وجهُ الشبهِ بينَ الله وبعض الحُكّامِ العَرب

 

جهاد علاونه

jehad_alawneh@yahoo.com

في بداية علم النفس الحديث كانت الآراء والمعتقدات تتجه أولاً إلى تبرير قبول ثقافة السلطة التي نلتزم بها كنظام يحكمنا ونحبه لأنه يحكمنا, ولتبرير عملية الحكم والسلطة إبتداءا ً من ديكارت إلى آخر عالم نفس يجلس ُ في مختبره الآن , نعم , لتبرير ذلك , يجب ُ أولا ً وأخيراً تثقيف الشعب بثقافة السلطة القامعة له, ويقبلها كرمز إلهي , فالحاكم العربي هو الله .

ولا أقصدُ هنا الحاكم المطلق السلطة السياسية العسكرية, أي أنني لا أقصدُ الحاكم التقليدي بل أقصد معه كل أشكال الحكم, إبتداءا ً من العشيرة والقبيلة والعائلة وأب العائلة, وسيد الحارة والمختار والضابط والمدير وكل مسؤول دكتاتور, يتخيلُ نفسه أنه مطلق ٌ في كل شيء.

إن لبعض الحكام العرب عروشاً, ولله عرشاً واحداً....وللحاكم خدمٌ ووزراء ولله أيضا جنود ُ وملائكة ..وللحاكم أيضا ً ملائكة عذاب .. وملائكة رحمة .. وللحاكم أيضاً أجهزة عذاب أو مخابرات .

ولله أيضا ً ملائكة رقباء يراقبون الناس ..

ملائكة عظام ...,واحد يقومُ بتسجيل السيئات ويقف دائماً على اليسار, ... وآخر يقوم بتسجيل الحسنات ودائمن ما يقف ُ على يمين الإنسان ..وهذا بحد ذاته يمثلُ تيار الله اليميني واليساري ..., وكل شيء تقوم ُ الملائكة بتسجيله ولا يفوتهم شيئاً ..., وكذلك للحاكم كُتّابُ تقارير ينتشرون مثل الزبالة في كل مكان ...., يسجلون كل شيء ما عدى الحسنات , فكتاب المخابرات والتقارير يبلغون الحاكم عن السيئات ولكنهم لا يبلغونه عن الحسنات وهذا من الممكن أن نعده كوجه فرق بين ملائكة الله الذين يسجلون كل شيء وبين كتاب التقارير المنتشرون كالزبالة في كل مكان.

والملائكة التي تقف على اليسار لتسجلُ الأفكار اليسارية, هي تشبه إلى حدٍ قريب ٍ جداً أحزاب الحاكم اليسارية, فإتجاهاتُ المُثقفين اليسارية هي بمثابة السيئات التي يعاقبُ عليها الله, وكذلك بعضُ الحكام والمخابرات يعاقبون الشعب على الأفكار اليسارية والنزعات اليسارية والروائح اليسارية والنزوات اليسارية .

واليمينيون عند الله محبوبون .. وكذلك اليمينيون عند الحاكم محبوبون جدا, واليمينيون عند الله يدخلون الجنات وتفتح لهم أبوابها وكذلك اليمينيون عند الحاكم العربي أو بعض الحكام العرب تجدهم يحتلون أحسن المناصب وأبواب الخيرات والأرزاق تهلُ عليهم من كل حدبٍ وصوبْ.

واليساريون عند الله مكروهون ..وكذلك عند الحاكم مكروهون جدا ً .. والله يعذبهم بأشد أنواع العذاب:"نارٌ وقودها الناس والحجارة عليها ملائكة غلاظ,".. وكذلك لبعض الحكام العرب سدنة أشاوس لا يعصون الحاكم ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون, وفي النهاية يحن ُ الله على المعذبين في السماء فيدخلهم برحمته في الجنة, وكذلك بعض سدنة الحكم يحنون على المساجين والمعذبين فيخرجونهم مما هم فيه ليدخلونهم في جنتهم .

وإطلاق مبدأ الحريات العامة, مكروه ٌعند أغلب الحكام والعائلات العربية المحافظة التي تحكم أبناءها على مبدأ الفكر والعقيدة الواحدة المحافظة, وكذلك إطلاق الحريات عند الله مكروه لأنه شرك وإثم ُ كبير .

وإشراك خالق آخر مع الله فيه شرك وإثم ٌ كبير, وكذلك إشراك أحزاب أخرى يسارية أو يمينية فيه أيضا ً ذنب ٌ كبيرٌ ومخالفة لأبسط قواعد السلوك السياسي اليميني المحافظ.

إنه لا فرق بين الحاكم وبين الله ,غير الأشياء البسيطة والتي لا تذكرُ.

إن الحاكم العربي هو ومخابراته بكافة أجهزتها, يعملون عملتهم (يفعلون فعلتهم) وكأنهم ما فعلوا شيئاً, أو كأنهم ما عملوا شيئا, إنهم هكذا دائماً يتنصلون ويهربون من المسؤولية .

إن بعض الحكام وجوههم كوجوه الله لا يختلفون عنه في شيء.

وإن التحالف القوي بين الرجعية والنظام الحاكم هو المبرر الوحيد لبقاء السلطة على وضعها , فلطالما كانت المؤسسات الرجعية بين الناس تنتشرُ بكل مخلفاتها طالما كان الحاكم موجوداً .

إن فرعون الذي تسبه الكتب السماوية, كان حاكما عادلاً وبالمناسبة إسمه يدل على ذلك فمعنى كلمة فرعون: الحاكم العادل, ولكنه كان يضطهد العبرانيين والعرب الإخلامو ...إلخ .

وهذا ليس موضوعنا ولكنني ذكرته من أجل إثبات أن عندنا أكثر من مليون فرعون , يدعون العدالة ويمارسون غيرها .

إننا في بعض البيوت العربية نقف ُ أمام حاكم مستبد وعادل , كما هو الله: الغفور الرحيم شديد العقاب .

فالأب في البيت غفور رحيم وشديد العقاب, وبنفس الوقت بيده كل شيء وهو على كل شيء قدير .

إن الحكومات العربية تحافظ على الإسلام وعلى الدين ليس محبة بالإسلام أو الدين ولكن محبة بأنفسهم , فإذا تحولت المجتمعات العربية إلى مؤسسات مدنية وأحزاب سياسية, فإن الحكومة بالذات واليمين الحاكم المتخلف سيجد ُ نفسهُ مهزوما ً ويجرُ خلفه أذيال الخيبة ..

الأجهزة الأمنية تتبنى مُهمة الدفاع عن القديم وتدعم رجالات الدين وخصوصاً الدين الإسلامي وتبني في كل حارة معهداً دينيا ً بإسم المساجد , لكي تحافظ على القديم .

ويتدخلون في الإنتخابات ويقومون بدعم الغوغاء والدهماء والزعران والبلطجية والمخنثين سياسيا والمعاقين فكريا, نعم, يدعمونهم دعما ً ماليا ً وروحياً ومعنويا ً ويتسلطون بنفس الوقت على المثقفين, ويديرون حولهم الموآمرات السياسية والإجتماعية من أجل إيصالهم إلى السجون بتهم ٍ أخلاقية وأحيانا بتهمٍ مالية, لكي يكون المجتمعُ خاليا ً من المؤسسات التقدمية والمجتمع مدنية .

إن بعض أجهزة المخابرات في الوطن العربي تقوم مقام الله وهي نائب فاعل عنه, إنها تحلُ محل الله في كل شيء .. في الأكل والشرب .. والرزق . .وحين كان يجلس الفرعون في عرشه ويقول ُ أنا الإله آمون وكان يوقد النار أمامه ويعذب ُ بها الناس, فهو لا يختلفُ اليوم عن بعض أجهزة القمع التي تعذبُ الناس وتقولُ هذا من عند الله .. ويعطون ويمنحون الجهال والأميون أموالاً طائلة ً ومن ثم يقولون هذا من عند الله.

إن فكرة نشوء فكرة الله إنبثقت من الحاكم المستبد.

 العودة الى الصفحة الرئيسية

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com