موت الفنّ الدرامي العراقي أليوم .. وجهة نظر فكرية؟

 

حميد الشاكر

al_shaker@maktoob.com

(1)

بالمقارنة بين مايطرحه العالم العربي بالخصوص ( انتاج وأعمال ) والاسلامي بالعموم من فن درامي تلفزي وفضائي اليوم ، وبين مانفتقده بقوّة للفن الدرامي العراقي فأن ليس هناك وجهٌ للمقارنة على الحقيقة ، فالحضور الدرامي المصري في كل بيت عربي قصة قديمة ومعروف تفوقها النوعي والكمي فيما مضى ، وما نلمسه بعد التسعينات من القرن المنصرم للفن الدرامي السوري اذهل الكثير من المراقبين والمتابعين ايضا ، حتى ان بداية القرن الواحد والعشرين حسمت نهائيا للفن الدرامي السوري الذي نافس الفن الدرامي المصري وتفوّق عليه بجدارة واصالة فنه الدرامي المُحكم ، وكذا يقال بفن الدراما الخليجية التي تشق طريقها بصعوبة تقليدية الا ان لها حضورا لابأس به ، وهكذا اذا ذهبنا غربا في العالم العربي نجد ان هناك الجزائر والمغرب من قادة الفن الدرامي الافريقي العربي في المغرب ، أما اذا رجعنا شمالا بالنسبة للعراق فالدراما الاسلامية التركية واضحة للعيان ، ولافرق بالنسبة لشرق العالم العربي والعراق بالخصوص سنجد ان الدراما والسينما الايرانية نهضت بالفعل وحققت حضورا محليا وعالميا لابأس فيه !.

أمّا اذا التفتنا الى حالنا العراقية وبحثنا عن ذاتنا الدرامية الفنية وكمية وكيفية حضورها العراقي الداخلي او العربي او الاسلامي الخارجي فاننا ومع الاسف سنصاب بصدمة مؤلمة لهذه الحالة المتردية من التأخر والعقم الفكري والفني الدرامي والعراقي ، وأحسن ماسنجده على أطلال الفن الدرامي العراقي انشاد القصائد برواد الفن العراقي وانجازاتهم العظيمة وتاريخ الفن الدرامي الاصيل ........ وهكذا طحنا بلا طحين والسنة طوال بلا عمل ملموس وشاشة فضائية تتحدث عن الاعمال الدرامية العراقية اليوم !.

ماهي مشكلة الفن الدرامي في العراق ؟.

سؤال كبير جدا بحاجة الى وقفة حقيقية وليس الى فنانين يخرجون على شاشات التلفزة العراقية ليلقون التهم جزافا هنا مرّة على الدولة وهناك أخرى على الحظ العاثر ، ولنخرج بنتيجة ان الكلّ العراقي السياسي والفكري والاقتصادي والاجتماعي ... مُدان ماعدى الفنان العراقي المسكين ، والذي وفي الواقع وإن اردنا الحديث عن أدائه الفني فسنجد لامحالة ان سوء اداء الفنان العراقي الدرامي بالذات هو احد اسباب تراجع الدراما الفنية في العراق ، لابل هو احد الاسباب الرئيسية بتراجع العراق فنيا وعزوف العالم كله عن تذوّق الفن العراقي المحلي على الحقيقة !.
ولكنّ وعلى اي حال لابد من مناقشة وضع الفن الدرامي العراقي ، وما آلت اليه هذه الواجهة الحضارية العراقية من انحصار وتقوقع وموت سريري ملحوظ بقوّة ، ليس على اساس ان الفن العراقي شأن نخبوي فني اكاديمي لاغير ويجب ان يُناقش في الغرف المتخصصة ومن قبل اشخاص تعتّقوا من كثرة استهلاكهم فنّيا ، لا بل على اساس ان نناقش الفن الدرامي العراقي بالخصوص باعتباره هوية وطنية اليوم ، ومعلما شخصيا للفكرالعراقي وكذا اداة سياسية فاعلة ايضا ، ولاننسى باعتبار الفن اليوم مدرسة من خلالها يفهم اطفالنا الفرق بين الحياة العراقية والاخرى العربية والاسلامية ، وعلى هذا كله ادعو جميع الكتاب ومن مختلف التخصصات الفكرية والميول السياسية والاتجاهات الادبية ان يناقش كل من زاويته مأزقية الفن الدرامي في العراق لتتكّون لدينا حصيلة متنوعة من الدراسات والافكار والاقتراحات التي تدعم من نهضة هذا الفن الذي تأخر بشكل مرعب ومربك للعراق ايضا ، حتى وصل الحال باطفالنا في الغربة وفي العراق وداخل بيوتنا باتقان وفهم اللغة الشامية الدرامية اكثر من فهمهم للغة الفن والدراما العراقية كنتيجة طبيعية لغياب هذه الدراما عن الحضور الفضائي التلفزي الجيد الذي يشارك الاباء في داخل البيوت في تربية اطفالهم !.

***********

(2)

للمشكلة الفنية الدرامية العراقية اكثر من محور بالامكان تسليط الاضواء على زواياها الحادة ودراسة افاقها المتعددة ، كما ان هذه المحاور تستبطن اكثر من سؤال وسؤال كباب يجب فتحه لمناقشة الفن الدرامي العراقي اليوم ، ومن هذه الابواب والاسألة يبدأ الباب او العنوان الكبير الاتي : ماهي مشكلة أو اشكالية الفن الدرامي العراقي بشكل عام ؟.

وهل هي مشكلة فكرية وغياب نص درامي ومعالجة فنية ؟.

أم هي مشكلة سياسية وصراع ابدي من اجل اخضاع الفني للسياسي ؟.

أم هي مشكلة أقتصادية وعدم وجود توجيه انتاجي سليم وداعم لعجلة الفن الدرامي العراقي ؟.

أو ان المشكلة ليس كل مامرّ ذكره بل الاشكالية الدرامية العراقية اشكالية اجتماعية لمجتمع عراقي غير منفتح على الفن المعاصر بكل اطيافه ؟.

ثم لماذا تأخرّ الفن الدرامي العراقي ( انتاجا وحضورا ونوعية ) عن اقرانه في الدراما العربية والاسلامية بصورة عامة ؟.

وهل ان اسباب تأخر الدراما الفنية العراقية تعود لعوامل تأريخية طبيعية وبسبب عدم التأسيس ومن البداية للمؤسسة الفنية ؟.

أم ان السبب في تأخر الدراما الفنية العراقية يعود بالاساس الى ماعاناه العراق كوطن من ويلات الدكتاتورية السياسية والحروب المتكررة والحالة الاجتماعية المُدمرة ؟.

هل الفنان العراقي فنان غير مجتهد وكسول ولاهو بمستوى لائق لتقديم فن على الحقيقة لذالك انتكس الفن الدرامي العراقي اليوم ؟.

أم لأن الفن الدرامي بصورة عامة فن يعتمد نجاحه على العمل الجماعي المتناسق ، والمعروف عن الشخصية العراقية انها تبدع في العمل الفردي وتنتكس بالعمل الجماعي ؟.

أخيرا من اين يجب ان نبدأ بحلحلة الاشكالية الفنية الدرامية العراقية ؟.

من المؤسسة ؟.

أم من الاكاديميات والمعاهد ؟.

أم من الفنان نفسه لزراعة او انبات جيل جديد من الفنانين العراقيين القادرين على تقديم فن درامي عراقي جديد وجيد وغير مملوء بالعقد والتراكمات النفسية القاتلة للابداع ؟.

***************

(3)

أ : أهمية الفن

لاشك ان الفن الدرامي بالخصوص اصبح اليوم أكثر من مجرد واجهة حضارية انسانية لكل وطن من الاوطان الانسانية في هذا العصر ، كما ان الفن الدرامي وخاصة العربي منه دخل في حيز السياسي بشكل واسع ، حتى ان الدراما العربية اصبحت اليوم من الادوات السياسية الفاعلة والمؤثرة جدا في استقطاب الراي العام العربي السياسي بشكل ملفت للنظر ، وهذه النقطة بالخصوص هي اليوم التي تدفع نظمٌ سياسية قائمة في منطقتنا العربية لرمي ثقلها الداعم بكل قوّة لامداد الفن الدرامي هنا في مصر او هناك في سوريا ... وهكذا ، وجعل هذه النظم السياسية القائمة تفكر كثيرا في كيفية دعم الفن الدرامي وافساح المجال الكافي والحرية المناسبة لنهوض ونمو الفن الدرامي لكل بلد على منحى ، لابل واكثر من ذالك نرى اليوم ان هذه النظم السياسية بدأت بالفعل بتخصيص جزء من مجهودها السياسي لهذا الغرض الفني الدرامي والسماح والدعم مؤخرا لفضائيات تتخصص فقط بالفن الدرامي العربي كالذي هو حاصل بالفعل في فضائية الدراما المصرية ومثلها هذه الايام في فضائية الدراما السورية ، وكل هذا طبعا غير ناتج من انه وفجأة اصبحت نظمنا السياسية محبة للفن وصاحبت خيال فني وابداعي على الواقع ، وانما كل ذالك جاء نتيجة اكتشاف النظم السياسية العربية مؤخرا اهمية الدراما التفلزيونية وقدرتها على حشد الراي العام السياسي لصالح وجهة نظر سياسية هنا وهناك ، ولهذا وجدنا بالفعل ان الدراما السورية مؤخرا استطاعت ان تنظم الراي العام العربي السياسي وتضعه في صالح وجهة النظر السورية السياسية في قضية المقاومة والهوية العربية و... باقي الاشياء الاخرى التي استطاع الفن السوري الدرامي خلقها في داخل الانسان العربي وترويضها لصالح التوجهات السياسية السورية العامة ، حتى ان وسائل الاعلام العالمية والعربية ذكرت ان هناك تسائل في داخل دوائر القرار السياسي الامريكية قد تساءلت عن سر انشداد الانسان العربي للدراما السورية في مسلسل باب الحارة الاخير !.

أذن من ناحية الاهمية الواقعية فأن الفن اليوم اصبح وبجدارة اكثر من كونه معلما حضاريا لاغنى عنه لكل شعب ووطن وامة متحضرّة ، كذالك هو اداة سياسية واقتصادية واجتماعية خطيرة جدا وتلعب ادواراً متعددة في حياة الفرد والجماعة والشعوب هذه الايام ، ولهذا اذا اردنا ان نفهم جزء من اسرار الحياة العراقية السياسية الداخلية وخاصة الخارجية الجديدة وفشلها على المستوى العربي فسنكتشف من قريب ومن بعيد ان لفشل الدراما العراقية وعدم تمكنها من النهوض فنيا في العراق الجديد ، وكذا فشل هذا الفن الدرامي العراقي للوصول الى حالة الابداع واكتشاف مفاتيح الشخصية العربية واللعب بذكاء على اوتارها الحساسة .... كل ذالك ساهم من هنا او هناك في تعثر السياسة الخارجية العراقية ، او ساهم في اعراض الانسان العربي من التفاعل الايجابي مع مجمل القضايا السياسية العراقية المطروحة اليوم في العراق الجديد ، لابل اكثر من ذالك فان الفن الدرامي العراقي فشل ايضا في تصوير ونقل مأساة الشعب العراقي وما تعرض له ارهابيا من هجمات رجعية مجرمة حصد ارواح العراقيين بلا رحمة ، ومع ذالك بقي الفن الدرامي العراقي عاجزا تماما عن نقل مشاعر مجرد الصورة للانسان العربي او كيفية ان يجعل هذا الانسان متعاطفا فنيا مع مأساة هذا الشعب المسكين !.

نعم انه فشل فني على جميع المستويات الفكرية والسياسية والاجتماعية والانسانية لدراما العراق اليوم ، لابل ربما ان هناك تواطئ ايضا للدراما الفنية العراقية بتشويه صورة العراق بدلا من الرُقي بها بين الشعوب والامم ؟!.

ب : بحاجة للبداية

عند دراستنا او اطلاعنا على تجارب الفن الناجحة بصورة عامة عالميا وعربيا ، نلاحظ وبشكل مباشر ان النماذج التي نجحت فنيا والتي حاولت النجاح وهي في طريقها الى ذالك تتميز بميزة اساسية هي التي وضعت القواعد الفنية الصلبة لتلك النجاحات الفنية الظاهرة للعيان ، الا وهي ميزة مأسسة الفن بصورة عامة !.

اي ان نعمل فنيا من خلال تحويل فوضويتها الفنية الى مؤسسة من ضمن مؤسسات المجتمع المدني والسياسي والاقتصادي ايضا ، مضافا لذالك البناء لقاعدة استقلال المؤسسة الفنية بالخصوص عن باقي مؤسسات الدولة السياسية !.

ان المطالبة ببداية الفن الدرامي العراقي بأن يتحول الى مؤسسة مستقلة لايعني هذا فقط الاقرار بأن سبب تخلف الفن الدرامي العراقي هو لكون المؤسسة السياسية العراقية ومنذ خلقت الدولة العراقية الحديثة في سنة 1921م حاولت وحاولت الاستيلاء على الفن واخضاعه بالتمام لصالح توجهاتها السياسية او الحزبية او الدكتاتورية الى ان اصبح الفن العراقي الدرامي وغير الدرامي مجرد طبلة وحنجرة تصدح بصفات القائد السياسي الضرورة فحسب ، بل اننا نريد ان نشير الى ان ظاهرة الصراع بين الفني والسياسي ظاهرة قديمة في الدول قدم الانسان نفسه ، ولهذا طالبنا بالاستقلال لمؤسسة الفن وخاصة منه الدرامي لنشير الى هذين المفصلين ، مفصل محاولة اي دولة وسياسة لخطف الفن واستخدامه للصالح السياسي ، ومفصل عملية الصراع الطبيعية بين مؤسسات اي مجتمع انساني يتداخل فيها طبيعيا الاقتصادي مع الفني مع السياسي مع الديني ايضا ، ولهذا نحن ندرك انه لابد من وجود تعامل واحتكاك حتمي بين السياسي والفني سينشأ حتما في كل مجتمع متحرك ، ولكنّ نوع هذه العلاقة وحدودها الطبيعية هي التي ينبغي ان تستقطب اهتمام اصحاب الفن العراقي ورجاله والقائمين على ادارته وصناعته اليوم وبالمستقبل ان ارادوا ان يبنوا صناعة فنية مستقبلية عراقية راقية !.

اي وبمعنى عملي واضح ، نرى نحن المراقبين لحياة المجتمعات الانسانية : ان لهذه الحياة تداخلات طبيعية تنشأ من خلال الاحتكاكات الانسانية بين كل مناحي الحياة الاجتماعية السياسية والفكرية الدينية والاخرى الاقتصادية وكذا الفنية ، وكل منحى من هذه المناحي يعبر عن وجوده بشكل مختلف ومتلائم مع مصالحه ووجوده الطبيعي ، فالسياسي يحاول الادارة الصارمة للمجتمع والمنفعة ، وكذا الفني يحاول من خلال صراعه ان يعبر عن ذاته وبما يوفر له مصالحه الفنية والابداعية في عكس صورة المجتمع ومطالبه باعتبار ان الفن يجب ان يكون مرآة المجتمع واداة تعبيره ضد القهر والظلم من جهة والتطلع للامل والمستقبل من جهة اخرى ، وهنا بالذات يأتي الفارق بين المؤسسات الاجتماعية وغيرها من وجودات فوضوية غير مؤسساتية ، فإن كانت المؤسسة الفنية مُدركة لحدودها ووظائفها وشخصيتها المستقلة وخططها الفنية عن باقي مؤسسات العمل الاجتماعي وخاصة منه السياسي ، فأن في هذه الحالة بالذات نقول وبالفعل ان لدينا مؤسسة فنية عراقية مستقلة في العمل وفي التعبير وفي التخطيط وفي التوجهات ايضا ، وهذا لايكون بالفعل الا في المجتمعات المتمتعة بنوع من الحريات الاجتماعية التي تسمح بالتوازن بين مؤسسات الدولة ، أما ان كان هناك دكتاتورية وتفرد واقصاء وطغيان للسياسي على باقي مناحي الاجتماع الانسانية ، فبالطبع نحن امام مؤسسة سياسية تريد اخضاع جميع مؤسسات المجتمع لارادتها ومصالحها وتوجهاتها السياسية كالذي حصل بالفعل بالعراق منذ تأسيسه وحتى هذه اللحظة ، بحيث ان المؤسسة السياسية استطاعت ان تلغي كل شخصيات المؤسسات الاجتماعية الاخرى بما فيها المؤسسة الدينية والاقتصادية والفنية ، ولهذا جاءت كل هذه المؤسسات لتعبر قهرا عن وجهة النظر السياسي فحسب فيما مضى من زمان !.

أما الان ونحن نحاول اعادة موازنة المعادلة وانشاء المؤسسات الاجتماعية العراقية (بعد موت الدكتاتورية السياسية وطغيانها الذي انتهى ) على قدم المساواة فعلينا وبالفعل البداية من بناء المؤسسة في كيان الدولة العام ، مؤسسة الفن ومؤسسة الاقتصاد ومؤسسة الدين ومؤسسة السياسة والحكومة ، ليدرك اهل الفن بالخصوص ان عليهم فهم معادلة المؤسسة الفنية وماهيتها ، وكيف ينبغي ان تكون في تفاعلها مع باقي المؤسسات الاخرى ، وكيف ينبغي الحفاظ على استقلاليتها وشخصيتها المميزة بحيث انه لو قدر في المستقل ان تسقط اي مؤسسة من مؤسسات المجتمع السياسي والمدني فانه لايؤثر سلبا على مسيرة المؤسسة الفنية التي ينبغي ان تكون حيّة في كل التقلبات المفاجئة !.

