن من خلالها غمز الحركات الاسلامية السياسية هي ايضا اذا تدبرناها بتفكر هادئ نجد انها ايضا لاتشكل مأزقا اخلاقيا او سياسيا بالامكان الارتكان اليه للنيل من حركات الاسلام السياسي هذه !. نعم ان ذكرنا مصطلح (( الاسلام السياسي )) واردنا به الاشارة الى حركات واحزاب وتيارات وتنظيمات سياسية أمتهنت العمل السياسي واضافته الى العمل الديني الاخروي في الاسلام، او ذكرنا نفس المصطلح لنشير به الى مجموعة حركات سياسية لنفرض انها تستغل الدين للاغراض السياسية، فأن كلا المعنيين لايشكلان في العمل السياسي اي مأزق اخلاقي او اخر سياسي بحد ذاته !. فمن منطلق المعنى الاول : فأن الاسلام نفسه كدين ان فسح المجال للمنتمين له، او المسلمين شخصيا باعتبار انهم المؤمنون بالدين الاسلامي، قد ارتأوا ان هناك فضاءا انسانيا اوسع بالامكان العمل من خلاله دينيا كالفضاء السياسي باعتباره فضاءا انسانيا حيوية في حركة الاجتماع البشري، فأن في مثل هذه الحالة يكون الاسلام السياسي مصطلح يصبّ في صالح الاسلام وايدلوجيته الدينية المنفتحة على السياسة اكثر منه مصطلح يصبّ في خانه الادانة للاسلام وللمنتمين له ايدلوجيا !. اي ان الاسلام السياسي هنا عبارة ايجابية جدّا للوجود الحزبي السياسي والديني الايدلوجي باعتبار ان الفضاء الاسلاموي يتسع للحياة بكافة اتجاهاتها الفكرية العقدية والاجتماعية الاخلاقية وكذا السياسية الاقتصادية ايضا، وعليه فأن من يرّوج لمصطلح الاسلام السياسي لادانه المتأسلمين سياسيا هو من الجانب الاخر يرفع من شرعية الاسلام على اساس انه ديني وسياسي بنفس الوقت، بالاضافة الاقرار للمتأسلمين بانهم استطاعوا سياسيا نقل الاسلام من الدينية الغيبوية الى الواقعية الاجتماعية السياسية ليجعلوه دينا حيّا في زاوية الحياة السياسية، وعليه نحن المسلمون على هذا المنظور يجب ان نشكر من يدفع بالاسلام للحركة السياسية باعتبار انه الشخص الذي استطاع ادخال حركة الحياة السياسية الى الروح الدينية التي لولاها لبقي الدين ميتا منعزلا بعيدا عن الحركة والحياة !. أمّا من جانب المنطلق الثاني : فكذا هو الامر كما هو في المنطلق الاول، فعلى افتراض ان مرّوج مصطلح الاسلام السياسي اراد من خلاله الطعن في شرعية من يحاول استغلال الدين من اجل المصالح السياسية، او اراد ان يعزل ويبعد الدين او الاسلام بالخصوص عن الحياة السياسية لرؤية هو يمتلكها ان الدين لايصلح لعالم السياسة، فأنه حتى وعلى هذا المستوى من الرؤية نقول : ومتى كان لعالم السياسة نظافة في الوسائل حتى يطلب منه فحسب مقابل الدين ان يكون نظيفا وان لايستغل الدين فحسب للسياسة ؟. عجيب غريب بسبب ان الدين طاهر في هذا الحيز فقط تطالب العلمانوية بعزله عن الحياة، مع ان الدين والاسلام في كل شيئ افيون ورجعية وتخلف، لكنه مع ذالك نسمع من هنا وهناك المطالبة بعزل الدين عن الحياة لهذا السبب الاخلاقي الطيّب او ذاك ؟!. على اي حال هناك من المتعلمنين اللادينيين مَن يرى ضرورة ان لايكون للاسلام مدخلية في عالم السياسة بسبب أمكانية توظيف الاسلام للسياسة او توظيف الديني للسياسي وهذا يعتبر خرقا اخلاقيا من وجهة النظر العلمانوية للسياسة على حساب الدين، ولهذا وجب فضح من يريد استغلال الدين للمصالح السياسية بأن يطلق عليه صاحب اتجاه او تيار اسلام سياسي !. والواقع انني هنا لااستطيع ادراك الفرق في هذا المنطق العلمانوي بين ان تكون السياسة تستغل الدين في مصطلح الاسلام السياسي، وبين ان يستغل الاسلام نفسه السياسة في مصطلح السياسة الاسلامية، فأذا كان البناء العلمانوي هو الخوف من استغلال الدين في السياسة، ففي نفس المنعطف انا متخوّف العكس من ان الاسلام والدين نفسه يستغل السياسة الدنيوية لمصالحة ومبادئه الايدلوجية، وعليه انا في صالح انقاذ السياسة من الدين وليس انقاذ الدين من السياسة !. الحقيقة ان هذه الجدلية المعقدة هي مالايريد العقل المتعلمن فهمها او ادراك مغازيها الفكرية في الاسلام السياسي او السياسة الاسلامية، لهذا هو فقط بعين عوراء تنظر الى نصف الكأس الفارغ من معادلة الاسلام والسياسة، ولهذا هو ( العقل المتعلمن ) في حيرة مابعدها حيرة أمام معادلة : هل نفصل السياسة عن الاسلام أم نفصل الاسلام عن السياسة في مصطلح الاسلام السياسي ؟. لكنّه لو كان يمتلك عينين اثنين لنظر الى الاسلام والسياسة من زوايا اخرى اشمل واعمق واكثر حيوية، ليكتشف ان المعادلة في الفكر الاسلامي السياسي قائمة على استغلال الاسلام للسياسة وليس العكس في استغلال السياسة للدين والاسلام !. نعم صحيح ان الطغاة السياسيين المتعلمنين اللادينيين الفاسدين وعبر التاريخ حاولوا استغلال الشرعية والنظافة الدينية لتوظيفها لمآربهم السياسية القبيحة،ولكن هذه الحالات التي استفادت منها اوربا بنسيج الفكرة العلمانية لرفع الشرعية الدينية عن الطغيان السياسي والدجل الكنسي اللاهوتي، كانت ولم تزل تحاول فصل الدين عن السياسة بسبب ان السياسي الغربي تمكن من التمترس بالديني لديمومة شرعيته السياسية، وكانت الاديان الغربية تساعد بنقصها الفاضح على مثل هذه الاختراقات السياسية الطاغوتية لساحة الدين والطاهر، لكن لو انتقلنا الى دين كالاسلام الذي ركب وبُني على اساس مناهضة الطغيان السياسي والفساد الفرعوني، فهل سيسمح الاسلام لاي طاغوت سياسي بأن يتمترس خلف تعاليمه الواضحة ليمارس الاستبداد السياسي ؟. أم ان المدرسة السياسية الاسلامية ليس فيها منفذ مطلقا او ارضية مهيئة من خلالها يستغل السياسي الديني في ممارسة الفساد والتغوّل والطغيانية ؟. هنا وبالاجابة عن هذا السؤال سيدرك العقل العلموي الطالب للحقيقة لماذا نحن اليوم في عالمنا العربي والاسلامي نعاني من الاستبداد السياسي العلماني اكثر فاكثر ونلجأ للاسلام السياسي والسياسة الاسلامية في مناهضتنا للدكتاتورية السياسية العلمانوية، لأن العلمانية السياسية الدكتاتورية لم تجد في عالمنا الاسلامي ايدلوجية اسلامية تساعدها على ممارسة الاستغلال السياسي، ولهذا تلجأ اليوم العلمانية العربية لممارسة الاستبداد والفساد والدكتاتورية من خلال استغلال الشعارات العلمانية السياسية نفسها وليس العكس !. بمعنى اوضح ان الدكتاتورية العلمانية العربية اليوم غارقة في استغلال الديمقراطية كمصطلح من خلاله تمارس اقسى انواع الظلم والفساد باسم حماية الديمقراطية والدفاع عن الحياة المدنية ومناهضة الرجعية وضرب الارهاب .... وباقي المصطلحات التي ان اردنا دراستها سنكتشف ان العلمانية بالحق لم تستخدم الشعارات الدينية الاسلامية لتمارس فسادها وطغيانها بكل استهتار وفوقية، وانما هي اليوم تستغل نفس شعاراتها العلمانوية لابادة البشر وادامة سحق الكرامات ومصادرة الحريات !. والان هل يعلم العقل العلمانوي لماذا لم تستغل الحركات السياسية الاسلام لمصادرة الحريات وممارسة الدكتاتوريات في عالمنا العربي ؟. الجواب : أن التركيبة الفكرية والايدلوجية الدينية الاسلامية لاتسمح باستغلال الطاغوتي السياسي لمصطلحاتها الاسلاموية، وإن كان هناك مَن حاول تحريف مقاصد ومفردات ومصطلحات السياسة الاسلامية لخدمة التفرعن، ولكنّ كل تلك المحاولات باءت بالفشل بسبب ان الاسلام فكرة وعقيدة وعمل تتنافى مع روح الظلم والاستبداد والطاغوتية، ولهذا ايضا لجأنا نحن المتأسلمون الى الاسلام لنبحث عن الثورة من داخله الديني ضد الاستبداد والدكتاتورية السياسية وليس العكس فافهم !. يبقى من الجدير بنا ان نعود للفرع الاول من الموضوع لنبحث عن المنشأ الحقيقي الذي انطلق منه مصطلح ( الاسلام السياسي ) والذي ربما ان بعض العلمانيين العراقيين والعرب والمسلمين ايضا لايدركون منشأ هذا المصطلح الحقيقي وان استخدموه في كتاباتهم الادبية والفكرية والسياسية !. نعم يرجع مصطلح ( الاسلام السياسي ) الى حقبة الحروب الصليبية الدينية الاوربية الرجعية في العصور الوسطى عندما تحالفت الكنيسة الاوربيةمع الطاغوت السياسي لمحاربة العالم الاسلامي بعقيدته الاسلامية كذالك، وهو لم يزل مصطلحا ينتمي للعالم الغير اسلامي الذي يحاول نزع الشرعية اللاهوتية عن الاسلام وفهمه على اساس سياسي دنيوي لاغير !. اي وبمعنى اكثر وضوحا : ان من وضع ورّوج لهذا المصطلح ( مصطلح الاسلام السياسي ) كان يهدف الى بعد اصيل في محاربة الاسلام كعقيدة دينية اولا واخيرا، ولم يكن يهتم كثيرا وحتى اليوم بالمعاني المستحدثة التي خلقتها العلمانيات الادبية العربية والسياسية العربية والاسلامية الجديدة من فصل الدين عن الدولة او اطلاق هذا المصطلح على جماعات الاسلام التي تعمل بالسياسة و..... غير ذالك، بل كان الهدف الاصيل والمنشأ الحقيقي لمصطلح ( الاسلام السياسي ) يذهب الى فكرة وحيدة لاغير هي : اتهام الاسلام على اساس انه منتج دنيوي سياسي، حاول شخص عربي اسمه محمد بن عبدالله ان يبتدع نظام سياسي فاستغل الدين ليصبغ مشروعه السياسي الاجتماعي بلباس الدين والمقدس فاطلق عليه اسم الدين الاسلامي، ولكن وفي الحقيقة وتأكيدا لحقيقة الايمان الذي يجب ان يوضع قبالة الاسلام انه دين سياسي وليس سياسة دينية، ومن هنا جاء مصطلح (( الاسلام السياسي )) ليكون الثنائية الجدلية التي ترجع الاسلام الى جذره السياسي وليس الى ظاهره اللاهوتي الديني !. وعلى هذا الفهم ينبغي لكل متعلمن عربي واسلامي ان يدرك انه يستخدم مصطلحا له ابعاده الصليبية الدينية اكثر من استخدامه لمصطلح فكري او ادبي او فني او سياسي من خلاله يوّصف حالة سياسية لأسلام سياسي وجماعات حزبية وتيارات اجتماعية، وربما هنا يكون العقل العلموي العراقي العربي الاسلامي مدرك لهذه الحقيقة الصليبية الدينية الرجعية التي ابتكرت المصطلح ضد شرعية الاسلام الدينية ومازالت ترّوج له حتى هذه اللحظة، ومع ذالك هي تؤمن بحيوية استخدامه ليس من منطلق سياسي، بل من منطلق الكفر بشرعية الاسلام والايمان بلاهوتية الاديان الكنسية الاخرى، ولهذا وجدنا الكثير من العلمانوية العربية تكفر بالاسلام وتؤمن بالارتداد والانتساب الى اديان الكنيسة والتثليث والحضارة الغربية لاغير !.
|
||||
© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |