|
الإعلام السياسي ومسألة النقاب
اسامة عبد الرحيم من السهل أن نتفهم اتهام الإسلام ديناً وشعائر ورموزاً في الغرب، باعتبار أن القوم يحاولون عزل المسلمين، وإلصاق تهمة الإرهاب بهم، حتى يتحولوا إلى جالية منبوذة، لكن عقولنا تتعثر في محاولة تبرير اتهام الإعلام السياسي المصري لـ "اللحية والنقاب" عقب التفجير الغامض في ميدان الحسين بالقاهرة. فضائية الجزيرة – كعادتها- كانت الأسبق في الوصول إلى ميدان الحدث قبل الآخرين، تجول الميكرفون بين أفواه المواطنين الذين لم يستطيعوا مقاومة سحر القناة، وتدافعوا ليدلوا بشهادتهم ويظهروا على شاشة القناة المثيرة للجدل. أحد الجمهور شهد على غرار مسرحية "شاهد مشفش حاجة" أن امرأتين منتقبتين ألقيتا قنبلتين من فوق سفح فندق الحسين، ويبدو أن الرجل قد ذود الله بصره بالرؤية الليلية حيث أكد بمنتهى الثقة أنه كان برفقتهما شخص ثالث ملتحِ لزوم الخلطة الإرهابية..! الغريب في الموضوع أن معظم السائحات الخليجيات يرتدين النقاب باعتباره زى قبلي تراثي لا علاقة له بالدين في أغلب الأحيان، وهن مع ذلك يتواجدن في منطقة الحسين في قهوة الفيشاوي يدخن الشيشة من تحت النقاب و"يتحنطرن بالحنطور" دون أدنى حرج، فكيف استطاع الشاهد تمييز إرهابيتين من بين عشرات الإرهابيات المنتقبات فوق سطح الفندق..؟! وليس من العجب في ظل انهيار قيم المجتمع أن يصرح مواطن بما لم يشاهده، مدفوعاً بفرصة الظهور والكلام على فضائية عربية كبري ومتأثراً في ذات الوقت بسنوات طويلة من سياسة غسيل الدماغ، ولكن المثير للسخرية أن يتهم نائب برلماني عن الحزب الحاكم عدة جهات دفعة واحدة، ويستبق رجماً بالغيب أجهزة البحث الجنائي المختصة في وزارة الداخلية المنوط بها كشف ملابسات الحادث. النائب صنع بتصريحاته ما يشبه "عجين الفلاحة" مكوناً خلطة إرهابية شملت طالبان وغزة والجماعات الإسلامية، وقد فاته لسوء الحظ اتهام نمور التاميل وجبهة "التهييس" الشعبية بالإضافة إلى جبهة تحرير "جمهورية زفتى"..! وبرحمة من الله انتقل الاتصال هاتفياً بالدكتور ضياء رشوان خبير الحركات الإسلامية بمركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية، فتكلم الرجل كلمات منضبطة تدل على عمق ووعي وحيادية تامة، وفي غضون بضع دقائق طرح أكثر من تحليل للحادث لم يكن من بينها تخيلات المواطن ذو الرؤية الليلية، كما لم يكن من بينها مزايدات النائب الذي اعتاد علي بذخ التصريحات مثل اعتياده علي بذخ "النقوط" في الأفراح التي أدمن حضورها. إن مثل هذا الاتهام المسبق لكل ملتح ومحجبة – منتقبة- سيفسح المجال أكثر لحالة الاضطهاد التي يشعر بها المواطن المصري الذي اختار زياً ومظهراً ارتبط إعلامياً وعن عمد بكل حادثة تفجير، حتى وإن لم يكن له يداً فيها، ما يعني تعقيد حياة قطاع كبير من الناس وتقييد حريتهم في وطنهم ما يعرقل عجلة الإنتاج والتنمية. الأدهى من ذلك استنطاق قيادات دينية رسمية من الوزن الثقيل للتعقيب على الحادث، فتكررت كلمات حفظناها عن ظهر قلب، من قبيل الإسلام يحرم..الإسلام يمنع..الإسلام يحظر..الإسلام برئ..سماحة الإسلام.. وسطية الإسلام..إلخ، فهل ثبت رسمياً أن الحادث تم وفق أجندة أيدلوجية دينية حتى يتم جلد الذات على الهواء مباشرة، ولماذا يتم إقحام الإسلام في كل هجوم أو تفجير حتى ولو تم في القطب الشمالي..؟! إن بعض الخبثاء ألمح إلى تزامن حادث التفجير الذي وصفه الدكتور رشوان بـ"البدائي" بتوقيت عرض قانون "مكافحة الإرهاب" على مجلس الشعب الشهر القادم، وذلك لتهيئة الأجواء نفسياً لتقبل القانون فيما لو كان عليه تحفظات، وإضعاف موقف المعارضين له. ومع أننا لا نذهب إلى مثل هذا التصور إلا انه في قضية مثل قضية اللبنانية سوزان تميم والتي تورط فيها أحد المقربين من النظام، تم حظر النشر رسمياً وتم تطبيق نظام سرية المحاكمة، وأياً كان الهدف الحقيقي من وراء قرار حظر النشر؛ فلماذا لا يتم المعاملة بالمثل ويتم حظر اتهام الهيئات -اللحية والنقاب- جراء كل حادث حتى يتم كشف ملابساته عن طريق أجهزة الدولة المختصة، أم أن ثنائية "الأخ عليِّ والأخت رشيدة" ستظل حاضرة فور كل حادثة حتى ولو كان من خلفها الموساد. أخيراً أتساءل أين الجمعيات الحقوقية والمجلس القومي للمرأة من هذه العنصرية الإعلامية ضد المحجبات، ولماذا يسمح للبعض أن يسرن شبه عاريات في الشوارع، بحيث تظهر ملابسهن الداخلية الفاضحة، ولا يسمح في الوقت للأخريات بتغطية وجوههن، ألسن كلهن نساء، ثم ما جدوى التشدق بعد هذه العنصرية بتقديس الحريات الشخصية أليس "النقاب" من جملة هذه الحريات..؟!
|
||||
© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |