هل سينتصر  مشروع "لاس فيجاس" الأمريكي في العراق والمنطقة؟

 

د. حامد العطية

 hsatiyyah@hotmail.com

لاس فيجاس أو"مدينة الخطيئة"، كما يصفها الأمريكيون، عاصمة الرذيلة في أمريكا الشمالية، مؤسسها بكزي (أي الحشرة) سيجل، زعيم مافيوي في عصابات الجريمة المنظمة، يقصدها الأمريكيون وغيرهم لممارسة كل أنواع الفواحش، من قمار وسكر ودعارة ومخدرات، لذا غدت رمزاً لكل الراكضين وراء الملذات، سواء كانت مشروعة أم لا، أي hedonism  وكل ما عدا ذلك أما وسيلة لبلوغها أو مضيعة للجهد والوقت.

لاس فيجاس مدينة الأثرياء والأقوياء، يقصدها المترفون من كل حدب وصوب، من بينهم ذلك الملياردير الأسترالي، المدمن على القمار، والذي لم يردعه عن مجونه خسارته الملايين وإصابته بالسكتة القلبية خمس مرات، لا يوجد فقير في لاس فيجاس إلا وكان مستغلاً، بطريقة أو أخرى، وسرعان ما تسحقة ماكنة لاس فيجاس الاستغلالية وتنبذه كالنواة، ليس من قبيل الصدفة أن تجاورمدينة لاس فيجاس المكان الذي اختبر فيه الأمريكان قنابلهم الذرية والهيدروجينية، لأن رواد لاس فيجاس يعبدون القوة البدائية والغرائزية بأنواعها، قوة المال والسلاح والجنس، ويحتقرون القوة المتحضرة، أي قوة العقيدة والفكر والعدالة والأخوة الإنسانية، لذا فقد اعتبر الأمريكان العقائد كلها أضغاث أحلام وأوهام رومانطيقية، وعارضوا المسيح الذي قال ليس بالخبز وحده يعيش الإنسان بتأكيدهم على أن بالمال وحده، ولا شيء غير المال، يحيا الإنسان.

ترتبط الملاريا في الأذهان بمستنقعات مليئة بالمياه الآسنة والبعوض، وكذلك وباء لاس فيجاس المعدي، لا يظهر ولا ينتشر، بدون فساد اجتماعي، يبدأ صغيراً، ويكبر تدريجياً، ليصبح في النهاية وباءً غير قابل للسيطرة، ومتى ما تمكن الوباء من المجتمع يصبح انتشاره إلى السياسة والإدارة حتمياً، وحتى الأمريكيون يدركون هذه الحقيقة، لذا منعوا استنساخ تجربة لاس فيجاس على أراضيهم، في الوقت الذي سعوا فيها لنشرها في دول العالم.

أينما يحل الأمريكيون يصطحبون لاس فيجاس معهم، عندما سيطروا على كوبا، أرسلوا اليهودي مايير لانسكي، وهو أحد رؤساء المافيا الأمريكية، ليستنسخ تجربة لاس فيجاس فيها، فأنشأ كازينوهات القمار والملاهي الليلية وأوكار الدعارة، لاجتذاب الأمريكيين المتهافتين على اللذات، وعندما نجحت ثورة كاسترو، كان من أوائل أعماله، تنظيف كوبا من القاذورات الأمريكية المافيوية، وظلت المافيا متحسرة على ضياع مواخيرها في كوبا، لذا تعاونت مع المخابرات الأمريكية في عهد الرئيس كندي لاغتيال الرئيس الكوبي كاسترو.

لكل إتفاقية أمنية أبرمتها أمريكا مع دول أخرى ملحق غير مكتوب، يقضي بالسماح للجنود الأمريكيين بـ"الراحة والترفيه"، لذا لا ترى قاعدة عسكرية أمريكية في العالم إلا وكان بجوارها بارات ونوادي تعري ومواخير، للترفيه عن الجنود، وفي الفلبين وكوريا الجنوبية واليابان وغيرها من الدول التي ترابط فيها قوات أمريكية هنالك أحياء حمراء خاصة للجنود الأمريكيين، وقد خلف الجنود الأمريكيون الهاربون من فيتنام بعد هزيمتهم المشهورة الألاف من أبناء الحرام من علاقاتهم غير الشرعية مع نساء فيتناميات.   

