شـجـن ٌ عـراقيّ

 

 يحيى السماوي

 yahia.alsamawy@gmail.com

( إلى كل عراقي عاش الغربة الطويلة وبكى شوقا للوطن والأهل والأحبة )

 دَعـيـني من أماسـيـك ِ الـعـذاب ِ

فما أبـقـى الـتـغـرُّبُ من شـبابي

 قـلبتُ مـوائدي ورمَـيتُ كأسـي

 وشـيَّعـتُ الهوى وَرَتجْـتُ بابي

 خـبَـرْتُ لـذائـذ َ الـدنـيـا فكانـت

 أمَــرَّ عـليَّ مـن ســمٍّ وصــابِ  (1)

 وجَـدتُ حـلاوة َ الإيـمان ِأحـلى

 وأبـقى من لـماك ِ ومـن إهــابي (2) 

أنـا جـرحٌ يـسـيـرُ عـلى دروب ٍ

 يتوهُ بها المُصيبُ عن الصَواب ِ

 سُـلـِبْـتُ مسرَّتي واسْـتـفـردتـنـي

بـدار ِ الغـربتين مِـدى ارتـيـابي (3)

 وحاصَـرَتِ الكهـولة َ بعد وهْـن

 يَـدُ الـنكـَبات ِ جـائـعـة َ الحِـراب ِ

 ومــــا أبْــقــتْ لــيَ الأيــــامُ إلآ

 حُـثـالـتـهـا بــإبــريـق ٍ خـَـراب ِ

 ترَشـَّـفـتُ اللظى حين اصطباحي

 وأكـملتُ اغـتِبـاقي بـالـضـبـاب ِ

 تـُحَـرِّضني على جرحي طيوفٌ

 فـأنـبـشـــهُ بـأظـفـاري ونـابــي

 وربَّ لـــذاذة ٍ أوْدَتْ بـِـنـَـفـــس ٍ

 وحِـرمـان ٍ يـقـودُ إلى الطِـلاب ِ

 أظـلُّ الـعـاشـقَ البدويَّ ..أهـفـو

 إلى شمسٍ وللأرض ِ الـرَّغابِ (4)

 أنا الـبَـدويُّ .. لا يُـغـري نِياقي

رخامُ رُبىً وناطحة ُ السـحـاب ِ

 أنا الـبـدويُّ لا يُغـوي صُـداحي 

سوى صوتِ السواني والرّبابِ (5) 

ودَلـَّـة ِ قـهـوة ٍ ووجـاق ِ جَـمْـر ٍ

 تـحَـلـَّقَ حـولـهُ لـيلا ً صَـحـابي (6)

 وبيْ شـوق ٌ إلى خُـبـز ٍ وتـَمْـر ٍ

 كما شـوق ُالضريـرِ إلى شِهاب ِ

ولِـلـَّـبَـن ِ الخضيضِ وماءِ كوز ٍ 

وظِـلِّ حَـصـيـرة ٍ فـي حَـرِّ آب ِ

 فـُطِـرنا قـانعـيـنَ بـفـقـر ِ حـال ٍ

 قـنـاعـة َ ثـغـرِ زق ٍّ بالحَـبـابِ :ِ (7)

 أبٌّ صلى وصامَ وحَجَّ خمـسـا ً 

وأمُّ لا تــقـومُ عـن الــكِــتــاب ِ 

وأطـفــالٌ ثـمــانـيــة ٌ أنــابـوا  

عن الـدنـيا فِـراشاتِ الروابي 

ألا يا أمسِ  أيـن الـيـوم َ مني 

صباحاتٌ مُـشعـشـِعَة ُ القِبابِ ؟ِ

وفانوسٌ خجولُ الضوء ِ تخبو

 ذبـالـتـهُ فـيُـسْـرجُـهـا عـتـابي ؟

 وأين شـقـاوتي طـفـلا ًعـنيـدا ً

 أبى إلآ انتِـهـالا ً مـن سـراب ِ ؟ 

أُشـاكِسُ رفقتي زهـوا ً بريئـا ً 

ومن (خيشٍ وجنفاصٍ) ثيابي ؟ (8)

 ألوذ بحضن ِ أمي خوفَ ذئب ٍ

 عوى ليلا ً ورعبا ً من عُـقـاب ِ؟ 

 كبرتُ وما يزالُ الخوفُ طفلا ً

 وقد صار  الرفـاقُ إلى ذئـاب ِ (9)

 تـُطاردُ مُـقـلـتي منهـم طيوفٌ

 فـَعَــزَّ عـليَّ يــا أمـي إيـابــي

 وعَـزَّ على يديـك ِتمسُّ وجهي

 لـتمـسحَ عـنه ذلَّ الإغـتـراب ِ

 وعاقَبَني الزمانُ ..وهل كنـأي ٍ

 بعـيد ٍ عـن بلادي من عِـقـاب ِ ؟

  تقاسَـمَت المنافي بعضَ صحبي

 وبـعـضٌ آثــرَتـْـهُ يـدُ الـغـيـاب ِ

 ولولا خشـيتي من سـوء ٍ فـهـم ٍ

 وما سـيُقالُ عـن فـقدي صَوابي

 لـَقـُلـتُ : أحِـنُّ يابــغــدادُ حتى

 ولو لصدى طنـيـن ٍ من ذبـاب ِ

 لوحلٍ في العراقِ وضنكِ عيشٍ

 جـوارَ أبي المُـدثـَّـر ِ بالـتـراب ِ

 وقـُــربَ أُخـَـــيَّـــة ٍ وأخ ٍ وأم ٍ

 وأحـباب ٍ يُـعـذبـهــم عـذابــي (10)

 ولـكـن شـاءت ِ الأقــدارُ مـنـي

 وشـاءَ جنونُ طيشي من لـُبابي

إذا كان العـراقُ رغيف قـلبي

 فـإنَّ وجوه َ أحـبـابي شـرابي

 

               ***

 (1) الصاب : نبت زهري شديد المرارة  

(2) الإهاب : الجلد لم يدبغ بعد 

(3) دار الغربتين : المقصود بهما غربة الوطن واللسان 

(4) الرغاب : الأرض التي تشرب كثيرا ماء المطر فلا تسيل ( كناية عن البادية ) 

(5) السواني : آلات يدوية لسحب المياه من الآبار في الصحراء بمساعدة حيوان ، تصدر عند عملها رنيما كالأنين 

(6) الوجاق : موقد طيني أو من الصفيح لإيقاد الحطب ( في العراق يسمى شعبيا المنقلة ) 

(7) الحباب : الفقاقيع التي تعلو الماء أو القطرات التي تلتصق بالكأس 

(8) الخيش والجنفاص : نسيج خشن من الكتان شاع ارتداؤه في العراق قبل عقود وكانت تسميته الشعبية " السواحل " 

(9) الرفاق : إشارة إلى كتبة التقارير وجلادي النظام الديكتاتوري السابق  

(10) لم تكن أمي ـ طيب الله ثراها ـ قد توفاها الله  حين كتبت القصيدة  

العودة الى الصفحة الرئيسية

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com