السودانُ وقرارُ محكمةِ الجناياتِ الدولية

 

قاسم محمد الكفائي

عراقي مقيم في كندا

alkefaee@rocketmail.com

 أصدََرَت المحكمة ُ الجنائية ُ الدولية في مدينةِ هاغيو بهولاندا مذكرة ً باعتقال الرئيس السوداني عمر حسن البشير في أوائل الشهر الجاري . مذكرة ُ الأعتقال جائت على خلفيةِ توجيهِ اتهاماتٍ بحق حكومةِ السودان تزعَمُ فيها بارتكابِ الحكومةِ جرائمَ حَربٍ في ولايةِ ( دارفور ) غرب السودان في فترة توَلي السيد البشير رئاسة َ الجَمهورية . على ضوءِ هذا القرار يُمكن مراجعة الأسُس التي إعتمَدتها المَحكمة في الدفاع عن دارفور واهلِها في ظروفٍ  َتعتبرُها إنسانية مُلحّة يجبُ حَسمَها كمِلفٍّ مَضَت عليه أعوامٌ تترقبُ فيها عيونُ أهالي الضحايا نتائجَ التحقيقاتِ الدوليةِ وقرارتِها العادلة .

لكن الرأيَ الصائبُ يَعتبرُ هذه العدالة جريمة ً أخرى تتكررُ إضافة ً الى الجرائم الاخرى التي ارتكبتهَا مؤسَّساتُ الدول ِ الكبرى ذاتِ العَلاقة بحق هذا الأقليم عندما روَّجَت ، وهيّأة مناخاتٍ ، وصنعت من بعضِ جماعاتِ التمرّدِ عصاباتِ قتل ٍ وخروج ٍ على القانون الوطني السوداني ، ثمّ ادّعَت الأحقية َ، والشرعية المُستباحَة . فاعتمدَت على رصيدٍ إقليميٍّ آخر لدعم هذهِ العصاباتِ ، فجعلت منها كيانا يحضرُ مَحافلهَا الدوليةِ بأسم المُعارضةِ ، والدفاع عن الجَنوب . في ذاتِ الوقت يرى المراقبون على مدى عشرين سنةٍ مَضَت أن حكومة َ السودان بذلت ما تستطيعُه من جُهٍد للتنسيق مع حركاتِ المعارَضَةِ التي تتسمُ بالوطنيةِ لوقفِ كلّ أشكال الصِراع بالطرق السلميةِ على أسُس ٍ وطنيةٍ متساويةِ الهدفِ والوسيلة . هناكَ بوادرُ مُصالحةٍ ، وهناكَ مؤتمراتُ سلام ٍ ، ودعواتُ حسن نيةٍ تمَّ بمُوِجبها محاولاتُ تقديم الحُلول الصحيحةِ لأحتواء كلِّ الأزماتِ التي تعرَّضَ لها الأقليمُ ، وتصاعُدِ مختلفِ وجوهِ الحَربِ ما بين الحكومةِ المركزيةِ وجماعاتِ المعارضةِ المسلحة . كانَ آخرُ هذه المؤتمراتِ والفعالياتِ هو مؤتمرُ المصالحةِ الذي رَعتهُ دولة ُ ( قطر ) الشقيقةِ على أراضيها وقد حَقق إنجازا مُهمَّا ما زالَ الطرفانُ يُعولان ِ عليهِ كبادرةِ حُسن نيّةٍ يُرادُ منها الأستقرارُ والحياة ُالأفضلُ الى الجَنوب ، والسودان على العموم . دَواعي الأتهام التي أطلقتها محكمة ُالجناياتِ الدولية برئاسة الأرجنتيني الصهيوني لويس مورينو أوكامبو لم تكن عملا مفاجئا للرأي العام العالمي، بل هو سلسلة لمنهج ٍ صَهيونيٍّ مستديم ٍ الغرضُ منه تقويضَ نهضةِ الشعوبِ، وإركاعَ ساستها الوطنيين الذين لا يرتبطون بمشاريعهِ ولا يَخضعونَ لأرادتِه . السودان صارَ ضحية هذا المَنهج على الرغم من أنه ليس عضوا مشاركا مَدروجا في سجلاتِ الدول الأعضاء المشاركين في تأسيس هذهِ المَحكمة ، ولم يوَقِع على أيةِ بندٍ يلزمُه الاعترافَ بها . ، لكن الواقع الذي يستوعبُه الشارعُ السوداني ، أو الواقعُ الرسمي يدللُ على أنّ  الخاسرَ الأكبرَ هُم أعداءُ هذا البلد المِعطاء بمعادلةٍ منطقيةٍ لا تختلفُ بنتائجِها عن هزيمةِ المشروع الصَهيوني في جنوبِ لبنان ، وعلى أرض قطاع غزة ، والعراق ، وفي أفغانستان ، وبعض دول أفريقيا . فالبحثُ الواعي ، والمسؤولُ في حيثياتِ  نشوء هذه المَحكمة سيُحدد بالنتيجةِ دورَها الغير مَوزون ، وغير العادل ،وسيفقدها صلاحياتِ إصدار مثل هكذا قرارٍ سياسيٍّ مُجحِف بحق المُشير عمر حسن البشير الذي يُعدّ رمزا وطنيا للسودان . أيضا ! حالة ُ اصدار القرار ُتعَد انقلابا على الشرعيةِ الدوليةِ ، وحالة تهديدٍ ضدَّ الشعبِ السوداني والعربي والأفريقي على حَدٍّ سواء . في كل الأحتمالات! على القوى الرسمية العربية المتمثلة بالجامعة العربية ، والقوى الرسمية الأفريقية المتمثلة بالأتحاد الأفريقي ، وحكومات الدول الأسلامية ، كذلك منظمة المؤتمر الأسلامي ، وباقي المنظمات ذات الشأن أن تتحرّك جميعا الى خط مواجهة هذا القرار السياسي ، وتفنيده، وتعطيل نواياه الخبيثة لتحجيم نهضة السودان الوطنية المُتصاعِدة على كل المستويات التي ترقى بالأنسان السوداني ويتمناها . كذلك تحجيم دور السودان في القارة الأفريقية ، أو على الصعيد العربي ، والدولي . وهناك نوايا أخرى تسعى الدوائر الصهيونية العمل بها على أساس الشرعية الدولية ، والدفاع عن شعبِ دارفور للقيام بحصار اقتصادي وعسكري دوليين على السودان، يُقصَد منه تدمير البُنى التحتية السودانية ، وتدمير ما تحقق من إنجازاتٍ في عهدِ البشير. في ذاتِ السياق تسعى دولة ُ قطر مرّة ً أخرى إستضافة مؤتمرٍ عربيٍّ موسَّع سينعقد في نهايةِ الشهر الجاري في الدّوحة العاصمة . وأهمُ خطوةٍ ستقوم بها حكومة ُ قطر في مساندة شقيقتها السودان هي إستضافتها للوفد السوداني الذي ُ يرأسهُ عمر حسن البشير لمشاركةِ الوفود بمناقشة الأزمة ما بعد صدور مذكرة التوقيف بحق الرئيس ، وتحديد الموقف الواضح بشأن كل الأزمات السودانية على الرغم من أمر المحكمة الجنائية الدولية الذي يقضي بالقبض على البشير واعتقاله ، لكن عيون العرب والمسلمين والعالم ستتجهُ صوبَ الدوحة لمتابعةِ ورصدِ موقفِها الرافِض لهذا الأمر المجحف وغير العادل ، وكذلك متابعة ما سيتمخض عنه مؤتمر القمة . على الوفود العربية المشارِكة في قمّة قطر أن تطلبَ من نفس المحكمةِ وبشدةٍ ومتابعةٍ لا تنقطع تقديمَ حكوماتِ الكيان الصهيوني في اسرائيل الى العدالةِ على جرائِمهم التي ارتكبوها في فلسطين المحتلة منذ عام 1948 وحتى آخر جريمةٍ بشعةٍ بحق أهلنِا في غزة ، أو في جنوب لبنان ، وسوريا وغيرها من الجرائم . فلو اعتمَدت المَحكمة العدالة في منهجِها على أساس القضاء العادل وليس القضاء السياسي ، فعليها أن لا تضيِّع حقوق َالآخرين ، وأن تبدأ بالجرائم التي مرّت مرورَ النسيم على وجوهِ ومشاعر الصهاينةِ ومؤسساتِهم المنتشرة في العالم . خلاف هذا المطلب فإن من حقِّ الدول الأعضاء ( المعنيين ) في هذه المحكمة أن تبادر الى سحب عضويتها والأعتراف بها . الكلمة الأخيرة التي تنطق بها أفواهُ العرب والمسلمين على بوابةِ قمة قطر لأسماع المؤتمرين هي ! لو أن قرار المحكمة الجنائية يمضي قدما اليوم  بعدالتهِ العرجاء على السودان ، فإنه وبكل تأكيد سيمضي غدا على الآخرين من الدول العربية والأسلامية الأخرى  واحدا بعد الآخر ، وأن حل الأشكالات أو نسيانها ما بين الأشقاء يجب أن تتم بالتراضي حتى لا يستفحلُ الأعداء  .

العودة الى الصفحة الرئيسية

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com