ان احد مفاجع الفن العراقي اليوم انه استهلك من قبل المؤسسة السياسية في الماضي بحيث انه اصبح ذراعا من اذرع السلطة السياسية التنفيذية للدولة بحيث انه عندما سقطت المؤسسة السياسية في سنة 2003 م ، رأينا وكشيئ طبيعي كيفية انهيار مؤسسة الفن معه وكذا الاقتصاد وكذا حتى المؤسسة الاخلاقية الدينية والوطنية يمكن القول انها سقطت مع المؤسسة السياسية، وهذا يعني ان هناك اختلال أُدخل من قبل النظام السياسي السابق لارباك موازنة ومعادلة دولة المؤسسات ، ما يعني من جهة اخرى ان تفهم المؤسسة الفنية العراقية المُراد اقامتها حديثا ان عليها ان تفهم كدرس كيفية بناء الاستقلال قدر المستطاع عن باقي المؤسسات الاخرى بحيث يكون هناك نوع من التفكير داخل المؤسسة الفنية في كيفية احتمال سقوط جميع مؤسسات المجتمع وبقاء مؤسسة الفن قائمة بذاتها !.

نعم يجب ان يفكر اصحاب الفن الدرامي العراقي والقائمين عليه ومن وظفهم المجتمع والدولة لتطوير هذا الحقل والمؤسسة الفنية العراقية بالخصوص ان يفكروا في كيفية الصناعة والتأثير على القرار المؤسساتي السياسي والاقتصادي والديني قبل ان يفكروا في كيفية التأثر بهذه المؤسسات ؟.

بمعنى اوضح : على اهل الفن وصناعته ان يطرحوا السؤال التالي كأستراتيجية حقيقية لعمل المؤسسة الفنية العراقية الجديدة : هل سوف يستطيع الفن الدرامي العراقي من صناعة الموقف السياسي الاجتماعي والشعبي ؟.

أم ان المؤسسة الفنية العراقية ستكرر نفس الخطأ في الانتظار للخضوع لهذه المؤسسة الاجتماعية او السياسية او تلك لتفقد الاستقلالية والشخصية الفنية من جديد ؟.

نعم هذا مانقصده في ضرورة ان يكون الفن الدرامي العراقي مؤسساتيا ومستقلا ومخططا له استرتيجيا ومستقبليا ايضا !.

ان الفن اليوم ليس هو من ضمن الجماليات الحضارية لاي امة فحسب ، وليس هو ايضا اداة سياسية خطيرة جدا لاغير ، بل هو بالاضافة لذالك ذاكرة امة وتاريخ شعب اسقاطه كما حصل في الفن العراقي سيبقي اثر مثلوم في ذاكرة وعقل الامة من صعب رؤيته في اي صفحة من صفحات التاريخ المكتوبة ، ونحن ومع الاسف كعراقيين فقدانا ربما ثلاثة ارباع ذاكرة امتنا العراقية الفنية لالسبب الا لكون المؤسسة الفنية لم تكن مؤسسة بقدر ما مسخت لمجرد سوط في يد شرطي المؤسسة السياسية وعندما سقطت المؤسسة السياسية لم نجد ذكرا لذاكرة فن دامت اكثر من اربعين سنة !!!؟.

ج : الفنّ والفنان العراقي

الفنان العراقي فنان كسول بطبعه ، فهو ليس كالفنان السوري او الفنان المصري الذي اختمرت فنيته الى حد ّ طبيعة الاجتهاد والمثابرة على اخذ العبر والدروس ، كما ان مايميز الفنان العراقي الدرامي بالخصوص الذي انتجته مؤسسة الطاغوت السياسية لفترة اكثر من اربعين سنة انه اقرب شيئ للمشخصاتي منه للفن ، فان الشيئ الاعظم في شخصية الفنان العراقي اليوم انه فنان غير تلقائي ، ويعتمد على الحركة اكثر بكثير من اعتماده على الطبيعية والثقة بذكاء المتلقي ، فتجده يحاول افتعال الحركات الزائدة كثيرا في مشاهده الكوميدية او الدرامية ، وربما لشعور هذا الفنان الشخصي انه يفتقر لورق وسيناريوا جيد لهذا ارتأى ان يسد ثغرة افتقار النص من خلال الحركة التي حولت ومع الاسف الفنان العراقي من الفنية الى القرقوزية او القريب من نوّاح المقابر في مشاهده الدرامية !.

وهكذا عندما ذكرنا ان الفن ابداع جماعي وهو نتيجة عمل اذا لم تتوفر فيه التعاونية والحب والحميمية الجماعية فانه يخرج فن درامي فج وغير معبر ولامؤثر ايضا ، فكيف اذا كانت الحالة الفنية العراقية بحاجة لخلق روح الجماعية الوصول في يوم من الايام الى صناعة فنٍ يرتقي للاقليمية او العالمية وليؤثر فيما بعد بهذا الحيّز الاكبر من المجتمعات الانسانية ؟.

بمعنى اخر : اذا كان الفن العراقي الدرامي ومن خلال افتقاد روح الجماعة الابداعية قد فقد روح الاتصال مع جمهوره المحلي العراقي بالاساس ، فكيف بامكانه ان يصل الى روح المشاهد العربي بالعموم ليحرز رقما صعبا بين الشعوب والامم ؟!.

لكنّ ربما يقول قائل من الفنانين العراقيين : ان هذا الحكم بالجماعية والفردية للفن والفنان العراقي فيه كثير من التجنّي والاعتداء على الفن واهله في العراق ، فهلا كنتم اكثر انصافا ورأيتم نصف الكأس المملوء بدلا من رؤية الفارغ ؟.

نقول لهم بصراحة اننا وجدنا الفن التشكيلي العراقي عالمي الشهرة ، وكذا رأينا الفن الموسيقي الفردي ايضا عالمي الصيت ، وكذا فن النحت والرسم بالذات فان الفن العراقي وحقيقة فيه سرٌّ عالمي غريب وعجيب ، ولكن الغريب العجيب ان سبب ابداع الفن العراقي في هذه الحقول الفنية الرائعة لالسبب الا لكون هذه الفنون فرديا وليست جماعية ، اي ان طبيعة هذه الفنون تفرض الفردية ولذالك تجد الفنان العراقي مبدعا حقّا فيها ، أما عندما نتحول الى فن الدراما العراقية التي تفرض الجماعية فسنكتشف الكارثة ؟.

نعم نكتشف كارثة هزالة الفن الدرامي العراقي ، وكذا ربما اي فن يحتاج الى العمل الجماعي فانك ستجد ان هناك ثغرة عدم الابداع الجماعي في الفن العراقي بصورة عامة !.

أما لماذ ؟

وكيف السبيل للاصلاح الفني ؟.

وماهي الطريقة لايجاد روح العمل الجماعي وحبه في الفن العراقي لنرتقي بهذا الفن ؟.

فإن كل ذالك بحاجة الى عقد ندوات واجتماعات ونقاشات ووضع برامج اكاديمية وغير اكاديمية لخلق فنانين جدد يتشربون روح العملالجماعي الفني من البداية لتتهيئ داخل نفوسهم الفنية عبقرية الابداع داخل الجماعة وليس خارجها !.

صحيح : نحن بحاجة الى رؤية فنية عراقية درامية جديدة مضافا اليها جيل فنانين جدد يحملون الهمّ الفني اولا واخرا ، ولايتخذون الفن وسيلة للوصول الاقتصادي او السياسي او غير ذاك ، كما اننا بحاجة الى مقاييس فنية عامة جديدة تحاول نقل الفن العراقي من هذه التقليدية التي افسدت ذوق الانسان العراقي العام حتى تذّوق غير فنه الوطني ، الى فن متطلع للمستقبل يصنع الانسان والمجتمع والتقاليد ولاتصنعه هذه التقاليد وهذا المجتمع وهذا الانسان !.
اي اننا بحاجة الى فن عراقي مع نقله لواقع الانسان العراقي اليوم ، محاكاته ايضا لتاريخ هذا الانسان ومستقبله برؤية فنية مبتكرة وحديثة وغير تقليدية لهذا الطرف او ذاك ، والفن كما افهمه بسذاجة انه قادر على صناعة الخيال وتحويله الى حلم وواقع ان شاء ذالك !.

العودة الى الصفحة الرئيسية

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com