|
لولاهم لخليت
د. حامد العطية يختلف الناس في الفكر، وتتباين قيمهم، وتتنوع معاييرهم، وتتعارض أحكامهم، والكل يعتقد صواب رأيه وعدالة حكمه، ولكي نتأكد من صواب الحكم لا بد من العدالة في التقييم، كما لا عدالة بدون استناد التقييم للحقائق، لذا فالأصل في الحقائق، وسأكتفي هنا بذكر بعض الحقائق المعروفة والمؤكدة، تاركاً التقييم والحكم للغير، وإن كنت أرى بأن هذه الحقائق هي بحد ذاتها تقييماً وحكماً. لولاهم لخلت أرض الرافدين من الثائرين ضد الاحتلال، الذين ثبتوا على مقاومتهم للإحتلال منذ ساعاته الأولى، فرفضوا الإحتلال، وعارضوا مخططاته ومشاريعه، وطالبوه بالانسحاب الفوري، وتصدوا له بكل الوسائل المتاحة لهم، بالحجج والمسيرات الجماهيرية والعمليات القتالية، وهم وحدهم صمدوا ما يزيد على خمس سنين على مواقفهم، فلم يبيعوا مبادئهم مقابل دولارات أمريكية، ولم يتخلوا عن ثوابتهم لقاء مناصب حكومية، بل دفعوا أبهض الأثمان لمعارضتهم للإحتلال، عشرات الألاف من الشهداء والجرحى، وعشرات الألاف من الأسرى والسجناء، والتدمير الهائل لمدنهم وأحياءهم الفقيرة ومنازلهم البسيطة، وحرمانهم من الوظائف والخدمات الأساسية وفرض الحصار عليهم، وكل هذه العقوبات الجماعية لم تثنهم عن المضي قدماً في مسيرة التصدي للإحتلال وصنائعه. لولاهم لخلت أرض الرافدين من الوطنيين الحريصين على استقلال وسيادة العراق ووحدة شعبه وأراضيه، هم الوحيدون المطالبون بأن يكون العراق سيد نفسه، فلا يشارك أحد أبناءه في تقرير شؤونه، ولا حق لدولة مجاورة أو بعيدة في فرض إرادتها عليه، فلم يستنجدوا بشركائهم في المذهب في الدول الأخرى كما فعل غيرهم، وداخلياً سعوا إلى الحفاظ على اللحمة الوطنية بعد أن ضعفت وكادت أن تذوب بفعل النيران الطائفية والعنصرية والمناطقية، واستنكفوا من الاستعانة بالعرب أو الأتراك ضد الأكراد، دافعوا عن عراقية كركوك فيما كان غيرهم يصر على عروبتها أو كرديتها أو تركمانيتها، وعندما كان الجميع مؤيدين للفدرالية التقسيمية حذروا من أخطارها على وحدة العراق، وهاهم بعض أنصار الفدرالية بالأمس يتحفظون عليها اليوم. لولاهم لخلت أرض الرافدين من المدافعين عن العزل الأبرياء، فقد شهد القاصي قبل الداني لهم بذلك، تطوعوا لحماية أرواح الأبرياء وإيقاف تهجيرهم بعد أن عصفت بوسط العراق وعاصمته بالتحديد موجة القتل والتهجير على الهوية الطائفية، في الأحياء التي بسطوا حمايتهم على المدنيين عاش المسيحي قبل المسلم أمناً، واطمأن السنة قبل الشيعة، أما المحتلون فقد اكتفوا بالتفرج فرحين بتباغض وتقاتل العراقيين، وتعذرت الحكومة العراقية بعجزها. لولاهم لخلت أرض الرافدين من المجاهدين ضد الإرهاب، فالمحتلون استقدموا الإرهاب، وفتحوا امامه الحدود، وتغافلوا عن المحرضين عليه في حليفتهم السعودية، وكعادتها لم تفعل الحكومة العراقية شيئاً يذكر لإيقافه، لأنها خاضعة للمحتلين، فأنبروا لمقارعة الإرهابيين في بغداد والحلة والكوت وديالى وتلعفر، وهم ضحوا بالغالي والنفيس في محاربة الإرهاب الطائفي، ولم يردوا على القتل العشوائي للمدنيين بالمثل، فلم يقتلوا ركاب حافلة مدنية على الهوية الطائفية، ولم يفجروا سوقاً شعبية، وتعاونت قوات الاحتلال مع الإرهابيين في ضرب مجموعاتهم القتالية التي انطلقت من الجنوب والوسط لقتال الإرهابيين، وتكشف للجميع آنذاك بأن المحتلين حريصون على ديمومة الإرهابيين في العراق، ليس فقط كذريعة لبقاء قواتهم مدة أطول بل لاتفاقهم في استهداف أكثرية العراقيين. لولاهم لخلت أرض الرافدين من الحريصين على الهوية الإسلامية والعربية للعراق، فهم أخلصوا لدينهم بالمطلق، وطبقوا تعاليمه باحترام حقوق أتباع الديانات الأخرى، ورفضوا الإنجراف في تيار العصبية المذهبية، وأكدوا على هوية العراق العربية، مؤكدين في الوقت ذاته على الحفاظ على حقوق غير العرب كاملة غير منقوصة. لكل هذا وذاك يكون لزاماً القول بأنه لولاهم لخليت.
|
||||
© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |