|
صدام حسين والبشير رموز للسيادة العربية!!
مهند الحسيني Muhannadalhusynni710@gmail.com أثارت مذكرة اعتقال الرئيس السوداني التي اصدرتها المحكمة الجنائية الدولية والتي يرأس ادعائها السيد ( لويس اوكامبو) ردودا واسعة فما بين مؤيد ومرحب وما بين رافض ومندد بها ، والمهم أن القرار قد حظى بترحيب غالبية الشعب السوداني واصفيه بالقرار الصائب ومتمنين بان يكون واقعا عمليا لا مجرد حبر على ورق ولكي يعرف كل مجرم ان هناك عدالة تطاله تسبق العدالة الالهية ، ومن جهتهم أعتبر المسؤولين الحكوميين السودانيين بان قرار المحكمة ما هو الا دليلا قاطعا على الهجمة الاستعمارية الجديدة التي تستهدف سيادة الدول العربية والاسلامية ( على حد وصفهم ) معتبرين ان البشير هو رمز لسيادة السودان !!! . ورغم أن مذكرة الاعتقال هذه تعتبر سابقة دولية الا انها بالفعل إجراء ضروروي ومهم ويجب المضي في تطبيقه على كل من يستغل سلطته كي يكون درسا وتهديدا لكل حاكم سادي تسول له نفسه المريضة بقتل وابادة وتشريد شعبه ، وكما حدث لصدام و ميلوسوفيتش وغيرهم من الطواغيت البشرية ، وحينها ستشعر هذه الشعوب المقهورة بان هناك رقابة دولية توفر لهم الحماية ، وبالتالي ستقل (وربما تنعدم) ظاهرة انتهاك حقوق الانسان المنتشرة في العالم الثالث تحت مسميات فكرية و دينية او طائفية و عرقية والتي غالبا ما تكون هذه الحكومات الشمولية مسؤولة عن انتهاك حقوق الاقليات والمعارضين لانظمتها القمعية بشكل مباشر او بشكل غير مباشر .
مظاهرات التأييد .. امتياز عربي وعودا على موضوع محكمة البشير فان المضحك في الامر ان الرئيس السوداني المتهم بقتل ابناء شعبه وفي نفس اليوم الذي اصدرت فيه المحكمة الجنائية الدولية قرارها القاضي بالقاء القبض عليه سارع باصدار الاوامر لاجهزته المختصة بتعبئة الجماهير اما بطريقة الترغيب او التهديد ليخطب في هذه الحشود وسط التصفيق والتهليل والهتاف بحياته من قبل بعض المندسين من اجهزة النظام الحاكم ليوهم المتابعين لشاشات التلفزة بان هذا الفرد محاط بحب الجماهير وبان الشعب ملتف خلف قيادته الحكيمة (!) . وهذه الصور الكاريكيترية أصبحت رديفة للحكام المستبدين بشعوبهم فهم يهتمون كثيرا بتسليط الضوء على حشود السذج والمنتفعين باعتباره دليل لا غبار عليه على حب شعبهم لهم ، فهم يحاولون إيهام أنفسهم بالدرجة الأولى بان هذه الصور المستهلكة والمهازل ستجعلهم بمنأى عن العدالة ، متناسين سلوكهم الوحشي في قمع معارضيهم والذي اصبح واضحا وضوح الشمس في رابعة النهار . وما اشبه الليلة بالبارحة وما اشبه الحكام العرب في تصرفاتهم الحمقاء ، فالجميع قد شاهد الرئيس البشير يرقص وحوله الأعوان وبعض البسطاء من طالبي رضى الانظمة وهم يكبرون ويلعنون ( اوكامبو) ومن يقف خلفه (!) ، وهذا المنظر تحديدا ذكرني بالأستعراضات المسرحية التي قام بها صدام حسين نهاية حكمه حيث كان المتظاهرون الهاتفون حوله أضعاف ممن كانوا حول البشير ، فالصورة مشابهة حد التطابق لصورة طاغية العراق وقاتلهم من حيث الحشود الهاتفة بحياته وهي تتوعد وتهدد الاميركان والامبرياليين ان غامروا بمس شعرة من قائدهم المفدى الحبيب ، ومن كان يرى هذه الصور المتلفزة ( من غير العراقيين) يظن لوهلة ان خمسة وعشرين مليون عراقي يهيمون عشقا بقائدهم الرمز صدام وبانهم سيحموه بفلذات اكبادهم فضلا عن حياتهم ، ولكن ما ان تم اسقاط صنمه في وسط بغداد رأى العالم اجمع الصورة الحقيقية للواقع العراقي الذي حاول ان يزيفه نظام بغداد وقتها ، وهذا هو ديدن جميع طغاة التاريخ الذين يتخفون بحب شعبهم وجماهيرهم ، وشخصيا اجزم بان نفس المظاهرات المؤيدة للرئيس السوداني البشير سوف تظهر راقصة فرحا ومتمايلة طربا برحيلة عن السلطة بعد تسليمة للعدالة. فمن السخف او السذاجة ان يصدق الانسان ان الشعوب العربية تخرج طوعا لمثل هكذا تظاهرات غوغائية ، واحمق كل من يصدق ان هناك حرية في التعبير في دولنا ولو بحدها الأدنى طالما ان الرئيس العربي تجدد له البيعة عن طريق المظاهرات الهوجاء وينجح في الانتخابات بنسبة 99,999% (!) . وهناك امر مهم وهو ان سيادة اي بلد لا تتمثل بشخص الحاكم وزمرته ( مثلما تنعق بعض الغربان المدافعة عن مجرمي الحرب باعتبارهم يمثلون سيادة الاوطان) بقدر ما تتمثل بكرامة المواطن واحترام انسانيته وتلبية احتياجاته الملحة ، فالمناصب الكبيرة في الدولة هي تكليف فقط وليست تشريف وتقديس لكل من اعتلى سدة الحكم وكم اتمنى ان يعي هؤلاء الحكام المتخلفين بان السياسة لا تعنى فن التظاهرات الصاخبة والشعارات الكاذبة ولا تعني حشود الغوغاء الصارخة بـ (( الله اكبر )) بل هي فن الممكن وتوفير متطلبات الجماهير الفعلية وادارة العلاقات الخارجية باحترام قرارات المجتمع الدولي .
الحاكم العربي والقداسة الالهية !! من المهم ان يعلم ويدرك سكان العالم العربي حجم رؤسائهم وزعمائهم وملوكهم ( وباقي المسميات الفضفاضة) الطبيعي والحقيقي وان يبعدوا عن حكامهم كل هالات القداسة المزيفة فما هؤلاء الحكام سوى موظفين في الدولة يثابون في اجتهادهم برفاهية شعوبهم وتطبيق القانون على الجميع ، ويعاقبون باقسى العقوبات في حالة مخالفتهم القوانين واللوائح باعتبارهم قدوة لشعوبهم في تطبيق القانون . فلا احد فوق القانون بغض النظر عن مكانته ودرجته الوظيفية ، ولكن للاسف ان تراث الحاكمين في مجتماعتنا قد ولد ثقافة ممسوخة ، وهي ثقافة تجعل من الحاكمين في مرتبة الانبياء والاولياء ولهم حصانة الهية لدرجة ان أي انسان لا يجرأ على محاسبة حاكمه على الكثير من الاخطاء التي يقترفها هذا الحاكم او ذاك حتى في قرارة نفسه ، فالحاكم العربي هو الرمز وهو عنوان السيادة وارواح شعبه من الملايين ماهي الا فداءا له ،لانه يمتلك هذه الاوراح بين راحتيه فان اراد وهبهم الحياة وان اراد غير ذلك ازهق ارواحهم بحركة صغيرة لا يجهد بها ، فالحاكم العربي هو ظل الله على ارضه فاذا مرض مرضت الدولة وتعطلت واذا مات ماتت الجموع بموته ، و لكن الحقيقه هي ان هؤلاء الزعماء ماهم سوى بشر مثلنا وهم لا يفوقونا الذكاء ولا الحكمة ولكن الانقلابات الدموية وسذاجة الجماهير هي من جعلتهم يعتلون سدة الحكم وجعلتهم يتحكمون بمصائرشعوبهم لعقود طويلة .
ازدواجية المعايير يتهم العالم العربي عموما الغرب بازدواجيته وكيله في التعامل مع القضايا العربية باكثر من مكيال ، في حين ان هذه الازدواجية لا نراها بشكلها السافر الى في مجتمعاتنا نحن العرب وهذه الحقيقة لا تحتاج الى اثبات ولا تحتاج الى دلالات ، فبعد صدور قرار المحكمة الجنائية الدولية شاهدت ومن على القنوات الاعلامية المناهضة للقرار صور تظاهرات صاخبة في مدنية غزة الفلسطينية ضد قرار أعتقال البشير, وحقيقةً مؤسفة هذه الصورة فكيف لمن يدعي المظلومية وهو في نفس الوقت يدافع ويناصر جلاد أظلم من ظالميه ، ولا اعرف لماذا كل هذه الغيرةعلى شخص أجرم في حق ابناء شعبه والتغاضي عن الدماء التي ازهقها والاعراض التي هتكها هذا المجرم بمعية زبانيته الاشرار ، وأين كان هؤلاء المتظاهرين المنددين باحالة المجرمين للقضاء حين تمت استباحة كرامة السودانيين ، فهل أن الشارع العربي اصبح عبدا مسيرا للطغاة وينتفض فقط حين يحال المجرمين الى المحاكم الدولية بعد ان عجزت الشعوب عن محاكمة قتلتها ، ولكن هذا هو حال الشعوب العربية الذين اصبحوا اسرى لنظرية المؤامرة وحبيسوا شعورهم الوهمي في ان الغرب يكن لهم الكره والعداء بسبب وبدونه ، فبالنسبة لهم ان اي شئ يدور في العالم ماهو الا نتيجة حتمية لتسيير الغرب ، واستنكارهم لهذه القضية تحديدا ينبع من كون ان القاضي والادعاء العام يمثله الغرب والمتهم يمثله قائد وزعيم عربي مسلم (!) وبالطبع فأن في عرفهم لا يجوز ان يُحاكم أي عربي مسلم على يد هؤلاء الامبرياليين ومهما أقترف من الجرائم المروعة ،وأغفلوا عن محاكمات نورمبرغ التي حاكمت النازيين والفاشيين وايضا تناسوا الرئيس الأوغندى و ميلوسوفيتش وغيرهم من الذين طالتهم العدالة الدولية فهؤلاء جميعا لم يكونوا مسلمين او عرب ، أذن لماذا فقط حين يكون الجزار مسلما وعربيا تقوم قائمتهم ولا تقعد ،فهم للأسف يبررون للبشير قتله لشعبه مثلما كان يبررون لصدام قتل العراقيين ، وهذه العقلية الشاذة تضع في مقدمة اعتباراتها دين القاتل وقوميته والتي على اساسها تتم ادانته او تبرئته ، اما الضحية فلا وزن له عندهم ولا يقع من ضمن دائرة اعتباراتهم العوراء ، فلو كان الغرب هم قتلة سكان دارفور لرأيناهم يصرخون وينتحبون لمناصرة شعب دارفور المسلم ولأرسلت ملايين الرسائل البريدية التي تدعو لمناصرة ( اهلنا) في دارفور ، ولكن طالما ان الحاكم العربى هو القاتل فهم يصمتون صمت اهل القبور ، لا بل تراهم يدافعون عن القاتل دفاع الصحابة عن رسولهم. واود هنا ان ابعث رسالة لكل من يتحدثون عن ازدواجية المعايير الغربية واسألهم : أي بلد عربي لم يتعامل بازدواجية مع شعبه وهل يوجد هناك مواطن عربي باستطاعته رفع دعوى قضائية ضد أي شخص مهما كان منصبه في الدولة ، واخيرا هل هناك سابقة تشير بادانة مسؤول عربي لايزال في السلطة ؟؟!! . وأبسط مثال عن هذه الازدواجية هو ( عمرو موسى) رئيس ما يسمى بالجامعة العربية( ارى ان تغير اسمها الى جامعة الحكام العرب هو اصح وادق) ، فهذا الرجل بدلا من يكون مناصرا لقضايا الشعوب العربية اصبح نصيرا للطغاة العرب ، فموقفه المدافع عن قاتل شعبه في السودان لا يختلف كثيرا عن موقفه سابقا مع قاتل الشعب العراقي ، فهذا المنافق لم يندى جبينه لجرائم هؤلاء الحكام الذين يدافع عنهم ولم تهزه كل القيم و المشاعر الانسانية للابرياء الذين تم ابادتهم بدم بارد ، بل انه صب كل همه للدفاع عن حقوقهم وكان الشعوب لا حقوق لهم بالنسبة له ولامثاله(!) . وردا على الذين يحتجون بمحاكمة قادة اسرائيل ومحاولتهم ربط تحقيق العدالة بين ما جرى في غزة اوائل هذا العام وما بين حصل في السودان 2003 فأرى انها مطالبة غير منطقية وغير مبررة ، فعدم تحقق العدالة فى غزة ليس مبرراً كافيا لعدم تحقيقها فى دارفور او في أي مكان اخر ، والقائل بهذا المنطق كأن لسان حاله يقول طالما ان الفلسطينيون يعانون في غزة فلاداعي لمحاولة رفع المعاناه عن أي شعب اخر لاقى الظلم والقهر (!) . اضافة لكل ما ذكر فان اهل درافور لم يقصفوا الخرطوم بصواريخ عبثية او يتوعدوا حكومتها نهارا جهارا بالويل والثبور وعظائم الامور ، وبمحاولة حسابية بسيطة سنرى أن حماقة وطيش وعنتريات حماس هي السبب بسقوط 1200 ضحية من غزة ، بينما في اقليم دارفور لقى اكثر من ثلاثمائة الف ضحية مصرعه وهجر ما يقارب المليونين شخص جميعهم لا ذنب لهم سوى ان غضب السلطان قد صُب عليهم ، فيا سادتي هل هناك مقارنة بين هذه الارقام وتلك ؟؟!! .
كلمة اخيرة ان موقف المجتمع الدولي من البشير هو امر طبيعي وقد نقدره نحن العراقيين اكثر من غيرنا ذلك لاننا لمسنا المعاناة التي عاشها الشعب السوداني عامة والدارفوري خاصة ولاننا عشنا ذات الظروف وذات الاجرام ، ونعلم جيدا معنى الحاكم الذي يترك شعبه يعيش في ادنى مستوى معيشي وبدون مشاريع تنموية ويجر بلاده لذيل الدول المتاخرة عن ركب الحضارة بالرغم من وجود الثروات ( الزراعية والنفطية ) .. واخر جرائم هذا المتهور حرمان شعبه من الخدمات التي تقدمها المنظمات الانسانية والتي ترعى شعبه بدلا عنه وتحت حجج سمجة منها كتابة التقارير التي تاتي في صلب عملهم ، ونعلم جيدا العواطف العربية المتشنجة والشعارات التي تحيي القاتل وتستهين بالضحية . و محاكمة الرئيس البشير عن كل أخطائه وعبر أي جهة تستطيع محاكمته هو مطلب كل انسان حر ولا يقتصر فقط على السوادنيين ، فهو واحد من عدة رؤساء عرب دمروا بلادهم وحكموا شعوبهم بالنار والحديد، وشخصيا اتمنى ان تطالهم يد العدالة وان يقدموا للمحاكم كمجرمين وكقتلة وكذلك لابد من ادانتهم بجريمة الاستيلاء على السلطة بالسلاح وبالعنف والدم ، ولتنعم شعوبنا بالطمانينة والاستقرار الذي تفتقده منذ قرون ، وليكون هؤلاء السفاحين عبرة لكل الحكام الذين يعتدون على شعوبهم بغير وجه حق ، ولنبدأ بما هو صحيح وليس بما هو مقبول .
|
||||
© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |