|
ما الذي يربط المغرب بالمشرق؟
عبد الرحيم الوالي مؤخرا، بعد أن قرر المغرب قطع علاقاته الدبلوماسية مع إيران كان رد فعل هذه الأخيرة أنها امتطت القضية الفلسطينية لتزعم أن قرار المغرب يسيء إلى "وحدة العالم الإسلامي" ومن ثمة إلى القضية الفلسطينية. وعلى الفور بادرت الخارجية المغربية إلى الرد مؤكدة على دور المغرب في مناصرة قضايا "الأمة الإسلامية" والقضية الفلسطينية بشكل خاص، وكأن المغرب ملزم بهذه "المناصرة". بالطبع، فالجميع يعرف الدور الذي قام به المغرب في صراع الشرق الأوسط مالياً، وسياسياً، وعسكرياً. ومن السهل الشروع في التغني بالأموال المغربية التي أنفقت بسخاء كبير لدعم الفلسطينيين، والدماء المغربية التي سالت بسخاء في الجولان، وغير ذلك. لكنْ، أليس جديرا بنا ـ نحن المغاربة ـ أن نطرح السؤال: ما الذي يربطنا، فعلاً، بالمشرق ومشاكله وقضاياه وعلى رأسها القضية الفلسطينية؟ الجواب الجاهز، والمعتاد، عن هذا السؤال هوأننا نرتبط بالمشرق عبر اللغة والدين، أي عبر العربية والإسلام. وهوجواب ظل يخفي ـ على مدى قرون طويلة ـ كثيرا من المغالطات. فلا المغرب عربي مائة مائة، ولا هومسلم مائة بالمائة، ولا المشرق أيضا كذلك. وبينما تتشكل الهوية المغربية من روافد عربية وأمازيغية وأفريقانية وإسلامية ويهودية، تتشكل هوية المشرق من روافد سريانية وكردية وعربية وتركمانية ومسيحية وغيرها. والحكم على المغرب والمشرق معاً بأنهما عربيان وإسلاميان يمثل منظورا شوفينيا وطمساً لكل ما ليس عربيا وإسلاميا في المشرق والمغرب على حد سواء، أي أنه لا يعدوكونه وهماً أيديولوجيا بعيدا تماما عن حقيقة الواقع والتاريخ. اليوم، يوجد المغرب في سنته الحادية عشرة على إطلاق مشروع التناوب على السلطة في 04 فبراير 1998. كما رفع المغرب مؤخرا كل تحفظاته على اتفاقية إلغاء أشكال التمييز ضد المرأة، والنساء المغربيات لسن فقط زعيمات أحزاب ووزيرات وبرلمانيات وإنما منهن مستشارات للملك، وينشط في المغرب أزيد من ثلاثين حزبا سياسيا في كامل العلنية وبكامل الحرية، وتتوفر البلاد على نسيج مدني يتشكل من مئات المنظمات والجمعيات، ولدينا نسيج نقابي من عشرات النقابات، ويكفل الدستور الحريات والحقوق المدنية والسياسية والإنسانية، وما إلى غير ذلك من المكتسبات التي حققها الشعب المغربي خلال أزيد من نصف قرن من التضحيات. فما الذي يربط مغربا كهذا بمشرق تحكمه أنظمة استبدادية، متخلفة، تتقوقع حول الحزب الوحيد، والحكم الأسروي، وتمنع النساء من رخص السياقة، ولا مجال فيها للحديث عن حقوق الإنسان ولا عن الحريات العامة الفردية والجماعية؟ أي، باختصار، ما الذي يربط مغرباً سائرا في مشروعه الحداثي الديموقراطي بمشرق غارق في التخلف والاستبداد؟ الجواب هوأن لا شيء يربطنا بهذا المشرق إذا ما استثنينا الجواب الجاهز: اللغة والدين. وإذ تبين أن رابط اللغة والدين هومجرد وهم أيديولوجي، فلا شيء البتة يربطنا بالمشرق إلا بعض الاستثمارات الخليجية في المغرب، وبعض المساعدات المالية التي تمنحها بعض دول الخليج للمغرب. أما في ما عدا ذلك فالمغرب يبقى أقرب إلى الغرب منه إلى المشرق. ولا مجال للمقارنة، بحال من الأحوال، بين بلد يناقش فيه حالياً مشروع الملكية البرلمانية، وبلدان ما تزال تحكمها روابط العشيرة، والقبيلة، ولا تعرف انتخابات ولا تعددية سياسية ولا تناوبا ديموقراطياً على السلطة. إن المغرب ـ بتجربته الديموقراطية ـ يوجد اليوم أمام سؤال الاختيار التاريخي الذي عليه أن يحسمه بكامل الجرأة والمسؤولية: إما الارتهان إلى هذا الارتباط الوهمي بالمشرق، والالتحاق بالعالم الديموقراطي، الحر، والمتقدم، أي بالغرب. ولا يمكنه أن يظل إلى الأبد في "منزلة بين المنزلتين"، أي عالقاً بين غرب حداثي، ديموقراطي، علماني، ومشرق تقليداني، استبدادي، وتيوقراطي حتى النخاع. والموقف التاريخي المطروح على المغرب اليوم هوأن يحسم اختياراته الكونية الكبرى عمليا بالانسحاب التام من أوهام الأيديولوجيا القومية والدينية. فالدين ـ والإسلام بشكل خاص ـ عقيدة فردية يسأل عنها الفرد في الآخرة ولا تسأل عنها الدولة التي لم يرد نص ديني إسلامي بكونها تتعرض كشخص معنوي للحساب الأخروي. ذلك أن الحساب الوحيد الذي تتعرض له الدولة في العصر الحديث ـ كما في كل العصور التي سلفت والتي ستأتي ـ هوحساب دنيوي عن مدى حرصها على مصلحة الشعب وتفريطها فيها. ومصالح الشعب المغربي، الذي قدم تضحيات جساما لتحقيق التراكم الديموقراطي الحاصل اليوم في البلاد، تستوجب القطع التام والنهائي مع مشرق متأخر كثيرا عن طرح نفس أسئلة الديموقراطية التي طرحها المغاربة سنة 1944 مع تقديم وثيقة المطالبة بالاستقلال. إن المغاربة ـ باستثناء وهم الارتباط الديني واللغوي بالمشرق ـ كانت لهم دائما هويتهم المتميزة تماماً عن المشرق. والمغربي العربي يجد نفسه أقرب، بالضرورة، إلى المغربي الأمازيغي منه إلى العربي المشرقي. بل إن المغربي المسلم يجد نفسه أقرب إلى المغربي اليهودي منه إلى المشرقي سواء كان عربيا ولم يكن. وهذه الهوية المغربية المتميزة، والمشتركة بين جميع المغاربة، هي التي جعلت الأمازيغي والعربي، والمسلم واليهودي، جنبا إلى جنب في معترك النضال من أجل الديموقراطية والحرية وحقوق الإنسان وسيادة القانون. ويكفي أن نذكر من يحتاج إلى تذكير بعلال الفاسي العربي، ومحمد بنسعيد الأمازيغي، وأبراهام السرفاتي اليهودي، وغيرهم كثيرون من المغاربة الذين دافعوا جنباً إلى جنب عن استقلال المغرب ووحدته وعن الديموقراطية والحرية. إننا مجتمع متعدد الروافد الثقافية والحضارية ونعترف بالتعدد ونؤمن بالاختلاف وبالديموقراطية وبكل القيم الإنسانية الكونية. وحتى إن كنا لا نزال متخلفين كثيرا عن الغرب فنحن متقدمون جدا على هذا المستوى عن المشرق. وليس من العقل في شيء أن نتشبث بالبقاء إلى جانب المشرق المتخلف بدل الالتحاق بالغرب المتقدم. طبعا، لا نعير هنا أي اهتمام لبعض الشطحات الشوفينية الخرقاء التي تطالب بإعادة النظر في الوضع المتقدم الذي منحه الاتحاد الأوروبي للمغرب بدعوى "قمع الأمازيغ". وذلك لسبب بسيط هوأن الأمازيغ في المغرب مواطنون يتمتعون بكل الحقوق التي يتمتع بها غيرهم، ومنهم مليارديرات ووزراء وجنرالات في الجيش ويحتل عدد منهم مناصب سامية أخرى عديدة في الدولة المغربية. والذي يروج دعوى "قمع الأمازيغ" ليس إلا شخصا واحدا أراد أن يؤسس حزبا خاصا بالأمازيغ فصدر حكم قضائي بعدم قانونية الحزب لأن القانون المغربي لا يسمح بتأسيس الأحزاب على أساس ديني وعرقي. ونحن نفهمأن الرجل محرج جدا لأنه لم ينفذ المخطط الرامي إلى إذكاء النعرات الطائفية في أوساط الشعب المغربي، والذي تحركه أوساط لم تعد خافية حتى على أكثر الناس غباء وبلادة. وحتى يقطع المغرب الطريق نهائيا على هذه الأجسام الغريبة عن فضاء الديموقراطية، يتحتم عليه الآن أن يستكمل ما تبقى من حلقات الانتقال الديموقراطي باعتماد اللغة الأمازيغية لغة رسمية للبلاد إلى جانب العربية، وإجراء إصلاحات دستورية تسمح بتعزيز المؤسسات المنتخبة ديموقراطياً، والقطع النهائي والتام مع مشاكل المشرق التي لا تمت إلينا ـ في الواقع ـ بأي صلة.
|
||||
© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |