هل هناك سياسة اقتصادية في العراق؟

 

الكاتب والإعلامي العراقي: حامد نصّار

hamidnassar3@gmail.com

سؤال يُطرح دائماً عندما يدور الحديث حول الاقتصاد العراقي وموقعه من المنظومة الاقتصادية العالمية، فرغم كمية الحديث التي تطرح في الحديث عن الاقتصاد العراقي بفروعه المختلفة الا أن المتحدثين (في المجالس الخاصة أو البرامج الإعلامية وغيرها)غالبا ما يغفلون مسألة السياسة الاقتصادية والتخطيط الاقتصادي.

الإجابة هي النفي بالتأكيد، وللتوضيح أكثر ولرد اعتراض المعترض من القراء الكرام غير المختصين نقول: نعم هناك تجارة في العراق وزراعة وصناعة واستثمار وغير ذلك مما يتعلق بالمنظموة الاقتصادية العراقية، ولكن كل هذا الكم من الحركة والأسواق يسير بشكل غير منظم ولا مدروس من جهة، وليست هنالك خطط مستقبلية لتطوير وإنماء الاقتصاد العراقي من جهة أخرى، وبالمحصلة النهائية الطبيعية لا توجد سياسة اقتصادية في العراق.

إن مصطلح الاقتصاد العراقي أو المنظومة الاقتصادية العراقية تسمية عامة تشمل النشاطات الاقتصادية كافة التي تقوم بها الحكومة أو القطاع الخاص على السواء والتي من المفترض أن تخضع لارتباط تشعبي موجه وفق خطة شاملة تهدف إلى تنظيم وتطوير تلك النشاطات والاستفادة من كل جزئية من جزئيات تلك النشاطات، وهناك قوانين وأنظمة تحكم علاقة أجزاء المنظومة بالمركز وعلاقاتها البينية، وكذلك تحكم بعض القوانين الاقتصادية علاقات النشاطات الاقتصادية الفرعية والمنظومة الاقتصادية بشكل عام ببقية المنظومات كالمنظومة السياسية والاجتماعية وغيرها، وذلك كقوانين التجارة (استيراد وتصدير) وقوانين الاستثمار، وقوانين العملة والمصارف والأسواق المالية، وأسعار السوق، والأمن الاقتصادي وكثير من القوانين المشابهة التي لا يحيط بها المواطن علما أو هو لا يدرك هذه التفرعات والتعقيدات كلها وأن المنظومة الاقتصادية ليست مما يسهل إدارته أو مما يمكن أن يكون إدارته بيد حزب أو جهة معينة.

إن القول بعدم وجود سياسة اقتصادية في العراق قد ينطبق على بشكل كامل على فترة ما بعد الاحتلال 2003 م، كما إنه ينطبق على فترة الحصار الأمريكي الغاشم للعراق منذ 1991 لغاية 2003 بشكل شبه كامل حيث تسبب الحصار بتحطيم أركان الاقتصاد العراقي خلال مدة قياسية، وقد كان السبب الأكبر في سرعة انهيار الاقتصاد العراقي هو عدم وجود خطط بديلة احتمالية في حال حصول حصار اقتصادي أو نكبة اقتصادية وهي الأمور التي كانت محتملة وكان يجب أن يضعها الاقتصاديون العراقيون في الحسبان لكن ذلك لم يحصل.

ومن أمثلة انعدام سياسة اقتصادية في العراق مرونة القوانين الجمركية في العراق وعدم ثباتها، وكذلك عدم تفعيل قانون الضرائب الذي هو من أخطر القوانين وأشدها تأثيرا على السياسات الاقتصادية في البلدان، ومن ذلك عدم الوضوح في ميزان النقد والسلع في السوق العراقية، ومنها عدم تطبيق قانون الاستثمار الخارجي بشكل صحيح وهو من القوانين المهمة أيضا في هذا المجال، ومن ذلك الإهمال الواضح في سوق بغداد للأوراق المالية الذي يعتمد وسائل بدائية في العرض والتواصل فهو لا يستخدم مثلا الشاشات الإلكترونية بل سبورات.ومن الأمثلة أيضا إهمال القطاع الزراعي بعد أن كانت الزراعة شريان رئيس إلى جانب النفط في شبه الاكتفاء الذاتي الذي حققه العراق رغم سنوات العراق القاسية.

ومن جانب آخر لا توجد شفافية في التعاملات الاقتصادية الحكومية فالشعب غير مطلع على صادرات النفط ووارداته مثلا وهذا يعيدنا إلى المربع الأول عندما كانت الأسرار والغموض يحيط بالقطاع النفطي إبّان حكم النظام السابق في العراق، مما يضعف الثقة بين الشعب والحكومة الأمر الذي يترك أثرا في أذهان المواطنين لا سيما أولئك الناشطين في القطاع الاقتصادي الخاص فلا يقومون بواجباتهم ومسؤولياتهم الوطنية بمستوى جيد.

واستنادا الى ما تقدم فإنه يجب أن يراجع الملف الاقتصادي في العراق مراجعة حقيقية جادة وأن يوكل الأمر إلى ذوي الخبرة والاختصاص للوصول الى سياسة اقتصادية (استثنائية) في العراق تستطيع تحمل أعباء الفترات الماضية من حصار واحتلال وتدمير وتضع العراق على أعتاب مرحلة اقتصادية جديدة.ولعل في الإعلان مؤخرا عن انعقاد المنتدى الاقتصادي الأول في العراق مطلع الشهر المقبل بارقة أمل بتنشيط هذا الملف، ونتمنى أن يكون انطلاقة نحو سياسة اقتصادية عراقية.

العودة الى الصفحة الرئيسية

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com