عمر البشير وصدام حسين مستبدان من الطراز الهمجي والعاقبة واحدة!

 

أ‌.  د. كاظم حبيب

akhbaarorg@googlemail.com

العالم الذي نعيش فيه غير العالم الذي عاش فيه أجدادنا وآباؤنا, ونحن من بلغ به العمر عتياً, بل عالم جديد فيه من المتناقضات ما يبعث على الدهشة والانبهار. لم تعد هناك حدود حقيقية بين الدول, رغم وجود الحدود. ولم تعد هناك قوانين محلية يمكن أن تحمي المجرمين من العقاب, فهناك محكمة الجنايات الدولية التي يفوق قوة قانونها القوانين المحلية للدول. ولم يعد هناك من يستطيع أن يحتمي بعساكره ومؤيديه من غضب المجتمع الدولي. فهذا أحد جوانب عالمنا المعولم. جانب مهم يرتبط بالعلاقة الجديدة بين الرأي العام العالمي والمجتمع الدولي وحقوق الإنسان وحقوق القوميات, وبرفض العالم لمعاناة الشعوب تحت وطأة الاستبداد والحروب والقتل الجماعي والإبادة ضد الإنسانية.

رغم كل التحذيرات التي وجهت إلى صدام حسين من مغبة غوصه في الجريمة ضد الشعب العراقي بكل مكوناته, ورغم التحذير بضرورة الكف عن الحروب والغزو ومعاقبة الناس بالحرمان والقتل الجماعي والقبور الجماعية والسلاح الكيماوي والأنفال, لم يجد هذا الدكتاتور طريقاً غير مواصلة التبختر والوقوف بالساحة الاستعراضية العسكرية ليوجه عدة طلقات نارية وبيد واحدة من بندقية, كما يبدو من الذهب, صوب السماء, ويهدد صاخباً بمنجزات العراق العسكرية وصورايخه وسعيه لامتلاك الأسلحة ذات الإبادة الجماعية. ولكن هذا الصعلوك ذهب "إلى حيث ألقت رحلها أم قشعم" وانتهى به الأمر إلى مزبلة التاريخ. ولم تنفع عساكره وقواته المسلحة وفدائييه والأموال التي سرقها من أفواه الشعب العراقي. مات غير مأسوف عليه لأنه أذل شعبه, وبالتالي أذله الشعب أيما إذلال.          

واليوم أمامنا عمر حسن البشير, رجل عسكري مهووس بالقوة والعنف والحلول العسكرية للقضايا الداخلية. رجل لا يختلف عن أشباه الرجال الذين لا يجدون ذلة في إذلال شعوبهم ولا يجدون رحمة في قلوبهم. مارس سياسات اقتل ودفع بقواته وجماعة الجنجويد إلى قتل المزيد من أهالي الجنوب في السابق, ومن ثم أهالي دار فور. لقد مات عشرات الألوف من الناس الأبرياء, من النساء والأطفال والشيوخ والشباب. وقد وجهت له تحذيرات كثيرة, ولكنه كأي مستبد عاهر لا يجد لغة في الرد على تلك التحذيرات بغير الشتائم والهوسات وهز العصا, تماماً كما كان صدام يرفع بندقيته ليهدد العالم بالويل والثبور, وأنه القائد المغوار الذي يقف وراءه الشعب السوداني كله, وهي فرية كبيرة لا تجاريها أي كذبة أخرى.

وكانت الاتهامات الصادقة التي رفعها المدعي العام ضد البشير في ضوء قرار مجلس الأمن الدولي بالتحقيق في قضية عمر البشير. وصدر أخيراً قراراً من محكمة الجنايات الدولية يقضي باعتقال هذا البشير. وجاء في نص القرار ما يلي:              

 "أصدرت الدائرة التمهيدية الأولى في المحكمة الجنائية الدولية أمرا بالقبض على الرئيس السوداني عمر حسن أحمد البشير لارتكابه جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية. ويُشتبه في أن عمر البشير مسؤول جنائيا، باعتباره مرتكبا غير مباشر أو شريكا غير مباشر، عن تعمد توجيه هجمات ضد جزء كبير من السكان المدنيين في دارفور بالسودان، وعن القتل والإبادة والاغتصاب والتعذيب والنقل القسري لأعداد كبيرة من المدنيين ونهب ممتلكاتهم. وأشارت الدائرة التمهيدية الأولى إلى أن منصب البشير الرسمي كرئيس دولة حالي لا يعفيه من المسؤولية الجنائية ولا يمنحه حصانة من المقاضاة أمام المحكمة الجنائية الدولية". [راجع: جريدة "الشرق الأوسط" الخميـس 09 ربيـع الأول 1430 هـ 5 مارس 2009 العدد 11055]

وقد وجهت للبشير 7 تهم، استنادا إلى مسؤوليته الجنائية الفردية بموجب المادة 25 (3 ـ أ) من نظام روما الأساسي، وهي كالتالي: خمس تهم متعلقة بجرائم ضد الإنسانية: القتل – المادة 7 (1- أ)، الإبادة – المادة 7 (1 - ب) (وهي ليست جرم الإبادة الجماعية المنصوص عليها في المادة 6)، النقل القسري – المادة 7 (1 - د)، التعذيب – المادة 7 (1 - و) والاغتصاب – المادة 7 (1 - ز). تهمتان متعلقتان بجرائم حرب: تعمد توجيه هجمات ضد سكان مدنيين بصفتهم هذه أو ضد أفراد مدنيين لا يشاركون مباشرة في الأعمال الحربية - المادة 8 (2 - هـ - 1)؛ والنهب - المادة 8 (2 - هـ - 5). * الاستنتاجات المتعلقة بالإبادة الجماعية رأت أغلبية قضاة الدائرة، وخالفتهم الرأي القاضية أنيتا أوشاسكا، أن المواد التي قدمها الادعاء دعما لطلبه لم توفر أسبابا معقولة للاعتقاد بأن حكومة السودان تصرفت بقصد جرمي خاص لإهلاك جماعات الفور والمساليت والزغاوة إهلاكا كليا أو جزئيا. لذا لا يتضمن أمر القبض على عمر البشير تهمة الإبادة الجماعية. مع ذلك، شدَّد القضاة على أنه إذا جمع الادعاء أدلة إضافية، فلن يحول هذا القرار دون قيام الادعاء بتقديم طلب لتعديل أمر القبض كي يتضمن جريمة الإبادة الجماعية...". [راجع نفس المصدر السابق].

وكعادة جميع المستبدين استهان بالقرار وأدانه وشتم من يؤيده وهدد وطرد فعلاً مجموعة من منظمات المجتمع المدني الدولية التي كانت تقدم الخدمة لناس الفقراء والمحاجين في السودان.

ولكن لن يستطيع هذا الحاكم القرقوشي أن يفلت من عقاب الرأي العام العالمي وسيجد موقعه عاجلاً أم آجلاً وراء القضبان يقضي بقية عمره.

ليس عدلاً أن يحكم الشعب السوداني الطيب مثل هذا المستبد بأمره الذي لا يحترم حتى نفسه حين لا يحتم شعبه وإرادة هذا الشعب, فالشعب لا يستحق حاكماً ومغتصباً للحكم من هذا النوع.

واحتجت الجامعة العربية على القرار وكأنها تخشى أن يكون قرار الاعتقال الأول من نوعه في العالم إزاء حاكم لا يزال بالسلطة, قد أرعب بقية الحكام باعتباره سابقة خطيرة, ولكنها سابقة عادلة ومصيبة, ودعت إلى عقد جلسة استثنائية لمجلس الأمن الدولي للنظر بتأجيل قرار الاعتقال. وأملي أن لا يصدر مثل هذا القرار, فهذا الحاكم يفترض أن يتخلى عن الحكم ويسلم نفسه ويدافع عنها في محكمة عادلة لن يجد مثيلاً لها في السودان وفي الكثير من الدول العربية والإسلامية, ومنها إيران.

أتمنى للشعب السوداني الخلاص السريع من هذا الدكتاتور البائس الذي مرغ جباه شعب السودان بالتراب. من يتابع أخبار السودان هذه الأيام سيدرك دون أدنى ريب بأن الدكتاتور قد اصيب بصدمة شديدة وفقد أعصابه وبدأت تهديداته توجه يمنة ويسرة. وأنه سيقيم علاقات قوية مع إيران ويعترف بحماس ... إلخ من أعمال تعتبر في مصاف ردود فعل هستيرية غير المحسوبة العواقب.  

ومن الغريب حقاً أن يظهر بعض العرب ليدافعوا عن متهم بارتكاب جرائم حرب وضد الإنسانية, تماماً كما فعلوا مع الدكتاتور صدام حسين حين هللوا له وكبروا وسبحوا باسمه, ولكنه لم يكن سوى مجرم وقاتل كبيرين, وكأنهم اعتادوا الذل الذي يسلطه المستبد بأمره والعيش تحت مظلة قاتل. 

 العودة الى الصفحة الرئيسية

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com