|
نعمة الديمقراطية في الخطة الاستشرافية: من 1956 إلى 2116
جيلاني العبدلي: كاتب صحفي/ ناشط حقوقي وسياسي مقتطف من كتاب: مواقف وطرائف (ص:49-50-51-52-53 ) نحن في تونس خصّنا الله بنعمتين: خصّنا بنعمة صغرى، حين أوجدنا في نقطة من الكرة الأرضية، بعيدة عن الزلازل والبراكين والأعاصير، فجنّبنا انقراضا محقّقا. وخصّنا بنعمة كبرى، حين أورثنا من طور الاستعمار حزبا واحدا حاكما غاشما، قذفنا معه حلاوة الشبع، ويا لها من حلاوة، ويا له من شبع. وهكذا فزنا بالحسنيين، وفازت تونسنا بفضل الله خالقنا. ولمّا بلانا الله بشراذم من المعارضين المخالفين من ذوي الغيرة والحسد والنوايا السيئة والنفوس المريضة، ألقينا ما طالته أيدينا منهم على مر الأزمان في ظلمات الدهاليز والزنازين والمحتشدات، فآحتضر منهم من احتضر، وكثير منهم لا زال ينتظر، وعشنا في أمان واطمئنان هانئين مستقرّين، لا يشغلنا " تسونامي" ولا "كاترينا" ولا "ريتا" مادمنا في حفظ الله ورعايته، ولا يزعجنا ما جرى في مصر أو في المغرب أو في مورطا نيا، بل حتى ما جدّ في جورجيا أو في أوكرانيا، ما دمنا في ظلّ الحزب الواحد ووصايته، لا حرمنا الله من خيراته وبركاته. فالحزب الحاكم - أعزّكم ربّكم- منذ أن آلت إليه البلاد والعباد، اعتنق مذهب الحلول والاتّحاد، وعلّمنا كيف تحلّ الدولة في جسد الحزب الواحد، على قاعدة الحلاّج في قوله: "ما تحت الجبّة إلا الله ". وانتشرت صولاته في الأنحاء والأرجاء، وشاعت جولاته في الداخل والخارج، وامتدّت ظلاله وآياته في كل رقعة وبقعة، فحيثما ولّيت وجهك - رعاك الله- وجدت شعبة حزبيّة ترابيّة كانت أم مهنيّة، شموع - ما شاء الله- مضيئة في كل الربوع. حزب أتى على كلّ شاردة وواردة، وسخّر كلّ هابّة ودابّة في بلادنا الخالدة، لتنفيذ خطّة صيغت برؤية ثاقبة وفلسفة رائدة، خطّة متدرّجة مراحلها متكاملة، أعتقد والفضل لله الذي أفهمني، أنّها مقسّمة إلى ثلاث أحقاب بيّنة، مقدار الواحدة منها خمسون سنة مما تعدّون. في الخمسينية الهالكة: من 1956 إلى 2005 تمحور أساسا اهتمام الحزب الواحد الأحد، على إرساء بنية أساسية متميزة، وبناء دولة قويّة متغوّلة، وكان النجاح حليفه والتوفيق رديفه. زر إن كنت من المتشكّكين واجهات المدن، وجُب أمّهات الشوارع والمؤسسات، لترى بأمّ عينك العجب العجاب، ودعك بربّك من الواجهات الخلفيّة، والطرقات الثانويّة، والممرّات الفرعيّة، والأحياء الهامشية، فرعايتها موصولة ودراساتها جاهزة، لكنّ تكاليفها باهظة وآجال تنفيذها غيب لا يعلمه إلا الله. وإذا تناهى إلى مسمعك - أعزك الله- قول من نوع: " يا اللّي مزيّن من برّة آش حالك من الدّاخل؟" فآحذر قائله، لا شكّ أنّه داعية فتنة، أو صائد في المياه الآسنة، وتأكد، تأكد جيدا أنّ عيونا تراقبه وأخطارا تلاحقه. وفي الخمسينية الآتية: من 2006 إلى 2056 فنعتقد أنّ الحزب الواعد قد خطّ برامجه، وسنّ على بركة سننه ليصهر جهوده، ويركّز برامجه، على بناء اقتصاد قويّ لا تزعزعه الأعاصير، وعلى تحويل بلادنا المعزّزة إلى جنّة خالدة لن نجوع فيها، ولن نعرى، ولن نعتلّ، ولن نشقى، ولن تجد فيها - أطال الله عمرك- ما ألفته من الآلاف المؤلّفة من المعطّلين، والمهمّشين، والمشرّدين، والفقراء، والمحرومين والمكلومين، ولن نجد زمنئذ - حفظك الله- أثرا لظواهر الرّشوة، والمحسوبية، والجريمة، والهجرة السّرية. نعم، في الخمسينية القادمة سيعمّ الرخاء، ويسود الهناء، ما دام الحزب الخالد قد شدّ الأسباب، ودقّ الأوتاد، حين سنّ إعادة الهيكلة، ونهج الخصخصة، وزواج العولمة. ألا، فليبشر بنو الوطن بالآتي الزّاهر، وليمت كمدا من كانت في قلبه ذرّة من الحسد. أما الخمسينية الخاتمة: من 2056 إلى 2116 الواضح - والله أعلم- أنّ الحزب الحاكم بعد استكماله للبنية الأساسية، وبنائه للدولة، وبعد فراغه من إصلاحاته الاقتصادية، وما لم تقتض أحكام الضرورة قرارا في التمديد، سيقرّ العزم، ويتحلّى بالحزم، لإرساء أسس متينة، وقواعد صلبة للديمقراطية وحقوق الإنسان. وسيستبشر الحقوقيون، ويهنأ الديمقراطيون، حين تُحقّق مطالبهم التي طالما رفعوها في غير مواقيتها، وأثاروا من أجلها الشغب، وهدّدوا الأمن، وتآمروا على الوطن والدين، وكوّنوا جمعيات مفسدين. وحين يُطلق سراح الباقين على قيد الحياة، من السجناء السياسيين إن كانوا من فصيلة الديناصورات. وحين يُسنّ العفو التشريعي العام، وتُجبر أضرار المتضررين، ويُطلق العنان لجميع الحريات الفردية والجماعية، ولكل الحقوق المعلومة في التنظّم والتمويل والنشاط والتعبير والتأليف. وحين تُرفع المراقبة الأمنيّة على النشطاء، ومقرّات الأحزاب، والجمعيات المستقلة، ويزول حجز الجوازات، ومنع التجمعات، والمؤتمرات والمسيرات. وحين تنتفي الملاحقات والمحاكمات، وتُفتح أبواب المشاركة والمكاشفة والمساءلة والمحاسبة، ويصبح الجميع أمام القانون سواسية كأسنان المشط، لا فرق بين تجمّعي (الحزب الحاكم) ومعارض إلا بالجدّ والصدق. هذه كما ترون - أطال الله أعماركم ولا خيب لكم آمالا- الخطّة الضافيّة، الواضحة، الشافيّة، للحزب الفائز في كل انتخاب بالنسبة السحريّة 99.99 بالمائة، خطّة متدرّجة، قراءاتها محكمة، وحساباتها مدقّقة، وبرامجها مبيّنة. فإذا شيّد الحزب الصالح لكل زمان ومكان جمهورية الغد التي بها وعد، شعر براحة الضمير إلى الأبد، وسلّم المشعل ساعتها، لمن يحسن التدبير ويُحكم التسيير إن وُجد. ألا فتعقّلوا أيها الحقوقيون، وتفهّموا أيها الديمقراطيون، وافقهوا سياسة المراحل وحكمة التدرّج، وأجّلوا تصوّراتكم ومقترحاتكم ومساهماتكم، ولا تشوّشوا، ولا تستعجلوا، وانتظروا القرن القادم إنّا معكم منتظرون، هو قرنكم الذي به وُعدتم. ألا فآستعدّوا له من الآن، وتوكّلوا على ربّكم إن كنتم صادقين، وشمّروا على سواعدكم إن كنتم عازمين. سدّد الله خطى الحزب الواحد الأحد، حزب الأمس واليوم والغد، وكلّل خطّته بالنجاح والفلاح، وسامح الله الحقوقيين والديمقراطيين المشاغبين، وغفر لهم ما قدّموا وما أخّروا، إنّهم قوم لم يفقهوا سياسة الحزب الواحد، الحاكم الأحد من المهد إلى الأبد.
|
||||
© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |