|
(أبطال) من هذا الزمان
أحمد جباوي طالما تناول الثوريون في استراحاتهم أو في جلساتهم الخاصه همومهم وما آلت اليه احوالهم الشخصيه بعد نجاح ثورتهم، حيث التهميش والأبعاد الى المقاعد الخلفيه في مسرح الحياة ،فالثوره تأكل أبنائه كما يقال. فسوء الحظ يدفع دائماً أناس غيركفوئين الى الصفوف الأماميه بعد أنتهاء الظروف الشاذه ونجاح الثوره، لاأحد يعرف من أين أتى كل هذا الكم الهئل من الفاسدين وبدفعه واحده كي يتسلقوا جدار السلطه ثمار جهود الأخرين فيما يبقيوا من شاركوا بصنع الثوره منبوذين ً يستجدون راتباً تقاعدياَ لايغني ولا يسمن والمحظوظ المحظوظ من يجد لنفسه وظيفه أو عمل لايليق بما فنى من أجله من سنوات عمره محارباً في الجبال أوفي الأدغال أو مختبأً في الأرياف وبظروف قاسيه لايدرك قساوتها اٍلا من عاشها. لقد تناول هذه الظاهره كثير من الأدباء والمثقفين في نتاجاتهم الأدبيه لأهميتها، منهم الروائي الجزائري المبدع (الطاهر وطار) في رائعته (اللاز) حيث بقي هذا اللاز بعد نجاح الثوره مجنوناً يجوب الشوارع يصرخ بلازمته المعروفه (لايبقى في الوادي غير حجارته) ويعتاش على صدقات الطيبين فيما ظل ذوي الشهداء يصطفون بطوابير طويله أمام دائرة التقاعد كي يستلموا راتباً تقاعدياً حقيراً لايتناسب ودماء أبنائهم التي سالت ...وللأديب الشاعر( سعدي يوسف) مجموعه قصصيه يتناول في احداها هموم شاب جزائري أيضاً شارك في الثوره الجزائريه وبعد نجاحها دفعته ظروف الحياة الصعبه للعمل نادلاً بأحدى المقاهي الشعبيه ،يلوك لوعة أحزانه ومرارة ضياع سنوات شبابه في حرب لم تمن عليه كريم العيش. وخير من عَبرعن تلك الظاهره الروائي الروسي الشهير (تشيخوف) في قصصه الموسومه ب (النورس) حيث أنه الوحيد الذي بقي يصارع أمواج البحر وزئير العاصفه فيما أختفى الأخرون من كواسر الغاب أتقائاً لشر العاصفه ولم يظهروا الا بعد رحيلها...وللحديث شجون...فما أكثر(الكواسر) التي أختفت في زمن همجية البعث وليظهروا وبقوه مع أول ظهور لدبابه أمريكيه في ساحة الفردوس تعلن عن صقوط الصنم...هؤلاء هم من سأتناولهم في (أبطال) من هذا الزمان1 (الحدث سنة 90 من القرن الماضي) في بقالته الكائنه في حارة (كوينز وي) بلندن كان يبيع الخبز والخبث وفي الواقع كان يثرثر أكثر مما يبيع، جميع من زاروا بقالته أكدوا شكوكاً كانت تحوم حوله مفادها تورطه في العمل لصالح النظام السابق آنذاك، لايتورع من ألبوح عما يجول برأسه من دعمٍ و تأيدٍ لسياسة النظام البائد تجاه الكويت واحتلالها. للهرب من الديون والقروض المتراكمه عليه والتي تقدر بألاف ال(باونات) أفرغ بقالته من جميع محتوياتها وأعلن أفلاسه وأختفى لحين لحسابات خاصه به أو ربما لتصفية مشاكل ماليه عالقه أو قضايا محاكم مستحقه، طوال فترة سباته لم يظهر اٍلا لواجب عزاء أو لواجب فرح . أستجاب فيما بعد لنصيحة صديق فأشترى سياره وصار مورداً للخبز لأغلب معارفه القدماء من البقالين ،حتى ذلك الحين لم تكن له أية اهتمامات سياسيه سوى ظهور خجول بأحدى أجتماعات الحركه الملكية، لكن أعتماره الدائم للسداره الملكيه عزز قناعة من كان يشك من الفضولين بأنتمائه الرسمي للحركه الملكيه