إيران ونهاية الدبلوماسيتين

 

 

حسن راضي
Ahwazi5@hotmail.com

اصطدم المشروع التوسعي الإيراني في الشرق الأوسط بالمشروع الأمريكي للسيطرة على العالم بدءا من الشرق الأوسط بما يملك من أهمية إستراتيجية واقتصادية هائلة. وقد وصف بالقلب العالم حيث يربط أربعة قارات ببعضها. ومن يسيطر على الشرق الأوسط يتحكم بمفاتيح العالم خاصة الاقتصادية. من هذا المنطلق , السيطرة على الشرق الأوسط من قبل اي دولة يعتبر خطا احمرا للولايات المتحدة الأمريكية لا يمكن تجاوزه. ومن هنا كان ومازال السيطرة على الشرق الأوسط حلم الدول الكبرى الإقليمية والدولية. والجميع يبحث عن ذريعة حتى يبرر تدخلاته والسيطرة على أهم منطقة في العالم. كانت أحداث الحادي عشر من سبتمبر من عام 2001 فرصة الولايات المتحدة الأمريكية لاستكمال سيطرتها على الشرق الأوسط بشكل مباشر, فاحتلت أفغانستان بتلك الذريعة واحتلت العراق بعد أفغانستان بنفس الهدف والإستراتيجية. وأرادت الولايات المتحدة الاستمرار بنهجها واحتلال دول أخرى بذرائع مختلفة وكانت إيران من ضمن تلك الدول المستهدفة.

بعدما دخلت الولايات المتحدة الأمريكية الحرب ضد أفغانستان والعراق واجهت تحديات كبرى مما أنهكت قواتها العسكرية وأضعفت مخزونها الاستراتيجي وفقدت كثير من عناصر قوتها لتحقيق إستراتيجيتها في مشروعها الشرق الأوسطي الكبير. كما فقدت الولايات المتحدة مصداقيتها وبالتالي حلفائها في تنفيذ ذلك المشروع بما فيه الرأي العام الدولي. في مثل تلك الظروف الغير مهيأة لاجتياح بلد ثالث, وبناءا على ذلك احتاجت الولايات المتحدة الأمريكية ردحا من الزمن حتى تستعيد قوتها, هيبتها ومصداقيتها وبالتالي اعتمدت واشنطن "الدبلوماسية الهادئة" لمواجهة إيران ومشروعها التوسعي بغية خلط الأوراق وتعكير المياه على طهران وتغير المعادلة من جديد لصالحها.

اتخذت الولايات المتحدة الأمريكية سياسة " الدبلوماسية الهادئة" لاحتواء إيران وجاء ذلك على لسان وزيرة الخارجية الأمريكية "كوندليزارايس" قبل أربعة أعوام أي في بداية الهد الرئاسي الثاني "لجورج دبليوبوش". والمتابع للتطورات الإقليمية والدولية يشاهد كيف أصبحت إيران في مأزق حقيقي داخليا ودخلت في عزلة إقليمية ودولية في دهاليز وأروقة السياسة الدولية نتيجة لتلك الدبلوماسية الأمريكية الهادئة من جهة وبسبب إصرار إيران على صنع القنبلة النووية وسياساته التوسعية والتخريبية في المنطقة وجرائمه الإرهابية بحق الشعوب الغير فارسية والرازحة لاحتلاله وبحق شعوب المنطقة بأسرها من جهة ثانية.

في تلك الحقبة أي عهد رئاسة جورج بوش الابن كان لإيران حليفين أساسيين وهما عضوان في المجلس الأمن ولهما الحق الفيتوومن خلالهما يمنع تمرير أي قرار دولي ضد إيران وهما الصين وروسية. كما كانت أهم الدول الأوروبية وهي بريطانيا وألمانيا وفرنسة طرفاً مهماً تتفاوض نيابة عن إيران مع الولايات المتحدة حول ملف إيران النووي باسم مجموعة "الترويكا الأوروبية". وكان لإيران نفوذ قوي في العراق من خلال الوزارات والمؤسسات السياسية والأمنية والدينية الموالية له. كما لإيران أوراق أخرى في لبنان وسورية وبعض الدول العربية من خلال زرع خلايا نائمة وموالية لها, مستعدة للدفاع عنها إذا ما واجهت إيران أي ضربة أمريكية.

تمكنت الإدارة الأمريكية خلال الفترة الثانية لولاية جورج بوش الابن وبتطبيق الدبلوماسية الهادئة تمكنت من سحب الدول الترويكا الأوروبية من وسيط يميل إلى إيران إلى طرف متشدد بمواقفه إلى جانب واشنطن. استمرت الولايات المتحدة بسياستها ودبلوماسيتها الهادئة وكسبت الرأي العام الدولي وحشدت معظم دول العالم في معسكرها لترويض إيران وعزلها. وساعدها على ذلك سياسات إيران التوسعية في منطقة الشرق الأوسط وتصدير الإرهاب وانتهاكها لأبسط حقوق الإنسان ضد الشعوب الرازحة لاحتلالها في جغرافية ما تسمى بإيران. وفي فترة وجيزة أي فترة حكم محمود احمدي نجاد فقدت إيران أهم حليفيها الصين وروسية وبدءا يتخذان مواقف اقل صلابة من قبل وقد مررت الولايات المتحدة ثلاثة قرارات في مجلس الآمن يدينان إيران دون أن تواجه معارضة حقيقية واستخدام الفيتومن قبل الصين وروسية.

في نفس الإطار ولتضيق الخناق على إيران, دعت الولايات المتحدة في نهاية عام 2007 لمؤتمر دولي سمي بمؤتمر"انابوليس", أهدافه المعلنة هوتفعيل المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية من اجل قيام دولة فلسطين وشاركت فيه ما يقارب 50 دولة, 16 دولة عربية. وكان الهدف الحقيقي للمؤتمر هوتشكيل حلف دولي يضم الولايات المتحدة وعدد كبير من الدول العربية والإسلامية وأوروبية لمواجهة التحديات والمخاطر وساهم ذلك المؤتمر وإفرازاته المزيد بعزل إيران دوليا وإقليميا. ومشاركة سورية في ذلك المؤتمر, أهم حليفة إيران في المنطقة يدل على إنجاح مساعي واشنطن بسحب حلفاء إيران وربطهم بمصالح وتحالفات مشتركة.

كما انعقد مؤتمرا في الولايات المتحدة الأميركية يسمى "حوار الأديان" بدعوة من العاهل السعودي في شهر نوفمبر/ تشرين الثاني من عام 2008 الذي حضره قادة سياسيون من دول إسلامية وعربية وأوروبية وإسرائيل ما فسره الكثيرون بأنه مؤتمرا سياسيا بغطاء ديني, في إطار التحالفات الجديدة وتشكيل جبهة لمواجهة التحديات في المنطقة والعالم بما فيها إخطار إيران.

كانت توقيع الاتفاقية الأمنية بين الولايات المتحدة والعراق التي سحب البساط من تحت رجلين النظام الإيراني في العراق بعد ما وقعت الأطراف المحسوبة على إيران في الحكومة العراقية مع الولايات المتحدة, كانت من أهم الخطوات التي ساهمت وستساهم في إكمال المشروع الأمريكي في العراق والمنطقة. كما لها الدور في إبعاد إيران تدريجيا من العراق وجر التنظيمات المحسوبة على إيران في الفلك الأمريكي حيث تلك التنظيمات وجدت في واشنطن الحليف الأقوى الذي من شانه أن يضمن وجودهم في السلطة ويؤمن مصالحهم. كما أعطيت الولايات المتحدة المشروعية والامتياز في البقاء في العراق لفترة طويلة الأمد والاحتفاظ بقوات عسكرية أمريكية كبرى من خلال تلك الاتفاقية الأمنية. وستساهم بشكل كبير في تقليص النفوذ الإيراني في العراق في المستقبل, كما تشير كل المعطيات بان الانسحاب الأمريكي من العراق سيكون مرهونا بالتطورات السياسية والأمنية في المنطقة, وهذا ما عبر عنه اوباما الرئيس الأمريكي الجديد حيث وصفه "بالانسحاب المسئول".

يمكن درج المفاوضات السورية الإسرائيلية بواسطة تركية التي إحدى أهدافها فك الارتباط بين سورية وإيران, المؤتمر الأمني للخليج العربي الذي انعقد في البحرين وعرف "بمؤتمر منامة الأمني" في شهر ديسمبر 2008, اجتماع أبوظبي للدول العربية المناهضة للنفوذ الإيراني في المنطقة الذي انعقد من اجل تعزيز المبادرة المصرية لوقف إطلاق النار بين حركة حماس وإسرائيل في بداية عام 2009, لكن الهدف الكامن وراء ذلك الاجتماع هوالاصطفاف عدد من الدول العربية القلقة من التدخل الإيراني بشؤونها الداخلية وإثارة الفتنة في بلدانهم, يمكن وصف كل تلك الأحداث في نفس الإطار الهادف لعزل النظام إيراني مقدمة لتضعيفه وشل عجلة الاقتصاد والعسكر قبل توجيه ضربه والإطاحة به بأساليب أخرى. إضافة إلى مؤتمر ميونيخ الأمني الذي انعقد في ألمانيا في بداية شهر فبراير من هذا العام الذي شارك فيه أكثر من ثلاث مئة مسئول امني وعسكري وسياسي من أنحاء العالم وأعلن الكثير في المؤتمر تحذيراتهم القوية تجاه إيران, وهددوا إيران بإنزال عقوبات قاسية إذا استمر بعدم الانصياع إلى قرارات ومطالب الأسرة الدولية.

أخيرا إعلان دولة الإمارات المتحدة العربية بإنشاء خطة نقل 70% من النفط بعيدا عن مضيق باب السلام الأحوازي( مضيق هرمز المحتل من قبل إيران). وهذا يعني إن التهديد الإيراني بإغلاق مضيق هرمز ومنع نقل النفط الذي يمر من المضيق سيبوء بالفشل وتصبح ورقة غير مجدية , حيث الخطة المذكورة ستنقل النفط مباشرة من الخليج العربي إلى بحر عمان عن طريق ميناء أبوظبي من جهة الخليج العربي الى ميناء الفجيرة من جهة بحر العرب ( بحر عمان), دون المرور بمضيق باب السلام (مضيق هرمز).

نجاح تلك الجهود والخطوات توجت بإعلان روسية استعدادها لاستضافة "انابوليس الثاني" وهذا يعني تطورا خطيرا وانعطافا مهما في العلاقات الإيرانية الروسية التي كانت علاقات إلى حد الحلفاء من جهة والعلاقات الأمريكية الروسية وتقارب الوجهات النظر والموقف تجاه إيران من جهة ثانية.

كل تلك التطورات الهامة حدثت بعد إعلان وتنفيذ خطة "الدبلوماسية الهادئة" في فترة رئاسة جورج دبليوبوش وقد أوصلت إيران بما هوعليه اليوم من عزلة واحتواء وخسارة الحلفاء وضياع أوراقها.

بعد مجيء الرئيس الأمريكي "باراك اوباما" أعلن عن بدء تنفيذ "الدبلوماسية المتشددة" تجاه إيران. وأعلن اوباما بأنه يبقي كل الخيارات مفتوحة, رافضا استبعاد احتمال الضربة العسكرية رغم إعلان أولوية إدارته بفتح باب الحوار مع إيران. وكل المؤشرات والمعطيات تدل وبقوة بان إيران في طريقها إلى المزيد من العزلة الإقليمية والدولية, وكماء بدء دورها الإقليمي ينكمش ويتراجع, بموازات تأثير الأزمة الاقتصادية العالمية والوضع الداخلي الرافض للممارسات النظام الحاكم في طهران, الوضع الاقتصادي, الاجتماعي والسياسي, حركة الشعوب التحررية الغير فارسية, كلها عوامل مساعدة للحركة الدولية ومعاكسة للطموح والتوجهات الإيرانية.

السؤال الذي يطرح نفسه بالإلحاح هو: ماذا سيكون مصير إيران بعد نهاية "الدبلوماسية المتشددة" بعد ما حصدت الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها في أوروبا والمنطقة النتائج السريعة والملموسة من خطة الدبلوماسية الهادئة"؟

كل تلك الأحداث والمحطات السياسية الهامة ينبغي أن تترتب عليها نتائج وقرارات مستقبلية مؤثرة. لكن في السياسة كل شيء ممكن وكل الاحتمالات واردة حيث العالم لا يتعامل بالمبادئ والثوابت بل الجميع يبحث عن مصلحته إضافة على إن هنالك عنصر المفاجئ والأحداث العرضية يمكنها تغير إستراتيجية ما بأخرى. كما يمكن تجد الأطراف المتنازعة مصالحها في الحرب وإزاحة المنافسين بشكل جزئي وكلي وفي التوافقات وتقسيم المصالح على قدر مستحقات كل طرف. فعلى هذا لا يمكن لأي محلل سياسي ولوتوفرت له النظرة الكاملة والقراءة الاستباقية للأحداث أن يجزم بالنتائج والحلول بقدر ما يقدم احتمالات وحلول يمكنها ان تكون قريبة من القرارات والأحداث.

إذا وصلت إيران إلى تفاهمات مع الغرب وابتعد شبح الحرب عنها واستبعدت فكرة ازاحتها من السلطة, فهل تتمكن إيران (النظام الحاكم في طهران) الهروب من أزمتها الداخلية بكل ملفاتها المثقلة؟ وهل تتمكن أن تغير صورتها وممارساتها مع الشعوب الغير فارسية (عرب الأحواز, الكرد, البلوش, الترك الاذربايجان, التركمان) الرازحة لاحتلالها؟ فطالما وجود إيران قد أنبنى على أنقاض تلك الشعوب وحقوقهم وسيادتهم وعلى الأطماع بالدول المجاورة خاصة العربية, فلا يمكن لإيران أن تعزز مكانتها ولا يمكن ان تقوم لها قائمة في ظل أرادة الشعوب في التخلص من الاضطهاد والاحتلال والعنصرية.

 العودة الى الصفحة الرئيسية

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com