في كل بلاد العالم توجد لاس فيجاس، ظاهرة أو مستترة، وفي الغالب اليوم ظاهرة ومعلنة، وهذا هو الإرث "الثقافي" الذي قدمته أمريكا للعالم، في منطقةالخليج مثلاً إمارة دبي نسخة محلية من لاس فيجاس العالمية، وفي العام الواحد يتجاوز زوار دبي من دول الأعراب مجموع حجاج ومعتمري بيت الله الحرام، ومع ذلك يتجرأ أعراب الجزيرة على التمشدق بتطبيقهم لشرائع الإسلام والحرص على مصالح المسلمين، ويدعي إرهابيو القاعدة حماية العقيدة، وهم جميعاً ساكتون على نخاسة اللحم الأبيض والأحمر والأصفر والأسمر في مواخير دبي.

في لبنان أيضاً يجاهر حلفاء هؤلاء الأعراب بانتمائهم لحزب لاس فيجاس، ويودون لو يهلك جميع المتعففين، من الشيعة وغيرهم، هم ونساءهم وذراريهم، بأسلحة الصهاينة أو الأمريكيين، أو على الأقل يهاجرون جماعياً، لتكون البلاد خالصة لهم، فلا يسمع قرآن ولا مجلس عزاء،  حتىلا يتعكر مزاج السائحين من أعراب الجزيرة وغيرهم، وحتى ترضى أمريكا ويذهب عن المغتصبين الصهاينة الروع.

نسمع هذه الأيام بأن كردستان، الإقليم العراقي الذي هو أشبه بالدولة المستقلة من العراق، سيصبح نسخة من دبي، والعياذ بالله، فبالأمس جامعة أمريكية وفنادق فاخرة، والحبل على الجرار، وللسياحة على الطراز الغربي شروط ومتطلبات، لا أظنها خافية على شركاءنا في الوطن، ولو أصيبت كردستان بداء لاس فيجاس الأمريكي فالاحتمال قوي بانتقال العدوى إلى مناطق أخرى من العراق.

لاس فيجاس مثل كل الأوبئة، تكافح بالوقاية والعلاج، الأولوية للوقاية بالطبع، لذا نصحنا برفض الاتفاقية الأمنية والدعوة لانسحاب عاجل، بل وفوري، لقوات الاحتلال الأمريكية، وتقليص عديد الدبلوماسيين الأمريكيين، من خمسة ألاف إلى ما دون العشرة، والسماح لهم بشغل مبنى واحد، لا سبعة وعشرين مبنى، ودعونا لتعزيز مناعة المجتمع العراقي ضد الأوبئة الأمريكية، من خلال برنامج ديني ووطني للوقاية، يركز على توعية الناس بالقيم الدينية والاجتماعية والوطنية، التي تشكل بمجموعها الهوية العراقية، والحث على ممارستها 

وتطبيقها، فقد أثبتت تجربة الإمام المغيب موسى الصدر وحزب الله في لبنان بأن نجاح كل مشروع للتغيير مرتهن بتوفر قاعدة اجتماعية مواتية، وبدلاً من ذلك فقد تواطأت معظم القوى السياسية في العراق، بما فيها ذات الواجهات الدينية، مع الإحتلال الأمريكي وتضافرت على تضليل الرأي العام وخداع الجماهير، لذا فقد استحق النظام العراقي مكانه مع جبهة لاس فيجاس، وراء أمريكا والكيان الصهيوني.

أما الجواب على السؤال المطروح في عنوان المقالة فنجده في الخراب الاقتصادي الذي يشهده العالم الغربي، وعلى رأسه أمريكا، فقد تكفل الله سبحانه وتعالى وحده بهزيمة ائتلاف لاس فيجاس، وها نحن نشهد تحقق الوعد الآلهي، فقد انتهت أسطورة التفوق الاقتصادي الأمريكي، وتكشف للجميع هشاشة نظامهم المالي والاجتماعي، وتأكد بأن ازدهارهم مجرد خداع بصر، وهاهم الأمريكيون الذين صنعوا عالهم الفاسد الزائف يهدمونه بأيديهم، ولن يمض وقت طويل حتى ينهارتماماً، وسيجرف الطوفان الاقتصادي ونتائجه الكارثية كل النظم المنضوية في ائتلاف لاس فيجاس، آنذاك لا يلومن العراقيون الذين راهنوا على أمريكا وصوتوا لصالح الجماعات السياسية المتحالفة والمتعاهدة مع الأمريكان إلا أنفسهم.

 العودة الى الصفحة الرئيسية

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com