الدستوريه التي نشأت على أساس مسعى أقليمي لأيجاد بديل للنظام،والحقيقه ركضوا لهذا المسعى أناس أخرون سُوميوا بما يعرف آنذك بمناضلي 2 آب، فأسسوا دكاكين وحركات سياسيه و(بطلنا) سال لعابه أيضاً فراح يتنقل بين تلك الدكاكين ،تغير زيه ومشيته وهيئته حسب انتمائه السياسي كانت سبباً كافياً بصدق حدس معارفه بتشخيص أنتمائاته الجديده فالسداره تعني الملكيه ، أطلاق اللحيه والأكثار من وضع اليد على الصدر عند التحيه تعني الأنتماء ألأسلامي، أرتداء ربطة العنق والقهقه عند الضحك تعني ألأنتماء الديمقراطي، ألتبجح بشرب الخمر وارتياد المنتديات الثقافيه تعني العلمانيه ..على أية حال مالبث بريقه بالخفوت تدريجياً شأنه شأن ألأخرين( من مناضلي 2 آب) كلما أبتعدت أمكانية سقوط ألنظام حتى أنطفأ تماماً وأختفى وأختفت معه أخباره وأطلالته الغير بهيه. ومع أسقاط النظام أطل مرة أخرى مع تشكيل أول حكومه بمنصب (وكيل وزير داخليه ) ووسط أستغراب كل معارفه كَنا نفسه بالدال (أي دكتور) وراح ينطق بكل مايخطر برأسه أوفمه من هذيان عبرَ القنوات الفضائيه هيئة النزاهه لم تمهله كثيراً، فشم رائحة الخطر فأختفى ،ثم عاد ليظهر كرجل أعمال في أسواق لندن ودبى والقاهره. ومازال يتناقل أخبار ملاينه الحساد بغيض وحسره 2 تضاربت حول طفولته الأقوال، قال البعض... ضنك العيش وخناق الفقر حدا به ومنذ نعومة أظافره بترك مقاعد الدراسه واللألتحاق بمهنة أبيه (جريداً للنخل) فيما أنكر كبار السن ذلك جازمين بعمله موزعاً للشاي بمقهى ابيه وأوثقوا ذلك بالتواريخ والأماكن الغير قابله للدحض، على أية حال أختلفوا في ذلك وأتفقوا على أنه لم يكمل تعليمه الأبتدائي ووجدت العائله نفسها بعد حين مُهجرةً في ايران فيما يُعرف آنذاك ب(التبعيه الأيرانيه)السيئة السيط سنوات الضياع وجبال الهموم وأكوام ألمآسي التي نائوا تحت حملها الثقيل ممن يعرفوا سيرة تلك العائله كانت كافيه بنسيانهم تماماً...ألا أن سقوط الصنم جلب لهم أسماء ووجوه كانت كفيله بنبش ذاكرتهم التعبه، ووسط دهشة الجميع صار (جريد النخل) محافظاً لمدينتهم . بالرغم من أنه محى أميته في أيران ألا أنه ظل يكتب كلمة-شكراً وغداً- بالنون بدل الألف ولم يكف من كتابة –يحضر باجر- بدلاً من-يحضر غداً- بالرغم من أخذه دروس باللغه العربيه لمحو من لم ينمحي من أميته وهوفي أعلى سُلم هرم المحافظه، ولم يتحرج أبداً من ظهوره باللبس ألأفرنجي – قاط وربطة عنق- منتعلاً نعالاً أو محتذياً حذاء رياضه. حتى شهادته الأبتدائيه المزوره صارت مادةً للتندر حينما أتضح بصدورها من أحى مداراس (البنات)وليس (البنين)، يفتخر دائماً بتحصيله العلمي و بحيازته لشهادة الدكتورا ، وحين يُطلب منه التوضيح أكثر يرفع يديه الى الأعلى كما لو أنه في دعاء، ينفخ صدره ويضخم صوته ويعلن بزهوٍ ... دكتورا...ثم يؤكد...دكتورا بحب الحُسين. ومازال محافظا 3 بعد سقوط بغداد ظهر مع ظهور أول دبابه أمريكيه في ساحة الفردوس رجل ظئيل الجسم ،قصير القامه، نكره لم يراه أحدً من قبل. زعق صوت ما من بين الحشود المتجمعه وأشار أليه...هذا هو رجل المرحله، حاكم بغداد الجديد...وأنبروا من بين الحشد مجموعه من الرجال الغلاظ الشداد ممن ذكرهم محمد في قرآنه مُعدون مُسبقاً لهذا الغرض وحملوه على أكتافهم وتعالت هتافات التمجيد والتأيد والدعوه له بالنصر على الأعداء ،الغريب في ألأمر لم يقتصر الهتاف على معارفه بل تعدى ذلك وراحت الحشود المتواجده هناك بالهتاف وهز ألأكتاف أمام مرسلي عدسات الكامرات .ذلك كان أول ظهور علني له على شاشات الفضائيات. طابت له الفكره فراح يظهر بشكل متكرر وفي عدة أماكن متفرقه في بغداد، طابت له اللعبه أكثر فأستولى على مؤسسه حكوميه جاعلاً منه مكتباً له يمارس عمله فيه كحاكم لبغداد ،وراحت وسائل ألأعلام منتظرةً أمام مكتبه عسى أن يَمن عليها بتصريح صحفيّ عن آخر تطورات الوضع والمحظوض المحظوض من يحضى بمقابلته والفضائيه- العربيه- كانت من المحظوضين حيث أحتفت به وببوطولاته في برنامج مخصص عن العراق، حيث تلك كانت فرصته الذهبيه للتعريف ببوطولاته الوهميه، ومن جملة ماهذى كنى نفسه ب(واوي) بغداد وذئب ألأهوار وثعلب ألأنبار و...ألخ من نضالات ساهمت بأسقاط النظام لم تدم طويلاً لعبة هذا الذئب ،أعتقلته القوات ألأمريكيه وبخته وأطلقت سراحه... وكما ظهر فجأة أختفى فجأة ... لأحد يدري ربما سيظهر مرة أخرى. 4 حدثني صديق ...كان لجدي بستاناً في ضواحي بغداد، يدفعنا الفضول ونحن صغاراً- أنا وأخوتي- بمصاحبة جدي في أيام العطل الرسميه وألأعياد الى بستانه. هناك دائماً عند بوابة البستان ينتصب (عباس ألأعور) متحفزاً لخدمة جدي، مملاً في تملقه له،فتراه مرةً ينحني منظفاً تراب الطريق العالق بحذاءه وأخرى يهش ذبابةً مشاكسةً تصر على الوقوف على أرنبة أنفه وثالثه يركض بخفة الذئب لجلب أبريق الماء لوضوئه ورابعه...وخامسه ووو.. لاأدري لماذا يناديه جدي ب(عباس ألأعور) بالرغم أنه لم يكن أعوراً أوربما لم يكن أسمه عباساً أيضاًً. كل ما نعرفه عنه أنه لم يتجاوز العشرين من عمره أتى من القرى المجاوره، ضنك العيش دفعه للعمل لحراسة البستان وبأجرٍ زهيد تملقه الشديد الذي يصل حد ذل النفس وفقدان الهيبه كانت كفيله بدفعنا شيأً فشيأً الى عدم أحترامه ، فما كنا أن نراه حتى نبدأ بضرب أرجلنا بألأرض ونصفق ومرددين بصوت واحد (عباس ألأعور ميروح للجنه) غير عابئين بنهر و بتوبيخ جدي لنا فيما كان عباس يعترض على ردع جدي لنا بالقول –دعهم يلعبون ياجد فأنا أعور ولا أستحق دخول الجنه- لكن عباس دخل الجنه ومن أوسع أبوابها ...فبعد سنوات جاء من يقول بأن عباس صار بعثياً وقام يؤذي الناس ،ثم جاء من يؤكد ذلك برؤيته شاهراً مسدسه مهدداً بعض معارفه بالويل والثبور أن لم ينخرطوا في الجيش الشعبي، وأكد ثالث ظهوره قرب مزرعة جدي مستفسراً عن فلان وفلان. فخاف الناس ، وكان جدي أول الخائفين فأختفى .وراحت ألأخبار تتوالا عنه تباعاً.عباس صار مسؤلاً...عباس أنتقل للعمل في القصر الجمهوري...عباس صار مستشاراً للرئيس...عباس سافر على رأس وفد أقتصادي الى سوريه...عباس ألتقى مع المستشار ألألماني...و.و.و...وأخيراً عباس صار سفيراً بأحدى دول شرق آسيا ... ومازال عباس سفيراً العنوان مقتبس من رواية الكاتب الروسي الشهير ليرمونتوف [بطل من هذا الزمان]
|
||||
© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |