هودج الياس والشموع والحناء!

 

فلاح صبار

intaomry1950@gmail.com

رأيتها وهي تحمل صينية الياس والشموع والحناء على جرف نهر متعب نعسان ‘حيث تسافرهدهدة موجاته للبعيد ... كانت محنية الظهر تحت فئ شجرة صفصاف لا تزال تعبئني برائحتها المخلوطة بعطور تلك الشواطئ الدافئة ‘ تلك الشواطئ الوادعة التي تمنحك الحياة وتهبك الرخاء والهدوء وروعة زقزقة العصافير وتغريد الطيور ‘حيث تسحرني رائحة الحطب المحترق عند الاصيل بين تلك البيوت الامنة والنخيل . لذاك المكان كان عشقي الابدي .

اقتربت منها بحذر شديد اذ تمتلكني فكرة ورثتها منذ زمن بعيد بعدم اقتحام قدسية مكان ما دون اذن‘ واحترام وحدة الانسان الطقوسية. الا ان هناك شئ ما قد ارغمني على كسروتجاوز تلك الفكرة.

 لا ادري حقا .أكان هذا هو الفضول؟ هل هي الحاجة ‘ لالتحم من جديد مع أهلي الذين فارقتهم قسرا لعقود طويلة؟

 هل هو احساسي بضرورة تقديم المساعدة لانسان قد يتردد في طلبها؟

 لا ادري... لكنني قررت الاقدام فأقدمت... وهذا ما كان!

سألتها برفق : مابالك اختاه؟

ردت ... وقد غصت بدمعة مكابرة خشعت في محراب خديها اذ اتعبتهما السنون:

 - اتعلم أي غل لئيم يوغل فينا ؟

- قلت : لا

قالت:هي سواعد بعض النشامى التي ماانفكت تذبح الورد ! وليل الرزايا الذي لم ينجلي بعد...

واستطردت بحماس ملفت :

- الا فاسمع واعلم.

 كم هو صعب ان يمتلك مصيري من لا يعرف قدري - وانا ابنة الغيارى – و ان يموت الموهوب المبدع‘ ويحيا الجهلاء والمنافقين.

وكم ستبقى جراحك تنزف؟ وانت الذي منحت شمس العراق البهاء بصبرك الطويل وبعزيمتك الخلاقة لهذا المكان الجميل ‘وانت الذي قهرت الظلم و الظلام بقولة لا ... كي تزهرهذه البراعم وتمنحك اخضرار الروح ورقة الحب... وانت... انت ! لا تزال تشعرباهمال اولياء الامر!!

 واردفت بتحد واضح:

الا سحقا لزمن تختلط فيه اقدار الناس! سحقا لعقول قادة ‘ فقدت توازنها...ترفض وتقبل كل شئ بذات الوقت !!!

اطرقت خجلا ... حتى كادت الروح تفلت مني...يا الهي... وياويلي!

انها لا تزال تنتظر الغائب..الحلم... ذاك الامل الذي ظل ملتصقا بها وبنا ‘بما يربو على عقود اربعة او يزيد.

لقد ورثت هذه الرافدينية السمراء من عمق التاريخ والخلق ... الايمان و الرجاء والتحدي ولم تفقد الامل. .. وها هي الان امامي تحمل بيديها النحيلتين الياس والشمع والحناء ‘على طبق نحاسي ابيض كبياض سريرتها‘ مناجية اولياء الله بعودة الغائب...المخلّص... و الامل! مودعة باقتها المعطرة برائحة الحناء والياس والشموع وهي تحمل كل او بعض رجاءاتها ‘ على جبين ذلك النهر المتعب.

قلت لها محاولا طرد الهواجس التي تلاحقني عن حال مدلهمة اراها بسحب شباطية صفراء !!! وانا اراقب سلوك السادة الجدد :

- اختاه... ها هو الصبح قد اقبل...وهاهي الحرية التي سلبها منا- اولاد الكلب – تعود الينا ...وها هي الامال تنتعش فينا حتى يأخذ كل ذي حق حقه... وهكذايا اختاه ... اصبحت لنا بيوت مسيجة بعطر والواح الورد و النارنج. وهكذا يااختاه قد عادت الطيور المهاجرة او بعضها لازقتها وشناشيلها وميادينها وبساتينها ...

الم يعد لك أب او أخ و أخت او حبيب... بعد ؟ سألتها

لم تجب. وانبئني بريق اضاء عتمة عينيها الكحيلتين: نعم... ولا !

كيف هذا ؟ وارتجفت قليلا ‘ولكن لساني أصر ان يسرد عليها احلامي و ماقرأته وسمعته خلال السنوات الخمس فتابعت :

 اختاه ‘ اصبح لدينا قانون وقضاء و محاكم !

وهكذا اقتص العراق من جلاديه... وهكذا اعدنا اعتبار شهداء مقابرهم الجماعية ...ومزقنا صحائف السوابق والاعمال التي خطتها يراع دنئ اوانتهازي...

 وهكذا سمت اكثر كرامة العراقيين واصطفت شرطة المنافذ الحدودية الدولية لتحيتنا ونحن ندخل بلدانهم ! واصبحت لنا قرارات تدعم عودة العراقي المشرد قسرا...قرارات لا تعد ولا تحصى... ولن تقف حائلا امام تنفيذها الانظمة الادارية التي دججتها اقلام الاقبية الكريهة !

