فيما ذكره المستشرق الالماني مارتين في اسرار شهادة الحسين (ع) وفوائد مآتمه

 

مركز سامراء الدولي للدراسات والبحوث الأستراتيجية

Sa_mm_ra@hotmail.de

قال المستشرق الالماني ( مارتين ) ذلك الفيلسوف المعروف والحكيم المشهور من اكبر مؤرخي الالمان واعلمهم بالسياسة الاسلامية في رسالته المسماة ( السياسة الاسلامية المبنية على فلسفة الاسلام ) تحت عنوان :

( الثورة الكبرى او السياسة الحسينية )

في فلسفة مذهب الشيعة 

الحسين بن علي بن ابي طالب بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف هو سبط محمد المتولد من ابنته وحبيبته فاطمة الزهراء ويمكننا القول بأنه كان جامعا للأخلاق والصفات المستحسنة عند العرب في ذلك الزمان ووارثا للشجاعة من ابيه واعلم المسلمين بأحكام دين جده وحاويا بدرجة كاملة للجود الذي هو احب الصفات وكان طلق اللسان فصيح البيان للغاية , اتفق المسلمون بلا مخالف على حسن العقيدة في الحسين , حتى ان الطوائف التي تذم اباه واخاه  تمدحه وتثني عليه , وكتبهم مشحونة بذكر ملكاته الحسنة وسجاياه المستحسنة وكان غيورا صادقا غير هياب , وان لغالب فرق المسلمين عقائد عظيمة في الحسين ولكن الذي نقدر أن نكتبه في كتابنا بكمال الطمأنينة وبلا خوف المعارضة هو أن تابعي علي يعتقدون في الحسين اكثر مما تقوله النصارى في المسيح فكما اننا نقول ان عيسى تحمل هذه المصائب لتكفير السيئات هم يقولون ذلك في الحسين ويعدونه الشفيع المطلق يوم القيامة , والشئ الذي لايقبل الأنكار ابدا اذا قلناه في الحسين , هو انه كان في عصره اول شخص سياسي ويمكن أن نقول أنه لم يختر احد من ارباب الديانات سياسة مؤثرة مثل سياسته , ومع أن اباه عليا هو حكيم الاسلام وحكمياته وكلماته الشخصية لم تكن بأقل مما هو لسائر حكام العالم المعروفين لم يظهر منه مثل السياسة الحسينية , ولأجل اثبات هذه المسألة يلزم الألتفات قليلا الى تاريخ العرب قبل الاسلام فنرى أنها كانت قرابة بين بني هاشم  وبني امية أي انهم بنو اعمام لأن امية وهاشم انجال عبد مناف ومن قبل الاسلام كان بينهم نفور وكدورة بدرجة متناهية وحصل بينهم مرارا مجادلات وقتال وكان كل من الطرفين طالبا ثأره من الآخروكان بنو هاشم وبنو امية اعزاء محترمين في قريش ولهم السيادة , بنو امية من جهة الغنى والرياسة الدنيوية وبنو هاشم من جهة العلم والرياسة الروحانية وفي بدء الاسلام ازدادت العداوة بين بني هاشم وبني امية الى أن فتح النبي محمد مكة وادخل في طاعته وتحت امره عموم قريش وبني امية وفي الواقع استولى على رياسة العرب واطاعتهم بنو امية واضرم هذا التقدم في الباطن نار الحسد لبني هاشم في صدور بني امية وكانوا على استعداد للايقاع ببني هاشم حقدا عليهم فلما توفي النبي على اصول ولاية العهد بل على اصول اكثرية الآراء ولم تدع شدة مخالفة بني امية ان تكون اكثرية الآراء في الخلافة بجانب بني هاشم فهنا نال بني امية مآربهم وتغلبوا على بني هاشم وبسبب الخلافة تمكن بنو امية من الحصول على مقام منيع فسهلوا الطريق لمستقبلهم وكانوا يسعون في رفعة منزلتهم عند الخلفاء يوما فيوما واصبحوا ركنا من اركان السلطنة الاسلامية حتى اصبح الخليفة الثالث منهم واصبح بنو امية متفوقين تفوقا مطلقا في كل عمل ومكان ووطدوا مقامهم للمستقبل ونظرا الى تلك العداوة والثارات التي كانت لبني امية عند بني هاشم حسب عوائد العرب في ذلك الزمان كان اظهارهم لخلوص العقيدة والنية الصافية للأسلام اقل من سواهم وكانوا باطنا يرون من العار أن يتبعوا دينا يكون ختامه بأسم بني هاشم ولكثرة المسلمين في ذلك الزمان كان بنو امية يسيرون وراء مقاصدهم تحت ظل هذا الدين ولم يعلنوا بمخالفته وتظاهروا بمتابعته ولما رأوا انفسهم في المقامات العالية ووطدوا مقامهم في الجاه والجلالة اظهروا تمردهم عن احكام الاسلام حتى انهم كانوا في المحافل يستهزئون بدين جاء به بنو هاشم  ولما رأى بنو هاشم ان الأمر صار الى هذا واطلعوا على نوايا بني امية لم يقعدوا عن العمل واظهروا للناس اعمال الخليفة الثالث بأساليب عجيبة  فأثاروا المسلمين عليه حتى آل الامر الى ان اشترك رؤساء طبقات المسلمين في قتله وبأكثرية الآراء اصبح علي الخليفة الرابع .

من بعد هذه الواقعة تأكد بنو امية انه ستكون لبني هاشم السيادة والعظمة كما كانت لهم في زمن النبي فلهذا قام معاوية الذي كان حاكما لبلاد الشام من قبل الخلفاء السابقين وكان ذا اقتدار ودهاء ونظر بعيد ناشرا لواء العصيان على علي بدعوى ان قتل عثمان كان بأشارة منه والقى الخلاف بين المسلمين وبتلك الطريقة التي كانت بين العرب قبل الاسلام شهر السيف بينهم , ومعاوية وان لم يغلب عليا في هذه الحروب العديدة لكنه لم يكن مغلوبا ولم يطل زمن تمرد بني امية على رياسة بني هاشم حتى قتلوا عليا وعندئذ تغلب معاوية وصالحه الحسن الذي هو الأخ الاكبر للحسين وهو الخليفة الخامس وعادت الخلافة الى بني امية فكان معاوية من جهة يسعى في تقوية ملكه ومن جهة اخرى يسعى في اضمحلال بني هاشم ولم يفتر دقيقة واحدة عن محوهم وكان الحسين معه أنه تحت نفوذ اخيه الحسن لم يطع بني امية ولم يظهر مخالفتهم وكان يقول علنا لا بد ان اقتل في سبيل الحق ولا استسلم للباطل وكان بنو امية في اضطراب منه وبقي هذا الاضطراب الى أن مضى الحسن ومعاوية وجلس يزيد في مقام ابيه على اصول ولاية العهد وابطلت الخلافة بأكثرية الآراء من بعد علي ولكن بعد تعيينه لولاية العهد استحصل معاوية على صك بأخذ البيعة له من رؤساء القوم ورأى الحسين من جهة ان حركات بني امية الذين كانت لهم السلطة المطلقة والرياسة الروحانية الاسلامية قاربت أن تزعزع عقيدة المسلمين من دين جده ومن جهة اخرى كان يعلم انه اذا اطاع يزيد أو لم يطعه فبنو امية نظرا لعداوتهم وبغضهم لبني هاشم لا يألون جهدا في محوهم واذا دامت هذه الحالة مدة لايبقى اثر لبني هاشم في عالم الوجود فلهذا صمم الحسين على القاء الثورة بين المسلمين ضد بني امية كما أنه رأى من حين جلوس يزيد في مقام ابيه وجوب عدم اطاعته ولم يخف مخالفته له وجد يزيد في اخذَ البيعة من الحسين ودخوله في طاعته فلهذا سلم الحسين نفسه للقتل عالما عامدا لما كان يدور في خلده من الافكار السامية , واذا تأمل المنصف بدقة في حركات تمثيل ذاك الدور وتقدم مقاصد بني امية وكيفية تزعزع المسلمين واستيلاء بني امية على جميع طبقات المسلمين يحكم بلا تردد ان الحسين  احيى بقتله دين جده وقوانين الاسلام ولو لم تقع هذه الواقعة ولم يحصل ذاك الاهتزاز الكهربائي في المسلمين من قتل الحسين لم يبق الاسلام على حالته الحاضرة ابدا , وبما ان الاسلام كان قريب العهد كان من المحتمل أن تضمحل احكامه وقوانينه , ولما كان الحسين بعد ابيه مصمما على القيام بذلك المقصد النبيل خرج من المدينة بعد جلوس يزيد في مقام ابيه لينشر افكاره العالية في مراكز الاسلام المهمة مثل مكة والعراق , وكل نقطة كان يطأها الحسين كان يتولد في قلوب اهلها لبني امية النفور الذي هو مقدمة للثورة , وان يزيد لم تخف عليه هذه النقاط الدقيقة ولقد علم أنه لو حصل في نقطة من مملكته ثورة ونشر له الحسين لواء المقاومة لسادت هذه الفكرة في جميع البلاد الاسلامية سيادة عامة بسرعة تامة :

اولا : لنفور المسلمين لكيفية سلوك بني امية وحكومتهم .

ثانيا : لأنعطاف القلوب نحو الحسين وكانت سببا لزوال السلطنة الابدية من بني امية .

فلهذا صمم يزيد بعد جلوسه على تخت الملك قبل كل شيئ على قتل الحسين وكانت هذه اكبر الغلطات السياسية لبني امية وبهذه الهفوة السياسية محوا اسمهم ورسمهم من صفحة عالم الوجود .

اكبر دليل على أن الحسين كان ذاهبا لمصرعه ولم يقصد السلطنة والرياسة ابدا هو انه مع ذلك العلم وتلك السياسة والتجربة التي اكتسبها في عهد ابيه واخيه في قتالهم مع بني امية كان يعلم انه لفقده الاستعدادات اللازمة مع تلك القوة التي كانت ليزيد لايمكنه المقاومة , وايضا الحسين بعد قتل ابيه كان يخبر عن نفسه انه مقتول لامحالة ومن الساعة التي خرج فيها من المدينة كان يقول بصوت عال وبلا تستر انني ذاهب للقتل وكان يصرح بذلك لأصحابه اتماما للحجة ليتركه من اتبعه طمعا في الجاه وكانت لهجته على الدوام ان امامي طريق المصرع , ولو لم يكن الحسين بهذه الافكار لم يكن ليستسلم للموت بل كان يسعى لاعداد جيش لا انه يفرق الجماعة الذين معه ولما لم يكن له قصد سوى القتل الذي هو مقدمة لتلك الافكار السامية وتلك الثورة المقدسة التي كانت في نظره رأى ان اكبر وسيلة لتلك الثورة هي فقد الانصار والقتل مظلوما فأختارها لتكون مصائبه اشد تأثيرا في القلوب .

ومن الواضح انه مع تلك المحبة التي كانت للحسين في نفوس المسلمين في ذلك الزمن لو صمم على جلب قوة لتمكن من جمع جيش جرار ولو قتل على تلك الحالة لقيل انه قتل في سبيل الملك ولم تحصل له المظلومية التي انتجت تلك الثورة العظمى , فلهذا لم يبقى معه سوى ألاشخاص الذين لم يمكن انفكاكهم عنه كأولاده واخوته وابناء اخوته وابناء اعمامه وبعض خواص اتباعه حتى ان هؤلاء ايضا كلفهم بالانفكاك عنه فلم يقبلوا وهؤلاء ايضا كانوا عند المسلمين موصوفين بالتقديس وجلالة القدر وصار بسبب قتلهم مع الحسين زيادة في عظم هذه الواقعة وتأثيرها , وكان الحسين بقوة العلم والسياسة لم يفتر آنا عن افشاء مظالم بني امية واظهار نواياهم السيئة في عداوتهم لبني هاشم وآل محمد ( منها ) انه لعلمه بعداوة بني امية له ولأهل بيته كان يعلم انه بعد قتله سيأسرون نساء واطفال بني هاشم الذين هم آل محمد وانها ستؤثر هذه الواقعة في قلوب المسلمين خصوصا العرب منهم بدرجة فوق التصور كما جرى ذلك , فحركات ظلم بني امية وعدم رحمتهم لحريم وصبية نبيهم اثرت في قلوب المسلمين تأثيرا لم يكن بأقل من تأثير قتل الحسين واصحابه وقد اظهر ذلك عداء بني امية لآل بيت محمد وعقائدهم في الاسلام وسلوكهم مع المسلمين فلهذا كان يقول الحسين علنا لأصحابه الذين ينهونه عن السفر للعراق أنا ذاهب للقتل ولما كانت افكارهم محدودة ولم يطلعوا على مقاصده السامية كانوا يصرون على منعه حتى كان جوابه الاخير لهم هكذا شاء الله وامر جدي فكانوا يجيبونه بتأكيد اذا كنت ذاهبا للقتل فلاتأخذ النساء وألاطفال معك فكان يجيبهم قد اراد الله أن يكون عيالي اسرى ولما كان الحسين يومئذ رئيسا روحانيا للمسلمين لم يجدوا لتلك الكلمات جوابا وكانت دليلا على عدم تصوره لسوى تلك الافكار العالية وأنه لم يتحمل هذه المصائب للحصول على السلطنة ولم يرد هذه المهلكة العظيمة على غير علم كما تصورذلك بعض مؤرخينا بدليل انه كان قبل هذه الواقعة بسنين متطاولة يترنم بذكر مصائبه التي ستقع على سبيل التسلية لخواص اصحابه من ذوي الأفكار العالية والادمغه الواسعة قائلا سيظهر الله بعد قتلي وظهور تلك المصائب المفجعة اقواما يميزون الحق من الباطل ويزورون قبورنا ويبكون على مصائبنا ويأخذون الثأر من اعداء آل محمد , هؤلاء الجماعة يروجون دين الله وشريعة جدي ونحبهم أنا وجدي وسيحشرون معنا يوم القيامة .

فأذا انعم النظر في كلمات الحسين وحركاته يرى انه لم يفتر لحظة عن اظهار قبائح بني امية وعداوتهم القلبية لبني هاشم ومظلوميته وهذه السياسة البالغة الى النهاية وقوة القلب والاستماتة تثبت سلوكه في طريق افكاره السامية حتى انه في آخر لحظة من حياته اتى بعمل بمسألة طفله الرضيع حير فيه عقول الفلاسفة ففي تلك الساعة العصيبة مع تلك المصائب المفجعة وتراكم الافكار والعطش وكثرة الجراحات ايضا لم يصرف نظره عن افكاره السامية مع انه كان يعلم ان بني امية لا يرحمون طفله الصغير ولكنه لتعظيم مصيبته حمله على يديه وتظاهر بطلب الماء له فسمع الجواب بالسهم كأن الحسين كان قصده من هذه الحركة ان يعلم العالم أن عداوة بني امية لبني هاشم الى أي درجة كانت وان لايتصوروا أنه كان اقدام يزيد على هذه الفجيعة اضطرارا لأجل الدفاع عن نفسه لأن قتل هذا الطفل الرضيع في مثل هذا الحال مع تلك الوضعية المدهشة لا تظهر الا وحشيتهم وعداوتهم السبعية التي تنافي قواعد كل دين ومذهب وهذه النكتة وحدها ترفع الستار عن وجه قبائح اعمال بني امية ونواياهم الفاسدة وعقائدهم السيئة وتظهر للعالم اجمع وللمسلمين خاصة ان بني امية لم تسع في مخالفة النبوة والاسلام فقط بل تسعى عن طريق العصبية الجاهلية في أن لاتبقي من بني هاشم وعلى الأخص بقايا آل محمد ديارا فالحسين بتلك الأفكار السامية وسعة العلم والعقل والسياسة التي كانت مسلمة له الى أن قتل , لم يرتكب امرا يلجئ بني امية لدفعه حتى انه مع ذلك النفوذ الذي كان له يومئذ وتلك المقدرة العظيمة لم يستول على بلدة من بلاد المسلمين ولم يهاجم حكومة من حكومات يزيد واخيرا قبل ان تظهر منه حركة عصيان أو تبدو منه اساءة حاصروه في فلات غير ذات زرع .

ابدا لم يقل الحسين اني سأكون ملكا أو اريد الملك انما كان يظهر مساوئ بني امية واضمحلال الاسلام من سيرهم ويخبر عن قتله وكان فرحا جذلا من مظلوميته , ولما حاصروه في البيداء اظهر أنهم لو تركوه فهو مستعد لأن يخرج بعياله واطفاله من سلطنة يزيد أي من الممالك الاسلامية وهذه النكتة وحدها التي تثبت سلامة نفس الحسين اثرت في قلوب المسلمين غاية الأثر ضد بني امية .

قبل الحسين ,  قتل ايضا كثير من الرؤساء الروحانيين وارباب الديانات ظلما وقامت الدعوة من بعد قتلهم وسل اتباعهم السيوف على اعدائهم كما تكرر ذلك في بني اسرائيل وقضية يحيى هي احدى الوقائع التأريخية الكبرى وتلك الخطة التي سلكها اليهود مع السيد المسيح الى ذلك الزمان لم يقع نظيرها ولكن لواقعة الحسين مزية على جميع تلك الوقائع .

لم يرد في التأريخ ان احد الروحانيين وارباب الديانات سلم نفسه للقتل عالما عامدا لأفكار عالية متأخرة اي ان كل واحد من ارباب الديانات الذين قتلوا هجم عليهم اعداؤهم وقتلوهم عنفا وظلما وعلى قدر مظلوميتهم كانت قوة الثورة من بعدهم ولكن واقعة الحسين كانت عن علم وحكمة سياسية وليس لها نظير في تاريخ الدنيا .

تأهب الحسين للقتل سنين متوالية ونظره ممدود الى مقاصد عالية جدا ولم يوجد في التأريخ احد سلم نفسه للقتل عالما عامدا لترويج دينه في المستقبل سوى الحسين.

ان للمصائب التي تحملها الحسين في سبيل احياء دين جده مزيه على السالفين من ارباب الديانات ولم ترد على احد من الماضين وعلى فرض القول بأن اشخاصا اخر خسروا نفوسهم ايضا في طريق الدين لكنهم ليسوا كالحسين.

الحسين جاد بنفسه العزيزة وبجميع ابنائه واخوته وابناء اخوته وابناء اعمامه وخواص احبابه واقربائه , جاد بالمال , سلم عياله للاسر , هذه المصائب لم تفاجئه على حين غرة وعلى غير علم لتكون في حكم مصيبة واحدة بل وردت هذه المصائب على مرور الزمان واحدة بعد واحدة وهجوم هذه المصائب المترادفة مختص بالحسين وحده في تاريخ الدنيا .

فمن عظم مصائب الحسين ارتفع الستار فجأة عن سرائر بني امية وظهرت قبائح اعمالهم , بمجرد قتل الحسين وورود تلك الرزايا المؤلمه واسر نسائه وبناته ظهر في المسلمين حس السياسة ومادة الثورة ضد سلطنة يزيد وآل امية وعلموا ان بني امية هم مخربوا الاسلام فردوا بدعهم ومجعولاتهم وسموهم الظالمين والغاصبين وبالعكس بنو هاشم فسموهم مظلومين مستحقين للرياسة وعرفت فيهم حقيقة روحانية الاسلام كأنما اخذ المسلمون حياة جديدة وظهر لروحانية الاسلام رونق جديد .

رياسة روحانية الاسلام التي كانت قد زالت دفعة واحدة والمسلمون كأنهم قد نسوا واجهة الروحانية الاسلامية , تجددت بنورانية شفافة , كما كانت عظمة مصائب الحسين على جميع مصائب روحاني السلف مسلمة كذلك كانت للثورات التي ظهرت بعد واقعة الحسين مزية على ثورات السلف وكان امتدادها اكثر واثارها اعظم , ومن هذا الوجه ظهر للعالم اجمع مظلومية آل محمد .

اول نتيجة لهذه الثورة أن الرياسة الروحانية التي لها اهمية عظمى في عالم السياسة تجددت في بني هاشم وعلى الأخص في البقية الباقية من آل الحسين  والى الآن ينظر جميع المسلمين الى بني هاشم وخصوصا ذرية الحسين بنظر الروحانية ولم تطل المدة حتى زالت تلك السلطنة ذات السعة والاقتدار عن آل يزيد ومعاوية وفي اقل من قرن سلبت السلطة من بني امية قاطبة وانمحى ذكرهم واضمحلوا بحيث انه لم يبقى لهم اليوم اسم ولا رسم ولا ذكر واينما ذكر لهم في متون الكتب اسم يقرنه المسلمون بكلمة شماتة وهذه كلها نتائج السياسة الحسينية التي يمكن ان يقال فيها انه لم يذكر التأريخ في ارباب الديانات والسلف من الروحانيين الى اليوم شخصا كالحسين مفكرا في عواقب الامور مراعيا لها بعيد النظر الى المستقبل مستقبل الفكر قبل ان تصل اسرى الحسين الى يزيد نشر لواء طلب ثأر الحسين وقامت الثورة ضد يزيد  .

مظلومية الحسين كشفت جميع اسرار بني امية ورفعت الستار عن نواياهم السيئة حتى انه طال لسان اللوم والشماتة على يزيد من اهل داره وحرمه مع انه لم يكن بألامكان ذكر الحسين واهل بيت علي بخير حول يزيد وحاشيته وبعد هذه الواقعة  اصبح يزيد مرغما على سماع ذكر اسم الحسين واهل بيت علي في الملأ العام وفي الخلوات والجلوات بالتقديس والتعظيم والمظلومية وكان ذلك اسخط شيئ له ولكن لايسعه الا السكوت ولما رأى تبرأ الناس من هذه الاعمال نسب التقصير الى أمرائه .

ولما رأى شدة اطراء الناس للحسين وذكر محامده عز عليه ذلك حتى قال يوما كان احب الي ان يكون الملك والسلطنة للحسين من ان أرى وأسمع لآل علي وبني هاشم هذا التعظيم والتقديس وبالآخرة فلم يزل اولياء الحسين يستفيدون من هذه الثورات وتزيد قوة وعظمة بني هاشم ولم يمض اقل من قرن حتى صارت السلطنة الاسلامية الوسيعة في بني هاشم  بلا مزاحم وابادوا بنوا امية بحيث لم يبقى لهم اسم ولارسم غير انه بعد بضعة قرون ترأس جماعة منهم في الاندلس واحدا بعد واحد واليوم لايمكن ان يوجد من ذلك البيت العظيم الذي مرت عليه قرون وهو ذو عظمة وسلطنة شخص واحد ولو حامل الذكر ولو وجد لستر حسبه ونسبه على الناس من شدة الطعن كما هو المشهور ان العائلة القاجارية الذين هم سلاطين ايران هم من بني امية ولكنهم ينكرون هذه الشهرة ويتبرؤن من هذه النسبة .

 تحلى بنو هاشم بعد قرن بقلادة الملك وكانوا اولاد عم الحسين لا اولاده لان اولاده كانوا قد اختاروا العزلة وكانت رياسة الاسلام الروحانية على الاطلاق مسلمه لهم .

ان ابناء عم الحسين وان يكونوا قد حازوا السلطنة ببركة ثورات اتباع الحسين لكنهم بعد ان قبضوا على زمامها ورسخت فيها اقدامهم خافوا على مقامهم وسلطنتهم فمنعوا اصحاب تلك الثورات منها منعا شديدا خوفا من ان تعود السلطنه الاسلامية في ابناء الحسين شيئا فشيئا فهدئت فورة تلك الثورات شيئا فشيئا

 ( اولا ) للمنع الشديد من ابناء عم الحسين ( وثانيا ) لاضمحلال بني امية . فلما رئى عقلاء اتباع الحسين وعلي شدة المنع من قبل بني العباس وضعف مادة الثورة علموا ان لاقدرة لهم على مقاومت بني العباس الذين هم في غاية القدرة وعلى الثورة ضدهم مع تشتت الافكار العمومية فتركوا الثورة ظاهرا وغيروا صورتها باطنا بأجتماعهم وتذكر تلك المصائب والفضائع التي وردت على الحسين فأحيوا تلك الثورة العظمى واظهرورها بمظهر جديد . لما اطلع سلاطين بني العباس على هذا التدبير الذي دبره اتباع الحسين خافوا زيادة على خوفهم الاول ورأوا من اللازم شدة معارضة ذلك التدبير على وجه انهم تتبعوا اتباع علي والحسين فأذا ظهرت تابعيتهم على احد يعاملونه معاملة اكبر جان سياسي وبهذا الجرم صلب وقتل وجرح وحبس الوف من اتباع الحسين ومع هذه الشدة لم يتمكنوا من قلع مادة الثورة من اتباع علي وكلما ازدادوا شدة ومعارضة ازداد اتباع علي والحسين قوة واشتدادا في الثورة وكانت العاقبه انه بتدابير اتباع الحسين زالت سلطنة هذه الطبقة وتداول السلطة اولاد الحسين مدة من الزمان  كانت الرياسة الروحانية بعد الحسين في اولاده واحدا بعد واحد  وهؤلاء ايضا جعلوا اقامة عزاء الحسين الجزء الاعظم من المذهب والبست هذه النكته السياسية شيئا فشئا اللباس المذهبي وكلما ازدادت قوة اتباع علي ازداد اعلانهم بذكر مصائب الحسين وكلما سعوا وراء هذا الامر ازدادت قوتهم وترقيهم وجعل العارفون بمقتضيات الوقت يغيروا شكل ذكر مصائب الحسين قليلا قليلا فجعلت تزداد كل يوم بسبب تحسينهم وتنميقهم لها حتى آل الأمر الى ان صار لها اليوم مظهر عظيم في كل مكان يوجد فيه مسلمون حتى انها سرت شيئا فشيئا بين الاقوام واهل الملل الاخرى خصوصا في الصين والهند , وعمدة اسباب تأثيرها في اهل الهند هو ان المسلمين جعلوا طريق اقامة العزاء مشابها لمراسيم اقامة العزاء عند اهل الهند , قبل مائة سنة لم تكن اقامة عزاء الحسين شائعه في الهند شيوعا تاما وظاهرة علنا وفي هذه  المدة القليلة استوعبت بلاد الهند من اولها الى آخرها ويظهر انها كل يوم في زيادة لعدم اطلاع بعض مؤرخينا على كمية وكيفية هذه المآتم ورواجها استرسلوا  في كلامهم على غير علم وجعلوا يصفون اقامة اتباع الحسين لها انها افعال جنون ولم يقفوا ابدا على مقدار ماأحدثته هذه المسألة من التغييرات والتبديلات في الاسلام .

الحس السياسي والثوران والهياج المذهبي التي ظهرت في هذه الفرقة من اقامة هذه المآتم لم يرى مثلها في قوم من الاقوام . ان من يسبر غور الترقيات التي حصلت في مدة مائة سنة لأتباع علي في الهند الذين اتخذوا اقامة هذه المآتم شعارا لهم يجزم بأنهم متبعون اعظم وسيلة للترقي , كان اتباع الحسين في جميع بلاد الهند يعدون على الاصابع واليوم هم في الدرجة الثالثة بين اهل الهند من حيث العدد وكذلك في سائر البلدان .

عندما نقيس منهج دعاتنا ( المبشرين ) مع صرف تلك القوة والثروة بمنهج دعاة هذه الفرقة نرى ان دعاتنا لم يحوزوا العشر من تقدم هذه الفرقة , رؤساء ديننا وان كانوا يحزنون الناس بذكر مصائب حضرة المسيح ولكنه ليس بذلك الاسلوب والشكل الذي يتخذه اتباع الحسين , ويحتمل ان يكون السبب في ذلك ان مصائب المسيح في جنب مصائب الحسين لاتكون مؤثرة مشجية للقلب بتلك الدرجة التي لمصائب الحسين , على مؤرخينا ان يطلعوا على حقائق رسوم وعادات الاغيار ولا ينسبوها الى الجنون .

انني اعتقد ان صيانة قانون محمد وترقي المسلمين وظهور رونق الاسلام هو من قتل الحسين وحدوث تلك الوقائع , ان هذا القسم من الدماغ السياسي والحس الثوري ( الذي هو عدم الاستسلام للضيم والظلم وهو عند حكماء السياسة اشرف شعار واعظم سعادة وافضل صفة ممدوحة لكل انسان ) قد ظهر في هؤلاء القوم بواسطة اقامتهم مآتم الحسين ومادام هذا العمل ملكة لهم لايقبلون الذل والضيم , ينبغي تدقيق النظر فيما يذكر في المجالس المنعقدة لاقامة عزاء الحسين من النكبات الدقيقة الباعثة في الانسان روح الحياة التي يسمعها بعضهم لبعض وفي الحقيقة يعلِِمه اياها .

حضرت مجالس اقامة عزاء الحسين مرارا في اسطنبول مع مترجم خاص فسمعتهم يقولون ( الحسين الذي هو امامنا ومقتدانا وطاعته واتباعه واجبان علينا , لم يتحمل الضيم ولم يدخل في طاعة يزيد ولأجل حفظ شرفه وعلو حسبه وارتفاع مقامة بذل ماله , بذل نفسه , بذل اولاده , بذل عيالة واستعاضة عن ذلك بحسن الذكر في الدنيا والشفاعة في الاخرة والقرب من الله وقد خسر اعدائه الدنيا والاخرة ) .

من بعد ذلك رأيت وعلمت انهم في الحقيقة يعلم بعضهم بعضا علنا انكم ان كنتم من اتباع الحسين , ان كان لكم شرف , ان كنتم تطلبون السيادة والفوز , فلا تدخلوا في طاعة امثال يزيد ولا تحملوا الضيم واختاروا موت العز على حياة الذل تنالوا حسن الذكر في الدنيا والسعادة في الاخرة .

من المعلوم ان امة تلقى عليها هذه التعاليم من المهد الى اللحد في اي درجة تكون في الملكات العظيمة والسجايا العالية . نعم تكون حائزة كل سعادة وشرف , ويكون كل فرد منها جنديا حقيقيا مدافعا عن عز قومه وفخرهم , هذه هي نكتة التمدن الحقيقي للامم اليوم , هذا هو تعاليم معرفة الحقوق , هذا هو معنى تدريس اصول السياسة .

نحن الاوربيين بمجرد ان نرى لقوم حركات ظاهرية في مراسمهم الملية او المذهبية منافية لعاداتنا ننسبها الى الجنون والتوحش ونحن غافلون عن اننا لو سبرنا غور هذه الاعمال لرأينا عقلية سياسية كما نشاهد ذلك في هذه الفرقة وهؤلاء القوم  بأحسن وجه والذي يجب علينا هو ان ننظر الى حقائق عوائد كل قوم والا فأن اهل آسيا ايضا لايستحسنون كثيرا من عوائدنا ويعدون بعض حركاتنا منافية للآداب ويسمونها بعدم التهذيب بل بالوحشية  . وعلاوة على تلك المنافع السياسية التي ذكرناها التي هي طبعا اثر التهيج الطبيعي فأنهم يعتقدون أن لهم في اقامة مأتم الحسين درجات عالية في الآخرة .

كل عارف بالتأريخ واقف على طبائع اهل آسيا يعتقد ويذعن بأنه لايمكن اليوم بل والى مابعد قرنين اصلاح اخلاقهم والقاء التعاليم السياسية عليهم الا بأسم الدين والمذهب .

ينبغي اقتطاف ثمرات حب القومية والوطن من أهالي آسيا تحت ظل المذهب كما كانت اوربا قبل بضعة قرون . لايمكن اليوم طلب خدمة من اهالي آسيا كأهالي اوربا بأسم الخدمة القومية والوطنية ولكن يمكن اخذ خدمات منهم تعود ثمراتها على الامة والوطن بأسم المذهب .

لايرى اليوم من المسلمين البالغين ثلاثمائة مليون من هو حائز على الاستقلال سوى خمسين مليون  فأذا نبذ المسلمون الدين ظهريا وراموا التقدم السياسي بأسم القومية فسينالون عوض النفع ضررا لان خمسة اسداس المسلمين تحت ضغط ملل اخرى ومضمحلة في اقوام آخرين .

فأذا طلبوا التقدم بأسم القومية فيكون الحرمان من الحياة السياسية نصيب هذه الخمسة اسداس فلا تشترك مع السدس الباقي ولكنهم اذا راموا التقدم بأسم الجامعة الاسلامية فلا بد ان تنبعث روح النهضة في جميع آحاد المسلمين وبواسطة الرابطة الروحانية ستنجو من الاضمحلال جميع الفرق الاسلامية التي هي تحت ضغط اقوام  آخرين وليس لواحدة من الروابط الروحانية التي بين المسلمين اليوم تأثير في نفوسهم كتأثير اقامة مآتم الامام الحسين فأذا دام انتشار وتعميم اقامة هذه المآتم بين المسلمين مدة قرنين لابد ان تظهر فيهم حياة سياسية جديدة وان الاستقلال الباقي للمسلمين اليوم  نصف اسبابه هو اتباع هذه النكبة وسنرى اليوم الذي يتقوى فيه سلاطين المسلمين تحت ظل هذه الرابطة وبهذه الوسيلة سيتحد المسلمون في جميع انحاء العالم تحت لواء واحد لأنه لايرى في جميع طبقات الفرق الاسلامية من ينكر ذكر مصائب الحسين وينفر منها بسبب ديني بل للجميع رغبة طبيعية بطريق خاص في اداء هذه المراسيم المذهبية ولا يرى في المسلمين المختلفين في العقائد سوى هذه النكبة الاتحادية .

الحسين اشبه الروحانيين بحضرة المسيح ولكن مصائبه كانت اشد واصعب كما ان اتباع الحسين كانوا اكثر تقدما من اتباع المسيح في القرون الاولى فلو ان المسيحيين سلكوا طريقة اتباع الحسين أو ان اتباع الحسين لم تمنعهم من ترقياتهم عقبات من نفس المسلمين لسادت احدى الديانتين في قرون عديدة جميع المعمور كما أنه من حين زوال العقبات من طريق اتباع الحسين اصبحو كالسيل المنحدر يحيطون بجميع الملل وسائر الطبقات . انتهت الترجمة 

العودة الى الصفحة الرئيسية

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com