ملاحظات أولية حول نتائج الانتخابات المحلية (2)
 

 

محمد علي محيي الدين
abu.zahid1@yahoo.com

ومن الأسباب التي أدت إلى هذه النتائج القصور الذي رافق العملية الانتخابية وهو قصور تتحمل مسئوليته القيادات الحزبية بمختلف مستوياتها فلم يكن الأداء بالمستوى المطلوب،ولم يكن التحرك بالفاعلية الشيوعية المعروفة ،ولذلك أسبابه الكثيرة التي يمكن أجمالها بما يلي:

· قصور واضح في الحملة الإعلامية فالبوسترات واللافتات والملصقات لم تغطي إلا جزءا يسيرا ، ولم يكن ذلك نتيجة قصور مادي بل لضعف في تركيبة لجان الانتخابات في المحافظات وعدم أشرافها المباشر على قيادة الحملة مما جعل كل مرشح يعمل بوحي من قدراته الذاتية ،لذلك لاحظنا تفاوتا في الدعاية لشخص عنه في آخر،مما يعني أن الحملة لم تكن مركزية خاضعة لأشراف مباشر من قيادتها،بل أن التنافس كان بين أطراف القائمة أكثر وضوحا منه مع القوائم الأخرى.

· ضعف بعض المرشحين وعدم امتلاكهم للشعبية التي تؤهلهم على المنافسة ،وخصوصا بين الحلفاء الذين لم يحصدوا غير جزء يسير وكانوا عبئا على القائمة وسبب في تردي شعبيتها لأسباب تعرفها القيادات الحزبية الدنيا،وهؤلاء كان لهم ثمانية مرشحين ، يضاف إلى ذلك أن نسبة النساء كانت ثمانية مرشحين مما يعني أن القائمة تتنافس على مقاعد تقل عن النصف بقليل،لأن المرأة في ظل الأوضاع الحالية لا تحضا بالقبول في المجتمع العراقي ولن تنتخب إلا لأسباب القرابة أو العلاقة الحميمة ،مما أثر على نسبة الأصوات.

· لم تتمكن المنظمات الحزبية من عقد ندوات جماهيرية تتميز بالحضور الكبير وشرح البرنامج أو الترويج للقائمة والندوات التي أقيمت لا ترقى للمستوى المطلوب لأن أكثرية الحضور من الشيوعيين الملتزمين والسابقين ،وكان الأولى أن يكون حضور الندوات من أشخاص بعيدين عن التنظيم،وغير حزبيين أو أصدقاء الحزب لأن النشاط يجب أن يوجه للأكثرية غير الملتزمة،وعلى المرشحين الوصول إلى الريف والتجمعات السكانية والأحياء الشعبية والأسواق والساحات العامة ولكن ذلك لم يحدث ولم يفكر به القائمين بالحملة مما يؤشر نقطة ضعف علينا تلافيها في المرحلة المقبلة.

*افتقار الحزب للمواقف الواضحة من القضايا التي تهم الجماهير وتشغل تفكيرها فالفساد المالي والإداري المستشري في البلد لم يكن للحزب موقفه الواضح منه وكان المطلوب فضح الفاسدين وكشف الفساد وعدم المجاملة أو الاكتفاء بتقديم الملاحظات للقوى الفاعلة ،وكذلك الأمر في الخدمات التي كشفت عن قصور السلطة في تأمينها لم يكن للحزب موقفه القوى حيالها وكان الأولى أن يكون الحزب رأس المعارضة لكشف أخطاء السلطة وسلبياتها،لا أن يقف موقف المتفرج،بانتظار أن يقوم الفاسدين بتطهير أنفسهم،وكذلك مواقفه في القضايا المصيرية التي تهم مستقبل العراقيين كقانون الأقاليم الذي رغم كل التبريرات لم يكن في صالح العراقيين وكان التصويت عليه طلقة الرحمة لذلك نرى النصر في الانتخابات المحلية كان لدعاة المركزية وفشل الأحزاب المساندة لقانون الأقاليم،ورغم أن الحزب ليس طرفا في المعادلة التي لها فرسانها المستفيدين منها إلا أنه تحمل نتائجها ليكون مصداق قول الشاعر:

لست من جناتها علم الله وإنني بحرها اليوم صالي

وبالتالي على الحزب أن يكون له مواقفه البعيدة عن التوفيقية وأن ينهج نهجا بعيدا عن تأثيرات الأحزاب التي تقود السلطة في العراق وأن تكون له مواقفه المستقلة في هذا المجال.

· الخروج من الشرنقة الكردية: كان للحزب منذ بدايات تشكيله موقفه الداعم للقضية الكردية وقد قدم لها الكثير وناله ما ناله من الأذى بسببهم،وظل متمسكا بهذه الثوابت المبدئية طيلة تاريخه المجيد،وبما أن الحزب الشيوعي الكردستاني قد أصبحت له استقلاليته في أدارة الإقليم كان على الحزب العمل في الوسط العراقي وفق حاجات الشعب ومطالبه وتوجهاته لا أن يقصر نفسه للدفاع عن الكرد وتأييد سياستهم رغم ما خالطها من مواقف متشنجة وأخطاء كبيرة،ولم يكن الموقف الكردي بالمقابل يوازي ما قدمه الحزب له من دعم وإسناد ،فقد كان الكرد بحكم موقعهم في أدارة البلد العليا قادرين على مد يد العون للحزب ليأخذ مكانه الحقيقي في الساحة ولكنهم للأسف الشديد تعاملوا معه بنكران ولا مبالاة،رغم أنه الداعم الحقيقي لهم في جميع المجالات،فقد عز على الحزبين الكرديين وضع أحدى فضائياتهم تحت تصرفه في الحملة الانتخابية ،وكانت قناة الحرية التابعة للإتحاد الوطني الكردستاني قد قدمت ندوة يتيمة وأجرت لقاء واحد مع سكرتير الحزب ولو كان الكرد صادقين في تعاملهم مع الشيوعيين لكانوا إلى جانبه في هذا المجال والجميع يعلم ما لاقى الحزب بصدد قضية كركوك وأعتقد أنه خسر الكثير من المؤيدين له من التركمان والعرب في تلك المدينة بسبب موقفه من قضية كركوك فهل كان الكرد بمستوى الحزب في التعامل بالمثل،أذن على الحزب أن يبحث عن حلفاء حقيقيين أو يعتمد على نفسه في اتخاذ المواقف التي تخدم مسيرته.

· للحزب امتداده في الوجدان الشعبي وأنصاره وأعضائه القدماء الذين كانوا في يوم ما سارية العلم لنضاله الطويل وخاضوا معامع النضال بروح شيوعية تهزأ بالمستحيل ولكن ظروفهم الصحية والاجتماعية وأمور خاصة بهم أبعدتهم عن الساحة النضالية ورغم ذلك لا زالوا مشدودين برباط وثيق إلى الحزب ومسيرته ومؤيدين له في خطواته وتوجهاته ولكن الكثير من هؤلاء يشعرون بالإحباط بسبب الإهمال والازدراء الذي يعاملون به من الشيوعيين القادمين من الخارج أو الأجيال التي لم تعمل معهم في سنين النضال وكان الأولى بمحليات المحافظات وقيادة الحزب تفقدهم وتوثيق العلاقات معهم والاهتمام بإيصال أدبيات الحزب إليهم وأجراء اللقاءات الدورية معهم لشرح سياسة الحزب والاستئناس بآرائهم بما يمتلكون من خبرات ورؤى تصب في مصلحة الحزب،وهذا الأمر فوت على الحزب أصوات كثيرة ضاعت لهذه الأسباب.

· ضعف العمل التنظيمي:مما تميزت به الفترة الحالية للعمل التنظيمي الابتعاد عن الكثير من الضوابط المتبعة في التنظيم الشيوعي سابقا فقد كان الحزب يعتمد في تنظيمه على أسس ثابتة لا يحيد عنها فكان يختار الأصلح والأحسن ويعطي للنوعية أهميتها ولكن الملاحظ بعد سقوط النظام والعودة الجديدة للساحة العراقية إهمال الحزب هذا الجانب وأصبح كحاطب ليل يعطي اهتمامه الأكثر للكمية دون النوعية ،ولظروفه المعروفة وعدم وجود المحترفين للعمل الحزبي ،وعدم التحلي بالروح الجهادية السابقة التي عليها معظم الشيوعيين آنذاك فقد أنعدم التثقيف والاشتراك بالدورات التطويرية وأهمل هذا الجانب إهمالا كاملا من قبل القيادات المحلية الجديدة ،وكان هؤلاء أشبه بالهواة منهم بالشيوعيين العقائديين مما أثر على النوعية الشيوعية المطلوب توفرها ،وبالتالي أضعف من قدرات الحزب على التحرك في الشارع لاستقطاب الجماهير وكسبها لجانبه.

· ضعف المختصات الحزبية (شبيبة –طلبة- عمال – فلاحين – نسوية) وغير ذلك،وخواء هذه المنظمات وهلهلتها وجعلها هيكلية غير فاعلة وهي التي كانت سابقا السند المكين للحزب في نضاله وامتداده الجماهيري والشعبي وذراعه الضاربة ،والطريق لتسلق سلم العضوية والانغمار في العمل الحزبي،وكان لهؤلاء أثرهم في رفد الحزب بالعناصر الشيوعية التي استطاعت أن تكون شيئا في مسيرة الحزب.

· الابتعاد عن معالجة قضايا الجماهير وإدامة الصلة بها:لقد كان الحزب الشيوعي العراقي منذ تشكيله وعبر تاريخه المجيد المدافع الأول عن الجماهير والراعي لمصالحها والفصيل الجهادي في الدفاع عنها لذلك كانت شعبيته في ازدياد ونماء بفضل ما قدمه لهذه الجماهير،فيما أصبح في الوقت الحاضر بعيدا عن تطلعاتها وأمالها مما جعلها تسير باتجاهات أخرى،وكان على الحزب الاستفادة من تعثر السلطة في تحقيق مصالح الجماهير ،وتبني مطالبها وقيادتها للمطالبة بحقوقها وبذلك يستعيد جماهيريته لأن الشيوعيين طيلة تاريخهم كانوا المدافعين عن الشعب ومصالحه وحصلوا على مكانتهم السامية عن هذا الطريق ،ولم يكونوا من أرباب السلطة حتى يوفرون له فرص العمل أو أصحاب الأموال فيغروه بأموالهم،لذلك على الحزب الخروج من عمله المكتبي والنزول إلى الشارع لاستقطاب الجماهير،لأن الحزب هو الذي عليه السعي إليها لا أن تكون هي الساعية إليه،واعتقد أن تأثير الزعامات المحلية التي جاءت من الخارج ولم تتمرس بالنضال الجماهيري كانت وراء هذا الابتعاد ،والذي كان مقاتلا في كردستان أو لاجئا في أوربا ويصلح للعمل المسلح أو الفكري ليس بالضرورة أن يكون قائدا جماهيريا أو منظما من الطراز المقبول لذلك على الحزب وضع الرجل المناسب في المكان المناسب ،وأن يكون العاملين في المراكز المتقدمة من المحترفين لا الهواة.

العودة الى الصفحة الرئيسية

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com