|
ختم الحقائق أمْ تزويرها؟
عبدالكريم يحيى الزيباري شاهدتُ على قناة النيل الفضائية لقاءً مع الناقد صلاح فضل، قال فيه: "أحد الشباب اتصلَّ بي وهدَّد بأنني إذا لم أقرأ قصته أو قصصه، سينتحر، وربما اتصلَّ به هاتفياً، وتكررت التهديدات التي لم أعِرْها اهتماماً يُذكَرْ، لكنني فوجئتُ صباح أحد الأيام بأنَّه قد انتحر" قال هذا وهو يبتسم، يقال إذا أردت أنْ تعرف شخصاً قابلته لأول مرة فيما لو كان أحمقاً أم لا، فاقصص له ما يُصَدَّق، فإذا صدَّقَكَ فهو أحمق، وأنا لنْ أصدِّق أنَّ هذا الشاب لم يكنْ لديه سببٌ للانتحار إلا أنَّ صلاح فضل تجاهله، حتى لو خَرَجَ من القبر بنفسه وقال لي لا يوجد سببٌ آخر، لسألتُه سؤالاً أو سؤالين لأصلَ إلى نتيجةٍ مغايرة، وأسبابٍ أكثرُ تعقيداً، لم يزعجني أنَّ مثقفاً مصريَّاً يؤسِطِرُ نفسه ويُمجِّدُها، ويظهر بدور الذي يرتِّق الفتق الذي أحدثه غيره من مثقفي البلدان العربية الأخرى، أزعجني أنَّ صلاح فضل كان يبتسم ومستمتع وهو جالسٌ في قاربٍ يتهادى في نهر النيل، ولمْ تزعجني مقالاته وبطولاته التي هي بالتأكيد جزء من سيرته الذاتية التي يكتبها ويستغل طيبة محرر دبي الثقافية لينشرونها له في كل عدد مغامرة، مرة يستقبل توفيق الحكيم، ومرةً يقاتل بضراوة ضد البيروقراطية التي حاولت إعادته من إسبانيا، ومن العمداء ورؤساء الجامعات الذين يحسدونه، ومرةً كيف اشتغل مترجماً في وزارة الخارجية لأنَّ مرتب جامعات مصر لا يكفي، وكيف صارت له علاقات وبدأ يؤثِّر على مصادر صنع القرار ويأخذ مقعد هذا ليعطيه لذاك، ويُسَفِّر أصدقائه بوساطة شخصية بدلاً من غيرهم ربما كانوا أكثر استحقاقاً، وهكذا صَدَعَ رأسي ببطولاته التي يغذيها دم دون كيشوت إلا أنَّها كوميديا سوداء، فالسيد الناقد وهو يهاجم الوساطة والمحسوبية يفتخر بأنَّه قام بها وفي نفس المقالة، وأوردَ أبو هلال العسكري في جمهرة الأمثال، أصلُ المثل "تنهانا أمنا عن الغي وتغدو فيه" أنَّ امرأةً كانت تؤاجر نفسها، وكانت لها بنات تخاف أن يأخذن أخذها، فكانت إذا غدت في شأنها تقول لهن: احفظن أنفسكن، وإياكن أن يقربكن أحد، فقالت إحداهن: تنهانا أمنا عن الغي وتغدو فيه ومن هاهنا أخذ الشاعر قوله(لا تنه عن خلق وتأتي مثله/ عارٌ عليك إذا فعلت عظيمُ). وفي كلام أمير المؤمنين علي عليه السلام: لا تكن ممن يرجو الآخرة بغير عمل، ويؤخر التوبة بطول أمل، يقول في الدنيا بقول الزاهدين، ويعمل فيها بعمل الراغبين، إن أعطي لم يشبع، وإن منع لم يقنع، يعجز عن شكر ما أوتي، ويبتغي الزيادة فيما بقي، ينهى ولا ينتهي، ويأمر بما لا يأتي، يحب الصالحين ولا يعمل بعملهم، ويبغض الطالحين وهو منهم، تغلبه نفسه على ما يظن، ولا يغلبها على ما يستيقن، فهو يطاع ويعصي، ويستوفي ولا يوفي). مغامرات مضحكة، بطولات وهمية، انتصارات مستمرة، كلُّ هذه الترَّهات ما أثارتني ولا حفَّزتني لأنْ أكتبَ بشأنها، لكنَّه تعرَّضَ لهذا الشعب الذي كتبَ الله عليه أنْ يكتبُ تاريخهُ بالدم، ونسيَ الحفاوة التي كان الشعب العراقي يستضيف أكثر من أربعة ملايين مصري، خلالَ عقدٍ من الزمن، عادوا كلهم إلى مصر أغنياء، نسيَ أنَّ الشعب العراقي يتعرَّض إلى حرب إبادة، ليس حاله أفضل من الشعب الفلسطيني، ليبثَّ في عدد دبي الثقافية 46 آذار 2009، سمومه تحت عنوان مقاله الشهري المسموم بأحقاده ضد الذين يتوهم أنَّهم وقفوا ضدَّه وهم ربما كانوا بعدد نصف شعب مصر وثلاثة أرباع العرب(عميد المستشرقين الإسبان دون إميليو غارثيا غوميث... وكانَ ظنُّه قد ساءَ بالباحثين العرب وَغَضِبَ منهم لأنَّ أحدهم وهو عراقي الجنسية قد استعارَ منه جزءاً من مخطوطة المقتبس لابن حيَّان ونَشَرَها مُجافياً للأمانة العلمية، ففجَّر في نفس دون إميليو مشاعر النقمة على العرب والندم على عمره الذي أنفقه في خدمة ثقافتهم... بذلتُ جهداً مضنياً في استمالته واسترجاع ثقته في العرب وصداقته لمصر على وجه الخصوص .. أقنعته في النهاية بطبع أحدث كتبه بالمعهد المصري، ودعوته لافتتاح موسم محاضراته، ثمَّ دعوته لزيارة مصر "ضيف دولة" على مستوى رفيع من التكريم. فعاد بعدها ليكتب في افتتاحيات الصحف الكبرى مشيداً بالثقافة العربية). خمسة عقود يدرس الثقافة العربية فمَا وَجدَ فيها شيئاً، ثمَّ بعد مستوى رفيع من الضيافة المصرية وعلى حد قول سمير غانم(كُلْ بروطين والعب بالطين)ووجبة فول مدمِّسْ وكُشري وأكلَ الترمز وهو يمشي على كورنيش النيل، فَبَدَأ يدرك للثقافة العربية أصالةً يتحدَّث عنها، لا أدري ماذا كان سيحصل لو أنَّ الصلاح فضل نسيَ أو تغافلَ أو عظَّمَ نفسه قليلاً بالتغاضي عن جنسية السارق، وكأنَّ مصر خالية من اللصوص تماماً، وإذا كان قد ذكره فلماذا لم يذكر اسمه تنكيلاً بالسارق، ومنحه فرصة للرد، أمْ أنَّ التشهير باللص حرام والتشهير بشعبٍ جريح لا زال ينزف حلال، وَمِنْ الْفَرَائِضِ صَوْنُ اللِّسَانِ عَنْ الْكَذِبِ وَالزُّورِ وَالْفَحْشَاءِ وَالْغِيبَةِ وَالنَّمِيمَةِ، وَالْبَاطِلِ كُلِّهِ قَالَ الرَّسُولُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ(مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخَرِ فَلْيَقُلْ خَيْرًا أَوْ لِيَصْمُت) وقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ(مَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ). ولمْ يَذكر الصلاح إلا نهاية الرَشا(أقنعته في النهاية بطبع أحدث كتبه بالمعهد المصري، و..) فما هو الشيء الذي قدَّمهُ له في البداية وفشلَ في تغيير نظرته؟ وماذا قدَّم لنا المستشرقون؟ وهل يريد هذا المستشرق أنْ يمنَّ علينا بمزاولة مهنته؟ حكومته تدفع له كي يطالع ثقافتنا، وهي ثمانية قرون ساهمت في نقل أوربا التي كانت غارقة لولانا في بحر الظلمات، وباعترافهم، ومتى كانت أمَّة أم دولةً أم شعباً خالياً من اللصوص، فلو أنَّ لصا سَرَقَ محفظة يد صلاح وهو في أسواق مدريد، هل سيقول أنَّ الشعب الإسباني غوغاء؟ ولو أنَّ مثقفا إسبانياً أساءَ معه الأدب، هل سينسى كلُّ المعارف التي سلبته شخصيته وانبهرَ بها حدَّ الذوبان ويقول ليس للإسبان ثقافة؟ هل تزرُ وازرةٌ وِزرَ أخرى؟ من أين لمثقفٍ أنْ يطلق حكما شاملاً على أمَّةٍ تدينُ بدينٍ بدأ كتابه السماوي بالأمر الربَّاني "إقرأ"؟ ليت هذا المثقف ما غيَّر رأيه، سيكون أفضل للشعب العربي، لأنَّه جاهل، والعدوُّ العاقل خيرٌ من صديقٍ جاهل!!!! المثقف الحقيقي هو الذي يستطيع حين يحقدُ عليه الآخرون، لا يستطيع الحقد أنْ يجدَ إلى قلبه سبيلا، بحسب البريطاني كبلنج، وليس الذي إذا ساءه إنسانٌ من أمَّةٍ يبلغ تعدادها مليار وربع، وذات أقدم حضارة إنسانية عادلة لا تفرِّق بين البشر على أساس العرق واللون والجنسية، يقوم بإطلاق أحكام جائرة عامة وشاملة، على شعوبٍ بأكملها، لأنَّ عرب الأندلس ما كانوا جميعاً من العرب، ومن الظلم تحجيمها ولكنَّها حضارة إسلامية أممية جمعت كلَّ الأديان والأجناس والأعراق دونما أدنى تمييز... وماذا نرجو من مثقف المطربين والمطربات اتخذ له اسم شهرة فاسمه محمد صلاح الدين، وشهرته صلاح فضل!!!!
|
||||
© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |