علي جمعة مفتي مصر .. الاستثناء الجميل

 

حميد الشاكر

al_shaker@maktoob.com

علمتني التجربة ان لاامدح من هو معرّض للتقلبات الدنيوية ، ففي السابق من الزمان كنتُ اقرأ للشيخ يوسف القرضاوي واتابع محاضراته بشغف ، والمس فيها نوعا من العلم حتى سقط سقطته الاخيرة ودخوله في جحر مصنع انتاج الفتنة بين المسلمين سنة وشيعة ليتحول أخيرا الى بوق رخيص جدا على قارعة الطريق اراه لكن لاالتفتُ اليه مطلقا ، وعندها ادركت ان العلم شيئ وحب الدنيا شيئ اخر بالامكان اجتماعهما في حيّز واحد في وعاظ السلاطين !.

وهكذا علّمتنا التجارب الطويلة ان الكثير ممن يعجبك قولهم وتسمع لقولهم اذا قالوا هم في نهاية مطافهم خشب مسندة عند الامتحان الكبير لايتمكنون من اقتحام العقبة !.

ماهي هذه العقبة ربما تسأل ؟.

أقول : وحدة المسلمين وحب شيعة ال البيت ع !.

نعم في زمننا هذا اذا اردت ان تعرف الرجال من اهل العلم فاختبرهم ليس بحبهم لال الرسول ص فهذا فرض من الله اوجبه على المسلمين ، ولكن اختبرهم بحب شيعة ال البيت عليهم السلام ، فمَن وجدته يقول بحب الشيعة فاعلم انه رجل امتحن الله قلبه بالايمان فنجح فيه !.

علي جمعة او الدكتور الشيخ علي جمعة مفتي جمهورية مصر العربية صادفته منذ زمن اسمع وارى واتابع واشاهد ... فوجدتُ فيه رائحة عالم ، وملامح تقوى لله سبحانه ، فقلت كغيره فالعلم يكسب بالدراسة ومظاهر التقوى تتقلب كالقلوب التي يحملها البشر بين اضلعه وما القرضاوي عني ببعيد ، بدأ عالما حتى سحته السحت فحوله الى سلفي يتعبد بكراهية التشيّع ...، وعليه فيجب الصبر على خاتمة المفتي علي جمعة فربما لحق اصحابه من عبدة الدرهم والدينار وسخطه حب الدنيا الى الحضيض ؟!.

بعد فترة اصدر الشيخ علي جمعة فتوى تجيز التعبد بمذهب اهل البيت عليهم السلام والتشيّع لهم ، فقامت دنيا السلفية التكفيرية في العالم العربي بالعموم ومصر بالخصوص ولم تقعد ، فبضاعة السلفية التكفيرية في هذه الدنيا هي تكفير الشيعة وزرع الفرقة بين المسلمين ، فكيف لمفتي مصر والازهر ان يعلن جواز التعبد بمذهب التشيّع ، وانهم اخوان اهل السنة والحديث في الاسلام ؟!.

عند هذا المنعطف وفي الحقيقة اعجبتُ بشجاعة الرجل واخلاصة مضافا الى علمه ، فأن تكون مفتياً لاكبر حاضرة عربية اسلامية في مصر وتعيش بين امواج متلاطمة من التكفيريين السلفيين الرجعيين ، وتتحدى معتقداتهم الفاسدة بهذه الشجاعة ، فهذا من الاشياء الغير بسيطة مطلقا ، وهي بحاجة بالفعل لاخلاص وشجاعة !.

ثم اعاد الكرّة المفتي الشيخ علي جمعة تلميذ الازهر الشريف ، وبعينيه اللامعتين اللتين تنبئآن عن ذكاء حاد وعقلية ثاقبة جدا ، ليعلن في ندوة بالقاهرة في نادي الليونز 1/3/2009/ : انه ليس فقط يجوز التعبد اسلاميا ودينيا بالمذهب الشيعي لكل مسلم سواء كان سُنيا او غير سني ، ولكن ايضا اقول انه لافرق ابدا بين مذهب التشيّع والتسنن في الاسلام واتحدى اي شخص يثبت ان هناك اختلافات بين المذهبين الا في الفهم لاغير !.

وايضا عند هذا المنعطف الجديد قامت قيامة التكفيرية السلفية البغيضة لتكيل للمفتي الشتائم والسباب والاتهام بالدروشة والتصوف والجهل .... الى باقي المسميات التي يتستّر خلفها اجهل خلق الله واضلهم سبيلا في الارض من سلفية تكفيرية وهابية هذه الايام ، ولكنّ هذه المرّة باضافة جديدة هي رفع احد ابواق النظام المصري يدعى ( فتحي عثمان ) صاحب فيلم ( الخميني بين الحقيقة والخيال ) وصاحب كلمة التشيع الفارسي ، بدعوى قضائية ضد الشيخ علي جمعة بتهمة ميله للتشيع والمغامرة بعقيدة اهل السنة .... ومطالبة المحكمة بعزله عن منصب مفتي مصر !.

عندئذ قلتُ : ماهذا الرجل الذي يسبح ضد التيار في المنطقة العربية وخصوصا في مصر ؟.

وما الدافع الذي يجعله يخاطر بكل كيانه ربما الشخصي وربما المهني وربما العلمي ايضا في سبيل ان يقول كلمة الاخلاص والعدل والتوحيد بين المسلمين في زمن التكفيريين التضليليين ؟.

المعروف اليوم ان ورقة شتم الشيعة ورميهم بالرفض واتهامهم بالكفر والشرك من اهم الاوراق التي تدر المعيشة وتفتح خزائن امراء الحرب والتفرقة الخليجيين وتسيل لعاب السلفية وتستحلب مودتهم ومدحهم ....، فلأي شيئ هذا المفتي المصري يغامر بقولة الحق ، ويعلن كلمة الحق امام شعوب وامم وقبائل جائرة ؟.

لاأخفي سرّا ازددتُ احتراما للرجل ، كما ازداد تتبعي لمواصفات الانسان علي جمعة قبل العالم والمفتي وصاحب الشهرة ، فاكتشفت عندها ماهو اخطر من العلم بكثير في شخصية الرجل وصفاته العامة !.

اكتشفتُ ان علي جمعة مفتي الديار المصرية صاحب نكتة لطيفة ودعابة غير منقطعة في مجالس العلم وغير العلم !.

ربما سيقول البعض ممن يقرأ اكتشافنا هذا : انه وما العبقرية في ان يكون الانسان صاحب دعابة في مجالس العلم حتى تقولون بالاكتشاف الخطير ؟.

طبعا ان قائل هذا السؤال ربما لايدرك معنى ان يكون العالم صاحب دعابة ؟.

كما انه يبدو ان من لم يدخل في محراب العلم لاسيما منه الديني لايدرك ان العلم الديني يبسط سلطته على الانسان بالمطلق ليدخله طبيعيا في حالة الاكتئاب المزمن ، ولهذا ترى ان هيبة العلم الديني تشغل العالم عن التبسم فضلا عن الدعابة وانشراح الصدر وملاحة النكتة وهذه الصفة ليست منقصة على اي حال !.

سمعت من احد طلاّب وتلامذة الحوزة العلمية الدينية في النجف الاشرف يحدّث عن استاذه يوما : ان استاذه لم يُرى متبسما ابدا في حياته فسُأل عن السبب ؟.

فاجاب تلامذته : انه عندما يبتسم او يميل الى الدعابة ولو قليلا ، فانه يشعر بحرقة ذنب عظيمة مع نفسه بعد ذالك ، بعكس هيبة السكون والهدوء والميل الى الجدّ فانها تفيض عليه اطمئنانا كبيرا !.

ان هذا النموذج من العلماء موجود في كل مكان تدّرس فيه العلوم الدينية ، ونادرا ماتجد عالم دين فيه ميل فطري للدعابة الاّ اذا جمع العالم الديني بين صفتين :

الاولى : العلم الغزير الذي يبعث كفة الامل على كفة اليأس .

الثانية : النشأة الحضارية المدنية التي تميل لصناعة الحياة بدلا من احتقارها !.

وهذان الصفتان هما اللتان تخلقان العالم المخلص صاحب الدعابة الحضارية وهكذا !.

أمّا ان نرى اليوم عالما ومفتيا بمنزلة الشيخ علي جمعة مفتي الديار المصرية ، مضافا اليه رجل دعابة غير منقطعة فمن حقنا ان نتساءل : هل ان لدعابة المفتي علي جمعة الحضارية مدخلية في صياغة افكاره العقدية وفتاويه الاسلامية الوحدوية التي اثّرت حتى على رؤيته لباقي المذاهب الاسلامية ليرى اخيرا ان الاسلام اطار يتسع الى كل مسلم ومهما اختلفت افهامه او اتجاهاته للاسلام ، ولهذا قال بعدم الفرق بين السنة والشيعة في الاسلام ؟!.

يذكر في التاريخ الاسلامي ان الخليفة الثاني عمر بن الخطاب رض كان يشعر بأن علي بن ابي طالب عليه السلام رجل خلافة لامحالة من بعده الا ان فيه ( عيبا ) واحدا لاغير : ان به دعابة في المجلس !.

وعند هذا يعقب بن ابي الحديد المعتزلي في شرحه لنهج البلاغة على هذه الظاهرة العمرية بالقول : ان عمر بن الخطاب رجل بادية وخشونة وعنف ، واهل البادية يرون ان العبوس من صفات الرجولة الكاملة من منطلق ان صفة الاقطاب ترهب الاعداء ، فجاءت صفات عمر على طبيعة نشأته البدوية ومتطلباتها التربوية ، وهذا بعكس علي بن ابي طالب ع صاحب تربية المدينة والحضر الذي يرى الشجاعة والرجولة بمنظار اخر ، كما ان نشأة علي الحضارية وعلمه المدني يغلبان عليه ملاطفة التمدن مع الناس وابراز الدعابة في التعامل مع الاخرين ، اما الرجولة والحرب فقد اثبت علي ان طريقها مختلف عن المظاهر بل هي جوهر تنبأ عنه ساحات القتال ، وعلى هذا رأى عمر ان دعابة علي منقصة في هيبة الملك !.

ثم يعقب ابن ابي الحديد المعتزلي على موضوعة الدعابة بالقول : حتى ان المتتبع لنمطية الناس الذين يتشيعون لعلي بن ابي طالب ع سيجدهم ورثوا الدعابة والملاحة واللطافة من علي ع ، فهم اصحاب نكتة وادب وحب للحياة وامل في المستقبل يدفعهم لصناعة الدعابة ، بعكس اعدائهم فانهم اهل تجهم واقطاب وعبوس وعزوف عن الدعابة والنكتة ، وكأنا كل اتباع ورثوا من سيدهم اخلاقه وصفاته ، فشيعة علي نمط من الناس ، وشيعة عمر نمط اخر !.

والان لنعوذ الى مولانا المفتي علي جمعة صاحب مصر لنجيب على سؤال : من اين لعلي جمعة هذه الدعابة في مجالس العلم ؟.

وهل علم البعض من الناس لماذا نحن نقول : باننا اكتشفنا صفات الشيخ علي جمعة التي هي اكثر خطرا من علمه وشجاعته واخلاصه !.

نعم لولا دعابة علي جمعة في مجالس العلم لما ادركنا انه تابع لسيده علي بن ابي طالب ع في حب الناس والامل بمستقبلهم ، بل ولما ادركنا من اين جاء علي جمعة مفتي مصر بهذه الرؤية الواسعة التي تسع الراي والراي الاخر في الاسلام ، وكيف له تحمل القول بان لاخلاف في الاسلام بين سنة وشيعة !.

العودة الى الصفحة الرئيسية

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com