 ولقد استقبل الوطن مبدعيه وهيأ لهم ورشات عمل حديثة‘ وقد وفر لهم كافة الوسائل التقنية اللازمة ...!

نعم اختاه ‘ لقد ارشفت الدولة كل نتاجات المبدعين...روائي ...تشكيلي...موسيقى.. كتّاب ...الخ

 لقد انصفتهم الدولة ... ! اذ على مدى عقود طويلة لم يصمت صوت المبدع العراقي ...والجميع و كل في اختصاصه وموقعه ‘ قاتل نظام الحروب والابادة والقمع والقهربالرغم من الصمت العربي والاجنبي... وبنت الدولة المسارح والمعارض والاستوديوهات وهي في كل مدينة وقرية الان او بدأت بالتفكيربذلك!!! الكل يرحب بنا والجميع مرحب بهم ...وهكذا بالايمان والتوحد طردنا ارهاب الغريب والقريب!

 وها قد رجعت حقوق السجناء وقد أكرموا ايما كرم! كل شئ جميل وبرسم القانون هنا...و...و..الخ

ردت بنبرة شابها الكثير من القلق و اليأس والخيبة‘ ولكنها نبرة متحدية كريمة شجاعة:

- اي قانون – خوية – اجابت . اهو قانون السلب والنهب؟ ...القانون الذي كتبت مواده وفقراته وفق مبدأ الانا.

 لي هذا... وذاك لك ! أهي قوانين الحكومات المحلية النفعية التي استفاد منها ابن هذا الحزب البار اوذاك و التي صادرت املاك المستضعفين وحاربتهم في قوتهم؟

 هل هو فبركة قانون- مجموعة نواب الشعب- الذين مافتئوا يتنابزون بالالقاب الدبلوماسية و الفخمة رياء ونفاق ...؟

هلا شيخنا... سلام عليكم سيدنا ..ابو الشباب والشياب - اغاتي بجلسة اليوم عدنا تصويت... دير بالك علينا احنا ماننساك- ويخمطون كل شئ! انه قانونهم ‘ قانون وغد منح الكثير من الاميين عروشا وامتيازات تحت تلك القبة البرلمانية !

 أهو قانون التستر على جريمة الجلاد وتهريب الاوغاد؟

اي قانون ايها القادم من كوكب بعيد... اهي قوانين وفرمانات تكريم القتلة ومد يد الصفح والمكارم لهم!

اي قانون ايها الا.... وكأنهاتقول لي يا اعمى !

 قالتها وقد أ شاحت بوجهها المتعب الى جبين النهرالنعسان لتبعث باقتها الوحيدة التي امتلكتها‘ محملة بالرجاء والامل.

كان ردها حازما عنيفا ايقظني من رومانسيتي ...كصفعة على خدي الثاني الذي شاكس ونافس خدي الاول الذي اعتاد على تلقي الصفعات براحة تامة وهدوء بال‘ وفق فكرة التقية والتسامح !!.

 تعجبت مما سمعت منها وارتدت عزيمتي وبرد دفاعي ‘ وتذكرت تلك السنوات الظالمة التي حسبت اننا قد طويناها ولكن!

حتى هذه -اللاكن- لم تنقذني من خيبتي الكالحة... ايصدق هذا ؟

 تساءلت ووضعت رأسي على قامة شجرة الصفصاف علها تمتص حنقي.

ملايين الفقراء تبددت امالهم وهم يسمعون ويشاهدون ما يثقل النفس ويؤرقها من تناقض التصريحات الحكومية بالوسائل المرئية والمسموعة وقد تكون المقروءة ايضا و لا ريب في ذلك ...

كلام يحوي كل صنوف البلاغة...الوعود حالمة... فلسفة احقاق الحق وانصاف المظاليم ...

 التكافؤ في الفرص...التعويض عن نفوق الضرع ويباس الزرع... البناء الاستثماروالعدل ... يارب !

اربعون عاما من الخراب فمتى يكون البناء ؟ قد يأتي!

 بزغ فجر العراق البهي... وعادت نجوم العراق تتلألأ في سمائه ... وقاوم نبلاء الرافدين سيوف الارهاب والتكفير ودحروهم ...وتآلفت القلوب وهدأت الارواح والكثير الكثير من الاحلام ... ولازلنا نبحث عن مركب نمتطي به‘ ومن خلاله ‘ عباب بحور الظلمة والرعب ونجتاز الخراب...

الارادة والنزاهة والحب ...نعم ... هي الكفيل بتحقيق امالنا وطوحاتنا‘ ارادة الجميع بتغيير فعلي وتخطيط سليم ثم التنفيذ ‘ هو الحل الاوحد بالجواب على تلك الاسئلة ...فمتى؟

 وما بين متى...ولكن ...وصورة لم تتشكل ملامحها بعد ... أحببت امتلاك الياس والشمع والحناء حينها... لازف هودجا صارخا للحق والرجاء بالسلام على جبين ذاك الشاطئ النعسان مع تلك الهوادج الزاهية المعبئة بالامنيات والامال في عراق مشرق سعيد‘ يخلو من القهر‘ وتبتعد عنه الرياح الصفراء والسوداء.

العودة الى الصفحة الرئيسية

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com