متغيّر أمريكي أم إستراتيجية جديدة؟

 

أ. د. سّيار الجميل

 akhbaarorg@googlemail.com

لقد كان خطاب باراك اوباما في معسكر لوجون بكارولينا الشمالية  يوم الجمعة الماضي، مثيرا جدا، وبدا كمّن أثلج صدور كل من الأمريكيين والعراقيين معا ! ولكن علينا أن نتساءل : هل هو متغّير أمريكي أم إستراتيجية جديدة في العراق ؟ انه بالتأكيد، علامة بارزة لمرحلة قادمة في العراق وكل الشرق الأوسط .. خصوصا وان أسباب وعوامل الصراع لم تظهر حتى الآن أمريكيا، ولا يعلم أحد ما الذي بدأته الولايات المتحدة وما الذي أرادته .. فإذا كانت اليوم تتخّلى عن الحرب، فهل تخّلت عن استراتيجياتها كلها ؟  والسؤال الآخر : هل يعّبر اوباما نفسه عن متّغيرات باستطاعته صناعتها، أم أنها استراتيجيه أمريكية جديدة وجدها أوباما أمامه، وبدأ يعّبر عنها وكأنه صاحبها ؟ إن الرجل قد عرف من خطاباته ومواقفه السابقة انه رافض للحرب التي سماها بالغبية ! ولكن هل الحرب إزاء العراق كانت مجردة من أية إستراتيجية، كما يفهمهما البعض ؟ وهل أحرقت الولايات الأمريكية كل ملياراتها سدى، والاهم كل أوراقها في العراق ؟ علينا أن ندرك إن سحب القوات الأمريكية وإنهاء حالة الحرب شيء، والبدء بإستراتيجية جديدة في العراق شيء آخر، ذلك أن الاتفاقية التي وقعت بين الطرفين كانت منجزا للرئيس الأمريكي السابق .. وجاء اوباما ليقطف ثمار الأول الذي انتهى نهاية مخجلة ومريرة اثر تجربة غير موفقة أبدا، بسبب ما ارتكبه وأعوانه من أخطاء لا تغتفر في العراق .. ويرى بعض المراقبين أن حرب العراق هي التي أتت نتائجها بزعيم مثل اوباما إلى السلطة لأول مرة في التاريخ !

لقد أصبح لاوباما القدرة في أن يكشف النقاب عن خطة " إنهاء الحرب في العراق " من دون تناقض، ولا إلى أية صياغات ملتوية، ولا إلى التشدق بالانتصار .. فما يهمه، هو الانتصار الذي حققه هو على خيبات الأمل التي مني بها الرئيس السابق .. أنني لم أجد أية صدمات في خطابه الأخير، بل هناك تاريخ محدد لانسحاب القوات القتالية بعد 16 شهرا، وهو جدول زمني كانت قد حددته الإستراتيجية الجديدة التي وعد بها عام 2008، وان جميع القوات الأمريكية سوف ترحل نهاية عام 2011 .. ولكن السؤال : هل ستنهي الولايات المتحدة نفوذها بالعراق ؟ هل باستطاعة العراق، تحديد مستقبله نفسه بنفسه ؟ هل له القدرة على مواجهة دول الإقليم مجتمعة أم منقسمة ؟ هل قدمت الولايات المتحدة ما عليها من استحقاقات للعراق الذي دّمرته آلتها الحربية على مدى سنوات طوال ؟ قد يكون للخطاب الأمريكي تأثير قوة هائلة بالانسحاب، ولكن هل بإمكانها أن تفصح عن إستراتيجيتها الجديدة للمرحلة القادمة ؟ خصوصا وان العراق يمّثل قلب الشرق الأوسط، ونحن نعرف عملية المد والجزر بين الولايات المتحدة وإيران مثلا .. فهل ستبدأ صفحة خفية من الصراع ضمن إستراتيجية جديدة باسم متغّير العراق ؟ هذا ما لا تريد الولايات المتحدة أن تفصح عنه ! إن العديد من قوى العراق السياسية ستجد نفسها في مواجهة حقيقية مع الشعب . وعليه، فإنها سترحل مع الأمريكان .

 إن اوباما يريد إنهاء الحرب ليزيد من شعبيته استعدادا للدخول في الحملة الانتخابية لعام 2012، وانه الرجل الذي وعد فعل .. وانه يأمر بغلق غوانتانامو وان الولايات المتحدة لا تمارس التعذيب ! انه بالفعل زعيم ذكي وظف التحولات الإستراتيجية لصالح متغيراته هو نفسه .. إنني أقول بأن الرجل لا يقامر، بل انه يعّبر عن واقع جديد صنعته المرحلة الجديدة . إن المهم بالنسبة لكل العراقيين، ليس اوباما بالذات، بل هو إدراك ما يمكن عمله في المستقبل ؟ وكيفية التعامل مع الإستراتيجية الجديدة ؟ ما تداعيات سحب القوات الأمريكية من العراق ؟ هل سيقبل العراق على مرحلة أفضل بكثير من تلك التي عاشها ضمن إستراتيجية الحرب ؟ أم أن صفحة تاريخية جديدة ستبدأ ؟ ما طبيعة علاقته بالولايات المتحدة الأميركية من ناحية، وهل ثمة فراغ سيحدث بعد انسحاب القوات الأمريكية من العراق بحلول آب/ أغسطس 2010 ؟ هل أن من سيتبقى من القوات الأمريكية في العراق ستتحدد مهامه بالتدريب ومكافحة الإرهاب وادوار غير قتالية مثلا كما صرح أوباما ؟ أم أن أبعادا جديدة ستبدأ منذ الآن في العام 2009، وقبل إنهاء حالة الحرب ؟  ووفقا للتقارير، اوباما   سيزيل  90000 من القوات المقاتلة الحالية المقدر عددها بـ  140000 جندي في طول البلاد العراقية وعرضها،أي الإبقاء على 50000 مقاتلا .

إن ما يعنينا نحن من العراق لا  يعني غيرنا، إذ ينبغي أن يبدأ العراق تاريخا وطنيا جديدا، ومن خلال مشروع وطني بعيدا عن أي إستراتيجية أمريكية لم تساهم سابقتها إلا بهتك العراق وإشعال الصراعات فيه .. وإبقائه بلدا عاجزا يعيش ما قبل عصر النهضة .. يهمنا، التئام الشعب العراقي على نفسه بعيدا عن أية أجندة إقليمية .. ويعنينا حفاظ العراق على ثرواته، والبدء بمشروعات إصلاحية كبرى ..  يهمنا جدا، نسيان الماضي وجروحه وبداية عهد جديد، يتوفر فيه الأمن والنظام والخدمات والعمل والرخاء لشعب عاش الحروب القاسية وأوضارها منذ ثلاثين سنة 1979 – 2009 .. يهمنا أن يدرك بعض العراقيين أنفسهم بأن أمريكا ليست الأب الرحيم لهم، وان كل متغيراتها واستراتيجياتها تتحرك من اجل مصالحها هي نفسها، لا من اجل مصالح الآخرين . وان على العراقيين أن يتعاملوا مع المستقبل على هذا الأساس..

العودة الى الصفحة الرئيسية

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com