بين جـــــــــدّي وصـــدّام حسين

 

ترجمة: سهيل أحمد بهجت

sohel_writer72@yahoo.com

(ملاحظة للقاريء الكريم: إذا ما ورد مصطلح شيعي وسنّي في هذا المقال فذلك من باب الحديث عن التنوع الفكري وليس الطائفية السياسية لأن كل العراقيين إخوة لا فضل لأحدهم على الآخر إلا بالقانون).

لا زالت أذكر تلك الأيام حينما جلس جدّي وبعض أقاربنا يتبادلون الحديث، وكان من جملة ما جرى الحديث عنه "مظالم وجرائم البعث وصدام حسين"، وأبدى جدي أمنيته في أن يشهد سقوط صدام ونظامه، فقال له أحدهم: لا تزعل يا أبوسعد.. حتى إذا لم يسقط صدام فهوحتما سيكون في جهنم.." فقال له جدّي وعلى وجهه ابتسامة ساخرة ومفعمة بالحسرة في الوقت نفسه: خـلّـي أشهد إعدام صدام ويوم القيامة ما يهمني لويحشر صدام مع النبي"!! كان جدي متدينا معتدلا وكان يدرك أن صدام ارتكب ما يكفي لخلوده في جهنم وأكثر، لكنه بهذه الكلمات نبهني إلى فلسفة غفلت عنها مجتمعاتنا.

للأسف فقد حولت مجتمعات العالم الإسلامي "الظلامي" مسألة العقاب الآخروي ويوم القيامة والعدالة الإلهية إلى بديل لكل ما نحتاجه في هذه الحياة من قانون وعدالة اجتماعية ومحاسبة المسيئين ومكافئة المحسنين، فصارت مجتمعاتنا على العكس تماما تكافيء المسيء وتعاقب المحسن وفاعل الخير وصار وعاظ "البطل القومي" و"موحد الأمة القومية" يأمرون بالمنكر وينهون عن المعروف، وإذا ما شكى أحدُ من ظلم ظالم قالوا له: أسكت وخلي حسابه على الله.."!! وأنا هنا لا أنكر أهمية ثقافة "التسامح والعفو" بين الناس والمجتمع وأن لا يندفعوا إلى "الانتقام"، ولكن هل يجوز لنا أن نحول هذه الثقافة إلى بديل للعدالة ومعاقبة الخارجين على القانون ومكافأة من يقدم الجميل والنافع إلى الشعب والوطن؟ إن وعاظ الحاكم والذين أسماهم المرحوم الكبير "علي الوردي" بوعاظ السلاطين هم باقون إلى الآن ينهشون في جسد الأمة العراقية، فانتقلوا من عصر السلطان إلى عصر "الرئيس الدكتاتور" و"رئيس الحزب القومي" و"أمين عام الحزب الفلاني والعلاني"، فقط لأن الوقف السني لا زال ـ وعلى عكس الوقف الشيعي ـ يعامل الخطباء والملالي كموظفين "ناطقين باسم الحكومة" وبينما تجد الفقيه الشيعي ينفق على تحصيله الدراسي من وظيفة مدنية "كأن يكون موظفا ومعلما وحتى خبازا" ومن تبرعات المواطنين، أما إذا استحصل الواعظ والخطيب مالا من الدولة وأي سلطة فإن هذا المال "السُّحْت" سيسخر هذا الخطاب الدّيني للهيمنة والدكتاتورية ولنهب المال العام والجريمة المنظمة.

لكي ننقذ الدين ونعيد استقلاليته، ولكي يكون الفقيه والواعظ إلى جانب الفقراء والمواطنين وحقوقهم، كما كان أبوحنيفة والشافعي وغيرهم ممن قالوا كلمة "لا" للسلطة، فإني أقترح على الوقف السّنّي أن يكون معتمدا على التبرعات ـ حاله حال الوقف الشيعي ـ وإيجاد وظائف مدنية لرجال الدين، فيكون معلما ومدرسا وطبيبا وبروفيسورا ينفق على نفسه وعائلته من هذا الدخل وبالتالي يضيف إلى اختصاصه الديني خبرة في مجال آخر يوسع من أفقه الفكري ويتيح له حرية التواصل مع الناس وبالتالي فإن هذا النظام سيطهر وينظف الوقف السّنّي من المرتزقين والمتاجرين بالدين ومن الجهلاء الذين أصبحوا يسببون المشاكل الاجتماعية وحتى السياسية للوقف وللبلد.
مع رجائي من الإخوة في الوقف أن ينظروا إلى مقالي هذا صوتا عراقيا يريد تخليص الدين من الاستغلال وتخليص العراق وسنته أيضا من عبث دول الجوار.

العودة الى الصفحة الرئيسية

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com